قصة عجيبة عن
مكر الثعالبهذه القصة وقعت أحداثها في الماضي في إحدى الجزر النيلية في شمال السودان .. الجزيرة مساحتها تقريباً عشرة كيلومترات مربعة .. جزيرة طولية محاطة بماء النيل من كل الجهات .. وأهلها يقطنون في البر الشرقي أو الغربي للجزيرة .. ويدخلون الجزيرة للزراعة فيها بواسطة مراكب صغيرة .. أما النواحي الجنوبية والشمالية فهي نواحي قدوم النهر وخروجه .. وكل المساحة مخصصة للزراعة .. وكذلك مكان حظائر الحيوانات الداجنة الأليفة من الأنعام .. ولا توجد في الجزيرة المساكن الثابتة لأن الجزيرة في مواسم الفيضانات تختفي كلياً تحت المياه .. ثم تظهر بعد انحصار المياه بخصوبة طينية متجددة متراكمة .. مما تمثل نوعية مرغوبة ومطلوبة لزراعة المحاصيل الموسمية .. وفي بعض المواسم ينشف النهر كلياً .. فيلتقي البر الشرقي والغربي بالجزيرة دون حائل المياه .. حيث يصبح مجرى النهر خاليا من المياه مما يلغي عنها صفة الجزيرة .. وعند ذلك تتمكن بعض الحيوانات الضالة من دخول الجزيرة .. مثل الكلاب والثعالب .. التي تبحث عن ضالتها من الفئران والقوارض الأخرى التي تكون متوفرة في حقول الزراعة ..
............ وفي سنة من السنوات بعد انتهاء الموسم الزراعي بالحصاد الناجح .. والجزيرة ما زالت محاطة بالمياه من كل الجهات .. وبعد ترحيل المنتج الزراعي للبر الشرقي والغربي ظهرت الجزيرة مكشوفة من كل أنواع النباتات إلا تلك الأعشاب القصيرة والتي تعرف بالنجيل .. فظهرت الجزيرة وكأنها ساحة لمهبط الطائرات في مطار دولي .. خالية من كل أنواع الأعشاب الطويلة والقصيرة .. والذي يقف عند الطرف الأقصى من الجزيرة يستطيع أن يكشف كل صغيرة وكبيرة فيها .. وبما أن الجزيرة لا تشهد نشاطاً زراعياَ رحل عنها معظم المزارعين للبر الشرقي أو الغربي .. وبقي هناك فقط فتية من الشباب الواعد الذين كانوا يشتكون من الفراغ القاتل .. فهم يجلسون دون أعمال تشغلهم وفقط يلعبون ويتسامرون .. وفجأة ظهر أمامهم ثعلب .. وذاك الثعلب عندما وجد نفسه فجأة أمام الشباب حاول الفرار بأقصى سرعة .. وهنا كانت الفرصة متاحة لهؤلاء الشباب الذين وجدوا شيئاَ يشغلهم عن ذلك الفراق القاتل .. فاتخذوا قراراً فورا بالقبض على ذلك الثعلب حياً بأي حال من الأحوال .. وخاصة والثعلب ليس له إلا ساحة الجزيرة ولا يستطيع الوصول للبر الشرقي أو الغربي .. ومن هنا بدأت فكرة مطاردة الثعلب والقبض عليه .. فأخذوا حبالاً وعصياً وركضوا خلف الثعلب .. ولكن من أعجب الأشياء أن الثعلب كان يركض في المحيط الخارجي للجزيرة في الأطراف المجاورة للنهر .. ولم يحاول مرة من المرات أن يركض لداخل الجزيرة مما أوجد مضماراً للركض طويلاً .. وبالتالي كان يتسبب في إرهاق الشباب الذين كانوا يركضون خلفه بجدية ونشاط .. ثم هناك ملاحظة أخرى عجيبة .. كان الثعلب بعد أن يركض لمسافة نصف كيلومتر تقريبا يدخل في حفرة من تلك الحفر المعدة والمجهزة سلفاَ على طول محيط الجزيرة .. وتلك الحفر لها فتحتان .. والمسافة بين الفتحتين تقريبا عشرة أمتار .. كان الثعلب أثناء الركض يدخل بسرعة من فتحة ثم يخرج فوراً من الفتحة الثانية ولا يتريثً .. ويواصل الركض والشباب يلاحقونه من الخلف .. وتتكرر الظاهرة في كل مضمار محيط الجزيرة .. وتواصلت المطاردة لذلك الثعلب الذي ظل يركض لمدة أكثر من ستة ساعات ,, والشباب يلاحقونه من الخلف .. والثعلب يكرر نفس القصة عند الوصول لمواقع الحفر ,, يدخل من فتحة بسرعة شديدة ثم يخرج من الفتحة الثانية في لمحة البرق ويواصل الركض .. لم تظهر على الثعلب أية علامات تعب أو إرهاق طوال تلك الساعات الست .. ولكن الشباب لهت أنفاسهم وضعفت قواهم .. وأخيراً توقفوا عن المطاردة متخاذلين منهوكين .. وجلسوا على الأرض وتعجبوا من قوة وتحمل ذلك الثعلب وأنفاسه الطويلة .. وأخذوا يتساءلون بينهم لماذا لا يختبي الثعلب عند دخوله أحدى الحفر ولماذا يخرج من الفتحة الثانية ؟؟ .. وقادتهم الفكرة بقرار أخير وهو الشروع في هدم وإغلاق فتحات تلك الحفر .. فأخذوا معولاَ وبدئوا في إغلاق فتحة حفرة من الحفر .. ولكن بمجرد الحركة خرج من الفتحة الثانية عدد خمسة ثعالب وأخذوا يركضون .. ولحقها الشباب فدخلت الثعالب في الحفرة التالية ثم خرجت من الفتحة الثانية عدد عشرة ثعالب !! وتوالت عددية الثعالب من حفرة لأخرى .. والشباب يركضون خلف الثعالب .. وكل مرة تزداد العددية .. وهكذا أكتشف الشباب أن بالجزيرة أكثر من مئة ثعلب .. ولكنها تحايلت على الشباب وكأنها ثعلب واحد .. يدخل الثعلب المرهق من فتحة الحفرة ليمكث فيه ويرتاح ليخرج فوراً ثعلب آخر من الفتحة الثانية ويواصل الركض بنفس الوتيرة دون أي تأخير أو انتظار .. والشباب من الخلف يظنون أنهم يطاردون ثعلباً واحدا ويواصلون الركض .. في الوقت الذي فيه تتبادل الثعالب أدوارها بذكاء شديد .. حيث يأخذ الثعلب المرهق أنفاسه ويرتاح ليركض صاحب الدور ,, مما أرهقوا الشباب كثيراً ,, تبادلت العشرات من الثعالب أدوراها في سرعة ومكر عجيب .. والسؤال البديهي كيف نسقت تلك الثعالب الأدوار بينها في لحظات تمثل الثواني ؟؟ .. وكيف أنها عملت حسابها لذلك اليوم حيث أوجدت تلك الحفر بمواصفات تفي الشروط عند الملاحقة ؟؟؟ .. وسبحان الله .