بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضلّ له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين أما بعد أيّها الإخوة في الله إن طلب العلم الشرعي هو من أعظم الأمور التي ينبغي ,يجب أن يهتم بها المسلم حتّى يحصّن نفسه وحتى يسلم من أن تنطلي عليه شبه المشبّهين وتلبيس الملبّسين وطلب العلم الشرعي متحتّم على كل مسلم ومنه ماهو فرض عين ومنه ما هو فرض كفاية وفرض العين أنّه يجب على كل مسلم أن يتعلّم القدر الذي تصح به عبادته على الأقل ويصح به توحيده قبل ذلك ,فلا أقلّ يا عبد الله من أن تعرف القدر الذي تعبد به ربّك وتكون عبادتك فيه عبادة صحيحة ليس فيها خلل ولا زلل, بأن تعرف أحكام الطهارة أحكام الصلاة فرضها ونفلها وما يتعلق بكتاب الصلاة بشكل عام والصوم والحج والزكاة معرفة الحلال من الحرام هذا القدر يا عبد الله تعلّمه فرض عين ليس لأحد عذر إن وجد سبيلا إلى تعلّمه وتركه فهو آثم ,إن وجد سبيلا إلى تعلّم العلم الشرعي كما قلت على الأقل القدر الذي تصح به العبادة فإنه بذلك يكون آثما فلا بد يا عبد الله أن تعرف هذا الأمر و أن تطلب العلم لتعرف التوحيد من الشرك والحلال من الحرام والحقّ من الباطل والخبيث من الطيّب والطريق المستقيم من الطريق المعوجّ ,لا يمكن أن تصحّ عبادتك إلّا إذا كنت كذلك أما الإعراض عن طلب العلم كما يردّد بعض العوام نحن نيّاتنا طيّبة والنيّات تكفي ,النيّة لا قيمة لها وحدها ولذلك فإن العبادة لا تصحّ إلا بالنيّة والمتابعة للنبيّ صلى الله عليه وسلم والمتابعة لا تتحقّق إلا بماذا ؟آآ؟ إلّا بالعلم لا تستطيع أن تقتدي بالنبيّ صلى الله عليه وسلم قولا ,فعلا,عملا واعتقادا إلّا إذا كنت متسلّحا بسلاح العلم الشرعي أمّا إذا لم تتسلّح بسلاح العلم فإنّ ,فإنه قد يعمل الشرك يظنّه توحيدا ويفعل البدعة يظنّها ماذا؟سنة ويفعل الباطل يظنّه حقا و لذلك بيّن الله عزوجل أنه لا يستوي من يعلم ومن لا يعلم قال تبارك وتعالى: { هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون } [الزمر/9] الذي يتفقّه في دين الله تبارك وتعالى ينال درجتين لا يحصل عليهما أحد إلا من يطلب العلم :
الدرجة الأولى أنّه يعبد الله على بصيرة قال الله سبحانه وتعالى : { قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني وسبحان الله وما أنا من المشركين } [يوسف/108] ,فالعبادة لا بدّ أن تكون على بصيرة والذي يطلب العلم لا يضع رجله أو قدمه إلا حيث ينبغي أن تكون ,يتثبّت ممّا يعمل وممّا يقول وممّا يعتقد.
والميزة الثانية التي يمتاز بها من يطلب العلم أنّه يدل على الخير وأنه مشعل هداية ينفع الله به من اقتدى به ومن استفاد منه فينال الأجر الذي وعد به أهل العلم في قول النبيّ صلى الله عليه وسلم <من دلّ على هدى فله مثل أجر فاعله >وقوله صلى الله عليه وسلم <من دعى إلى هدى فله مثل أجر من تبعه من غير أن ينقص ذلك من أجورهم شيئا>قوله صلى الله عليه وسلم من حديث جرير بن عبد الله البجليّ <من سنّ في الإسلام سنّة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة من غير أن ينقص من أجورهم شيئا>أي من أحيا سنة من سنن المصطفى صلى الله عليه وسلم ولا سيما عندما يميتها النّاس وكثير من النّاس يميتون السّنن فالواجب على المسلم أن يجتهد في طلب العلم الشرعي وأن يطلب الزيادة منه { وقل رب زدني علما } [طه/114] ألا تعلم يا عبد الله أن الله قرن شهادة أهل العلم مع شهادته وشهادة ملا ئكته ,يقول الله عزوجل { شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولوا العلم قائما بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم } [البقرة/204] ,يقول النبيّ صلى الله عليه وسلم :<منهومان لا يشبعان طالب علم وطالب مال>فطالب العلم لا يشبع من طلبه ولا يملّ من كثرة بحث مسائله إلى أن يلقى الله تبارك وتعالى وهو على ذلك, والذي يطلب العلم ابتغاء وجه الله شبّه بالمجاهد في سبيل الله لأن طلب العلم جهاد وانقطاع للعبادة , ويكفي أنه طريق الجنّة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :<من سلك طريقا يلتمس فيه علما سهّل الله له به طريقا إلى الجنّة>. بالعلم يا عبد الله تحمي نفسك ويحصّنك الله به من شبه المشبّهين وتحريف الغالين وانتحال المبطلين, بالعلم يا عبد الله ترتقي الدرجات العلى ,تميّز بين الخبيث والطيّب وبين الحق والباطل ,العلم يا عبد الله هو ميراث النبوّة ألا يكفيك شرفا وفخرا أن تكون من ورثة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وأما الجهل فإنه يوقع صاحبه في متاهات لا تحمد عقباها ,وأضرب لكم مسائل بيّنها النبي صلى الله عليه وسلم من عواقب الجهل , من ذلك أن الجاهل قد يقتل نفسه بجهله ,أليس كذلك ؟يدل لذلك ماجاء في الصحيحين وهو ما بيّنه النبيّ صلى الله عليه وسلم من حديث في الصحيحين أن رجلا قتل تسعة وتسعين نفسا لكنّه يريد الخير جاء إلى شخص من الرّهبان وسأله قائلا أنا قد قتلت تسعة وتسعين نفسا فهل لي من توبة ؟فقال له ليس لك توبة .مسكين هذا الجاهل لا يعرف قول الله تعالى : { قل يا عبادي الذين}إيش؟{ أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم } [الزمر/53] فقال ليست لك توبة فما كان من هذا المسكين إلاّ أن قتله وكمّل به المائة .ثم إنّه مازال يريد الخير فقال , فذهب يبحث عن من يدلّه على الخير فأتى عالما من العلماء فقال له قد قتلت مائة نفس فهل لي من توبة ؟قال نعم ومن يحول بينك وبين التوبة ؟غير أنّ قريتك قرية سوء فاذهب إلى القرية الفلانية فإنّ فيها قوما صالحين فذهب تائبا منيبا إلى ربّه وذهب إلى القرية ثمّ أدركه الموت في الطريق فاختصمت فيه ملائكة الرحمة وملائكة العذاب كل منهم يريد أن يأخذه فيحكّم الله بينهما ملكا فيقضي بينهم أنّه إذا كانت القرية التي كان يقصدها أقرب أخذته ملائكة ماذا ؟آآ؟ الرحمة .وإن كانت القرية التي خرج منها أقرب أخذته ملائكة العذاب ,فماذا حصل ؟ طوى الله له الأرض فقرّب إليه القرية التي كان يقصدها وفي رواية أنّه كان ينأى بصدره نحو القرية التي كان يقصدها وكان من أهل الجنة .في هذا الحديث عدّة فوائد:
الفائدة الأولى:فضل العلم حيث إنّ هذا العالم أفتى للرجل بالطّريق الذي يخلّصه.
الفائدة الثانية :أهمية التوبة قبل ماذا ؟ قبل الموت.<تقبل توبة العبد ما لم يغرغر >فإذا تاب إلى الله توبة نصوحة قبل الله منه يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم <إن الله يبسط يده باللّيل ليتوب مسيء النّهار ويبسط يده بالنّهار ليتوب مسيء اللّيل حتّى تطلع الشمس من مغربها>
الفائدة الثالثة :خطورة الجهل وكيف أن هذا الرجل الراّهب أفتى فكان هو أوّل ضحية لماذا ؟آآ؟لفتواه .كان هو أوّل ضحية لفتواه و رابعا: الحرص على تحرّي سؤال أهل العلم المحقّقين والبعد عن الجهلة والكتّاب والمفكّرين والذهاب إلى العلماء الربّانيين الذين يقضون بالحقّ وبه يعدلون,فإنّ علمهم فيه نور وفيه ضياء وفيه خير بخلاف كتّاب الصحف المتعالمين وكتّاب الكتب الإنشائية التي هي كطحن القرون الذين يسمّون بالمفكّرين الذي ,كطحن القرون تسمع جعجعة ولا تجد طحينا فاحذر يا عبد الله من ذلك فإنّه في غاية من الخطورة وتقرّب إلى ربّك بالعمل بما يرضيه واجتهد في طاعته وتقرّب إليه بالخير واجتهد في طلب العلم الشرعي.
الفائدة الخامسة:فضل الله تبارك وتعالى على عباده حيث لطف بهذا الرجل على الرغم مما ارتكب من ذنوب وجرائم لكن الله علم صدق نيّته .سابعا : <سهى الشيخ حفظه الله ولم يقل سادسا> أهمية الإخلاص في القلب فإنّ عواقبه طيّبة .
ثامنا: وجوب التثبّت من المعلومة التي تسمعها والتتلمذ على العلماء الربّانيين الذين ينفعونك في أمر دينك ودنياك .عدم اليأس من روح الله و القنوط. هذه بعض الفوائد التي يشتمل عليها هذا الحديث ومن خطورة الجهل أنه قد يوقع صاحبه في مآزق خطيرة وتعلمون قصة جريج الذي كان ,جاءته أمّه وهو يصلّي طبعا صلاة نافلة بإمكانه أن يقطعها ويذهب لأمّه فنادته فقال رب أمي وصلاتي فاستمرّ في صلاته جاءته ثانية وثالثة ثمّ قالت بعد الثالثة اللهمّ لا تمته حتى يرى وجوه الإيش؟المومسات .فجاءت إمرأة بغي فادّعت عليه أنّه فجر بها وأنّها حملت منه فجاؤوا وهدموا صومعته وضربوه ثمّ إن الله أنقذه بعد ذلك بعد أن أراه درسا بأن نطق الغلام ,من أبوك يا غلام ؟ فقال أبي الرّاعي فلان فنجّى الله جريجا لكن بعد أن أراه ماذا ؟درسا في أهمّية رضاء الوالدين وأنّه مقدّم على نوافل الإيش؟ العبادات ومن خطورة الجهل أنّه يضيّع أمة بأكملها الجاهل ,فإذا أفتى بغير علم ضيّع الناس قاطبة ولذلك المساكين الذين يتعلّقون بأذيال مفتي الفضائيات المشبوهة وعدم التحرّي عن العلماء الربّانيين كثيرا ما يستحلّون المحرّمات ,أليس كذلك؟فقد أفتاهم علماء السوء المتعالمين الجهلة بحلّ الغناء وحلّ الرّبا وحلّ التمثيليات وحلّ الإختلاط وحلّ زواج المرأة الكافرة من المسلم وحلّ كثير ممّا حرّم الله عزوجلّ وحلّ الموسيقى والمعازف وما إلى ذلك ,يستحلّون شيئا فشيئا حتّى لا يبقى عندهم من الإسلام شيء ,ناهيك عن حلّ الشرك وهو التعلّق بالقبور ودعاء أهلها من دون الله والتضرّع إليهم والخشوع و الخضوع بين أيديهم ونسيان ربّ العالمين خالقهم وخالق النّاس أجمعين .فهذا كلّه نتيجة للجهل, تجد في بعض البلاد الإسلامية الناس يطوفون بالأضرحة وبعض المنتمين إلى العلم ينظرون إليهم ولا يحرّكون ساكنا ,فالجهل داء خطير يا عبد الله ,داء قاتل يوقع صاحبه في المهالك فتحصّن بالعلم تحصّن بالعلم يا عبد الله حتّى تكون على بصيرة من أمرك وحتى تعبد الله على بصيرة وحتّى تخلص أو تخلص من حال المفرطين والمفرّطين , العلم سلاح ,العلم نور أخبر النبيّ صلى الله عليه وسلم أنّه نور ومعنى كونه نورا أنه يضيء للمسلم الطريق حيث يفرّق و يميّز فيه بين الأشياء , العلم يبني بيوتا لا
عماد لها في الجنة إن شاء الله لمن كان عاملا بعلمه متّقيا لله عزوجل ,العلم حصن حصين للمتّقين المؤمنين العاملين بعلمهم المجتهدين في طاعة ربّهم ,العلم من أعظم أسباب تحصيله تقوى الله عزوجل { واتقوا الله ويعلمكم الله } [البقرة/282] ,العلم يا عبد الله لا يكون إلا بالتلقّي كما يقول الله جلّ وعلا { فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون } [التوبة/122] و يقول النبيّ صلى الله عليه وسلم :<إنّما العلم بالتعلّم وإنّما الحلم بالتحلّم >فبادر يا عبد الله إلى تحصيل العلم الشرعي ,العلم يكون بثني الركب عند أهل العلم عند العلماء الربّانيين الذين يتحرّون الحقّ والذين يعملون بالسنّة ويدعون إليها ويحكّمونها في جميع شؤونهم ,العلم يا عبد الله يكون بالصبر والمصابرة والجدّ في طلبه
ومن طلب العلا من غير كد أضاع العمر في طلب المحال
ويقول أحدهم:
أخي لن تنال العلم إلا بستة سأنبيك عن تفصـــيلها ببيان
ذكاء وحرص واصطبار وبلغة وصحبة أستاذ وطول زمان
ذكاء :الذكاء يعطيه الله الكثير من النّاس لكن البعض يستخدمه في الجهل والشرّ وتنفيذ المآرب الخبيثة فإذا استخدمه في العلم النافع المتوّج بالعمل الصالح نفع صاحبه وإلاّ كان وبالا عليه .وحرص:الحرص الإجتهاد مع العضّ على ذلك بالنواجذ ,الحرص على طلب العلا .و اصطبار :لابد فيه من الصبر والمصابرة ووصل اللّيل بالنهار في طلبه.وبلغة:لابدّ فيه من نفقة من شراء الكتب من السفر إلى أهل العلم للتلقي عنهم إلى آخر ماهنالك من طلب النفقة والبلغة .وصحبة أستاذ:العلم يكون على أيدي الشيوخ { ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم } [النساء/83] لا أعني شيوخ الطرق الذين يستعبدون مريديهم فيخضعون لهم ويخشعون لهم من دون الله ويتمسّحون بهم ويقبّلون أيديهم وأرجلهم وركبهم ,لا ياعبد الله أعني بالشّيوخ شيوخ العلم الأفاضل طلب العلم الذي فيه الخير كل الخير ,لا يقصد بطلب العلم عند الشيخ أن تكون أمامه كالميت بين يدي المغسّل عبارة عن آلة تدحرج لا ,وإنّما المقصود أنك تطلب العلم عنده بأدب وتسمع وليس المراد أن يستعبدك أو أن تكون رهن إشارته حتّى في الباطل .وطول زمان: أيضا يحتاج إلى وقت العلم يحتاج إلى وقت طويل حتّى تحصّله بل يجب أن تطلب العلم إلى أن تموت وإذا أتى يوم شعرت نفسك بأنّك قد بلغت القمّة من العلم فاعلم أنّك أجهل خلق الله .لا يزال الرجل عالما ما طلب العلم فإذا ظنّ أنه قد علم فقد إيش؟ جهل .فاطلبوا العلم عباد الله وتحصّنوا به من كل شيء فإنّه نور لكم في الدّنيا والآخرة والله نسأل أن يرزقنا وإيّاكم العلم النافع والعمل الصالح وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين صلى الله وسلّم على نبيّنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
- mahdi87عضو مميز
- رقم العضوية : 11810
الجنس : عدد المساهمات : 1205 نقاط التميز : 2012 تقييم العضو : 32 التسجيل : 17/02/2012
تمت المشاركة الجمعة أغسطس 24, 2012 2:14 pm
- زائرزائر
تمت المشاركة الأحد سبتمبر 23, 2012 11:24 pm
كل الشكر لروعة ماوضعت لنااا هنااا
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى