الرئيسية
المنشورات
أحدث الصور
التسجيل
دخول
"التعلُّم الذاتي" معناه ببساطة: التعلُّم من دون معلم. الأطفال الكسالى حين يسمعون بهذا أظنهم سيقفزون قائلين: تعلُّم من دون معلم! آه، آه، يا سلام! يعني لن نذهبَ إلى المدرسة، ولن نحفظَ درساً أو نكتبَ وظيفة.. في الحقيقة هذا تفسيرٌ ساذج.. تفسيرٌ مضحك. إنَّ التعلم الذاتي: أساسه جهدك الخاص، والمتعلِّم ذاتياً يصبح معلماً وتلميذاً في الوقت نفسه. كيف؟! أي أنك تجمع المعلومات وتقدِّمها لنفسك، بينما يقدِّم المعلمُ المعلومات لتلميذه.. هذا يشبه عملَ العصفور الذي يجمع الغذاءَ بنفسه ولنفسه. يشبه عملَ النهر الذي يفتح صدره لسواقي الماء والأمطار كي يمتلئ ويصبح نهراً جميلاً عذباً.
ولكي يتضح موضوع التعلم الذاتي لا بدَّ من الإجابة عن ثلاثة أسئلة:
مدرسة أخرى غير رسمية تفتح
ذراعيها للصغير
1. كيف نتعلم ذاتياً؟
2. لماذا نتعلم ذاتياً؟
3.هل التعلُّمُ الذاتي بديل عن المدرسة؟
جواب السؤال الأول: نتعلم ذاتياً بوسيلة سهلة جميلة هي القراءة أو المطالعة، فحين نفتح مجلةَ أطفال، ونقرأ فيها موضوعاً عن الحياة في القطب الشمالي نمارس هذا النوعَ من التعلم، وكذلك حين نستخدم المتصفِّح الرقمي في الحاسوب، ونقرأ عن ظاهرة كسوف الشمس نمارس أيضاً هذا النوع من التعلم.
جواب السؤال الثاني: إنَّ التعلم الذاتي صار ضرورياً.. صار مُلحِّاً لنسيرَ مع العصر ونتواصلَ معه، فالمعارف تزيد وتكبر كلَّ يوم كشجرة عجيبة نموها لا يقف عند حد، وهذه المعارف سرعان ما تدخل في مجرى الحياة اليومية وتؤثِّر في كل شيء، ومن لا يعرفها يكن غريباً أو ضائعاً أو أبله يضحك منه الضاحكون أو يبتعد عنه الناس.
جواب السؤال الثالث: لا. التعلُّم الذاتي ليس بديلاً عن المدرسة، بل هو مدرسة أخرى غير رسمية تفتح ذراعيها للصغير والكبير طوالَ العمر، وفيها يكتسب الإنسان معارفَ جديدة.. معارفَ إضافية، فيغدو متلألئاً بعلمه، وكأنه نجم نزل من السماء إلى الأرض! وكثيراً ما نتعجب من رجل كبير السن لم يحصل على غير الشهادة الابتدائية، لكننا نراه يفوق أصحابَ الشهادات العليا حين يتحدث في اللغة أو التاريخ أو الموسيقا. تفوقه بالتأكيد هو ثمرة من ثمار التعلم الذاتي.
ونستطيع أن نعرف التعلمَ الذاتي أكثرَ وأكثر إذا تحدثنا عن مزاياه، ومنها:
شو رايك إنت؟
1- هو تعلُّمٌ حر يمارسه الإنسان صباحاً ومساء في المنزل، في الحديقة، في القطار، في الطائرة.
2- مصحوبٌ بالمتعة، لأنَّ المتعلم يُقبل عليه باختياره كما يُقبل على تسلية محببة.
3- فاعلية المتعلم كبيرة جداً في هذا النوع من التعلم، ومع ما يجنيه من المعرفة يكتسب ثقةً بالنفس ونوراً جميلاً يشع في داخله كقمر باسم.
القدماء أيضاً عرفوا التعلُّمَ الذاتي، وقد جرتْ ذات يوم هذه القصة:
وصل شابٌ فقير إلى مدينة كبيرة، قدماه متعبتان من البحث عن عمل، لكنَّ عينيه تشعان ذكاءً، وجد أهلَ المدينة مشغولين باختيار عميد لمدينتهم، والمدهش أنهم يريدون لهذا المنصب الرجلَ الأكثرَ علماً، لقد نضج الناس في تلك المدينة فلم يعد يهمهم نسبُ العميد أو جماله أو ماله، وإنما يهمهم عددُ العلوم التي يتقنها، ولشدة اهتمامهم بالحالة العلمية سمَّوا بلدهم (قمرَ العلوم). في ساحة المدينة أخذ الرجال والشبان يعرضون معارفَهم أمام لجنة خاصة من الحكماء. هذا يتقن خمسةَ علوم. ذاك يتقن ستة. وآخر يتقن سبعةً أو ثمانية.
تقدم الشاب الفقير، فكانت المفاجأة أنه يتقن أحدَ عشر علماً، ثلاثةَ علوم اكتسبها من المدرسة، وثمانيةً اكتسبها بنفسه عن طريق التعلم الذاتي!
إذن هو الأكثر علماً، لكنه غريب عن المدينة.. فهل يجوز أن يصبح عميداً لها؟ صمتَ الحكماءُ أصحابُ الرأي في هذه المسألة، تبادلوا النظرات، مشَّطوا لحاهم بأصابعهم، ثم نهض كبيرهم قائلاً: من يتقن أحدَ عشر علماً ليس غريباً في مدينة قمر العلوم. بعد هذا القول ابتسم الجميع للشاب، أركبوه في العربة، واصطحبوه فرحين إلى قصره الخاص.
منقول
