استعرض الموضوع التالياذهب الى الأسفلاستعرض الموضوع السابق

فـي آفاق معرفة الذات Empty فـي آفاق معرفة الذات

بدوي محمد نور الإسلام
بدوي محمد نور الإسلام
عضو فعال
عضو فعال
رقم العضوية : 5704
الجنس : ذكر عدد المساهمات : 706 نقاط التميز : 2013 تقييم العضو : 17 التسجيل : 01/06/2010 العمر : 28 الإقامة : www.yahoo.com
تمت المشاركة الخميس سبتمبر 20, 2012 8:21 pm
فـي آفاق معرفة الذات



المعلم برمهنسا يوغانندا

الترجمة: محمود عباس مسعود



المعبد الذي يحبه الله أكثر من سواه هو معبد السكون والسلام الباطني لمريديه، حيث يدخلوه للتأمل والمناجاة، تاركين وراءهم الدنيا ومشاغلها التي لا تنتهي. وإذ يؤسس الإنسان معبداً من الجمال والسلام الروحي في داخله سيتمكن من الإحساس بحضور الله والشعور بقربه. ما عدا ذلك فأوهام العالم كثيرة، دائمة الحضور وهمومه ملء الصدور.

أحياناً يشعر الشخص بفتور الهمة محتسباً أن الوقت للبحث عن الله قد فات. لكن الأسفار المقدسة تخبرنا أنه إن أدرك الإنسان أن هذا العالم خادع مضلل، وأن الروح هو وحده الدائم الباقي فإنه سيدخل عالماً أفضل بعد رحيله الأخير عن هذه الأرض، حتى ولو جاء ذلك الإدراك قبل الوفاة بلحظة واحدة.

كل واحد منا سيؤخذ من هذه الأرض عاجلاً أم آجلا ولذلك يجب أن نتعرف الآن على غاية الحياة. الغاية الأساسية من تجارب الإنسان في هذا العالم هي لحثه على البحث عن معاني الحياة. يجب أن لا ننبهر بموكب البشرية هذا الدائم البزوغ والحركة. ومع مواصلة قافلة الزمن سيرها ستدرك أخيراً أنك جزء لا يتجزأ من الواحد الأعظم. اجعل معرفة الله غايتك واعلم أن البحث الجاد والصادق عن سر الحياة سيجنبك الكثير من المصاعب وينقذك من مخاوفٍ شتى. إن توجّس الموت أو الفشل أو المتاعب والأحزان يوقظ في المرء هلعاً كبيراً. عندما يعجز الإنسان عن مساعدة نفسه ولا تستطيع أسرته وأصدقاؤه تقديم أي شيء له يستولي عليه القنوط وتظلم الدنيا في عينيه. لكن لا حاجة له في الوصول إلى تلك الحالة. فهو إن فكر في الله أثناء حياته وتواصَلَ معه سيجده قريباً منه في الساعات العصيبة والأيام الحرجة.

قبل أن يكون معنا أي إنسان آخر من كان معنا؟ الله. وعندما نغادر هذه الأرض من سيكون معنا؟ الله لا غيره. ولكن من الصعب التعرف عليه عندئذ إن لم نسعَ في التعرف عليه الآن. إن بحثتَ عن الله بصدق وعمق ستعثر عليه وسيتعزز يقينك بأنه معك دائماً. وستفارقك الهموم والأوهام ولن تنخدع بعدها أبداً.

إن كل ما في الوجود هو تجربة لإغراء الإنسان كي يبتعد عن الله. لكن الله أكثر إغراءً من أي تجربة أرضية. لو حصلتَ على لمحة واحدة منه لأدركت هذه الحقيقة ولاستطعت العثور عليه بالدعاء والتأمل الروحي والتصميم القوي. التصميم في العثور على الذات الإلهية يجب أن يكون راسخاً. من الصعب أن يعرف الإنسان الله ما دام فكره ينتقل بصورة متواصلة من شيء إلى آخر كالريشة في مهب الريح. الله يريد أن يأتي إلينا لكننا لا نتعاون معه ولا نسمح له. الإنسان يستسهل ويفضل البحث عن بعض ملذات حسية وصرف الوقت في التسليات والحفلات والسهرات. حقاً "إن الحياة الدنيا لعب ولهو وزينة وتفاخر.. وتكاثر في الأموال والأولاد."

إن كان الله يطلب شيئاً واحداً فهو محبة الإنسان. إنه يقرع بصمت أبوابَ قلوبنا وينادينا كي نعود إليه لكن معظم الناس غير راغبين في العودة. ومع ذلك فعندما تسوَّد الدنيا في عيونهم ويعلقون في فخاخ المشاكل أو يقعون فريسة المرض يسارعون في الدعاء إليه والتماس عونه. من يمتـّن روابط الوفاق والإنسجام بينه وبين الله في أوقات السعادة والرخاء سيجد الله بجانبه عندما يحتاج إليه. أما الذي يسوّف في تعزيز تلك العلاقة يحكم على نفسه بمواجهة مصاعبه ومصارعة تجاربه بمفرده إلى أن يتمكن – بالحكمة والتسليم الكامل – من التوجه إلى الصديق الأبدي وقرع بابه الكريم.

إن مبين حشود البشرية الهائلة قلائل جداً من يبحثون عن الله بصدق وجدية. أين الذين ظنوا أن هذه الأرض هي لهم منذ مائتي سنة؟ كلهم مضوا، ومن بينهم كلهم ربما لم يفهم حقيقة الحياة سوى قلة قليلة ممن قصدوا الله وعرفوا أنفسهم. ومع ذلك فإن كل جيل من الأجيال التالية يحتسب أن هذه الحياة حقيقية!

لكنهمْ خـُدعوا بالوهم مثلهمُ

(وأصبحَ الجيلُ بعدَ الجيل ِ يرويها!)

الإنسان أثناء إقامته الموقوتة هنا يولي أهمية كبيرة لهذا العرض. لكن يجب عدم الإنغماس الزائد به وبأحداثه التي لا تنتهي، لأننا إن فعلنا نبتعد عن الله الذي يحاول كل الوقت وبشتى الوسائل والطرق اجتذابنا إليه لاهتمامه الكبير بنا ولعظيم محبته لنا. إنه يضع أمامنا كل المعجزات التي نرغب في رؤيتها: عجائب الأشياء النامية ونظام الطبيعة المتناهي الدقة. إنه خلف الزهور والورود ومن يبحث عنه بصدق سيجده لا محالة. علماء الطبيعة لم يتوصلوا إلى اكتشافاتهم عن طريق الصلوات العمياء، لكنهم اتبعوا قوانين العلم التجريبي. وبالمثل كل من يستخدم القوانين الروحية العلمية بإخلاص ورغبة صادقة سيجد الله بجانبه تلقائياً. لقد آن للإنسان أن يفتح بصره الروحي ويدرك أن العثور على الله يلزمه حماس متواصل ومراعاة دقيقة لنواميس الله.

إن أمماً مختلفة قد تخصصت بفنون وعلوم مختلفة. لقد أتقنت الهند الفن العلمي لمعرفة الله، لكن بالرغم من هذه الحقيقة فالدجالون كثر حتى في الهند ولذلك ينبغي التمييز بين المزيّف والأصيل.

يجب خلق توازن ما بين المعرفة الروحية والعلوم الطبيعية. وبدون ذلك التوازن سيتعثر الأفراد والأمم وسط الشقاء والدمار. لو أن قادة العالم المعاصرين مستنيرين روحياً ويعملون معاً لتمكنوا من القضاء على الحرب والفقر من الأرض في غضون أعوام قليلة. الوعي الروحي معناه إدراك الإنسان للحضور الإلهي في ذاته وفي كل الكائنات الحية الأخرى. ذلك الوعي وحده قادر على إنقاذ العالم وبدونه لا أرى أملا في السلام. فليبدأ الإنسان بنفسه. الوقت أثمن من أن يُبدَد سدىً. الواجب يقتضينا القيام بدورنا لجلب مملكة الله إلى الأرض.

كثيرون يترددون في البحث عن الله، محتسبين أن الحياة ستصبح قاتمة مكفهرة، وفاقدة للرونق والمتعة. لكن العكس هو الصحيح! فالسعادة النقية التي يعثر عليها العارفون في التناغم التام مع الله تعجز الكلمات عن وصفها. إنني في حالة من الفرح الروحي ليل نهار. ذلك الفرح هو الله، والتعرف عليه معناه تكفين كل الأحزان ودفنها غير مأسوف عليها.

الله لا يطلب من الإنسان أن يكون واجماً كئيبا، عابساً مستوحشاً قطوبا. هذا ليس المفهوم الصحيح عن الله، ولا هي الطريقة الصحيحة لكسب رضاه. كلما تزايد سلام المرء كلما تمكن من الشعور بالحضور الإلهي بمقدار أكبر. وكلما تعاظمت سعادته كلما أصبح أكثر تناغماً مع الله. الذين يعرفون الله سعداء لأن الله هو ينبوع الفرح الأعظم.

يحاول الناس العثور على السعادة في الخمر والجنس والمال، لكن صفحات التاريخ تغص بقصص آمالهم المحطمة وأحلامهم التي لم يُكتب لها التحقيق.

الوقت الذي صرفته في التأمل جعل حياتي مثمرة بكيفية لا يمكن تصورها. إن ألف زجاجة خمر لا يمكنها خلق النشوة التي حصلت عليها من التأمل. في ذلك الفرح تكمن الهداية والحكمة الإلهية. وعندما يتناغم الإنسان مع الله، فحتى إن أخطأ عن غير قصد سيعرف كيف يصحح الخطأ، وإن صدر عنه رأي غير سليم سيتداركه الله ويصوّبه محبة بمريده.

كفى انتظاراً! إن كل من يسمع أو يقرأ هذا الكلام يعرف أنني أتكلم الصدق. لو أنني عرضت كل القوى التي وهبها لي الله لالتف الناس حولي لا محبة بالله بل بالمعجزات. لكنني لا أرغب بهذا الصنف من المريدين السطحيين. يجب أن لا تجذبهم القوة بل محبة الله وتلك هي غايتي في الحياة.

لو لم أتعرف على الله لما تحدثت بهذه الكيفية. وكل واحد يمكنه التعرف عليه إن هو رغب بذلك. لا أحاول استمالة الناس من خلال دغدغة عواطفهم بل أتحدث إلى عقولهم وأخاطب بهم المنطق وملكة التمييز. الإيمان الأعمى لا يجدي نفعاً. يجب أن يفعّل الإنسان قوى الإدراك التي وهبها له الله وأن لا يقبل الأمور على علاتها، بل يجب أن يعرف الأسباب والمسببات والمنطق خلف توجهاته وممارساته الروحية. لو كان لي ألف فم لتحدثت بها كلها عن الله وأهمية التوجه إليه والتعرف عليه.

لا يعرف الإنسان ما يفقده بفقدانه معرفة الله، لأنه لم يعرفه أبدا! ومتى ما اتصل به تعجز أية قوة أرضية عن تحويله عنه. إن رغبتي الوحيدة هي إعطاء الراغبين الصادقين ومضة عن الله لأن رؤية نوره وتذوّق غبطته لا تعدلهما كنوز الدنيا وأمجادها. معرفة الله لا تقارن بها أية متعة أرضية. وعندما يعثر الإنسان على كنز الكنوز ستتحقق كل رغبات قلبه. حقاً لقد حقق الله كل رغباتي وأحلامي وأمنياتي.

إنني لا أسعى في طلب الأشياء الآن لأنها دائمة الهرولة نحوي. عندما يمنح الله ذاته لك سيحقق كل أمانيك. لن تحتاج عندها إلى التماس شيء لأن كل ما تريده ستجده في متناولك. ولكن يجب أن نثبت لله أولا بأننا نريده أكثر من كل هباته التي يمنحها لنا.

الله ينادينا ويريدنا أن نتوجه إليه. المعلمون العظام هم الرواد الذين إن ترسّمنا خطاهم سننتفع من معارفهم وخبراتهم مما يسهل علينا تحديد هدفنا والوصول بسلامة إلى بر الأمان. ومثلما يمكن للشخص أن يصبح عالماً كبيرا بالتعلم من عالم كبير، هكذا يمكن للمريد أن يصبح من أعظم عظماء الروح إن هو أخذ العلم والمعرفة عن معلم حاصل على المعرفة الإلهية.

إن الفحمة لا تستقبل ولا تعكس نور الشمس، لكن قطعة الألماس تفعل ذلك. وبالمثل فإن العقليات المتفحمة المليئة بالشكوك والسلبيات والبلادة الروحية لا يمكنها استقبال النور الإلهي. أما العقليات الألماسية المخلصة والمليئة بالإيمان والمثابرة والعزيمة الصادقة فباستطاعتها أن تستقبل نور الوعي الإلهي وتعكس الحكمة المقدسة.

الدين بالنسبة لمعظم الناس هو مجرد تقليد عائلي أو منفعة اجتماعية أو عادة مرتبطة بالآداب والأخلاق. إنهم لا يمتلكون مفهوماً صحيحاً عن جوهر الدين وأهميته.

إن الذين لا يبحثون عن الله كضرورة قصوى للحياة لا يفقهون معنى الدين. لماذا يسعى كل الناس في طلب المال؟ لأنهم يعتبرونه ضرورياً لتزويدهم بما يحتاجون إليه من أجل راحتهم ورفاهيتهم. إنهم لا يحتاجون أحداً كي يعلمهم هذه البديهية لأنهم يعرفونها حق المعرفة. لماذا إذاً لا يفهم معظم الناس ضرورة التعرف على الله؟ لأنهم يعوزهم التمييز الصحيح. لقد رأيت في حياتي المبكرة أن الأجوبة اللاهوتية لبعض الأسئلة لا يمكن أن تمنح الرضاء الكلي للنفس ما لم يتم اختبار حقائقها بالمعرفة والإختبار المباشر.

على سبيل المثال عندما فقدتُ أمي في سن مبكرة وراح باقي أحبتي يفارقون الحياة الواحد تلو الآخر تولد في داخلي عصيان صامت ضد الحياة ولم يستطع أحد أن يعزيني أو يشرح لي حقائق الحياة والموت. أخيراً قررت بأنني سأجد الجواب بنفسي من خلال مجهودي الشخصي. وقطعت العهد التالي على نفسي: "لن أقبل أي شيء قبولاً أعمى، لكنني سأعثر على الجواب من صانع هذا الكون وسيده."

لقد التمستُ من الله مباشرة فهم خفايا الحياة التي لم يستطع أحد أن يوضحها لي.

تساءلت عن السبب من ولادة بعض الناس فقراء وبعضهم أغنياء.. بعضهم مكفوفي البصر وبعضهم أصحاء.. ولم يتمكن الآخرون من حل هذا اللغز الذي يتناقض مع عدل الله ورحمته. أخيراً وجهني الله إلى بعض أقطاب الروح المستنيرين ممن بلغوا حالة التوحد الإلهي وعثروا على الأجوبة الشافية لأسرار الحياة من خلال معرفتهم الذاتية فحصلت على الأجوبة الشافية لكل أسئلتي وعلى التفسير المقنع لكل تساؤلاتي.

هناك العديد من المتطرفين دينياً في هذا العالم. البعض يمتلكون فهماً عاطفياً للدين ليس أكثر، وعندما يتم التلاعب على مشاعرهم يصابون بهستريا دينية. لكن الإنجراف العاطفي يُفقد الإنسان صلته بالله ويحجب بصيرته الروحية.

العاطفيون يحتاجون دوماً إلى ما يدغدغ عواطفهم ويثير حماسهم الروحي. وعندما تتحدث بمنطق وعقلانية يفقدون الرغبة في مواصلة الحديث معك ويعتبرون حديثك رتيباً مملا. لكن التلاعب بعواطف الآخرين هو ضرب من الشعوذة واستخفاف بعقول الناس وحجب الحقائق الروحية عنهم.

وفي نفس الوقت هناك أيضاً متطرفون دينياً من ذوي الميول العقلية ممن يطيب لهم التعمق في الدراسات اللاهوتية أو الفلسفية المتعددة فيخدعون أنفسهم محتسبين أنهم على درجة عالية من المعرفة المقدسة تفوق معرفة العاطفيين. لكن الإثارة العقلية هي كذلك نوع آخر من "التخدير"، أو صورة أخرى من الشعوذة العقلية التي لا تقدم للباحث ما يريده فعلا، بل تفلح فقط في إلهاب عواطفه وتهييج مشاعره.

المتزمتون دينياً لا يمتلكون معرفة عميقة للدين، بل غالباً ما يرددون كالببغاوات أموراً لم يفهموها حق فهمها ولم يختبروا أثرها في حياتهم. وإن وجّهت إليهم سؤالاً روحياً يسارعون إلى الاستشهاد بأقوال مأثورة أو آيات كتابية متوقعين منك الوقوف عند ذلك الحد في الحديث معهم لأن لا قدرة لهم على المحاورة المنطقية الهادئة الهادفة. ولا نعدو الصواب إن قلنا أنهم مجرد أبواق روحية جوفاء من العبث محاورتهم لأنهم مقتنعون بأنهم يعرفون كل القضايا من أولها إلى آخرها، من ألفها إلى يائها.

المتعصبون دينياً متأكدون أنك ما لم تؤمن بطريقة ما فنصيبك هو الهلاك.

المعلم العارف لا يعلـّم الناس بهذا الأسلوب. إنه يعرض رأيه ويدعم حججه بالبراهين. يجب أن يشبع الدين حنيننا الروحي ويرضي أشواقنا ليس بالكلام بل بالبرهان القاطع. لم أرغب قط في أن أكون متزمتاً لدرجة تمنعني من استخدام عقلي وتفعيل بصيرتي. عندما قابلت معلمي سري يوكتسوار Sri Yukteswar قال لي:

"هناك معلمون كثيرون سيطلبون منك أن تؤمن بعد أن يفقأوا عينيّ عقلك ويأمرونك باتباع منطقهم لا غير. لكنني أريدك أن تحتفظ بعينيّ عقلك مفتوحتين، وإضافة إلى ذلك سأفتح بك عيناً أخرى هي عين الحكمة."

لقد وهبني سري يوكتسوار تعليماً أستطيع أن أتبين حقيقته بنفسي. لهذا سرت على هذا الدرب الذي لا يستطيع أحد أن يزحزحني أو يبعدني عنه.

وهناك متطرف آخر هو الليبرالي المتحرر الذي يتبع كل شيء ولا يلتزم بشيء!

ولأنه يعتبر نفسه رحب الصدر واسع الأفق يقول: "كل الطرق الروحية جيدة، لذلك لن أتقيد بأي منها." لكن مع احترامي لكل الطرق الروحية والمعتقدات الدينية يجب أن لا يكون الشخص فراشة روحية دائمة التنقل والطيران في كل اتجاه.

يجب تحاشي الليبرالية الزائفة والتعصب الأعمى والإعتصام بدلا من ذلك بالحكمة من أجل النجاح في المساعي الروحية والعثور على غاية الحياة.

إن كل مجهود يبذله المرء في سبيل الله سيلاحظه الله. لكن ما لم يتبع الشخص طريقاً لله قائماً على أسس منطقية فتقدمه الروحي سيكون بطيئاً. الباحثون المخلصون سيحصلون على بعض المعرفة، لكن بالإعتقاد الأعمى والصلوات الآلية قد يصرفون تجسدات طويلة قبل التوصل إلى الله.

ابحث حتى تحصل على الطريق الذي يلائم ميولك الوجدانية والعقلية واثبت على ذلك الطريق. افحص كل ما تقرأه وتتعلمه فحصاً دقيقاً ولا تقبل معلماً أو تعليماً دون وضعهما على المحك.

الجوهري يمكنه التمييز بين الجواهر الأصيلة والمزيفة. وبالمثل فإن للمعلم الروحي الصادق القدرة على التمييز بين الباحثين المخلصين والفضوليين. هناك من يحصلون على تعاليم روحية غير أنهم لا يطبقونها في حياتهم. لكن فائدة أي تعليم روحي تكمن في تشرُّب روح ذلك التعليم وتطبيق جوانبه العملية في الحياة اليومية. التحدث عن الطعام أو رؤيته لا تسمن ولا تغني من جوع. يجب أن يأكل الجائع حتى يسد رمقه ويشبع جوعه. المثل يقول "إن من يأكل على ضرسه ينفع نفسه."

الباحثون الروحيون يجب أن يُلقـَّنوا معرفة الله أولا. التركيز على المال أو الصحة أولاً هو ابتعاد عن الهدف. صحيح أن الإنسان يحصل على كل شيء من الله، لكن الذي يسعى أولاً وقبل كل شيء وراء الأشياء الأخرى سيشعر بمحدودية تلك الأشياء حتى ولو كان أثرى الأثرياء وأكثرهم صحة. المعلم الروحي المتحقق الضليع يعرف الله ويحبه، ورغبته في الله تفوق أية رغبة أخرى.

لقد حاول أحد الوعاظ استمالتي لقبول إرشاده الروحي، وقد وعدني بعدد كبير من الإتباع نتيجة لذلك. لكن عرضه لم يرق لي لأن غايتي الوحيدة هي الله وليس جمع الأتباع من حولي. المعلمون الصادقون سيحاولون دائماً وأبداً خلق الرغبة بك للتعرف على الله، ولن يأخذونك أبداً إلى طريق مسدود.

الدعامة الأساسية لجوهر الدين هي التناغم مع الله. أماكن العبادة يجب أن لا تتحول إلى أماكن للهو والرقص وعرض الأفلام واللقاءات الإجتماعية المتكررة. هذه النشاطات الترفيهية تصد الناس عن الله. الترفيه يجب أن يكون خارج أماكن العبادة التي يجب أن يذهب الناس إليها لغرض واحد فقط هو التواصل مع الله. الشعور بالحضور الإلهي في أماكن العبادة هو الغاية الأساسية من زيارة تلك المزارات والأماكن المباركة. هذا ما آمنتُ به من كل قلبي وحققته في حياتي.

لو أخبرتكم عن ثمرة عجيبة عثرت عليها ورحت أصفها لكم كل يوم وصفاً دقيقاً على مدى عام كامل دون أن أعرضها عليكم لتتذوقوها فلن تتولد لديكم قناعة كافية عنها. وبالمثل فإن سماع المواعظ والخطب عن الحقيقة لا يمكن أن يشبع جوع الروح. أما الذين يقنعون بالسماع دون بذل المجهود للتعرف على الله فيحصلون على رضاء زائف. يجب أن يشعر الشخص بجوع عميق لله بحيث يطلبه بجد وإخلاص. الغرض من المحاضرات والمواعظ والخطب الدينية هو أيقاظ حنين روحي متعاظم لله في النفس.

بين الحين والآخر أقابل شخصاً ما أرى فيه بعض الشوق لله. لكن معرفة الله هي أعظم بكثير من ذلك! المريد العارف بالله يرى أحياناً الكون بأسره مليئاً بنوره، ويا له من اختبار مدهش عجيب! لكن ذلك لا يمكن أن يحصل بين عشية وضحاها. معرفة الله يلزمها مواظبة طويلة في ممارسة تلك الطرق والأساليب الروحية التي تفضي إلى معرفة الذات الإلهية.

الرغبة في السعادة هي أقوى الرغبات على الإطلاق. السعادة الحقيقية والدائمة توجد فقط في الله. عندما تكتشف حضوره يغمرك فرح عظيم، فرح لا يمكنك العثور عليه في أي مكان أو أي شيء آخر. لقد قال لي معلمي سري يوكتسوار:

"عندما يصبح فرحك في التأمل والتناغم الروحي أعظم من أي فرح آخر تكون قد عثرت على الله. لو أُعطي لك العالم بأسره لما عرفت كيف تتصرف به، بل ستشعر بعبء ثقيل وقلق متواصل حول كل شيء. لو تسنى لك معرفة حياة الملوك والرؤساء والأمراء ومشاهير الدنيا لوجدت أنهم كانوا قلقين مغتاظين، تتقاذفهم أمواج المضايقات وتهب عليهم رياح الهموم من كل جانب. لقد أمضوا أيامهم كالدمى بين يدي القدر. لكن المتوحد مع نور العالم هو إنسان سعيد. وحتى إن كان لا يملك شيئا فهو يملك كل شيء لأنه يملك السعادة. المتوحد مع الله لا يخشى شيئاً لأن الله يسكن قلبه، والقلب الذي يسكنه الله لا وجود فيه للمخاوف والهموم.

كل أماكن العبادة تعمل خيرا، ولهذا السبب أحبها جميعها. وعندما تصبح أمكنة للتناغم الفعلي مع الله تحقق مهمتها السامية. تلك الأماكن يجب أن تكون كخلايا النحل الملأى بشهد معرفة الله، وفي هذا تكمن أهميتها وقيمتها. إن الله يحب القلوب المخلصة المتوجهة إليه بكليتها، وسيزور تلك القلوب حتى لو كان أصحابها يتعبدون في الهواء الطلق تحت السماء. عندما يجتمع الناس للعبادة يجب أن يفعلوا ذلك محبة في الله ورغبة في الشعور بحضوره. الباحثون الصادقون غير راضين عن التعصب المذهبي والتعنت والغطرسة اللاهوتية. ما يهمهم هو طريقة فعالة تمكنهم من التواصل مع الله والتوصل إليه.

عندما يحب الإنسانُ الله من كل كيانه ستكون كل أفعاله مؤسسة على الحق ولن يسمح له حبه لله باستغلال الناس أو تضليلهم لمصالحه الأنانية.

مهما كان الظلام دامساً يبدده الضوء لدى إشعاله. وإن أشعلنا مصباح الحب الإلهي في نفوسنا ستتبدد ظلمة الجهل. علم اليوغا الروحي يساعد المريد على حصر عقله في التفكير بالله وتوجيه محبة قلبه إليه. كما يقدم طريقة علمية أكيدة لتمكين المريد من التناغم المقدس الضروري من أجل محبة الله محبة كاملة.

لقد وهبنا الله القدرة على محبة أسرتنا وأصدقائنا، ويجب أن نستخدم تلك القدرة لمحبته مثلما نحب أعز الناس لدينا على هذه الأرض. يجب أن يتمكن الإنسان من القول: "أحبك يا رب كما يحب الأب ابنه، كما يحب المحب حبيبه، كما يحب الصديق صديقه. أحبك لأنك مصدر كل حب وكل خير في الوجود، ولأنك أبي وأمي وصديقي وسيدي وحبيبي وكل ما في الوجود بالنسبة لي."

عندما يحب الشخص الله صدقاً من القلب يشعر بذلك الحب له ليل نهار.

كثير من الناس يقولون لك اليوم "يا حبيبي يا عيني ويا أعز أصدقائي" وغداً يتخلون عنك لسبب أو لآخر. هذا ليس حباً. من يسكن الله قلبه لا يمكنه أن يؤذي أحداً. عندما تحب الله دون تحفظ يملأ قلبك بحبه النقي للجميع. ذلك الحب يعجز أي لسان بشري عن وصفه.

ولا يمكن للإنسان أن يحب الله من كل قلبه ما لم يعرف نفسه. تلك المعرفة الذاتية تحصل أحياناً بصورة لا شعورية أثناء النوم العميق عندما يكون الشخص على دراية بذاته كروح. لكن ذلك يمكن بلوغه بالتأمل. وعندما يعرف الإنسان نفسه كروح يكون قد اكتشف حضور الله في داخله. إن انعكاس القمر لا يمكن رؤيته بوضوح في الماء العكر أو المخضوض، ولكن عندما يكون سطح الماء رائقاً هادئاً تظهر صورة القمر بكل صفاء. وهذا ينطبق أيضا على العقل: فعندما يكون الفكر هادئاً ترى بجلاء وجه روحك القمري لأن النفوس هي انعكاسات لله. عندما نسحب – بواسطة التأمل – الأفكار المضطربة من بحيرة العقل نبصر نفسنا كانعكاس نقي للروح الإلهي، وندرك أن النفس والله واحد.

واليوغا تعلمنا أيضا سحب الطاقة والوعي من الجسم وتوجيههما إلى مصدرهما الذي هو الله. كما تعلمنا ضبط قوة الحياة وتحويلها من الوعي الجسدي إلى الوعي الإلهي.

عندما يصلي الشخص لله يجب أن يكون ذهنه وتركيزه على الله مائة في المائة، دون التفكير في تلك اللحظات في أي شيء آخر. الله يعرف أفكارنا ويجب إبقاء الفكر عليه أثناء التأمل والصلاة. أما إن راح الفكر يتقافز كالجندب هنا وهناك – وتلك هي طبيعته – فينبغي إعادته المرة تلو الأخرى للتركيز والتأمل. عندما أصلي لله يتسمر فكري عليه. إن نميّتَ قوة التركيز الهادئة تلك ستجد ذات يوم أنه مهما كانت مشاغلك ستمر الأيام والليالي وعقلك مستغرق في الله.

ويجب أيضاً أن نحب الآخرين محبة صادقة. الشخص العادي غير قادر على المحبة بهذه الكيفية لأنه محصور في أنـّاه الصغيرة ولذلك لم يدرك بعد أن الله يسكن به وبكل الكائنات الأخرى. إنني أحب الناس وأعاملهم بالتساوي لأنهم جميعهم انعكاسات روحية لله. لا أستطيع أن أعتبر أي إنسان غريباً عني لأنني أعلم أننا كلنا جزء من الروح الإلهي الأوحد. عندما تدرك المعنى الحقيقي للدين الذي هو معرفة الله ستدرك أنه ذاتك العليا وأنه موجود بالتساوي وبدون تحيز في كل عياله. عندها ستتمكن من محبة الجميع كذاتك العليا.

لا أسعى لاستقطاب الأتباع من حولي لأن هذه ليست غايتي في الحياة. وسيان عندي لو حضر المئات والألوف محاضراتي أم بقيت المقاعد شاغرة. وبالحقيقة فإنني أحبذ حفنة من المخلصين على مئات الفضوليين الذين يعوزهم الإخلاص. هدفي الوحيد هو مساعدة الناس على معرفة أنفسهم. عندما يدرك الناس أن معرفة الله هي واجب مقدس وامتياز روحي سنشهد بزوغ فجر جديد على هذه الأرض. الكتب والخطب والمحاضرات لن تكون بعد الآن كافية لإرضاء الباحث الذي يتشوق فعلا للشعور بحضور الله. لكنه عندما يدرك الحق يعرف الحياة على حقيقتها.

يجب أن نطبّق الحقائق التي نسمعها ونقرأ عنها حتى لا تبقى مجرد أفكار بل تتحول إلى قناعة راسخة. قراءة الأسفار المقدسة يجب أن تثير في الباحث الروحي الرغبة للتعرف على الله. لكن لا بديل عن التأمل العميق لبلوغ تلك الغاية الشريفة.

ما تمس له الحاجة هي التجربة الروحية. التناغم الإلهي وحده قادر على أن يبعد عن الإنسان الضجر الكبير الذي يشعر به بسبب عدم امتلاكه غاية محددة في الحياة. التجربة الروحية حقيقة مؤكدة ويمكن تحقيقها بالتأمل العلمي اليومي. بالإمكان التعرف على الله بواسطة التأمل. ومتى لامستَ حضوره ستتبدد الشكوك وتمبدعع غمامة الجهل وستشعر بسلام لم تتذوقه من قبل لأن السلام الإلهي لا نظير له.

لقد حان الوقت كي يعرف الإنسان الحقيقة بنفسه. ما أقوله لك يمكن أن تعرفه أنتَ أيضاً فيما إن رغبتَ بذلك. هذه التعاليم قد تبدو فلسفية بالنسبة للبعض، لكن الذين يطبقونها يعرفون قيمتها ويجنون ثمارها.

لقد كان معلمي يقول لي مع كل تعليم روحي جديد أتلقنه منه: "يجب أن تعرف هذه الحقيقة." وقد فعلت!

عندما وجدت معلمي وعثرت على هذا الطريق تيقنت من تجربتي الذاتية أنه طريق سليم يفضي إلى معرفة الله والحقيقة، ولذلك كرست حياتي كلها له ولخدمة الإنسانية.

والسلام عليكم أينما كنتم في دنيا الله الواسعة.


فـي آفاق معرفة الذات Empty رد: فـي آفاق معرفة الذات

لمسة خيال
لمسة خيال
عضو مميز
عضو مميز
رقم العضوية : 12518
الجنس : انثى عدد المساهمات : 1700 نقاط التميز : 1959 تقييم العضو : 78 التسجيل : 03/05/2012 العمر : 26 الإقامة : سكيكدة وافتخر ليمعجبوش الحال ينتحر ويكتب في قبروا منقهر
تمت المشاركة الخميس سبتمبر 20, 2012 8:50 pm
مشكوررررررر Razz Razz Razz

فـي آفاق معرفة الذات Empty رد: فـي آفاق معرفة الذات

avatar
زائر
زائر
تمت المشاركة السبت سبتمبر 22, 2012 10:15 pm
فـي آفاق معرفة الذات 11322230386

فـي آفاق معرفة الذات Empty رد: فـي آفاق معرفة الذات

MiMiToU_ii
MiMiToU_ii
عضو محترف
عضو محترف
رقم العضوية : 12611
الجنس : انثى عدد المساهمات : 10943 نقاط التميز : 13536 تقييم العضو : 132 التسجيل : 15/05/2012 العمر : 24 الإقامة : • فــــــي قلـــبه } ^_~ {..♥
http://www.guelma24.net
تمت المشاركة السبت سبتمبر 22, 2012 10:20 pm
فـي آفاق معرفة الذات 120829
استعرض الموضوع التاليالرجوع الى أعلى الصفحةاستعرض الموضوع السابق
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى