سلسلة قلوب الصائمين / 2- الإخلاص
الحمد لله المنعم المتفضل، لا يقبل من الأعمال إلا ما كان خالصًا لوجهه
الكريم، وأشهد أن لا إله إلا الله مخلصًا له الدين، وأشهد أن محمدًا عبده
ورسوله الأمين صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه وسلم تسليمًا كثيرًا
إلى يوم الدين، أما بعد.
فإن الإخلاص من أعظم عبادات القلوب، فهو
شرط للعبادة، بل هو سر العبادة، وسبب عظم الأجر عند أدائها، والمراد
بالإخلاص أن يقصد العبد بعمله وجه الله والدار الآخرة، لا يقصد شيئًا من
أمور الدنيا، ولا يقصد مراءاة الخلق ولا مجاملتهم، فالمخلصون هم المؤمنون (إِلَّا
الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ وَأَخْلَصُوا
دِينَهُمْ لِلَّهِ فَأُولَٰئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتِ
اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْرًا عَظِيمًا) [النساء: ١٤٦ ]
فالعبادة لا بد من الإخلاص فيها لتكون مقبولة عند الله، قال تعالى: (">قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ * وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ) [الزمر: ١١ - ١٢ ]
فكل عبادة لا بد فيها من الإخلاص، فالدعاء مثلًا لا بد من الإخلاص فيه لله وحده، سواء كان دعاء عبادة، أو دعاء مسألة، قال تعالى: (هُوَ الْحَيُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) [غافر: ٦٥ ]، وقال سبحانه: ("وَمَا
أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ
حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ
الْقَيِّمَةِ) [البينة: ٥ ]، وقال جل وعلا: (" فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ (2) أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ) [الزمر: ٢].
وفي السنن أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ("إن الله لا يقبل من العمل إلا ما كان له خالصًا وابْتُغِيَ به وجهه)، وقال: ("ثلاث لا يغل عليهن قلب امرئ مسلم -أي: لا يكون معها غش أو نفاق-: إخلاص العمل لله، والنصح لأئمة المسلمين ولزوم جماعتهم) وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (">أسعد الناس بشفاعتي يوم القيامة من قال: لا إله إلا الله خالصًا من قلبه).
إن المرء المؤمن يتمكن بواسطة الإخلاص من قلْبِ حياته كلها لتكون طاعة لله،
فأكله ونومه ينوي به التقوي على طاعة الله فيؤجر عليه، ونفقته على أهله،
وقيامه بحق والديه، وصلة رحمه، وإكرام جاره، وإحسان خُلقه ينوي به التقرب
لله فيؤجر على ذلك،
قال النبي صلى الله عليه وسلم: ("إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى)، وقال: ( ">إنك لن تنفق نفقةً تبتغي بها وجه الله إلا أجرت عليها)، ومن أهم الأسباب التي تجعل العقلاء يخلصون نياتهم لله عدد من الأمور:
أولها: أن الإخلاص شرط لقبول العمل؛ فمن لم يكن مخلصًا في عبادته لله وعمله له، لم يقبل الله تعالى عمله، وثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (">قال الله تعالى: أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملًا أشرك معي فيه غيري تركته وشركه) وفي لفظ: ( "فأنا منه بريء) وهو كله للذي أشرك. وقال تعالى: ("مَنْ
كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ
أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ (15) أُولَئِكَ
الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا
صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) [هود: ١٥ – ١٦].
وثانيها: أن النافع الضار هو رب العزة والجلال، فكيف نقصد بأعمالنا غيره طلبًا للنفع، قال تعالى: ("أَمِ
اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ شُفَعَاءَ قُلْ أَوَلَوْ كَانُوا لَا
يَمْلِكُونَ شَيْئًا وَلَا يَعْقِلُونَ (43) قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ
جَمِيعًا لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ثُمَّ إِلَيْهِ
تُرْجَعُونَ) [الزمر: ٤٣ – ٤٤].
وثالثها: أن الأجر والثواب على مقدار النية والإخلاص، وإنما لكل امرئ ما نوى.
ورابعها: أنّ مَنِ الْتَمَسَ رضا الله رضي الله عنه وأرضى عنه الناس،" ومن الْتَمَسَ رضا الناس بسخط الله سخط الله عليه وأسخط الله عليه الناس
وخامسها: أن الإخلاص يمسح وساوس القلوب، ويعجز الشيطان أن يصل معه إلى القلب، فقد قال الشيطان: (">فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (82) إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ) [ص: ٨٢ – ٨٣].
وسادسها: أن المخلصين يبعدهم الله عن المعاصي، ويعصمهم من الذنوب، قال تعالى في قصة يوسف عليه السلام: (كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ) [يوسف: ٢٤].وسابعها: أن الإخلاص سبب لمغفرة الذنوب، وفي الحديث أن الله تعالى يقول: (يا ابن آدم لو لقيتني بملء الأرض خطايا لا تشرك بي شيئًا لقيتك بملء الأرض مغفرة)، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: ( "إخلاص
الدين لله هو الدين الذي لا يقبل الله سواه، وهو الذي بَعَثَ الله بِهِ
الرسُلَ، وأنزل به جميع الكتب، واتفق عليه أئمة أهل الإيمان، وهذا هو خلاصة
الدعوة النبوية، وهو قطب القرآن الذي تدور عليه رحاهويتجلى الإخلاص في الصيام؛ إذ إن الصيام
ينطلق من النية، فلايصح الصيام الواجب لمن لم يبيت الصوم، ولم ينوه بالليل،
والصوم إمساك عن المفطرات بنية التقرب لله، ولا يطلع على ذلك ولا على
الامتناع من المفطرات حقيقة إلا رب العزة والجلال، ولذلك قال الله عز وجل
في الحديث القدسي: (كل عمل ابن آدم له، الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به، يَدَعُ طعامه وشرابه وشهوته من أجلي)، انظر إلى قوله: ، ولذلك اختص الله بالصيام ورتب عليه مضاعفة الأجر والثواب.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (من صام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه، ومن قام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه)، فانظر إلى قوله: (إيمانًا واحتسابًا)
فلا تحصل مغفرة الذنب إلا لمن صام رمضان إيمانًا واحتسابًا، ولا تحصل
مغفرة الذنب إلا لمن قام رمضان إيمانًا واحتسابًا، ولا تحصل مغفرة الذنب
إلا لمن قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا، فما معنى قوله صلى الله عليه وسلم:إيمانًا واحتسابًا)؟المراد بذلك: أن يؤمن العبْدُ أن الله شرع هذا العمل، وأن يقصد العبد بصومه احتساب الأجر عند الله تعالى، فإيمانًا: أي تصديقًا وإيقانًا بأن الله هو الذي شرعه، وأن الله هو الذي أمر به، وقوله: ( احتسابًا): يعني أن ينوي بعمله الأجر الأخروي، فيرغب في ثواب ذلك عند الله تعالى، قال ابن القيم – رحمه الله -: (العامل بغير إخلاص ولا اقتداء كالمسافر يملأ جرابه رملًا ينقله ولا ينفعه إن للصوم أثرًا عجيبًا في جَعْلِ قلب العبد يخلص لله تعالى،
فإن العبد متى انقطعت عنه المواد التي تغذي قلبه بالأمور الفاسدة،
والمعتقدات غير المرغوب فيها بدأ يفكر في الإخلاص، وتَوَجَّهَ قلبه إلى ربه
جل وعلا، خصوصًا أن الصيام يجعل العبد يَتَفَكَّر في قدرة الله عليه،
ويتفكر في مقارنة العبد لنفسه بغيره، ثم إنه بعد ذلك يستشعر حاجته لله
فيخلص في أعماله، ثم إن الصيام يجعل مجاري الشيطان تضيق، فإنه قد ورد في
الحديث: (أن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم)
فإذا ضيق العبد مجاري الدم بالصوم فلن يتمكن الشيطان من ولوج بدنه، فمن
هنا تُصَفّد الشياطين في هذا الشهر، ويستحضر العبد في أعماله نية الإخلاص
لله تعالى.فيا أيها المؤمنون أخلصوا نياتكم لله في جميع أعمالكم،
إذا أحضرتم طعامًا لأبنائكم فانووا به التقرب لله، إذا أفطرت يا أيها
المؤمن فانْوِ بإفطارك التقرب لله ومتابعة النبي صلى الله عليه وسلم، وإذا
أكَلْتَ أكْلَةَ السَّحر فانو بذلك التقرب لله جل وعلا.
اللهم إنا نسألك يا ربنا أن ترزقنا جميعًا الإخلاص في جميع الأعمال، اللهم
اجعلنا لا نريد بأي عمل نعمله غير وجهك الكريم، وصلى الله على نبينا محمد
وعلى آله وصحبه أجمعين.
الحمد لله المنعم المتفضل، لا يقبل من الأعمال إلا ما كان خالصًا لوجهه
الكريم، وأشهد أن لا إله إلا الله مخلصًا له الدين، وأشهد أن محمدًا عبده
ورسوله الأمين صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه وسلم تسليمًا كثيرًا
إلى يوم الدين، أما بعد.
فإن الإخلاص من أعظم عبادات القلوب، فهو
شرط للعبادة، بل هو سر العبادة، وسبب عظم الأجر عند أدائها، والمراد
بالإخلاص أن يقصد العبد بعمله وجه الله والدار الآخرة، لا يقصد شيئًا من
أمور الدنيا، ولا يقصد مراءاة الخلق ولا مجاملتهم، فالمخلصون هم المؤمنون (إِلَّا
الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ وَأَخْلَصُوا
دِينَهُمْ لِلَّهِ فَأُولَٰئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتِ
اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْرًا عَظِيمًا) [النساء: ١٤٦ ]
فالعبادة لا بد من الإخلاص فيها لتكون مقبولة عند الله، قال تعالى: (">قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ * وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ) [الزمر: ١١ - ١٢ ]
فكل عبادة لا بد فيها من الإخلاص، فالدعاء مثلًا لا بد من الإخلاص فيه لله وحده، سواء كان دعاء عبادة، أو دعاء مسألة، قال تعالى: (هُوَ الْحَيُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) [غافر: ٦٥ ]، وقال سبحانه: ("وَمَا
أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ
حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ
الْقَيِّمَةِ) [البينة: ٥ ]، وقال جل وعلا: (" فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ (2) أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ) [الزمر: ٢].
وفي السنن أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ("إن الله لا يقبل من العمل إلا ما كان له خالصًا وابْتُغِيَ به وجهه)، وقال: ("ثلاث لا يغل عليهن قلب امرئ مسلم -أي: لا يكون معها غش أو نفاق-: إخلاص العمل لله، والنصح لأئمة المسلمين ولزوم جماعتهم) وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (">أسعد الناس بشفاعتي يوم القيامة من قال: لا إله إلا الله خالصًا من قلبه).
إن المرء المؤمن يتمكن بواسطة الإخلاص من قلْبِ حياته كلها لتكون طاعة لله،
فأكله ونومه ينوي به التقوي على طاعة الله فيؤجر عليه، ونفقته على أهله،
وقيامه بحق والديه، وصلة رحمه، وإكرام جاره، وإحسان خُلقه ينوي به التقرب
لله فيؤجر على ذلك،
قال النبي صلى الله عليه وسلم: ("إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى)، وقال: ( ">إنك لن تنفق نفقةً تبتغي بها وجه الله إلا أجرت عليها)، ومن أهم الأسباب التي تجعل العقلاء يخلصون نياتهم لله عدد من الأمور:
أولها: أن الإخلاص شرط لقبول العمل؛ فمن لم يكن مخلصًا في عبادته لله وعمله له، لم يقبل الله تعالى عمله، وثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (">قال الله تعالى: أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملًا أشرك معي فيه غيري تركته وشركه) وفي لفظ: ( "فأنا منه بريء) وهو كله للذي أشرك. وقال تعالى: ("مَنْ
كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ
أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ (15) أُولَئِكَ
الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا
صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) [هود: ١٥ – ١٦].
وثانيها: أن النافع الضار هو رب العزة والجلال، فكيف نقصد بأعمالنا غيره طلبًا للنفع، قال تعالى: ("أَمِ
اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ شُفَعَاءَ قُلْ أَوَلَوْ كَانُوا لَا
يَمْلِكُونَ شَيْئًا وَلَا يَعْقِلُونَ (43) قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ
جَمِيعًا لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ثُمَّ إِلَيْهِ
تُرْجَعُونَ) [الزمر: ٤٣ – ٤٤].
وثالثها: أن الأجر والثواب على مقدار النية والإخلاص، وإنما لكل امرئ ما نوى.
ورابعها: أنّ مَنِ الْتَمَسَ رضا الله رضي الله عنه وأرضى عنه الناس،" ومن الْتَمَسَ رضا الناس بسخط الله سخط الله عليه وأسخط الله عليه الناس
وخامسها: أن الإخلاص يمسح وساوس القلوب، ويعجز الشيطان أن يصل معه إلى القلب، فقد قال الشيطان: (">فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (82) إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ) [ص: ٨٢ – ٨٣].
وسادسها: أن المخلصين يبعدهم الله عن المعاصي، ويعصمهم من الذنوب، قال تعالى في قصة يوسف عليه السلام: (كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ) [يوسف: ٢٤].وسابعها: أن الإخلاص سبب لمغفرة الذنوب، وفي الحديث أن الله تعالى يقول: (يا ابن آدم لو لقيتني بملء الأرض خطايا لا تشرك بي شيئًا لقيتك بملء الأرض مغفرة)، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: ( "إخلاص
الدين لله هو الدين الذي لا يقبل الله سواه، وهو الذي بَعَثَ الله بِهِ
الرسُلَ، وأنزل به جميع الكتب، واتفق عليه أئمة أهل الإيمان، وهذا هو خلاصة
الدعوة النبوية، وهو قطب القرآن الذي تدور عليه رحاهويتجلى الإخلاص في الصيام؛ إذ إن الصيام
ينطلق من النية، فلايصح الصيام الواجب لمن لم يبيت الصوم، ولم ينوه بالليل،
والصوم إمساك عن المفطرات بنية التقرب لله، ولا يطلع على ذلك ولا على
الامتناع من المفطرات حقيقة إلا رب العزة والجلال، ولذلك قال الله عز وجل
في الحديث القدسي: (كل عمل ابن آدم له، الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به، يَدَعُ طعامه وشرابه وشهوته من أجلي)، انظر إلى قوله: ، ولذلك اختص الله بالصيام ورتب عليه مضاعفة الأجر والثواب.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (من صام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه، ومن قام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه)، فانظر إلى قوله: (إيمانًا واحتسابًا)
فلا تحصل مغفرة الذنب إلا لمن صام رمضان إيمانًا واحتسابًا، ولا تحصل
مغفرة الذنب إلا لمن قام رمضان إيمانًا واحتسابًا، ولا تحصل مغفرة الذنب
إلا لمن قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا، فما معنى قوله صلى الله عليه وسلم:إيمانًا واحتسابًا)؟المراد بذلك: أن يؤمن العبْدُ أن الله شرع هذا العمل، وأن يقصد العبد بصومه احتساب الأجر عند الله تعالى، فإيمانًا: أي تصديقًا وإيقانًا بأن الله هو الذي شرعه، وأن الله هو الذي أمر به، وقوله: ( احتسابًا): يعني أن ينوي بعمله الأجر الأخروي، فيرغب في ثواب ذلك عند الله تعالى، قال ابن القيم – رحمه الله -: (العامل بغير إخلاص ولا اقتداء كالمسافر يملأ جرابه رملًا ينقله ولا ينفعه إن للصوم أثرًا عجيبًا في جَعْلِ قلب العبد يخلص لله تعالى،
فإن العبد متى انقطعت عنه المواد التي تغذي قلبه بالأمور الفاسدة،
والمعتقدات غير المرغوب فيها بدأ يفكر في الإخلاص، وتَوَجَّهَ قلبه إلى ربه
جل وعلا، خصوصًا أن الصيام يجعل العبد يَتَفَكَّر في قدرة الله عليه،
ويتفكر في مقارنة العبد لنفسه بغيره، ثم إنه بعد ذلك يستشعر حاجته لله
فيخلص في أعماله، ثم إن الصيام يجعل مجاري الشيطان تضيق، فإنه قد ورد في
الحديث: (أن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم)
فإذا ضيق العبد مجاري الدم بالصوم فلن يتمكن الشيطان من ولوج بدنه، فمن
هنا تُصَفّد الشياطين في هذا الشهر، ويستحضر العبد في أعماله نية الإخلاص
لله تعالى.فيا أيها المؤمنون أخلصوا نياتكم لله في جميع أعمالكم،
إذا أحضرتم طعامًا لأبنائكم فانووا به التقرب لله، إذا أفطرت يا أيها
المؤمن فانْوِ بإفطارك التقرب لله ومتابعة النبي صلى الله عليه وسلم، وإذا
أكَلْتَ أكْلَةَ السَّحر فانو بذلك التقرب لله جل وعلا.
اللهم إنا نسألك يا ربنا أن ترزقنا جميعًا الإخلاص في جميع الأعمال، اللهم
اجعلنا لا نريد بأي عمل نعمله غير وجهك الكريم، وصلى الله على نبينا محمد
وعلى آله وصحبه أجمعين.