بسم الله الرحمن الرحيم
قال العلاّمة المفسّر الأصولي الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي -رحمه الله-:
ومن فوائد الحث على التحرز مما يخشى ضره
لقوله: { يا بُنَيَّ لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا}
[ سورة يوسف : الآية 5 ]
وما فيها من التأكيد عليهم في حفظه حين أرسله معهم ثم عند إرسال أخيه بنيامين بعد ذلك أخذ عهودهم ومواثيقهم على ذلك . فالإنسان مأمور بالاحتراز , فإن نفع فذاك , وإلا لم يَلُم العبد نفسه . ومنها أن من الحزم إذا أراد العبد فعلا من الأفعال أن ينظر إليه من جميع نواحيه ويقدر كل احتمال ممكن , وأن الاحتراز بسوء الظن لا يضر إذا لم يحقق بل يحترز من كل احتمال يخشى ضرره , ولو تضمن ظن السوء بالغير إذا كانت القرائن تدل عليه وتقتضيه , كما في هذه الآية , وكما قويت القرائن في قوله :
{قَالَ هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلَّا كَمَا أَمِنْتُكُمْ عَلَى أَخِيهِ مِنْ قَبْلُ } [ سورة يوسف : الآية 64 ]
فإنه سبق لهم في أخيه ما سبق فلا يُلاَم يعقوب إذا ظن بهم هذا الظن , وإن كانوا في الأخ الأخير لم يجر منهم تفريط ولا تعدٍّ .
ومنها الحذر من الذنوب , خصوصا الذنوب التي يترتب عليها ذنوب أخر ويتسلسل شرُّها , كما فعل إخوة يوسف بيوسف , فإنه نفس فعلهم فيه عدة جرائم في حق الله وفي حق والديه وقرابته وفي حق يوسف ; ثم يتسلسل كذبهم كلما جرى ذكر يوسف وقضيته أخبروا بهذا الكذب الفظيع ولهذا حين تابوا وخضعوا وطلبوا من أبيهم السماح :
{قَالُوا يَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ } [ سورة يوسف : الآية 97 ]
ومنها أن بعض الشر أهون من بعض ; فحين اتفقوا على التفريق بين يوسف وأبيه ورأى أكثرهم أن القتل يحصل به الإبعاد الأبدي :
{قَالُوا يَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ } [ سورة يوسف : الآية 10 ]
فخفف به الشر عنهم ولهذا لما وردت السيارة الماء وأدلى واردهم دلوه تبشر بوجوده وقال :
{ هَذَا غُلاَمٌ} [الآية 19 ]
وكان إخوته حوله فقالوا : إنه غلام أبق منا ; وتبايعوا معهم :
{وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ وَكَانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ} [الآية 20 ]
وإنما قصدهم إبعاده والتأكيد على مشتريه منهم , صورة , أن يحتفظ به لئلا يهرب . ومن لطف الله أن الذي أخذه باعه في مصر على عزيزها , فحين رآه رغب فيه جدا وأحبه وقال لامرأته :
{ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا } [ الآية 21 ]
فبقي مكرما عندهم معفًى عن الأشغال الشاقة وغيرها متجردا للخير .
وهذا من اللطف بيوسف ولهذا قال :
{كَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ } [ الآية 21 ]
فكان تفرغه عند العزيز من أسباب تعلمه للعلوم النافعة ليكون أساسا لما بعده من الرفعة في الدنيا والآخرة . كما أن رؤياه مقدمة اللطف , وكما أن الله أوحى إليه حين ألقاه إخوته في الجب
: {لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هَذَا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ } [ الآية 15 ]
وهذه بشارة له بالنجاة مما هو فيه , وأنه سيصل إلى أن ينبئهم بأمرهم وهم لا يشعرون . وقد وقع ذلك في قوله
: {هَلْ عَلِمْتُمْ مَا فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنْتُمْ جَاهِلُونَ }
[ الآية 89 ] إلى آخر الآيات .
وألطاف المولى لا تخطر على البال , ومنها أن العبرة في حال العبد بكمال النهاية لا بنقص البداية , وذلك أن إخوة يوسف جرى منهم ما جرى من هذه الجرائم , لكن في آخر أمرهم ونهايته تابوا إلى الله , وطلبوا السماح من أخيهم يوسف ومن والديهم الاستغفار , فحصل لهم السماح التام والعفو الكامل فعفا الله عنهم وأوصلهم إلى الكمال اللائق بهم ."
[فوائد مستنبطة من قصة يوسف] (ص:29-33).
- عبدالحميد19عضو محترف
- رقم العضوية : 13498
الجنس : عدد المساهمات : 10035 نقاط التميز : 12443 تقييم العضو : 105 التسجيل : 07/10/2012 العمر : 34 الإقامة : برج بوعريريج
تمت المشاركة الجمعة مارس 28, 2014 4:47 pm
- عبدالحميد19عضو محترف
- رقم العضوية : 13498
الجنس : عدد المساهمات : 10035 نقاط التميز : 12443 تقييم العضو : 105 التسجيل : 07/10/2012 العمر : 34 الإقامة : برج بوعريريج
تمت المشاركة الأربعاء أبريل 02, 2014 8:40 pm
العفوووووووووووووووووووووو
- KHATRAOUIعضو جديد
- الجنس : عدد المساهمات : 44 نقاط التميز : 86 تقييم العضو : 5 التسجيل : 28/04/2015 العمر : 32
تمت المشاركة الأربعاء أبريل 29, 2015 12:09 am
جزاك الله الف خير على هذا الطرح القيم
وجعله الله فى ميزان اعملك ....
دمت بحفظ الرحمن ....
ودى وشذى الورود
وجعله الله فى ميزان اعملك ....
دمت بحفظ الرحمن ....
ودى وشذى الورود
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى