بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
محسن
رجل طيب القلب إنسان متواضع يحب الحياة , يملك بيتا ً صغيرا ً يسكن فيه مع
عائلته المتحدة بالمحبة و الاحترام , و عنده حقل صغير و حظيرة فيها بعض
الدواجن و فرسه شهد التي يحبها كثيرا ً , شهد فرس جميلة سوداء بشعر حريري
منساب , رشيقة و سريعة جدا ً و تجيد القفز عن الحواجز المرتفعة , و في يوم
من الأيام ذهب محسن كعادته بعد العصر إلى الغابة مصطحبا ً شهدا ً لتنطلق و
تنتعش في الهواء الطلق و تنشر سيقانها بين الأغصان تعدو بسلاسة و حيوية و
سعادة , كان محسن يقضي أجمل الأوقات كعادته مع فرسه شهد حتى اقترب منه
الملك مع حراسه و حاشيته و كان الملك منبهرا ً بجمال ورشاقة و صفات شهد ,
فعرض على محسن أن يشتريها منه لكنه فوجئ بمحسن يرفض معتذرا ً لأنه لا
يستطيع الاستغناء عنها و لا بكنوز الدنيا , دُهش الملك من جراءته على رفض
عرض الملك رغم كل الإغراءات التي عرضها عليه فألحّ عليه لكنه تمسك رغم كلّ
شيء بموقفه الثابت مما أثار غضب الملك فاقترب مستشار الملك و اقترح على
الملك أخذ الفرس شهد بالقوة . الملك : أنت تعرف يا هذا أنني الملك و أنني أستطيع أخذها منك بالقوة و دون مقابل فأولى لك أن تقبل عرضي قبل أن أريك غضبي , محسن
: لا أريد إغضابك لكن من حقي أن أبيعك ما أملك أو أمتنع عن ذلك , و لو
طلبت مني شيئا ً آخر لكانت هنالك فرصة للتفكير لكن شهدا ً عندي واحدة من
أفراد أسرتي فهل سمعت عن شخص يبيع ابنته أو ابنه ؟ لكن عندي لك اقتراح قد
يرضيك و يرضيني فتستفيد دون أن أخسر , المستشار : من هو ليقترح عليك أو يعترض على طلبك ؟! الملك
: تبدو واثقا ً من نفسك ثابتا ً لا يهمك أن من يتحدث معك هو الملك , و رغم
إغضابك لي و جراءتك عليّ إلا أنني أحترم شجاعتك , لذا سأستمع إلى اقتراحك
فما هو ؟ محسن : أنت تملك من الخيول أجودها و
أسرعها و أجملها , بإمكانك أن تحضر ما تختاره من بينها ليصبح أبا ً لمهر
تلده شهد منه يحمل أفضل صفات والده و والدته فيفوق حسنهما و قوتهما و
رشاقتهما . الملك : ما كنت لأسمح لأحد بما
سأسمح به لك فقط لأنني أعجبت بقوتك و ثباتك , سأتخيّر جوادا ً من خيرة ما
أملك , تعال معنا إلى مزرعتي الخاصة لعلك تدرك من هو الملك .
و في مزرعة الملك الخاصة الكبيرة
الملك : أيها الخدم أحضروا إليّ أفضل جواد . الخادم : يا سيدي الملك , يؤسفنا أن نخبرك أن الحصان الأصيل أصيل قد كـُسِرت ساقه اليوم . الملك : كيف حدث هذا !؟ أحضروا له الأطباء . الخادم : قد أجمع الأطباء أن لا علاج لأصيل إلا العشبة التي تنبت على قمة جبل الذئاب . المستشار : يا سيدي , مُرهُ أن يحضر لك تلك العشبة لعلاج أصيل , فإن عاد بها قبل مرور أسبوع حافظ على شهد و إلا ... , الملك : إسمع يا هذا , قد رأيت من شجاعتك ما أثار اهتمامي , و إني أريد امتحانك و اختبار مدى استحقاقك لملكية هذه الفرس الحسناء . محسن
: لم أتعود على رفض التحديّ , و لكن تذكـّر أنك تبعث بي إلى الموت إلا أن
يشاء الله غير ذلك , و تذكـّر عاقبة ذلك عند الجبار ذي القوة المتين .
الملك
: أعطوه ثلاثة من أفضل جيادنا يحملونه على عربة محصنة تحميه من الذئاب و
تساهم برجوعه بأسرع وقت , كيف ترى ذلك يا هذا ؟ ألست ملكا ً عادلا ً ؟
ما إن اعتلى محسن العربة حتى مضى مسرعا ً يشق طريقه كالبرق و اختفى عن الأنظار بسرعة هائلة . المستشار : إن عاد ... فليس قبل شهر , أبارك لك يا سيدي فوزك بشهد .
مرّت سبعة أيام و لم يتبقّ إلا ساعة لكن محسن لم يعد بعد . المستشار : ألم أقل لك يا سيدي ؟ بارك الله لك شهدا ً فاهنأ بها . الملك : ليس بعد , سننتظر حتى آخر لحظة لكي لا يقول أحد أن الملك أخذها ظلما ً و عدوا ً . المستشار : و من يجرؤ على قول ذلك يا سيدي , لكن كما تشاء .
و
انتهى الوقت و لم يرجع محسن بعد , لكنهم فوجئوا بعودة جوادين من جياد
الملك التي أرسلها مع محسن , و مرّ شهر ثم آخر ثم حملت شهد من أصيل و كفـّل
الملك بها خمسة أطباء ليتعنوا بها طيلة حملها حتى حان الوقت المتوقع
لولادتها لكنها لم تلد بل بدأت تظهر عليها علامات الحزن الذي أخذ يشتد و
يشتد حتى باتت لا تقبل الطعام و لا الشراب و دموعها تسيل بصمت و كآبة ,
فأحضر الملك لها مزيدا ً من الأطباء و الدواء دون فائدة و المفاجأة أن
أصيلا ً تأثر بها و أصابه ما أصابها حتى تدهورت صحته إلى أن مات حزنا ً , و
مضت الأيام دون أيّ علامات للولادة حتى أدرك الأطباء أنها إن لم تلد بأسرع
وقت فستموت و يموت مهرها في بطنها مما زاد قلق الملك , فأشار عليه أحد
الأطباء أن يحضر لشهد من تعرفه و يعرفها لعله يعرف علتها , فأشار المستشار
عليه بإحضار زوجة محسن . الملك : هل تعرفين شهدا ً و طباعها ؟ زوجة محسن : كيف لا أعرف إحدى أفراد أسرتي و التي ضحى زوجي بنفسه للحفاظ عليها ؟!
انتبه الملك في تلك اللحظة أن الحزن قد أضنى تلك المرأة و البكاء أذبل عينيها و رسمت الدموع طريقها على وجهها . زوجة محسن
: أنت تريد مني أن أساعدك لإنقاذ فرس أحببت َ شكلها و سرعتها و جمالها و
رشاقتها , متناسيا ً رجلا ً أرسلته للهلاك تاركا ً وراءه بيتا ً و أسرة ً
تحبه أكثر من روحها و لم يبق َ لها في هذه الدنيا بعده أحدا ً إلا خالقها ,
و لم يتحرك ضميرك الذي يغط في سبات عميق لكونك تركته دون أن تسأل عنه أو
تعرف مصيره , و أطفالي صغار لا يستطيعون البحث عنه و لا أستطيع تركهم أو
اصطحابهم للبحث عنه . الملك : أنا لست ملكا ً جائرا ً أيتها المرأة و سترين ذلك , إبعثوا عشرين رجلا ً للبحث عنه في كل مكان حتى يعودوا به أو بأيّ خبر ٍ عنه . زوجة محسن : أرسلني إلى شهد ٍ لأراها .
و التقت زوجة محسن بشهد ٍ فحضنتها و بكت و سالت دموع شهد و اعتلتها مشاعر مختلطة بين فرح و حزن . زوجة محسن
: يا صغيرتي الحلوة , ها قد كبرت ِ و توشكين أن تصبحي أما ً , عزيزتي
المدللة , لقد ذهب فارسك إلى طريق لا يعود منه أحد لأجلك ِ و ليحافط عليك ِ
, أفترضين أن يعود ليراك ِ هكذا أو لا سمح الله أن لا يراك ِ ؟ و هذا
المهر الصغير الجنين في بطنك ِ ما ذنبه لتقتليه بحزنك ِ على فارسك ِ ؟ لم
يربّك ِ فارسك على مثل هذا يا غاليتي .
فجأة تبدأ آلام
المخاض عند الفرس شهد و يهبّ الأطباء لمساعدتها فتبعدهم زوجة محسن لتتكفل
هي بذلك فيأمرهم الملك بالابتعاد و السماح لها بذلك . ولدت شهد مهرا ً
أبيضا ً بياضه كالثلج و شعره ذهبي برّاق كخيوط الشمس . فرح الملك به كثيرا ً
لكنه سرعان ما توقف صامتا ً خجلا ً من زوجة محسن التي لم تتوقف عيناها عن
ذرف الدموع بصمت و حزن . و في تلك اللحظة فـُتح الباب فالتفت جميع الحاضرين
إليه و إذا برجل يركب جوادا ً يدخل من الباب , نعم إنه محسن , وسط مشاعر
الفرحة التي غمرت زوجته و فرسه اللتين تسابقتا إليه , وقف الملك مندهشا ً
الملك
: كيف أحمد الله أن لم يجعلك في عنقي إلى يوم القيامة ؟ كم كنت أنانيا ً
عندما أرسلتك إلى التهلكة لأحظى بفرس أعجبتني ! لن أغفر لنفسي هذا , و لكن
حدثنا أولا ً عن أخبارك . محسن : كنت قد بدأت
رحلتي مسرعا ً كالبرق لعلمي أنني بحاجة لشهر على الأقل لإنهاء مهمتي التي
أعطيتني لها فرصة أسبوع فقط , لكنني توقفت بعد ساعات لأعاتب نفسي على ظلمي
للجياد التي لا ذنب لها لتتحمل تلك المشقة فبدأت أريحها قليلا ً ثم أعاود
السير حتى وقعت ساق أحدهم في حفرة فكـُسِرت , هنالك كنت في امتحان صعب
وفقني الله لاجتيازه و الحمد لله , فنفسي الأمارة بالسوء حدثتني بترك ذلك
الحصان لأمضي في طريقي لكن ضميري لم يسمح لي بذلك فقد غذيته بحب الله حتى
علمه الله خشيته بفضله و كرمه , فلم أترك الحصان لأنه سوف يموت حتما ً إما
من ألم ٍ أو جوع ٍ أو عطش ٍ أو من حيوانات ٍ مفترسة , فقررت إرسال الحصانين
الآخرَين فإما أن يعيشا في الغابة أو يعودا إلى مزرعتك أو يؤويهما أحد ما
عنده , و أكملت السير مع الحصان المصاب ببطء حتى وصلنا إلى النبتة
فاستخدمتها في علاجه , و لم يبق َ منها شيء و كنت أعلم من قبل أنها تنبت
مرة كل سنة و لا جدوى من الانتظار فعدت به إليك . الملك :
في الوقت الذي كنت تهتم بأمر حصاني و تؤثره على مصلحتك كان الغرور و الطمع
قد أعمى بصيرتي و غرّتني نفسي فلا جزاء لي أفضل من أن تستردّ فرسك التي
تحبك و تحبها و التي أخذتها منك ظلما ً و عدوا ً و دفعت بك إلى التهلكة
للحصول عليها , و تركت أسرتك تعيش الموت حزنا ً على فراقك قهرا ً لعدم
معرفة أخبارك , لقد أعطاني الله العزيز رسالة تنبيه بأن كـُسِرَت ساق جوادي
أصيل عندما فكـّرت بالحصول على الفرس شهد ظلما ً لكنني لم أتعظ بل غرتني
نفسي و نفوذي , ثم عاقبني بموته , أدركت الآن خطأي و أعترف و أقرّ به , ليس
هذا و حسب بل إنني أدرك الآن أنني لا أستحق أن أكون ملكا ً و أنا الآن
أتنازل عن ملكي و قصري و ثروتي و أموالي لك لأعيش في بيتك و تكون أنت في
مكانك الصحيح ملكا ً لهذه البلاد و تعيش في هذا القصر . محسن : قصري هو بيتي , و ثروتي هي أسرتي و سعادتي هي حبي لهم و حبهم لي , إبق َ في مكانك و سأعود إلى مكاني . المستشار : هذه مبالغة أيها الملك ! أعطِهِ مالا ً ينعم به و انتهى الأمر . الملك
: المبالغة هي اتخاذ بطانة مثلك و مستشارا ً يزيّن لي سوء عملي و يهوي بي
إلى جهنم , أنت معزول و مطرود و أعيّن أخي محسنا ً بدلا ً عنك إن واقف و
تكرّم عليّ بذلك , فأنا يا عزيزي محسن بحاجة إلى بطانة مثلك و نصح و مشورة
من قلبك و حكمتك , لعل الله يمن ّ علي ّ بضمير ٍ كضميرك يحرسني من شرور
نفسي و شيطاني و يمنعني من ظلم نفسي بظلم الناس
كانت
تلك قصة من الخيال و الأفكار , ربما يراها بعضنا مبالغة في الخيال و
القرار , و ربما تكون قد حدثت يوما ً بتطابق ٍ أو باختلاف ِ أحداث ٍ أو
حوار , فسبحان من يعلم الغيب و يقدر الأقدار و يقلـّب الليل و النهار , و
نسأل الله أن ينفعنا بها و كل من تصل إليه من المسلمين في مختلف الأمصار و
الديار و الأقطار
اللهم صل ِ و سلـّم و بارك على الحبيب سيدنا محمد
و على آله و أصحابه أجمعين
رجل طيب القلب إنسان متواضع يحب الحياة , يملك بيتا ً صغيرا ً يسكن فيه مع
عائلته المتحدة بالمحبة و الاحترام , و عنده حقل صغير و حظيرة فيها بعض
الدواجن و فرسه شهد التي يحبها كثيرا ً , شهد فرس جميلة سوداء بشعر حريري
منساب , رشيقة و سريعة جدا ً و تجيد القفز عن الحواجز المرتفعة , و في يوم
من الأيام ذهب محسن كعادته بعد العصر إلى الغابة مصطحبا ً شهدا ً لتنطلق و
تنتعش في الهواء الطلق و تنشر سيقانها بين الأغصان تعدو بسلاسة و حيوية و
سعادة , كان محسن يقضي أجمل الأوقات كعادته مع فرسه شهد حتى اقترب منه
الملك مع حراسه و حاشيته و كان الملك منبهرا ً بجمال ورشاقة و صفات شهد ,
فعرض على محسن أن يشتريها منه لكنه فوجئ بمحسن يرفض معتذرا ً لأنه لا
يستطيع الاستغناء عنها و لا بكنوز الدنيا , دُهش الملك من جراءته على رفض
عرض الملك رغم كل الإغراءات التي عرضها عليه فألحّ عليه لكنه تمسك رغم كلّ
شيء بموقفه الثابت مما أثار غضب الملك فاقترب مستشار الملك و اقترح على
الملك أخذ الفرس شهد بالقوة . الملك : أنت تعرف يا هذا أنني الملك و أنني أستطيع أخذها منك بالقوة و دون مقابل فأولى لك أن تقبل عرضي قبل أن أريك غضبي , محسن
: لا أريد إغضابك لكن من حقي أن أبيعك ما أملك أو أمتنع عن ذلك , و لو
طلبت مني شيئا ً آخر لكانت هنالك فرصة للتفكير لكن شهدا ً عندي واحدة من
أفراد أسرتي فهل سمعت عن شخص يبيع ابنته أو ابنه ؟ لكن عندي لك اقتراح قد
يرضيك و يرضيني فتستفيد دون أن أخسر , المستشار : من هو ليقترح عليك أو يعترض على طلبك ؟! الملك
: تبدو واثقا ً من نفسك ثابتا ً لا يهمك أن من يتحدث معك هو الملك , و رغم
إغضابك لي و جراءتك عليّ إلا أنني أحترم شجاعتك , لذا سأستمع إلى اقتراحك
فما هو ؟ محسن : أنت تملك من الخيول أجودها و
أسرعها و أجملها , بإمكانك أن تحضر ما تختاره من بينها ليصبح أبا ً لمهر
تلده شهد منه يحمل أفضل صفات والده و والدته فيفوق حسنهما و قوتهما و
رشاقتهما . الملك : ما كنت لأسمح لأحد بما
سأسمح به لك فقط لأنني أعجبت بقوتك و ثباتك , سأتخيّر جوادا ً من خيرة ما
أملك , تعال معنا إلى مزرعتي الخاصة لعلك تدرك من هو الملك .
و في مزرعة الملك الخاصة الكبيرة
الملك : أيها الخدم أحضروا إليّ أفضل جواد . الخادم : يا سيدي الملك , يؤسفنا أن نخبرك أن الحصان الأصيل أصيل قد كـُسِرت ساقه اليوم . الملك : كيف حدث هذا !؟ أحضروا له الأطباء . الخادم : قد أجمع الأطباء أن لا علاج لأصيل إلا العشبة التي تنبت على قمة جبل الذئاب . المستشار : يا سيدي , مُرهُ أن يحضر لك تلك العشبة لعلاج أصيل , فإن عاد بها قبل مرور أسبوع حافظ على شهد و إلا ... , الملك : إسمع يا هذا , قد رأيت من شجاعتك ما أثار اهتمامي , و إني أريد امتحانك و اختبار مدى استحقاقك لملكية هذه الفرس الحسناء . محسن
: لم أتعود على رفض التحديّ , و لكن تذكـّر أنك تبعث بي إلى الموت إلا أن
يشاء الله غير ذلك , و تذكـّر عاقبة ذلك عند الجبار ذي القوة المتين .
الملك
: أعطوه ثلاثة من أفضل جيادنا يحملونه على عربة محصنة تحميه من الذئاب و
تساهم برجوعه بأسرع وقت , كيف ترى ذلك يا هذا ؟ ألست ملكا ً عادلا ً ؟
ما إن اعتلى محسن العربة حتى مضى مسرعا ً يشق طريقه كالبرق و اختفى عن الأنظار بسرعة هائلة . المستشار : إن عاد ... فليس قبل شهر , أبارك لك يا سيدي فوزك بشهد .
مرّت سبعة أيام و لم يتبقّ إلا ساعة لكن محسن لم يعد بعد . المستشار : ألم أقل لك يا سيدي ؟ بارك الله لك شهدا ً فاهنأ بها . الملك : ليس بعد , سننتظر حتى آخر لحظة لكي لا يقول أحد أن الملك أخذها ظلما ً و عدوا ً . المستشار : و من يجرؤ على قول ذلك يا سيدي , لكن كما تشاء .
و
انتهى الوقت و لم يرجع محسن بعد , لكنهم فوجئوا بعودة جوادين من جياد
الملك التي أرسلها مع محسن , و مرّ شهر ثم آخر ثم حملت شهد من أصيل و كفـّل
الملك بها خمسة أطباء ليتعنوا بها طيلة حملها حتى حان الوقت المتوقع
لولادتها لكنها لم تلد بل بدأت تظهر عليها علامات الحزن الذي أخذ يشتد و
يشتد حتى باتت لا تقبل الطعام و لا الشراب و دموعها تسيل بصمت و كآبة ,
فأحضر الملك لها مزيدا ً من الأطباء و الدواء دون فائدة و المفاجأة أن
أصيلا ً تأثر بها و أصابه ما أصابها حتى تدهورت صحته إلى أن مات حزنا ً , و
مضت الأيام دون أيّ علامات للولادة حتى أدرك الأطباء أنها إن لم تلد بأسرع
وقت فستموت و يموت مهرها في بطنها مما زاد قلق الملك , فأشار عليه أحد
الأطباء أن يحضر لشهد من تعرفه و يعرفها لعله يعرف علتها , فأشار المستشار
عليه بإحضار زوجة محسن . الملك : هل تعرفين شهدا ً و طباعها ؟ زوجة محسن : كيف لا أعرف إحدى أفراد أسرتي و التي ضحى زوجي بنفسه للحفاظ عليها ؟!
انتبه الملك في تلك اللحظة أن الحزن قد أضنى تلك المرأة و البكاء أذبل عينيها و رسمت الدموع طريقها على وجهها . زوجة محسن
: أنت تريد مني أن أساعدك لإنقاذ فرس أحببت َ شكلها و سرعتها و جمالها و
رشاقتها , متناسيا ً رجلا ً أرسلته للهلاك تاركا ً وراءه بيتا ً و أسرة ً
تحبه أكثر من روحها و لم يبق َ لها في هذه الدنيا بعده أحدا ً إلا خالقها ,
و لم يتحرك ضميرك الذي يغط في سبات عميق لكونك تركته دون أن تسأل عنه أو
تعرف مصيره , و أطفالي صغار لا يستطيعون البحث عنه و لا أستطيع تركهم أو
اصطحابهم للبحث عنه . الملك : أنا لست ملكا ً جائرا ً أيتها المرأة و سترين ذلك , إبعثوا عشرين رجلا ً للبحث عنه في كل مكان حتى يعودوا به أو بأيّ خبر ٍ عنه . زوجة محسن : أرسلني إلى شهد ٍ لأراها .
و التقت زوجة محسن بشهد ٍ فحضنتها و بكت و سالت دموع شهد و اعتلتها مشاعر مختلطة بين فرح و حزن . زوجة محسن
: يا صغيرتي الحلوة , ها قد كبرت ِ و توشكين أن تصبحي أما ً , عزيزتي
المدللة , لقد ذهب فارسك إلى طريق لا يعود منه أحد لأجلك ِ و ليحافط عليك ِ
, أفترضين أن يعود ليراك ِ هكذا أو لا سمح الله أن لا يراك ِ ؟ و هذا
المهر الصغير الجنين في بطنك ِ ما ذنبه لتقتليه بحزنك ِ على فارسك ِ ؟ لم
يربّك ِ فارسك على مثل هذا يا غاليتي .
فجأة تبدأ آلام
المخاض عند الفرس شهد و يهبّ الأطباء لمساعدتها فتبعدهم زوجة محسن لتتكفل
هي بذلك فيأمرهم الملك بالابتعاد و السماح لها بذلك . ولدت شهد مهرا ً
أبيضا ً بياضه كالثلج و شعره ذهبي برّاق كخيوط الشمس . فرح الملك به كثيرا ً
لكنه سرعان ما توقف صامتا ً خجلا ً من زوجة محسن التي لم تتوقف عيناها عن
ذرف الدموع بصمت و حزن . و في تلك اللحظة فـُتح الباب فالتفت جميع الحاضرين
إليه و إذا برجل يركب جوادا ً يدخل من الباب , نعم إنه محسن , وسط مشاعر
الفرحة التي غمرت زوجته و فرسه اللتين تسابقتا إليه , وقف الملك مندهشا ً
الملك
: كيف أحمد الله أن لم يجعلك في عنقي إلى يوم القيامة ؟ كم كنت أنانيا ً
عندما أرسلتك إلى التهلكة لأحظى بفرس أعجبتني ! لن أغفر لنفسي هذا , و لكن
حدثنا أولا ً عن أخبارك . محسن : كنت قد بدأت
رحلتي مسرعا ً كالبرق لعلمي أنني بحاجة لشهر على الأقل لإنهاء مهمتي التي
أعطيتني لها فرصة أسبوع فقط , لكنني توقفت بعد ساعات لأعاتب نفسي على ظلمي
للجياد التي لا ذنب لها لتتحمل تلك المشقة فبدأت أريحها قليلا ً ثم أعاود
السير حتى وقعت ساق أحدهم في حفرة فكـُسِرت , هنالك كنت في امتحان صعب
وفقني الله لاجتيازه و الحمد لله , فنفسي الأمارة بالسوء حدثتني بترك ذلك
الحصان لأمضي في طريقي لكن ضميري لم يسمح لي بذلك فقد غذيته بحب الله حتى
علمه الله خشيته بفضله و كرمه , فلم أترك الحصان لأنه سوف يموت حتما ً إما
من ألم ٍ أو جوع ٍ أو عطش ٍ أو من حيوانات ٍ مفترسة , فقررت إرسال الحصانين
الآخرَين فإما أن يعيشا في الغابة أو يعودا إلى مزرعتك أو يؤويهما أحد ما
عنده , و أكملت السير مع الحصان المصاب ببطء حتى وصلنا إلى النبتة
فاستخدمتها في علاجه , و لم يبق َ منها شيء و كنت أعلم من قبل أنها تنبت
مرة كل سنة و لا جدوى من الانتظار فعدت به إليك . الملك :
في الوقت الذي كنت تهتم بأمر حصاني و تؤثره على مصلحتك كان الغرور و الطمع
قد أعمى بصيرتي و غرّتني نفسي فلا جزاء لي أفضل من أن تستردّ فرسك التي
تحبك و تحبها و التي أخذتها منك ظلما ً و عدوا ً و دفعت بك إلى التهلكة
للحصول عليها , و تركت أسرتك تعيش الموت حزنا ً على فراقك قهرا ً لعدم
معرفة أخبارك , لقد أعطاني الله العزيز رسالة تنبيه بأن كـُسِرَت ساق جوادي
أصيل عندما فكـّرت بالحصول على الفرس شهد ظلما ً لكنني لم أتعظ بل غرتني
نفسي و نفوذي , ثم عاقبني بموته , أدركت الآن خطأي و أعترف و أقرّ به , ليس
هذا و حسب بل إنني أدرك الآن أنني لا أستحق أن أكون ملكا ً و أنا الآن
أتنازل عن ملكي و قصري و ثروتي و أموالي لك لأعيش في بيتك و تكون أنت في
مكانك الصحيح ملكا ً لهذه البلاد و تعيش في هذا القصر . محسن : قصري هو بيتي , و ثروتي هي أسرتي و سعادتي هي حبي لهم و حبهم لي , إبق َ في مكانك و سأعود إلى مكاني . المستشار : هذه مبالغة أيها الملك ! أعطِهِ مالا ً ينعم به و انتهى الأمر . الملك
: المبالغة هي اتخاذ بطانة مثلك و مستشارا ً يزيّن لي سوء عملي و يهوي بي
إلى جهنم , أنت معزول و مطرود و أعيّن أخي محسنا ً بدلا ً عنك إن واقف و
تكرّم عليّ بذلك , فأنا يا عزيزي محسن بحاجة إلى بطانة مثلك و نصح و مشورة
من قلبك و حكمتك , لعل الله يمن ّ علي ّ بضمير ٍ كضميرك يحرسني من شرور
نفسي و شيطاني و يمنعني من ظلم نفسي بظلم الناس
كانت
تلك قصة من الخيال و الأفكار , ربما يراها بعضنا مبالغة في الخيال و
القرار , و ربما تكون قد حدثت يوما ً بتطابق ٍ أو باختلاف ِ أحداث ٍ أو
حوار , فسبحان من يعلم الغيب و يقدر الأقدار و يقلـّب الليل و النهار , و
نسأل الله أن ينفعنا بها و كل من تصل إليه من المسلمين في مختلف الأمصار و
الديار و الأقطار
اللهم صل ِ و سلـّم و بارك على الحبيب سيدنا محمد
و على آله و أصحابه أجمعين