javascript:emoticonp('')
يرتبط اسم الروائي الأميركي جوناثان ليزام Jonathan Lethem بمسقط رأسه حي بروكلين في نيويورك، وقد بدا الأمر حين اختار مدينة لوس انجلس كإطار لروايته السابقة المتواضعة "أنت لا تحبني بعد" وصدرت في 2007، وكأنه أخذ له عطلة من مدينته، أو أنه تاه عنها بشكل إرادي. لكن في الواقع فإن شهرته كشاعر ومدّاح لحيّه تقوم أساساً على روايتيه الأخريين "يتامى بروكلين"، و"قلعة العزلة". في أربع روايات ومجموعتين قصصيتين قام ليزام بمسح العالم وذرعه بخطاه، من ولاية وايومينغ حتى شاطىء سان فرانسيسكو، وصولاً حتى "كوكب بناة السفن". وحالياً في روايته الثامنة الأخيرة الجديدة "مدينة مزمنة" حيث يزور وجهته الأكثر غرابة حتى الآن، ألا وهي أعلى الجهة الشرقية من مانهاتن.
الروائي ليزام مولود في 1964 في نيويورك، ونشأ وترعرع في حي بروكلين حيث يقطن حالياً. كان لا يزال يدرس في الجامعة حين أنجز روايته الأولى التي حملت عنوان "أبطال". غادر بعدها إلى سان فرانسيسكو وسكن هناك حتى العام 1996. رواياته الثلاث الأولى امتزجت فيها عدة أساليب ما بين البوليسي والفانتازي والوسترن، وهي على التوالي "بندقية حرب على خلفية موسيقية " في 1996 تلتها "رجل يدعى فوض" في العام نفسه، ثم "اليس صعدت إلى الطاولة" في 2003. هذه الروايات لقيت ترحيب النقاد وهواة قراءة روايات الخيال العلمي.
أول مرة تطرق فيها إلى حيّ طفولته كان في رواية "يتامى بروكلين" التي صدرت في 1999. وهي رواية حازت على الجائزة الوطنية لحلقة النقاد الأدبيين، وقذفته كالصاروخ إلى واجهة المشهد الأدبي الأميركي.
المشهد الأول في روايته الجديدة "مدينة مزمنة" لهو صورة مجسدّة لعموم هذه الرواية المذهلة. الراوي فيها هو طفل نجم أسبق يدعى شايز استدمان، يعيش من حقوق إعادة بث مسلسل تلفزيوني تافه من الثمانينيات. يتعرف شايز إلى صديقه الجديد بركوس توس في مطعم للهامبرغر في الجادة الثانية. بركوس هذا هو ناقد ثقافي، ومسيرته المهنية هي مسيرة نيويوركية نموذجية. قام في بداياته بنشر بيانات غضوب، علقها على جدران مدينته، ما جعل منه أحد رموز العالم السفلي النيويوركي، ثم عرف الشهرة بشكل أوسع من خلال مقالات أسبوعية نشرها في مجلة "رولينغ ستونز" الذائعة الصيت، قبل أن يطويه أخيراً في النسيان. غير أنه لم يتراجع قط عن وساوسه القديمة، والتي تذكرنا بهواجس وساوس المؤف ليزام بالذات، وهي السينما والأدب والموسيقى ووسائل الإعلام.
إن نسخة مانهاتن الخاصة بليزام هي نسخة مبالغ فيها عن مانهاتن الحقيقية، حيث تدور الشائعات حول نمر يجوب طرقات الجهة الشرقية العالية منها "آبرايست سايد"، وحيث يستطيع قراء صحيفة "نيويورك تايمز" اختيار نسخة منها "من دون حرب" تحتل صفحاتها تحقيقات إيجابية. وعوض الهجوم الإرهابي الذي تعرض له شارع المصارف نجده يتعرض لهجمة ضباب كثيف موهن مثبط للهمم، ليتعفن الشارع بشكل غامض منذ سنوات ؟! إن الحكبة الروائية المفعمة بالحيوية والفيتامينات في "مدينة مزمنة" لا يمكن اختصارها بسهولة، غير أنها فريدة من نوعها ومتعرجة وملتوية. ثمة الكثير من الصداع والحازوقات، وثمة ملاذ فخم للكلاب، ويبحث بيركوس عن أغراض لها أشكال مزهريات لها سحر روحاني. وحين تعود إلى الأساسيّ فيها نراها، القصة، تتمحور حول الصداقة ما بين شايز وبيركوس ورحلاتهما عبر العينات والطبقات الاجتماعية في مانهاتن، حيث نزور على سبيل المثال حفلاً يقيمه رئيس البلدية الملياردير في منزله، ونتابع مشروع فيلم سينمائي لشركة إنتاج لمجموعة مثقفين، والساعات الطوال التي يقضيانها في مقهى وملهى جاكسون هول.
يتلقى شايز غالباً دعوات إلى حفلات، ليس فقط بسبب ماضيه كممثل طفل ونجم إنما أيضاً، بسبب الشهرة الجديدة التي أدركها، إذ أن خطيبته رائدة الفضاء جانيس ترومبول وقد احتجزت داخل المحطة الفضائية الدولية، كانت ترسل إليه من هناك رسائل حب طويلة، كانت تنشر فصولاً منها نسخة صحيفة "النيويورك تايمز" الخاصة "الخالية من الحرب". هذه الأوبريت الفضائية إن صح القول تبطىء النص، غير أنها تفيد في ابتكار مثلث أو ثلاثي عشق، إذ أن شايز يضطر إلى إخفاء علاقته مع اونا صديقته الأخرى، كي يتحاشى أن يصاب جمهوره الذي يعشقه بخيبة أمل. ثمة أيضاً شخصيات أخرى في الرواية، وهي عبارة عن تنويعات على تيمة المثالية والفساد، غير أنها شخصيات ثانوية. إذ أن "المدينة المزمنة" هي قبل أي شيء آخر رواية صداقة ذكورية، مثلها مثل روايته السابقة "قلعة العزلة".
شايز وبيركوس هما مبدئياً بالغان، غير أنهما يتصرفان كمراهقين، يأكلان سندويتشات ضخمة من الهامبرغر، ويشاهدان أفلاماً طليعية، يدخنان لفافات مخدرات قوية، ويسترسلان في حوارات وأحاديث ذهانية هذيانية لاتباع نظرية المؤامرة، والتي يمكن أن تكون مضجرة منفرة في الحياة الواقعية، بيد أنها مثيرة في المهاجع، وأيضاً في الروايات. ولسبب غير معقول إلى حد بعيد ورغبة في أن يستمر هذا إلى الأبد، أو على الأقل ما يلزم من الوقت كي ينقد كل من شايز وبيركوس أحدهما الآخر.
بيد أن هذا لا يحصل بالطبع، إذ أن شايز طائش أرعن إلى أقصى الحدود، وبيركوس في المقابل تالف مشوَّه إلى حد يمنع صداقتهما من أن تظل سليمة. لكن لتعذر خلاصهما يُقدَّر لهما أن يعين أحدهما الآخر، وبالفعل يقومان بذلك. وخصوصاً شايز الذي يبدأ كأنما بالصحو وبالتخلص من خموده وخدره الفارغين. يتعلم الممثل الأسبق أن يعبّر، ويتحول إلى الفعل وليس فقط اتباع التوجيهات. وهذا الأمر يتعلمه من بيركوس. حتى في واقع بديل، حتى في رواية، فثمة الشغف والمعنى في كل مكان هو أننا عرفنا أين ننظر، أين نبحث.
- فراسبيتوعضو محترف
- رقم العضوية : 3079
الجنس : عدد المساهمات : 7200 نقاط التميز : 10794 تقييم العضو : 40 التسجيل : 28/01/2010 الإقامة : الجزائر
تمت المشاركة الجمعة فبراير 12, 2010 1:20 pm
- بوكعضو مطرود
- الجنس : عدد المساهمات : 9166 نقاط التميز : 10738 تقييم العضو : 181 التسجيل : 02/05/2010 الإقامة : *في المنتدى*
تمت المشاركة الأربعاء سبتمبر 01, 2010 4:39 pm
طرح جميل بارك الله فيك
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى