الحمد لله ربنا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، أما بعد:
فهذا موضوع لطيف أجمع ما ورد من الأخبار والأحاديث الواردة في صوم شهر الله المحرم من غير تخصيص يوم أو أيام بعينها من الشهر كتاسوعاء وعاشوراء -وقد أفردت فيه جزءًا- مما جاء في الكتب الستة، وأشير إلى ما جاء في بعضها من ضعف أو شذوذ، وأشير لبعض النكت والفوائد الحديثية المتعلقة ببعض الأحاديث، وختمت الباب بذكر الفوائد المتعلقة بالأحاديث رواية، والله أسأل أن ينفع بها.
أولاً: فقه الأحاديث دراية:
وقد رتبت الأحاديث على قسمين:
1- ما أخرجه الشيخان أو أحدهما وخرّجه أهل السنن.
2- ما انفرد به أهل السنن عن الشيخين.
أولاً: ما أخرجه الشيخان أو أحدهما وخرّجه أهل السنن:
1- حديث أبي عوانة عن أبي بشر عن حميد بن عبد الرحمن الحميري عن أبي هريرة رضى الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم، وأفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل"[1].
فالحديث حينئذ رُوي موصولاً ورُوي مرسلاً، فهل وصله صحيح؟
سئل إمام العلل في زمانه الدارقطني عن هذا الحديث[2] فقال:
"اختلف فيه على حميد بن عبد الرحمن فرواه عبد الملك بن عمير واختلف عنه فرواه زائدة بن قدامة وأبو حفص الأبار والثوري وشيبان وأبو حمزة وأبو عوانة وعبد الحكيم بن منصور وعكرمة بن إبراهيم وجرير بن عبد الحميد عن عبد الملك عن محمد بن المنتشر عن حميد بن عبد الرحمن عن أبي هريرة، وخالفهم عبيد الله بن عمرو الرقي رواه عن عبد الملك بن عمير عن جندب بن سفيان عن النبي ووهم فيه، والذي قبله أصح عن عبد الملك.
ورواه أبو بشر جعفر بن إياس عن حميد الحميري، واختلف عنه فأسنده أبو عوانة عن أبي بشر عن حميد الحميري عن أبي هريرة وخالفه شعبة فرواه عن أبي بشر عن حميد بن عبد الرحمن عن النبي ورفعه صحيح". اهـ.
وقال أبو حاتم كما في علل الحديث (564/1): "والصحيح متصل حميد عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم". انتهى النقل المراد منه.
فالخبر حينئذ صحيح موصولاً وإن روي مرسلاً، وقد نقل ابن القيم في تعليقاته على السنن أن الإمام الدارقطني رجح إرسال الخبر، ولم أقف على ما يشير إرسال الخبر عنه فإنه قد قال: "ورفعه صحيح".
بيان بالنكت والفوائد الحديثية المتعلقة بهذا الحديث:
1- ليس لحميد بن عبد الرحمن الحميري عن أبي هريرة رضى الله عنه في الصحيح إلا هذا الحديث.
2- كل حميد بن عبد الرحمن عن أبي هريرة رضى الله عنه فهو حميد بن عبد الرحمن الزهري إلا هذا الخبر فهو حميد بن عبد الرحمن الحميري. قال الحميدي في الجمع بين الصحيحين[3]: "وليس لحميد بن عبدالرحمن الحميري عن أبي هريرة في الصحيح غير هذا الحديث، وليس له في البخاري في صحيحه عن أبي هريرة شيء". اهـ.
3- أبو بشر اسمه جعفر بن أبي وحْشية (إياس) كما نص عليه أبو عيسى الترمذي في جامعه عقب الخبر.
4- جاء هذا الخبر عن جندب بن سفيان رضى الله عنه في غير الكتب الستة، وهذا وهم من عبيد الله بن عمرو كما نص عليه الدارقطني في علله كما سبق، وأبو حاتم كما في علل الحديث لابنه[4].
5- وقع في رواية النسائي أن حميد بن عبد الرحمن هو ابن عوف الزهري، وهذا وهم كما قاله الحافظ في النكت الظراف حيث قال: "وقد رواه غير ابن السني فلم يقل ابن عوف ونسبه مسلم في رواية الحميري". اهـ.
ثانيًا: ما انفرد به أهل السنن:
1- حديث عبد الرحمن بن إسحاق عن النعمان بن سعد عن علي رضى الله عنه: سأله رجل فقال: أي شهر تأمرني أن أصوم بعد شهر رمضان؟ قال له: ما سمعت أحدًا يسأل عن هذا إلا رجلاً سمعته يسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا قاعد فقال: يا رسول الله، أي شهر تأمرني أن أصوم بعد شهر رمضان؟ قال: "إن كنت صائمًا بعد شهر رمضان فصم المحرم؛ فإنه شهر الله، فيه يوم تاب فيه على قوم، ويتوب فيه على قوم آخرين"[5].
وهو من الأحاديث التي تفرد بها أبو عيسى الترمذي عن الخمسة ( البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه). والخبر ضعيف؛ في إسناده عبد الرحمن بن إسحاق الواسطي، وهو ضعيف كما في التقريب.
2- حديث يزيد بن عبد الله بن أسامة بن الهاد عن محمد بن إبراهيم أن أسامة بن زيد كان يصوم أشهر الحرم فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "صم شوالاً". فترك أشهر الحرم ثم لم يزل يصوم شوالاً حتى مات[6].
ووَجهُ ذكر الخبر هنا أن أسامة رضى الله عنه كان يصوم أشهر الحرم وهي ذو القعدة وذو الحجة ومحرم ورجب؛ ومحرم أحد الشهور الحرم، فلذا أوردته هنا.
وهذا الخبر مما تفرد به ابن ماجه عن الخمسة؛ ونادرًا ما ينفرد ابن ماجه بحديث صحيح. وهذا الخبر ضعيف منقطع؛ فلم يسمع محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي من أسامة ذكره في تهذيب التهذيب، ونص عليه البوصيري في الزوائد.
3- حديث الجُرَيري عن أبي السّليل عن مجيبة الباهلية عن أبيها أو عمها أنه أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم انطلق فأتاه بعد سنة وقد تغيرت حالته وهيئته فقال: يا رسول الله، أما تعرفني؟ قال: "ومن أنت؟" قال: أنا الباهلي الذي جئتك عام الأول، قال: "فما غيّرك وقد كنت حسن الهيئة" قال: ما أكلت طعامًا إلا بليل منذ فارقتك. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لمَ عذبت نفسك؟" ثم قال: "صم شهر الصبر ويومًا من كل شهر". قال: زدني؛ فإن بي قوة. قال: "صم يومين". قال: زدني. قال: "صم ثلاثة أيام". قال: زدني. قال: "صم من الحرم واترك، صم من الحرم واترك، صم من الحرم واترك". قال بأصابعها الثلاثة وضمها[7].
وهذا الخبر من الأحاديث التي انفرد بها أبو داود عن الشيخين، وقد جمع هذه الأحاديث الشيخ عبد العزيز الطريفي في مجلدين.
وهذا الخبر ضعيف؛ ففيه جهالة مجيبة الباهلية فقيل رجل وقيل امرأة من الصحابة وقيل أبو مجيبة الباهلية، وأعلَّ الخبر بالاضطراب. وقد روي الخبر في المسند والطبراني من حديث كهمس الهلالي من غير ذكر صوم الحرم.
نكتة: الأحاديث الواردة في تسمية رمضان شهر الصبر ومنها هذا الخبر أسانيدها ضعيفة، والمعنى صحيح.
ثانيًا: فقه الأحاديث رواية:
هذه بعض الفوائد المتعلقة بفوائد الباب من الأحاديث والتي أصحها حديث أبي هريرة رضى الله عنه المخرج في الصحيح، وهي:
1- فيه دليل على أفضلية التطوع بصيام شهر الله المحرم؛ وقد أورد الخبر في كتاب الصوم جملة من أهل العلم؛ منهم الإمام مسلم كدليل على الفضل. وقد نصّ النووي أن أفضل الشهور للصوم بعد رمضان محرم.
2- فيه دليل على أفضلية صلاة الليل، وقد أورد الخبر في كتاب الصلاة بعض أهل العلم كدليل على الفضل.
3- وجه تسمية شهر محرم بشهر الله المحرم ما قاله الحافظ أبو الفضل العراقي فيما نقله عنه السيوطي في شرحه على سنن النسائي[8]: "ما الحكمة في تسمية المحرم شهر الله والشهور كلها لله يحتمل أن يقال: لما كان من الأشهر الحرم التي حرم الله فيها القتال وكان أول شهور السنة أضيف إليه إضافة تخصيص، ولم يصح إضافة شهر من الشهور إلى الله تعالى عن النبي إلا شهر الله المحرم".
4- قوله: "أفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل". ذكر النووي في شرحه المنهاج[9] أن أبا إسحاق المروزي -وهو من الشافعية- استدل به على أن صلاة الليل أفضل من السنن الراتبة وخالفه في ذلك أكثر الشافعية، وقال النووي: "والأول أقوى وأوفق للحديث". وقد نقل النووي اتفاق العلماء على أن تطوع الليل أفضل من تطوع النهار.
5- مسألة: إن كان صوم المحرم أفضل الصيام بعد رمضان فكيف يجاب عن إكثار النبي صلى الله عليه وسلم الصيام من شعبان وعدم إكثاره من محرم؟
ذكر النووي في المنهاج (3/55) احتمالين: "أحدهما لعله إنما علم فضله في آخر حياته، والثاني لعله كان يعرض فيه أعذار من سفر أو مرض أو غيره". وقد سمعت بعض مشايخنا يقول: إن صيام شعبان من قبيل صوم النافلة قبل الفرض فهو أشبه بالرواتب، وصيام محرم من قبيل التطوع المطلق.
6- مسألة: ما هو الأفضل في التطوع بالصوم: صوم شهر محرم أو صوم شعبان؟
فضل صوم شهر الله المحرم ثبت من قوله صلى الله عليه وسلم، وصوم شعبان ثبت من فعله صلى الله عليه وسلم. فهل يقدم قوله أو فعله؟ وهذا من مباحث الأصول، والأظهر تقديم قوله على فعله؛ لأن قوله تشريع للأمة وفعله قد يرد عليه ما يرد من الخصوصية ونحو ذلك، فصوم شهر الله المحرم أفضل على الصحيح.
المصدر: موقع الأكاديمية الإسلامية.
- عبدالحميد19عضو محترف
- رقم العضوية : 13498
الجنس : عدد المساهمات : 10035 نقاط التميز : 12443 تقييم العضو : 105 التسجيل : 07/10/2012 العمر : 34 الإقامة : برج بوعريريج
تمت المشاركة السبت يوليو 20, 2013 2:18 pm
- yara Crazyعضو محترف
- رقم العضوية : 2016
الجنس : عدد المساهمات : 8007 نقاط التميز : 10221 تقييم العضو : 158 التسجيل : 27/12/2009 العمر : 33 الإقامة : الجزائر
تمت المشاركة السبت يوليو 20, 2013 3:29 pm
- زائرزائر
تمت المشاركة السبت يوليو 20, 2013 7:56 pm
جزاك الله كل خيرجعله فى ميزان حسناتك
انار الله قلبك بالايمان وادخلك الجنان
انار الله قلبك بالايمان وادخلك الجنان
- عبدالحميد19عضو محترف
- رقم العضوية : 13498
الجنس : عدد المساهمات : 10035 نقاط التميز : 12443 تقييم العضو : 105 التسجيل : 07/10/2012 العمر : 34 الإقامة : برج بوعريريج
تمت المشاركة السبت يوليو 20, 2013 9:13 pm
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى