استعرض الموضوع التالياذهب الى الأسفلاستعرض الموضوع السابق

شهوتي تغلبني دائما !!  Empty شهوتي تغلبني دائما !!

بدوي محمد نور الإسلام
بدوي محمد نور الإسلام
عضو فعال
عضو فعال
رقم العضوية : 5704
الجنس : ذكر عدد المساهمات : 706 نقاط التميز : 2013 تقييم العضو : 17 التسجيل : 01/06/2010 العمر : 28 الإقامة : www.yahoo.com
تمت المشاركة الأربعاء سبتمبر 19, 2012 8:35 pm
السؤال:

أنا شاب أبلغ من العمر 22 سنة واحد من ضحايا تلك المواقع المظلمة, يشهد الله تلك المواقع فعلت بي ما لا تفعله المخدرات، حيث دمرت مستواي الأكاديمي و شخصيتي، وعلاقتي مع الله وكذلك المجتمع ، وصحتي و كل شيء في حياتي و طموحي الذي هو أن أكون داعيا في سبيل الله ولكن هيهات هيهات وقعت في هذا الفخ عندما كنت في الـ 15 من عمري ومنذ تلك اللحظة لم يهدأ لي بال. أصبحت أبحث عن تلك المواد في كل مكان و بالساعات الطويلة أجلس في تلك المواقع القبيحة، ولم أكتفي بذلك بل أصبحت ابحث عن مكان لإفراغ تلك الشهوات و وجدت ضالتي في العادة السرية - ومن فضل الله علي أنه لم تتوفر لي الفرصة للزنا - وبعد إفراغ الشهوة أحتقر نفسي لدناءة الفعلة و أقرر ألا أعود لتلك المواقع بعد الآن ولكن ما أن تمر فترة و تثور شهوتي لسبب ما حتى أعود مرة أخرى و تكرر هذا الأمر مرات عديدة إلا أن حلفت على نفسي ألا أقرب العادة السرية مرة أخرى و فعلا نجح الأمر لفترة كبيرة و لكني عدت مجددا للمواقع الإباحية وهذه المرة لم أكتفي بذلك بل أصبحت أتلصص على عورات النساء – وسيلة اخرى ــ و منهم خالتي و العياذ بالله- التي تكون شبه عارية أمامي ولا أتمالك نفسي- و أصبحت أتوب بعد كل فعلة وأحلف ألا أعود و لكني أعود بعد فترة و حاولت ردع نفسي بالموت عدة مرات حيث كنت أزور المقابر و لكن كانت تلك مسكنات فقط لا تلبث أن تزول بعد فترة حتى أعود لتلك المواقع و ما يصاحبها وفي إحدى المرات تلصصت على جاري وهو يجامع زوجته. و الآن قررت أن أتوب توبة نصوحا و إلا أرجع لتلك الأفعال و أني و الله نادم عليها أشد الندم ولكني: أخاف أن أعود مرة أخرى ويكون استهزاء بالله والدين, ولا أدري ماذا أفعل في تلك اليمين المتكررة (علما بأني طالب في الجامعة وليس لدي مال لا أكفر عن تلك اليمين إلا أن أوفر على حساب احتياجاتي الجامعية). أما مصيري مع أولئك الذين انتهكت حرماتهم وكيف أطلب منهم العفو(علما بأن بعضهم قد لا أجده مرة أخرى). علما بأني من المواظبين على الصلاة في المسجد الـ 5 أوقات و أصدقائي ليسوا سيئين و كثيرا ما أنصحهم بعدم النظر للنساء و يظنون أني ملتزم مما يشعرني بالنفاق و أخاف ممن تكون فيه هذه الآية (أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون) و لي ورد يومي من القرآن و أهتم كثيرا بحضور المحاضرات والدروس الدينية وقد ذهبت لأداء العمرة العام السابق وحسبتها النهاية و لكن ما أن عدت بعد فترة حتى وقعت مرة اخرى. وهل هناك أمل بعد كل هذا بأن أكون داعيا. و أني قد اتصلت بعدة مواقع و لكنهم لا يردون لي لا أدري لماذا

الجواب:

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ,, وبعد .
أشكرك على ثقتك في الموقع وأسأل الله أن يوفقنا لتحقيق طموحات وتطلعات زائري ومرتادي الموقع .
أخي الحبيب ,, يقول الله تعالى ( لايكلف الله نفساً إلا وسعها ) وجميع الأوامر التي أمرنا الله بها أو نهانا عنها , هي مستطاعة ومقدور على أدائها أو الإنتهاء عنها , ولكن يسبب تفريطنا من جهة وبسبب البيئة والوسائل التي تسهل الحرام وتنشر الفحشاء , يصبح أمر المعاصي وخاصة (الشهوة الجنسية) مثل الإدمان تماماً , ويخطئ من يظن بأن العادة السرية هي الحل , لأن العادة السرية مسكن مؤقت للشهوة فقط , ولاتحقق الإشياع الحقيقي , بل تزيد الإنسان تعلقاً بالصور والمشاهد المحرمة , بل قد تصيبه بالسعار الجنسي , فيصبح يخشى على نفسه حتى من محارمه , وتأسره هذه الشهوة المتأججة تحت وطأتها والله المستعان .
أخي الحبيب , أنا أشد على يدك في المبادرة إلى التوبة والشعور بالندم والبكاء على الخطيئة حتى ولوتكرر الوقوع فيها , ذلك أن الشيطان ود لو ظفر بك وأصابك باليأس والقنوط من رحمة الله , وليس معنى هذا بأن ما تفعله أو تقوم به من الوقوع في النظر المحرم في المواقع الإباحية لايؤثر على قلبك واستقامتك , ولكن لابد أن تعلم بأن طريق العلاج من أي معصية وخطأ عبارة عن خطوات , والخطوة الأولى والأهم هي عدم استمراء المعصية والرضا بها والاستسلام للشهوات وترك مظاهر الالتزام والتدين , لأن كثير من الناس للأسف قد يبتلى بمعصية يقع فيها بين الفينة والأخرى , فيصيبه الشيطان بالقنوط فيترك الالتزام ويوغل في المعاصي بحجة أنه لايستطيع التوبة , أو أنه منافق وكذاب ,ولو صدق مع الله فإن الله عز وجل سيعينه ,
أخي وفقك الله , مشكلة ارتياد المواقع الاباحية هي مشكلة عويصة وتحتاج إلى صبر ومجاهدة , ولابد أن تعلم بأنك أنت الذي أصبت نفسك بهذا الداء ابتداءً , لأن الإنسان مأمور بغض البصر وليس إطلاقه فما بالك بالبحث عن هذه المثيرات التي لايستطيع أن يتحملها أي أحد في قلبه ذرة من شهوة فطرية , خاصةً وأنها بطرق احترافية وفي الغالب غير حقيقية ,
ولكن ليس معنى ذلك نهاية المطاف , فكما أنك أنت الذي تسببت في عشق قلبك لهذه المناظر والصور فأنت الوحيد القادر بعون الله على الصبر والمجاهدة في تركها , وحذار من اليأس , فالأمر يحتاج إلى صبر وصدق مع الله وبذل وتجلد ولكنه ليس مستحيل أبداً , خاصةً وأن قلبك حي وقريب من الله ومازلت على الخير والإلتزام ومحافظاً على الصلوات الخمس وحريص على الصحبة الصالحة وتندم حال وقوعك في هذه المعاصي , فالفرق بين المؤمن والفاسق , أن الفاسق يفعل المعصية ولايندم ولايشعر بالندم , أم المؤمن فقد يضعف ويقع في المعصية ولكنه لايستمر ولا يجاهر بل يتوب ويندم ويبكي ويبذل من الطاعات والخير ما يكفر ذنبه ويغسل خطيئته.
أخي الحبيب أنت ولله الحمد على خير عظيم وملتزم فأوصيك بهذه الوصايا المعينة على ترك مشاهدة هذه المواقع المحرمة /
1- لابد أن تتأمل وتفكر كثيراً في الآثار المترتبة على الاستمرار في مشاهدة هذه المواقع مثل الإدمان عليها وممارسة العادة السرية وفساد الفكر والقلب والبعد عن الله عز وجل وقسوة القلب وصعوبة التخلص من الأفكار السيئة المترتبة عليها وضعف مراقبة الله عز وجل وخشيته .
2- أن تبادر للتوبة فوراً والإستغفار والندم والعزم على عدم العودة قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " مَا أَذْنَبَ عَبْدٌ ذَنْبًا فَذَكَرَهُ ، فَتَوَضَّأَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ ، ثُمَّ اسْتَغْفَرَ اللَّهَ مِنْ ذَلِكَ الذَّنْبِ إِلا غَفَرَهُ اللَّهُ لَهُ " فالتوبة بسيطة وسهلة ولكن تحتاج إلى الصدق مع الله والعزم والمجاهدة على عدم العودة.
3- الابتعاد عن كل دواعي الوصول لهذه المواقع كتخفيف ساعات العمل على الإنترنت أو عدم الجلوس على الإنترنت بمفردك أو مسح هذه المواقع وتركيب برامج للحماية منها أو عدم الجلوس على الإنترنت إلا لحاجة وإغلاقه مباشرة بعد القضاء منها . وقد تجد صعوبة في البداية ولكن مع المجاهد والصبر ستستطيع.
4- املأ وقت فراغك بما يفيد سواءاً بالطاعات أو المباحات من رياضة ونزهة أو جلوس مع الأهل وإذا وجدت أنك لديك فراغ فلا تفكر بتاتاً بالأفكار المثيرة للشهوة وادفع هذه الأفكار من أولها ولاتسترسل معها لأن هذه الخواطر والأفكار تتطور وتدفعك للبحث عن مثل هذه المواقع .
5-أكثر من دعاء الله عز وجل في أوقات السحر وأثناء السجود وبين الأذان والإقامة وفي كل وقت بأن يعفك بالحلال ويغنيك بحلاله عن حرامه وأكثر من الذكر والإستغفار والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم .
6- إذا غلبك داعي الشهوة فلا تستسلم وتذكر قول الله تعالى (إني أخاف الله رب العالمين ) وقوله عز وجل على لسان يوسف عليه السلام (قال معاذ الله ) وتذكر قول النبي صلى الله عليه وسلم (من ترك شيئاً لله عوضه الله خيرا منه ) يقول الرسول صلى الله عليه وسلمSadالنظرة سهم من سهام إبليس من تركه مخافة الله أبدله الله حلاوة للإيمان يجدها ف قلبه) وإذا صدقت تويتك وتركتها لله فستجد لذة الإيمان في قلبك .
7- إذا جائتك لحظة ضعف وراودك الشيطان لمشاهدة الحرام واستسلمت له ,, فلا تتمادى وتستمر ولكن بادر بالتوبة والندم مباشرة وارجع وأقلع ولا تسترسل في الحرام لأن الشيطان يريد منك أن تستسلم وأن تقول لا أستطيع وأنا مدمن على هذا فتقع في الحرام دون التوبة ولكن جاهد واصبر وابذل الأسباب وسيعينك الله وإذا وقعت فبادر بالتوبة والرجوع واجتهد في أعمال صالحة تكفر بها عن ذنبك قال تعالى (إن الحسنات يذهين السيئات ) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم فِيمَا يَحْكِي عَنْ رَبّهِ عَزّ وَجَلّ قَالَ: "أَذْنَبَ عَبْدٌ ذَنْباً. فَقَالَ: اللّهُمّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي. فَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالى: أَذْنَبَ عَبْدِي ذَنْباً، فَعَلِمَ أَنّ لَهُ رَبّا يَغْفِرُ الذّنْبَ، وَيَأْخُذَ بِالذّنْبِ. ثُمّ عَادَ فَأَذْنَبَ. فَقَالَ: أَيْ رَبّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي. فَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: عَبْدِي أَذْنَبَ ذَنْباً. فَعَلِمَ أَنّ لَهُ رَبّا يَغْفِرُ الذّنْبَ، وَيَأْخُذُ بِالذّنْبِ. ثُمّ عَادَ فَأَذْنَبَ فَقَالَ: أَيْ رَبّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي. فَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَذْنَبَ عَبْدِي ذَنْبَاً. فَعَلِمَ أَنّ لَهُ رَبّا يَغْفِرُ الذّنْبَ، وَيَأْخُذُ بِالذّنْبِ. اعْمَلْ مَا شِئْتَ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكَ" رواه مسلم. فالعبد مهما أذنب فلابد أن يرجع ويتوب إلى مولاه من باب الندم والعودة ومداومة الإستغفار وليس من باب التساهل في الذنوب والتوبة الكاذبة منها .
8- لاتحدث أحداً بهذه الأخطاء التي تقع فيها واجعلها بينك وبين الله واطلب من الله الستر والغفران .
9-انقطاعك عن هذه المحرمات بين فترة وأخرى دليل صدقك ان شاء الله ولكن تكرار عودتك لها تحتاج منك إلى مزيد من الصبر والمجاهدة فابذل جهدك واصبر عما حرم الله وأبشر بالخير والأجر من الله قال تعالى (والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين)
10- لاتستخدم أسلوب الحلف واليمين للإقلاع عن هذه المعاصي , واجعل الدافع هو مخافة ومراقبة الله وابتغاء الثواب والأجر منه , لأن الحلف قد يوقعك في دوامة التكفير عن اليمين , وبجعلك تفكر في الكفارة أكثر من تفكيرك في عقوبة الذنب وخشية الله .
11-أحط نفسك بمجموعة من الأصدقاء الصالحين ، فالصحبة الصالحة خير عون بعد الله عز وجل على امتثال أمره.
12ــ اعمل على تعجيل زواجك قدر الطاقة ، فإن كان ذلك مستحيلاً في القريب المنظور .. فعليك بوصية المصطفى صلى الله عليه بالصوم .. فإنه عليه الصلاة والسلام لا ينطق عن الهوى.
13ـــ كما إن الصوم حماية للشاب لكونه عبادة تأخذ غالب يوم الإنسان .. فإن ذكر الله تعلى كذلك في الحماية والتحصين من الشيطان لكونه يلازم الإنسان في أغلب أوقاته، فعليك بالإكثار من ذكر الله في كل حال ، وستجد أثر ذلك على قلبك.

شهوتي تغلبني دائما !!  Empty رد: شهوتي تغلبني دائما !!

بدوي محمد نور الإسلام
بدوي محمد نور الإسلام
عضو فعال
عضو فعال
رقم العضوية : 5704
الجنس : ذكر عدد المساهمات : 706 نقاط التميز : 2013 تقييم العضو : 17 التسجيل : 01/06/2010 العمر : 28 الإقامة : www.yahoo.com
تمت المشاركة الأربعاء سبتمبر 19, 2012 8:38 pm
إن مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم كمثل غيث أصاب أرضًا، فكانت منها طائفة طيبة قبلت الماء فأنبتت الكلأ والعشب الكثير، وكان منها أجادب أمسكت الماء فنفع الله بها الناس فشربوا منها وسقوا ورعوا، وأصاب طائفة منها أخرى إنما هي قيعان لا تمسك ماء ولا تنبت كلأ، فذلك مثل من فقه في دين الله ونفعه الله بما بعثني الله به فعلِم وعلّم، ومثل من لم يرفع بذلك رأسًا ولم يقبل هدى الله الذي أرسلتُ به" (رواه مسلم). انطلاقًا من هذا الحديث النبوي الشريف فهناك علاقة وثيقة بين القرآن والإنسان. إذن ما هو الإنسان؟ وما هو القرآن؟


طبيعة الإنسان ووظيفته

طبيعة الإنسان أنه مخلوق من طين وروح، ﴿إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ طِينٍ * فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ﴾(ص:71-72). فأصل كل البشر من الطين، إلا أن الله تعالى نفخ فيه من روحه فتكوّن سيدنا آدم عليه السلام ثم تكوّن من سلالته هذا الإنسان الذي صار بتلك النفخة خلقًا آخر كما أشارت الآية: ﴿ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَر﴾(المؤمنون:14)، وذلك بعد مرحلة النطفة والعلقة والمضغة المخلقة وغير المخلقة، وبعد أن أُرسل إليه الملك فنفخ فيه الروح فصار خلقًا آخر مغايرًا لما كان عليه الحال قبل، مخالفًا كل المخالفة للأصل الطيني.
الإنسان إذن، ليس من طين فقط وليس من روح فقط، إنما طبيعته مزدوجة، تخلقت من انسجام هذين العنصرين وأعطت هذا الإنسان كل الخصائص التي له، وبهذه الطبيعة المزدوجة استخلفه الله في الأرض فقال جل من قائل: ﴿وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً﴾(البقرة:30). فقبل أن يخلق آدم عليه السلام حددت الوظيفة التي له في الأرض (خليفة)، وحدد المكان الذي سيمارس فيه هذه الوظيفة (الأرض)، وكل ذلك جعلٌ من الله تعالى. ومادة "الجعل" عمومًا في القرآن الكريم تتجه إلى تنظيم الشأن العام الكوني، قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً﴾(البقرة:21-22). هو الذي جعل إبراهيم عليه السلام إمامًا للناس، وهو الذي جعل البيت مثابة للناس، وهو الذي جعل وجعل سبحانه... ومن ذلك جعل آدم عليه السلام خليفة، وجعل ذريته من بعده تتوارث هذه الوظيفة يخلف بعضها بعضًا: ﴿وَرَبُّكَ الْغَنِيُّ ذُو الرَّحْمَةِ إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَسْتَخْلِفْ مِنْ بَعْدِكُمْ مَا يَشَاءُ كَمَا أَنْشَأَكُمْ مِنْ ذُرِّيَّةِ قَوْمٍ آخَرِينَ﴾(الأنعام:133).
فالإنسان مستخلف في الأرض، وطبيعة الخلافة تقتضي أن هناك مستخلِفًا له، وأن هناك عهدًا وميثاقًا لهذه الخلافة، وأن هناك ما تتجلى فيه هذه الخلافة، وذلك هو الشطر الثاني المحدد لطبيعة المهمة في هذه الخلافة وهي "العبادة": ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ﴾(الذاريات:56).
كل الكائنات خُلقت لغيرها، وكلها خُلقت لهذا الإنسان؛ كثير من الأشياء خُلقت للنبات، والنبات خُلق للحيوان، والحيوان والنبات والجماد وكل ما في هذا الكون سُخر للإنسان، وهذا الإنسان إنما خُلق لله ولعبادة الله سبحانه وتعالى: ﴿أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ﴾(لقمان:20)، ﴿وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ﴾(الجاثية:12)، ﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا﴾(البقرة:29). الكل في هذا الكون أُعدّ للإنسان، حتى الشمس والقمر: ﴿وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ * وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ﴾(إبراهيم:33-34).
هذا يدل على أن موقع هذا الإنسان عند الله سبحانه وتعالى عظيم جدًّا في هذا الكون، وحسبنا أنه خليفة وأن وظيفته في هذه الخلافة أن يعبد الله تعالى: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُون * مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ﴾(الذاريات:56-57)؛ خلافًا لما يشتغل به بنو آدم ويهتمون، إني أريدهم لي لا لغيري، وطلبت منهم أن يعبدوني لا أن يعبدوا غيري، وسخرت لهم -تيسيرًا لذلك- غيري، وذلك الكون إنما أعدّ ليخدم هذه الأرض التي أعّدت هي نفسها لتستقبل الإنسان.
فالمركزية في هذا الكون المنظور حتى الساعة هي لـ"الأرض"، والمركزية في هذه الأرض هي لـ"الإنسان"، وهذا الإنسان ذو طبيعة خاصة وذو رسالة خاصة.


طبيعة القرآن ووظيفته

يقول الله جل وعلا: ﴿مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلاَ الإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا﴾(الشورى:52)، ويقول جل من قائل: ﴿قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ * يَهْدِي بِهِ اللهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾(المائدة:15-16).
الطبيعة الأولى للقرآن: إنه روح من أمر الله وهو نفس التعبير الذي عبر به القرآن عن الروح التي نعرفها: ﴿وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً﴾(الإسراء:85). وخاصية الروح أنها تمنح كل خصائص الحياة للكيان. فهو روح حين تحل في الإنسان الفرد تمنحه الحياة بعد الموت فيصير بها خلقًا آخر، وهو روح حين تحل في جمع من الناس يصيرون جسدًا واحدًا وأمة واحدة. وما صارت هذه الأمة ﴿خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ﴾(آل عمران:115) إلا بحلول روح القرآن في أفرادها جميعًا وفي كيانها العام جميعًا؛ "مثل المؤمنين في توادهم وتعاطفهم وتراحمهم مثل الجسد إذا اشتكى منه شيء تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى" (رواه البخاري). وما صنعت هذه الأمة ما صنعته في التاريخ إلا حين حلّت في أفرادها ومجموعها روح القرآن.
الطبيعة الثانية للقرآن: إنه نور ﴿جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا﴾(الشورى:52). إنه نور من نور الله و﴿اللهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ﴾(النور:35)، ولا نور لأحد إلا من نوره، وشأن النور أن يعطي الأمان وأن يوضح الرؤية وأن يبرز الأشياء على حقيقتها.
إن هذا القرآن نور للقلوب وللعيون وللألسنة وللجوارح، ونور للفرد وللأسرة وللأمة وللبشرية... حين يحضر تحضر كل خصائص النور ومزاياه، وحين يغيب تحضر كل مصائب الظلام وأخطاره. ولا سبيل إلى حضوره والانتفاع به إلا باتباع رضوانه: ﴿قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ * يَهْدِي بِهِ اللهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلاَمِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾(المائدة:15-16).
وإن وظيفة هذا القرآن -بناء على تلك الطبيعة- هي "الهداية"، قال تعالى: ﴿إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ﴾(الإسراء:9)، ولذلك كان هذا الدعاء الوحيد الفريد الذي ندعو به الله جل وعلا في سورة الفاتحة كل يوم سبع عشرة مرة إجباريًّا، وإلا لا تصح صلاتنا: ﴿اِهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ﴾(الفاتحة:6)، وهل نطلب من الله تعالى في هذا الدعاء الوحيد الفريد إلا "الهداية"؟ كل ما قبلها في الفاتحة مقدمة لها، وكل ما بعدها تفصيل لها. فأين الجواب عن هذا الطلب؟ ذلك ما نجده أول ما ندخل إلى سورة البقرة أولِ سورةٍ بعد الفاتحة التي هي بمثابة المقدمة لهذا الكتاب العظيم: ﴿ألم * ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ﴾(البقرة:1-2)، كأن الله تعالى يقول لنا: أنتم تطلبون الهداية؟ فها هو الكتاب أمامكم فيه ما تريدون، هو محض هدى على الوقف على ﴿لاَ رَيْبَ فِيهِ﴾، وهو يتضمن الهدى على الوقف على ﴿لاَ رَيْبَ﴾، هو هداية لمن اتقى (أي للمتقين) ولمن اتبع رضوانه: ﴿يَهْدِي بِهِ اللهُ مَنِ اتَّبَعَ رضوانه﴾(المائدة:16)، أما الذي لم يتبع رضوانه فلن يهتدي: ﴿جَزَاءً وِفَاقًا﴾(النبأ:26).
فالقرآن من حيث هو دلالة وإرشاد، هو هدى للناس جميعًا، ولكن لا يهتدي وينتفع به إلا المتبعون المتقون، وما من خير إلا ودلّنا عليه القرآن، وما من شر إلا ونهانا عنه. إنه محض هدى، فهل يطلب الهدى في غيره؟ كلا: ﴿قُلْ إِنَّ هُدَى اللهِ هُوَ الْهُدَى﴾(البقرة:120) بالحصر.
والحقيقة الواضحة الصريحة هي أن هذا القرآن هو الهدى وهو الميزان لكل هدى، حتى هدى العقل الذي أودعه الله سبحانه وتعالى في بني آدم حين ﴿أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى﴾(طه:50)، إذ لا يمكن الاستفادة من ذلك إلا إذا وزن بميزان القرآن الذي هو الهدى: ﴿قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا﴾(الكهف:103-104).


علاقة القرآن بالإنسان




الإنسان بدون قرآن ميت حتى تحل فيه روح القرآن وبالقرآن يتم إحياء الإنسان. فأول علاقة بين القرآن والإنسان هي علاقة الروح بالجسد، ذلك بأن الإنسان مكون من عنصرين "طين" و"روح"، وأما العنصر الطيني مسيَّر من قبل العنصر الروحي.

أ- علاقة الروح بالجسد (الحياة والموت): ﴿أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾(الأنعام:122)؛ الإنسان بدون قرآن ميت حتى تحل فيه روح القرآن وبالقرآن يتم إحياء الإنسان. فأول علاقة بين القرآن والإنسان هي علاقة الروح بالجسد، ذلك بأن الإنسان -كما تقدم- مكون من عنصرين "طين" و"روح"، وأما العنصر الطيني مسيَّر من قبل العنصر الروحي، فهو الذي يقود الإنسان إلى الخير أو يقوده إلى الشر: ﴿وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا * قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا﴾(الشمس:7-10).
هذه الروح هي التي تقود الإنسان إلى المسجد أو تقوده إلى الحانة، وهذه الروح هي التي تزين له الخير أو تزين له الشر، ولكن بم تتغذى هذه الروح؟ نحن نغذي أجسامنا عادة كل يوم ثلاث مرات، ولكن نغذي العنصر الطيني فقط، أما العنصر الروحي فإنما يُغذى بغذاء من جنسه هو "الوحي"، والوحي فقط هو الذي يغذي الأرواح، وإنما يكون في الكلام ضرب من غذاء الأرواح على قدر ما فيه من روح القرآن وهدى القرآن.
ولمعرفة خطورة غيبة هذا الغذاء الروحي، يكفي أن ننظر في تشريع الصلاة حيث أوجبها الله تعالى في اليوم خمس مرات وفي أوقات معينة: ﴿إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَوْقُوتاً﴾(النساء:103). فالعنصر الروحي في الإنسان يحتاج إلى التزود بالطاقة خمس مرات في اليوم وبذلك الترتيب، وإلا صار مهددًا بالانطفاء والموت.
الجوع الديني في الإنسان أكبر من الجوع الطيني بدليل هذا التشريع، وعبر الصلاة يتم التزود. فنحن نقف بين يدي المولى عز وجل لنتزود ونستمد من أسمائه الحسنى المعاني الحسنى، وإذا لم يقع اتصال لا يقع استمداد ولا إمداد.
وعليه، فالضرر يلحق بالفرد حين لا يصلي الصلاة التي أمر بها الله بشروطها وحقوقها وعلى رأسها الذكر: ﴿وَأَقِمِ الْصَّلاةَ لِذِكْرِي﴾(طه:14)، ذلكم الذكر هو الذي به يحدث الاتصال، فإذا كان هناك سهو: ﴿فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ﴾(الماعون:4-5)، سواء كان هذا السهو عنها جملة أو عن بعضها فيها؛ إذ يوجد الشبح ولا توجد الروح، وإنما روح الصلاة الذكر، فبذلك الذكر فقط يحدث الاتصال، وبالاتصال يحدث التزود بالطاقة الروحية حقًّا.
بـ- علاقة النور بالإبصار: ﴿قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ * يَهْدِي بِهِ اللهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلاَمِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾(المائدة:15-16)؛ القرآن نور وبالنور نبصر، ولو تصورنا أنه لم يبق نور، ليس فقط نور الكهرباء، بل لم يبق نجوم ولا قمر... ما الذي يحدث نتيجة ذلك؟ يحدث التخبط التام والهلع ويصطدم هذا بهذا ويدفع هذا ذاك ولن يهتدي الناس إلى سبيل.
فبالنور إذن تتم الرؤية الواضحة، وحاجة الإنسان إلى هذه الرؤية كحاجته إلى الهواء والماء، لأنه جاء من غيب ويتجه إلى غيب ولا يدري الآن شيئًا من الغيب: ﴿وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ﴾(لقمان:34).علاقتنا بالدقائق القادمة لا نعرف عنها شيئًا، نتواجه في كل لحظة مع الغيب... فكيف إذن نتصرف في هذا الواقع بأمان؟ الله عز وجل أرشدنا بهذا النور إلى تصرف يكفل لنا أن نُحفَظ ونحن نخترق الغيب: "احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك" (رواه الترمذي)، ذلك بأن الغيب -وإن كان مستورًا عنا- هو معلوم لله جل جلاله، فإذا تصرفنا كما أمر الله تعالى في كتابه وسنة رسوله، حُفظنا بأمر الله من أمر الله.
أجل، إنه النور الربّاني، إذا صرنا نحن بني البشر وفق هداه ربحنا دنيانا وأخرانا وإلا خسرناهما معًا: ﴿وَالْعَصْرِ * إِنَّ الإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ﴾(العصر:1-3).
جـ- علاقة الماء بالأرض (الخصوبة والجدب): وأحسن بيان لهذه العلاقة، بيان رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث الهدى المشهور: "إن مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم كمثل غيث أصاب أرضًا، فكانت منها طائفة طيبة قبلت الماء فأنبتت الكلأ والعشب الكثير، وكان منها أجادب أمسكت الماء فنفع الله بها الناس فشربوا منها وسقوا ورعوا، وأصاب طائفة منها أخرى إنما هي قيعان لا تمسك ماء ولا تنبت كلأ، فذلك مثل من فقه في دين الله ونفعه الله بما بعثني الله به فعلِم وعلّم، ومثل من لم يرفع بذلك رأسًا ولم يقبل هدى الله الذي أرسلتُ به" (رواه مسلم)، هذا الحديث يوضح بجلاء وجهًا من وجوه العلاقة بين القرآن والإنسان. إذا كانت العلاقة الأولى تقوم بوظيفة الإحياء، والعلاقة الثانية تقوم بوظيفة الإبصار، فإن هذه العلاقة تقوم بوظيفة التخصيب إذ بها يُحدِث الإنسان فعله الحضاري النافع.
ذلك بأن الوحي (الهدى والعلم) الذي أوتيه محمد صلى الله عليه وسلم إسعادًا للناس ورحمة للعالمين، مثَله كمثَل الماء النازل من السماء إغاثة للناس ونشرًا للرحمة في الأرض.
فكما أنه لا خصوبة في أي أرض بغير ماء، بل لا حياة: ﴿وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ﴾(الأنبياء:30)، فكذلك لا هداية في أي قلب، بل لا حياة بغير قرآن: ﴿قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ وَالَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُولَئِكَ يُنَادَوْنَ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ﴾(فصلت:44).


القرآن غيث ورحمة

والناس في استقبال هذه الرحمة وهذا الغيث طوائف ثلاثة:
• طائفة طيبة قبلت الماء، أي سمحت له بأن ينفذ إلى أعماقها ليحدث الأثر المطلوب كما قال تعالى: ﴿وَتَرَى الأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ﴾(الحج:5). هي طائفة استقبلت هدى الله ووعته وعملت به، ثم أرسلته وبلغته وعلَّمته فأنبتت الكلأ والعشب الكثير، وكان منها خير كثير للبلاد والعباد، فهي أفضل الطوائف.
• طائفة أجادب صُلبة لا ينفذ إلى باطنها الماء، فما قبلت الماء لكن أمسكته، فاستفاد الناس من مائها وإن لم تستفد هي منه، فشربوا منها وسقوا وزرعوا، وهذا النوع من الحاملين للعلم وإن كان غير منتفع فهو نافع.
• طائفة قيعان سَبخة ملساء لا يستقر فيها الماء، إذا نزل عليها الماء لا تمسكه كالطائفة الثانية، بَلهَ أن تنبت كالطائفة الأولى، فهي لا تمسك ماء ولا تنبت كلأ، وهذه لا تنفع ولا تنتفع، فهي أسوأ الطوائف.
ما السر في أحوال هذه الأنواع الثلاثة الصالحة والطالحة؟ إنه الفقه في دين الله تعالى أو عدمه. قال صلى الله عليه وسلم : "من يرد الله به خيرًا يفقهه في الدين" (متفق عليه)، وقال أيضًا: "الناس معادن كمعادن الذهب والفضة، خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا" (رواه البخاري). الفقيه في الدين منتفع نافع، والفقيه في الدين عالم عامل معلّم للناس الخير، إذ الرسالة مستمرة والأمة شاهدة على الناس. ولابد لمن تعلّم أن يعلّم لتتواصل الأمانة وتتواصل الشهادة حتى قيام الساعة، فذلك مثل من فقه في دين الله فعلم وعلّم، أما من لم يقبل هدى الله، فمن أين له فقه الدين حتى ينتظر منه الخير الكثير أو القليل؟!
وعليه، فإن المخصِّب لهذا المعدن البشري ولهذا الصلصال، إنما هو هذا القرآن، هو الذي يخصّبه فيحدث الفعل الحضاري الصالح من جنس ما أحدثه الرسول والصحابة من بعده، وأحدثه الجيل الراشد الذي حمل النور في الكرة الأرضية شرقًا وغربًا شمالاً وجنوبًا في ظرف قياسي لم تعرفه أمة من الأمم قط.


مؤسسات التعليم الثلاث

وأخيرًا ما الذي يجب على هذه الأمة الآن لكي تتوب من هجر القرآن؟ إنها تحتاج إلى توبة نصوح ولا سيما في حقل التعليم، ذلك بأن التعليم هو الذي يُنـزل الغيث أو يُنـزل القحط
ويسجله في قلوب الأطفال وقلوب الشباب. وقبل التعليم توجد الأسرة، ومع التعليم يوجد الإعلام. فالمعلمون الكبار للخير أو للشر مؤسسات ثلاث:
1- مؤسسة الأسرة: لقول الرسول صلى الله عليه وسلم : "كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه" (رواه البخاري)، والفطرة هي "الإسلام" لقول الله تعالى: ﴿فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لاَ تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ﴾(الروم:30).
لماذا الأبوان؟ لأن الاحتكاك الأول يكون بهما، فإذا قام الأبوان بوظيفتهما في غرس روح ونور القرآن، فإن شوطًا كبيرًا سيقطع في اتجاه إعادة الأمة إلى الرشد والعطاء الحضاري.
2- مؤسسة التعليم: لأن التعليم يتلقى الطفل في سن مبكرة، ويحدث التأثير فيه بطرق متعددة، بطريق القدوة الذي هو الأستاذ أو الأستاذة، وبطريق الوسائل والوسائط السمعية والبصرية، وبطرائق المعلومات التي يقدمها له... كل ذلك يدفع في اتجاه واحد هو جعل هذا المتعلم قد خزن فيه وأعدّ لما ينفع الناس ويمكث في الأرض، أو خزن فيه وأعدّ لما يضر الناس ويفسد الأرض. وهذه حقيقة تثير تساؤلاً ضخمًا عن رسالة التعليم ووظيفة التعليم في الأمة اليوم. ما هي تلك الرسالة؟ ما نوعية الخريج الذي ينبغي أن يصنعه التعليم في الأمة اليوم؟ لابد أن نتساءل عن هذه النقطة وأن نتعاون على جعل التعليم مؤسسة لتربية وتكوين الخريج الذي أصله ثابت ورأسه في السماء يؤتي أكله كل حين بإذن ربه.
3- مؤسسة الإعلام: الإعلام اليوم أصبحت له وسائل لا تستأذن أحدًا ولا تقبل محاصرة أو تحديدًا، أصبحت تدخل إلى عمق البيت وتدخل إلى عمق المدرسة. ما الرسالة الحقيقية لهذا الإعلام؟ إن رسالته أن يعلّم الناس الخير، إن رسالته أن يعلّم ما ينفع الناس ويمكث في الأرض، إن رسالته التمكين لروح القرآن ونور القرآن وهدى القرآن لإنقاذ هذا الإنسان.
أضف تعليقا





الإسم





البريد


شهوتي تغلبني دائما !!  Empty رد: شهوتي تغلبني دائما !!

karim
karim
عضو مميز
عضو مميز
رقم العضوية : 103
الجنس : ذكر عدد المساهمات : 1989 نقاط التميز : 2499 تقييم العضو : 46 التسجيل : 26/09/2009 العمر : 39 الإقامة : دائرة حمام دباغ
تمت المشاركة الأربعاء سبتمبر 19, 2012 8:39 pm
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]

اعلم ان ذلك حرااااام وكل من شاهد تلك الاباحيات الا يخاف ان تخطفه الموت وهو يشاهدها
اللهم اعزنا بالاسلام ونور الايمان

شهوتي تغلبني دائما !!  Empty رد: شهوتي تغلبني دائما !!

avatar
زائر
زائر
تمت المشاركة السبت سبتمبر 22, 2012 9:44 pm
ربنااغفرلنا ذنوبنا وإسرافنا فى امرنا

الله يعافبك ع الموضوع القيم اخي

والله يهدي الجميع
استعرض الموضوع التاليالرجوع الى أعلى الصفحةاستعرض الموضوع السابق
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى