أدعية مأثورة يدعو بها صباحاً ومساءً وبعقب كل صلاة
أدعية مأثورة ومعزية إلى أسبابها وأربابها مما يستحب أن يدعو بها المرء صباحاً ومساءً وبعقب كل صلاة
دعاء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعد ركعتي الفجر قال ابن عباس رضي الله عنهما: بعثني العباس إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأتيته ممسياً وهو في بيت خالتي ميمونة فقام يصلى من الليل، فلما صلى ركعتي الفجر قبل صلاة الصبح قال: "اللهم إني أسألك رحمة من عندك تهدى بها قلبي، وتجمع بها شملي، وتلم بها شعثى، وترد بها الفتن عنى، وتصلح بها ديني، وتحفظ بها غائبي، وترفع بها شاهدي، وتزكى بها عملي، وتبيض بها وجهي، وتلهمني بها رشدي، وتعصمني بها من كل سوء، اللهم اعطني إيماناً صادقاً ويقيناً ليس بعده كفر، ورحمة أنال بها شرف كرامتك فى الدنيا والآخرة، اللهم إنى أسألك الفوز عند القضاء ومنازل الشهداء وعيش السعداء والنصر على الأعداء ومرافقة الأنبياء، اللهم إني أنزل بك حاجتي وإن ضعف رأيي وقلت حيلتي وقصر عملي وافتقرت إلى رحمتك، فأسألك يا كافي الأمور ويا شافي الصدور كما تجير بين البحور أن تجيرني من عذاب السعير ومن دعوة الثبور ومن فتنة القبور، اللهم ما قصر عنه رأيي وضعف عنه عملي ولم تبلغه نيتي وأمنيتي من خير وعدته أحداً من عبادك أو خير أنت معطيه أحداً من خلقك فإني أرغب إليك فيه وأسألك يا رب العالمين، اللهم اجعلنا هادين مهتدين غير ضالين ولا مضلين حرباً لأعدائك وسلماً لأوليائك نحبب بحبك من أطاعك من خلقك ونعادى بعداوتك من خالفك من خلقك، اللهم هذا الدعاء وعليك الإجابة، وهذا الجهد وعليك التكلان، وإنا لله وإنا إليه راجعون ولا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم ذي الحبل الشديد والأمر الرشيد أسألك الأمن يوم الوعيد والجنة يوم الخلود مع المقربين الشهود والركع السجود الموفين بالعهود إنك رحيم ودود وأنت تفعل ما تريد، سبحان الذي لبس العز وقال به، سبحان الذي تعطف بالمجد وتكرم به، سبحان الذي لا ينبغي التسبيح إلا له، سبحان ذي الفضل والنعم، سبحان ذي العزة والكرم، سبحان الذي أحصى كل شيء بعلمه، اللهم اجعل لي نوراً في قلبي ونوراً في قبري، ونوراً في سمعي، ونوراً في بصري، ونوراً في شعري، ونوراً في بشرى، ونوراً في لحمى، ونوراً في دمى، ونوراً في عظامي، ونوراً من بين يدي، ونوراً من خلفي، ونوراً عن يميني، ونوراً عن شمالي، ونوراً من فوقى، ونوراً من تحتي، اللهم زدني نوراً وأعطني نوراً واجعل لي نوراً" دعاء عائشة رضي الله عنها قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لعائشة رضي الله عنها: "عليك بالجوامع الكوامل، قولي اللهم إني أسألك من الخير كله عاجله وآجله ما علمت به وما لم أعلم، وأعوذ بك من الشر كله عاجله وآجله ما علمت وما لم أعلم، وأسألك الجنة وما قرب إليها من قول وعمل، وأعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول وعمل، وأسألك من الخير ما سألك عبدك ورسولك محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وأستعيذك مما استاعذك منه عبدك ورسولك محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وأسألك ما قضيت لي من أمر أن تجعل عاقبته رشداً برحمتك يا أرحم الراحمين" دعاء فاطمة رضي الله عنها قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "يا فاطمة ما يمنعك أن تسمعي ما أوصيك به؟ أن تقولي: يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث لا تكلني إلى نفسي طرفة عين وأصلح لي شأني كله" دعاء أبى بكر الصديق رضي الله عنه علَّم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أبا بكر الصديق رضي الله عنه أن يقول: "اللهم إني أسألك بمحمد نبيك وإبراهيم خليلك وموسى نجيك وعيسى كلمتك وروحك وتوراة موسى وإنجيل عيسى وزبور داود وفرقان محمد صلى الله عليه وآله وسلم وعليهم أجمعين، وبكل وحى أوحيته أو قضاء قضيته أو سائل أعطيته أو غنى أفقرته أو فقير أغنيته أو ضال هديته، وأسألك باسمك الذي أنزلته على موسى صلى الله عليه وسلم، وأسألك باسمك الذي بثثت به أرزاق العباد، وأسألك باسمك الذي وضعته على الأرض فاستقرت، وأسألك باسمك الذي وضعته على السموات فاستقلت، وأسألك باسمك الذي وضعته على الجبال فرست، وأسألك باسمك الذي استقل به عرشك، وأسألك باسمك الطهر الطاهر الأحد الصمد الوتر المنزل في كتابك من لدنك من النور المبين، وأسألك باسمك الذى وضعته على النهار فاستنار وعلى الليل فأظلم وبعظمتك وكبريائك وبنور وجهك الكريم أن ترزقنى القرآن والعلم به، وتخلطه بلحمي ودمى وسمعي وبصري، وتستعمل به جسدي بحولك وقوتك، فإنه لا حول ولا قوة إلا بك يا أرحم الراحمين" دعاء بريدة الأسلمى رضي الله عنه وروى أنه قال له صلى الله عليه وآله وسلم: "يا بريدة ألا أعلمك كلمات من أراد الله به خيراً علمهن إياه ثم لم ينسهن أبداً قال: فقلت بلى يا رسول الله قال: قل: اللهم إني ضعيف فقو في رضاك ضعفي وخذ إلى الخير بناصيتي واجعل الإسلام منتهى رضاي، اللهم إني ضعيف فقوني وإني ذليل فأعزني وإني فقير فأغنني يا أرحم الراحمين" دعاء قبيصة بن المخارقإذ قال لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: علمني كلمات ينفعني الله عز وجل بها فقد كبر سني وعجزت عن أشياء كثيرة كنت أعملها فقال عليه السلام: "أما لدنياك فإذا صليت الغداة فقل ثلاث مرات سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم لا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم فإنك إذا قلتهن أمنت من الغم والجزام والبرص والفالج، وأما لآخرتك فقل: اللهم اهدني من عندك وأفضل علىّ من فضلك وانشر علىّ من رحمتك وأنزل علىّ من بركاتك، ثم قال صلى الله عليه وآله وسلم: أما إنه إذا وافى بهن عبد يوم القيامة لم يدعهن فتح الله له أربعة أبواب من الجنة يدخل من أيها شاء دعاء أبى الدرداء رضي الله عنه قيل لأبى الدرداء رضي الله عنه: قد احترقت دارك- وكانت النار قد وقعت فى محلته- فقال: ما كان الله ليفعل ذلك، فقيل له ذلك ثلاثاً وهو يقول: ما كان الله ليفعل ذلك، ثم أتاه آت فقال: يا أبا الدرداء إن النار حين دنت من دارك طفئت، وقال: قد علمت ذلك، فقيل له: ما ندرى أي قوليك أعجب؟ قال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: من يقول هؤلاء الكلمات فى ليل أو نهار لم يضره شيء وقد قلتهن وهى: "اللهم أنت ربى لا إله إلا أنت عليك توكلت وأنت رب العرش العظيم لا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، أعلم أن الله على كل شيء قدير وأن الله أحاط كل شيء علماً وأحصى كل شيء عدداً، أللهم أنى أعوذ بك من شر نفسي ومن شر كل دابة أنت آخذ بناصيتها إن ربى على صراط مستقيم" دعاء الخليل إبراهيم عليه الصلاة السلامكان يقول إذا أصبح: اللهم إن هذا خلق جديد فافتحه علىّ بطاعتك واختمه لي بمغفرتك ورضوانك وارزقني فيه حسنة تقبلها منى وزكها وضاعفها لي، وما عملت فيه من سيئة فاغفرها لي إنك رحيم ودود كريمقال: ومن دعا بهذا الدعاء إذا أصبح فقد أدى شكر يومه دعاء عيسى عليه الصلاة والسلامكان يقول: اللهم إني أصبحت لا أستطيع دفع ما أكره ولا أملك نفع ما أرجو وأصبح الأمر بيد غيري وأصبحت مرتهناً بعملي فلا فقير أفقر منى، أللهم لا تشمت بى عدوى ولا تسؤ بى صديقي ولا تجعل مصيبتي في ديني ولا تجعل الدنيا أكبر همي ولا تسلط علىّ من لا يرحمني يا حي يا قيوم دعاء الخضر عليه السلام يقال: إن الخضر و إلياس عليهما السلام إذا التقيا في كل موسم لم يفترقا إلا عن هذه الكلمات: "بسم الله ما شاء الله لا قوة إلا بالله، ما شاء الله كل نعمة من الله، ما شاء الله الخير كله بيد الله، ما شاء الله لا يصرف السوء إلا الله"فمن قالها ثلاثاً حين أصبح أمن من الحرق والغرق و السرق إن شاء الله تعالى دعاء معروف الكرخى رضي الله عنه قال محمد بن حسان: قال لي معروف الكرخى رحمه الله: ألا أعلمك عشر كلمات خمس للدنيا وخمس للآخرة من دعا الله عز وجل بهن وجد الله تعالى عندهن، قلت اكتبها لي، قال: لا ولكن أرددها عليك كما رددها علىّ بكر بن خنيس رحمه الله: حسبي الله لديني، حسبي الله لدنياي، حسبي الله الكريم لما أهمني، حسبي الله الحليم القوى لمن بغى علىّ، حسبي الله الشديد لمن كادني بسوء، حسبي الله الرحيم عند الموت، حسبي الله الرؤوف عند المسألة في القبر، حسبي الله الكريم عند الحساب، حسبي الله اللطيف عند الميزان، حسبي الله القدير عند الصراط، حسبي الله لا إله إلا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم"، وقد روى عن أبى الدرداء أنه قال: "من قال في كل يوم سبع مرات "فإن تولوا فقل حسبي الله لا إله إلا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم" كفاه الله عز وجل ما أهمه من أمر آخرته صادقاً كان أو كاذباً دعاء عتبة الغلام وقد رؤى في المنام بعد موته فقال: دخلت الجنة بهذه الكلمات "اللهم يا هادى المضلين ويا راحم المذنبين ويا مقيل عثرات العاثرين إرحم عبدك ذا الخطر العظيم والمسلمين كلهم أجمعين، واجعلنا مع الأخيار المرزوقين الذين أنعمت عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين آمين يا رب العالمين دعاء آدم عليه الصلاة والسلام قالت عائشة رضي الله عنها: لما أراد الله عز وجل أن يتوب على آدم صلى الله عليه وسلم طاف بالبيت سبعاً وهو يومئذ ليس بمبنى ربوة حمراء، ثم قام فصلى ركعتين ثم قال: "أللهم إنك تعلم سرى وعلانيتي فاقبل معذرتي، وتعلم حاجتي فاعطني سؤلي، وتعلم ما في نفسي فاغفر لي ذنوبي، أللهم إني أسألك إيماناً يباشر قلبي ويقيناً صادقاً حتى أعلم أنه لن يصيبني إلا ما كتبته علىّ والرضا بما قسمته لي يا ذا الجلال والإكرام"فأوحى الله عز وجل إليه أنى قد غفرت لك، ولم يأتني أحد من ذريتك فيدعوني بمثل الذي دعوتني به إلا غفرت له وكشفت غمومه وهمومه ونزعت الفقر من بين عينيه واتجرت له من وراء كل تاجر وجاءته الدنيا وهى راغمة وإن كان لا يريدها دعاء على بن أبى طالب رضي الله عنه رواه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: "إن الله يمجد نفسه كل يوم ويقول: إني أنا الله رب العالمين، إنى أنا الله لا إله إلا أنا الحي القيوم، إني أنا الله لا إله إلا أنا العلى العظيم، إني أنا الله لا إله إلا أنا لم ألد ولم أولد، إني أنا الله لا إله إلا أنا العفو الغفور، إني أنا الله لا إله إلا أنا مبدئ كل شيء وإلىّ يعود العزيز الحكيم الرحمن الرحيم مالك يوم الدين خالق الخير والشر خالق الجنة والنار الواحد الأحد الفرد الصمد الذي لم يتخذ صاحبة ولا ولداً، الفرد الوتر عالم الغيب والشهادة الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر الخالق البارئ المصور الكبير المتعال المقتدر القهار الحليم الكريم، أهل الثناء والمجد أعلم السر وأخفى القادر الرزاق فوق الخلق والخليقة" وذكر قبل كل كلمة: "إني أنا الله لا إله إلا أنا" كما أوردناه في الأول فمن دعا بهذه الأسماء فليقل: "إنك أنت الله لا إله إلا أنت كذا وكذا" فمن دعا بهن كتب مع الساجدين والمخبتين الذين يجاورون محمداً وإبراهيم وموسى وعيسى والنبيين صلوات الله عليهم في دار الجلال، وله ثواب العابدين في السموات والأرض وصلى الله على محمد وعلى كل عبدٍ مصطفى
لـــماذا نذكر الله
اعلم أيها العبد أن حياة قلبك أولى بالاهتمام من حياة جسدك، ذلك لأن حياة القلب تؤهّلك لأن تعيش حياة طيبة طاهرة في الدنيا وسعادة أبديّة في الآخرة بينما حياة الجسد حياة مؤقتة، سُرعان ما تزول وتنقضي، ولا سبيل لعلاج حياة القلب وزيادة الإيمان فيه إلا بالطاعات، فهي كلّها لازمة لحياة القلب كما يلزم الطعام والشراب لحياة الجسد، ومن أعظم ما يحتاجه قلب العبد من الأغذية النافعة ذكر الله عزّ وجل، فالذكر هو المنزلة الكبرى التّي يتزوّد منها العارفون وفيها يُتاجرون وإليها دائماً يتردّدون، وهو قوت قلوبهم الذي متى فارقها صارت الأجساد لها قبوراً، وهو عمارة ديارهم التي إذا تعطّلت عنه صارت بوراً، وهو سِلاحهم الذي يُقاتلون به قُطّاع الطريق، وهو دواء أسقامهم الذي متى فارقهم انتكست منهم القلوب، وهو السبب الواصل والعلاقة التي كانت بينهم وبين علاّم الغيوب.فبذكر الله تُدفع الآفات وتُكشف الكُرُبات وتهون المصيبات. كان السلف إذا أظَلّهم البلاء فإلى ذكر الله ملجؤهم، وإذا نزلت بهم النوازل فإليه مَفزعُهم، فهو رياض جنّتهم التي فيها يتقلّبون، ورؤوس أموال سعادتهم التي بها يتَّجِرون، الذكر يَجعل القلب الحزين ضاحكاً مسروراً، ويوصل الذاكر إلى المذكور – أي إلى ربّه –، والذكر عبودية القلب واللسان، وهي عبادة غير مؤقتة، بل يُؤمر العبد بذكر مَعبوده ومحبوبه في كل حال قياماً وقعوداً وعلى جنبه.ذكر الله عزّ وجل هو جلاء القلوب وصفاؤها ودواؤها إذا مرِضت، وكلّما ازداد الذاكر في ذكره ازداد محبة إلى لقاء ربه. وإذا واطئ في ذكره قلبه للسانه نسي في جنب ذكره كل شيء، وحفظ الله عليه كل شيء، وكان له عِوَضاً من كل شيء. به يزول الوقر عن الأسماع، والبَكم عن الألسنة، وبه تنقشع الظلمة عن الأبصار، فالذكر هو باب الله الأعظم المفتوح بينه وبين عبده ما لم يُغلقه العبد بغفلته. قال الحسن البصري رحمه الله: "تَفقّدوا الحلاوة في ثلاثة أشياء: في الصلاة وفي الذِّكر وقراءة القرآن، فإن وجدتم وإلا فاعلموا أن الباب مُغلق".وقد ذكر الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى للذكر فوائد كثيرة أقتَصر على بعضٍ منها: فمن فوائده: أنه يطرد الشيطان ويَقمعه ويَكسره، ويُرضي الرحمن عزّ وجل، ويُزيل الغمّ والحُزن، ويجلب للقلب الفرَح والسرور والبَسْط.ومن فوائده أنّه يُقوّي القلب والبدن ويُنوِّر الوجه والقلب ويَجلِب الرزق.ومنها أنه يكسو الذاكر الحلاوة والمهابة ويورثه محبّة الله.ومها أنه يُكسِب العبد مراقبة ربّه فيدخل في باب الإحسان فيُصبح يعبد الله كأنّه يراه. ومن فوائده أنّه سبب ذكر الله عزّ وجل لعبده الذاكر كما قال تعالى: فاذكروني أذكُرْكم . وفي الحديث القُدسي الذي أخرجه البخاري ومسلم ( فإن ذكرني في نفسه ذكَرتُه في نفسي، وإن ذكرني في مَلأ ذكرته في ملأ خير منهم)) .ومنها أيضاً أنه يورث حياة للقلب كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: "الذكر للقلب كالماء للسمك، فكيف يكون حال السّمك إذا فارق الماء".ومنها أيضاً أنّه يورث جلاء القلب من صَدَئه، إذ كل شيء له صدأ، وصدأ القلب: الغفلة والهوى، وجلاؤه وصفاؤه: الذكر والتوبة والاستغفار.ومنها أن الذكر يَحُطّ الخطايا ويُذهِبُها، فإنّه من أعظم الحسَنات والله تعالى يقول: إن الحسنات يُذْهِبن السيئات . وثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((من قال في يوم وليلة سبحان الله وبحمده مائة مرّة حُطّت عنه خطاياه، وإن كانت مثل زبَد البحر)).ولا شكّ أن حضور حِلَق الذكر يؤدي إلى زيادة الإيمان، وذلك لعدة أسباب منها: ما يحصل فيها من ذكر الله، ونزول الرحمة والسّكينة وحَفّ الملائكة للذاكرين كما جاء في صحيح مسلم قوله صلى الله عليه وسلم: ((وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويَتَدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة وغشِيَتهم الرحمة وحَفّتهم الملائكة وذَكَرهم الله فيمن عنده)). ومما يدلّكم على أن مجالس الذكر تزيد الإيمان ما أخرجه مُسلم في صحيحه عن حنظلة الأسيدي قال: لقِيَني أبو بكر فقال: كيف أنت يا حنظلة؟ قال قلت: نافق حنظلة، قال: سبحان الله ما تقول؟ قال: قلت: نكون عند رسول الله يُذكِّرُنا بالنار والجنّة، حتى كأننا نراها، فإذا خرجنا من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم عُدنا إلى أزواجنا وأولادنا ومعاشنا فنسينا كثيراً. قال أبو بكر: فو الله إنا لنلقى مثل هذا. فانطلقت أنا وأبو بكر حتى دخَلنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم. قلت: نافَق حنظلة يا رسول الله. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((وما ذاك؟)) قلت: يا رسول الله نكون عندك تُذكِّرُنا بالنار والجنة حتى كأنّا نراهما بأعيننا، فإذا خرجنا من عندك عافسنا الأزواج والأولاد والضيعات نسينا كثيراً فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((والذي نفسي بيده إنكم لو تَدومون على ما تكونون عندي وفي الذّكر لصافحتكم الملائكة على فرُشِكم وفي طُرُقِكم، ولكن يا حنظلة ساعة وساعة)). وكان الصحابة رضي الله عنهم يحرصون على الجلوس للذكر ويسمّونه إيماناً، قال معاذ رضي الله عنه لرجل: "اجلس بنا نؤمن ساعة".ومن فوائد الذكر أنه سبب لاشتغال اللسان عن الغيبة والنميمة والكذب والفُحش، فمن عوَّد لسانه ذكر الله حفِظه عن الباطل واللغو، ومن يَبِس لسانه عن ذكر الله تعالى ترطّب بكل باطل ولغو وفحش، ولا حول ولا قوة إلا بالله.الخطبة الثانية: - ومن فوائد ذكر الله عزّ وجل أنه يوجب الضمان والأمان من نسيانه الذي هو سبب شقاء العبد في دُنياه وأُخراه فإنّ من نَسِيَ الله سبحانه وتعالى نسي نفسه ومصالحها كما قال تعالى: ولا تكونوا كالذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم أولئك هم الفاسقون . وإذا نسي العبد نفسه أعرض عن مصالحها ونسيَها واشتغل عنها فهَلَكت وفسَدت كمن له زرع أو بستان، فلم يُصلِحه ولم يقم عليه وأهمله ونسيَه واشتغل عنه بغيره، فإنه يَفسُد ولا بد. ومن فوائد الذكر أيضاً أن جميع الأعمال إنما شُرِعت إقامة لذكر الله عزّ وجل ومن أعظمها الصلاة قال جلّ وعلا: وأقم الصلاة لذكري أي لإقامة ذكري. وقال عزّ وجل: إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمُنكر ولذِكر الله أكبر . أي أن الصلاة فيها مقصودان عظيمان، وأحدهما أعظم من الآخر، فإنها تنهى عن الفحشاء والمنكر، وما فيها من ذكر الله أعظم من نَهيِها عن الفحشاء والمنكر.ومن فوائد الذكر أن المُداومة عليه ينوب عن كثير من الطاعات ويقوم مقامها كما جاء ذلك صريحاً في حديث أبي هريرة رضي الله عنه: أن فُقراء المهاجرين أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا رسول الله ذهب أهل الدثور أي الأغنياء بالدرجات العلى والنعيم المقيم، يُصلُّون كما نُصلّي، ويصومون كما نصوم، ولهم فضل أموالهم يحجّون بها ويعتمرون ويجاهدون فقال عليه الصلاة والسلام: ((ألا أعلِّمُكم شيئاً تُدركون به من سَبَقكم، وتسبقون به من بعدكم، ولا أحَدَ يكون أفضل منكم إلا من صَنَع مثل ما صنعتم. قالوا: بلى يا رسول الله. قال: تُسبّحون وتحمدون وتُكبّرون خلف كلّ صلاة)) رواه البخاري.وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: "لأن أسبِّح الله تعالى تسبيحات أحبّ إليّ من أن أنفِق عَددهنّ دنانير في سبيل الله عزّ وجل".ومن فوائد ذكر الله أيضاً أنّه يُعطي الذاكر قوة في قلبه وبدنه فقد أخرج البخاري: عن فاطمة رضي الله عنها أنها شَكَت ما تلقى في يدها من الرحى أي مِما تطْحن فأتت النبي صلى الله عليه وسلم تسأله خادماً، فلم تجِدْه، فذكرت ذلك لعائشة فلما جاء أخبرته. قال علي رضي الله عنه: فجاءنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد أخذنا مضاجعنا أي أرادا أن يناما، فذهبت فاطمة لتقوم فقال لها: مكانك فجلس بيننا ثم قال: ((ألا أدلّكُما على ما هو خيرٌ لكما من خادم؟ إذا أويتما إلى فِراشكما أو أخذتما مضاجعكما، فكبِّرا الله أربعاً وثلاثين. وسبِّحاه ثلاثاً وثلاثين، واحمداه ثلاثاً وثلاثين، فهذا خيرٌ لكما من خادم)).ومن فوائد الذكر أن كثرته أمان من النفاق فقد وصَف الله المنافقين بأنّهم قليلو الذكر لله عزّ وجل فقال تعالى: إن المنافقين يُخادعون الله وهو خادعهم وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كُسالى يُراءون الناس ولا يذكرون الله إلا قليلا . فمَن أكثر من ذكر الله عزّ وجل برئ من النفاق ولهذا ختَم الله تعالى سورة المنافقين بقوله: يا أيها الذين آمنوا لا تُلْهِكم أموالكم ولا أولادكم عن ذكر الله ومن يفعل ذلك فأولئك هم الخاسرون . ومن فوائده أيضاً ما يَحصُل للذاكر من لذة لا يُشبِهُها شيء، فلو لم يكن للعبد من ثوابه إلا اللذة الحاصلة من الذكر والنعيم الذي يُحسّ به الذاكر في قلبه لكفى به، ولهذا سُمِّيت مجالس الذكر رياض الجنّة. قال مالك بن دينار: "ما تلذّذ المُتَلذّذون بمثل ذكر الله عزّ وجل".ومن فوائد الذكر أن الله عزّ وجل يقبل الدعاء الذي يُقَدّم صاحبه بين يديه ذكر الله، إذِ الذكر أفضل من الدعاء، لأن الذكر ثناء على الله عزّ وجل، والدعاء سؤال العبد حاجته، فالدعاء الذي تَقَدَّمه الذكر أفضلُ وأقرب إلى الإجابة من الدعاء المُجَرَّد عن الذكر.فاتقوا الله أيها الناس وأديموا ذكر ربّكم بقلوبكم وألسنتكم وجوارحكم وفي كل أحوالكم، فأمّا ذكرَكم ربَّكم بقلوبكم فإنّ معناه: أن يكون القلب متعلّقاً بالله مُعظِّماً له دائماً في قلبه مُستحضِراً نِعَمه التي لا تُحصى، وأما ذكرَكم ربكم بألسِنتكم فهو النُّطق بكلّ ما يُقرِّب إلى الله من تهليل وتكبير وتحميد وتسبيح وقراءة القرآن وقراءة العلوم الشرعية ونُصح العباد للقيام بأوامر الله.وأما ذكرَكم ربّكم بجوارحِكم فهو كل فِعل يُقرِّب إلى الله عزّ وجل من طهارة وصلاة وزكاة وصوم وحج وبرِ الوالدين وصِلَة الأرحام.فلازموا عباد الله ذكر ربكم في جميع أوقاتكم وأحوالكم، فإنّ الله مع الذاكرين كما قال سبحانه في الحديث القدسي: ((أنا عند ظنّ عبدي بي وأنا معه إذا ذكرني، فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، وإن ذكَرني في ملأٍ ذكرتُه في ملأٍ خير منهم)) فاللهم اجعلنا من عبادك الذاكرين، وسُبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفِرك وأتوب إليك
اللهم أسألك باسمك الذي بثثت به أرزاق العباد، وأسألك باسمك الذي وضعته على الأرض فاستقرت، وأسألك باسمك الذي وضعته على السموات فاستقلت، وأسألك باسمك الذي وضعته على الجبال فرست، وأسألك باسمك الذي استقل به عرشك، وأسألك باسمك الطهر الطاهر الأحد الصمد الوتر المنزل في كتابك من لدنك من النور المبين، وأسألك باسمك الذي وضعته على النهار فاستنار وعلى الليل فأظلم وبعظمتك وكبريائك وبنور وجهك الكريم أن تجعل لها نوراً في قلبها ونوراً في قبرها، ونوراً في سمعها، ونوراً في بصرها، ونوراً في لحمها، ونوراً في دمها، ونوراً في عظامها، ونوراً من بين يديها، ونوراً من خلفها، ونوراً عن يمينها، ونوراً عن شمالها، ونوراً من فوقها، ونوراً من تحتها، اللهم زدها نوراً وأعطيها نوراً واجعل لها نوراً
جعلها الله في ميزان حسناتنا و حسناتكم.