ذهب فلان إلى أوروبا وما ننكر من أمره شيئا، فلبث فيها بضع سنين، ثم عاد وما بقي مما كنا نعرفه منه شيئا.
ذهب بوجه كوجه العذراء ليلة عرسها، وعاد بوجه الصخرة الملساء تحت الليلة الماطرة، وذهب بقلب نقي طاهر يأنس بالعفو ويستريح إلى العذر، وعاد بقلب ملفف مدخول لا يفارقه السخط على الأرض وساكنها، والنقمة على السماء وخالقها، وذهب بنفس غضة خاشعة ترى كل نفس فوقها، وعاد بنفس ذاهبة نزاعة لا ترى شيئا فوقها، ولا تلقي نظرة على ما تحتها، وذهب برأس مملوءة حكما ورأيا، وعاد برأس كرأس التمثال المثقب لا يملؤها إلا الهواء المتردد، وذهب وما على وجه الأرض أحب إليه من دينه ووطنه، وعاد وما على وجهها أصغر في عينيه منهما.
وكنت أرى أن هذه الصورة الغريبة التي يتراءى فيها هؤلاء الضعفاء من الفتيان العائدين من تلك الديار إلى أوطانهم إنما هي أصباغ مفرغة على أجسامهم إفراغا لا تلبث أن تطلع عليها شمس المشرق حتى تتصل وتتطاير ذراتها في أجواء السماء، وأن مكان المدنية الغربية في نفوسهم مكان الوجه من المرأة، إذا انحرف عنها زال خياله منها، فلم أشأ أن أفارق ذلك الصديق ولبسته على علاته وفاء بعهده السابق ورجاء لغده المنتظر محتملا في سبيل ذلك من حمقه ووساوسه وفساد تصوراته وغرابة أطواره، ما لا طاقة لمثلي باحتمال مثله، حتى جاءني ذات ليلة بداهية الدواهي ومصيبة المصائب، فكانت آخر عهدي به.
. دخلت عليه فرأيته واجما مكتئبا فحييته فأومأ إلي بالتحية إيماء، فسألته ما باله فقال: ما زلت منذ الليلة من هذه المرأة في عناء لا أعرف السبيل إلى الخلاص منه، ولا أدري مصير أمري فيهن قلت: وأي تمرأة تريد؟ قال: تلك التي يسميها الناس زوجتي، وأسميها الصخرة العاتية في طريق مطالبي وآمالي، قلت: إنك كثير الآمال يا سيدي فعن أي آمالك تتحدث؟ قال: ليس لي في الحياة إلا أمل واحد هو أن أغمض عيني ثم أفتحهما فلا أرى برقعا على وجه امرأة في هذا البلد، قلت: ذلك ما لا تملكه ولا رأي لك فيه، قال: إن كثيرا من الناس يرون في الحجاب رأيي، ويتمنون في أمره ما أتمنى، ولا يحول بينهم وبين نزعه عن وجوه نسائهم وإبرازهن إلى الرجال يجالسنهم كما يجلس بعضهن إلى بعض إلا العجز والضعف والهيبة التي لا تزال تلم بنفس الشرقي كلما حاول الإقدام على أمر جديد، فرأيت أن أكون أول هادم لهذا البناء العادي القديم الذي وقف سدا دون سعادة الأمة وارتقائها دهرا طويلا، وأن يتم على يدي ما لم يتم على يد أحد غيري من دعاة الحرية وأشياعها، فعرضت الأمر على زوجتي فأكبرته وأعظمته وخيل إليها أنني جئتها بإحدى النكبات العظام والرزايا الجسام وزعمت أنها إن برزت إلى الرجال فإنها لن تستطيع أن تبرز إلى النساء بعد ذلك حياء منهن وخجلا، ولا خجل هناك ولا حياء، ولكنه الموت والجمود والذل الذي ضربه الله على هؤلياء النساء في هذا البلد أن يعشن في قبور مظلمة من خدورهن وخمرهن حتى يأتيهن الموت فينتقلن من مقبرة الدنيا إلى مقبرة الآخرة، فلا بد لي أن أبلغ أمنيتي، وأن أعالج هذا الرأس القاسي المتحجر علاجا ينتهي بإحدى الحسنيين إما بكسره أو بإشفائه.
- بارصا1995عضو فعال
- رقم العضوية : 6066
الجنس : عدد المساهمات : 998 نقاط التميز : 1459 تقييم العضو : 6 التسجيل : 16/06/2010 العمر : 29 الإقامة : قسنطينة
تمت المشاركة الإثنين ديسمبر 26, 2011 2:27 pm
التوقــيـــــــــــــــــــــع
- زائرزائر
تمت المشاركة الإثنين ديسمبر 26, 2011 8:30 pm
يسلموووااااا اعلى الطرح الرااااائع اخي الغالي
يعطيك العاااااااافيه على نثره هنا
ونتريا الزود~ْ
يعطيك العاااااااافيه على نثره هنا
ونتريا الزود~ْ
- زائرزائر
تمت المشاركة الإثنين ديسمبر 26, 2011 8:36 pm
شكرا لك
اعزازي وتقديري لكم
اعزازي وتقديري لكم
- عبد المهيمنعضو فعال
- الجنس : عدد المساهمات : 476 نقاط التميز : 562 تقييم العضو : 13 التسجيل : 25/12/2011 العمر : 46 الإقامة : في ارض الله
تمت المشاركة الإثنين ديسمبر 26, 2011 8:46 pm
الف شكر لك
تحياتي
اخوك
اسير الصمت
التوقــيـــــــــــــــــــــع
- بارصا1995عضو فعال
- رقم العضوية : 6066
الجنس : عدد المساهمات : 998 نقاط التميز : 1459 تقييم العضو : 6 التسجيل : 16/06/2010 العمر : 29 الإقامة : قسنطينة
تمت المشاركة الإثنين ديسمبر 26, 2011 10:18 pm
شكرا على الردود الجميلة
التوقــيـــــــــــــــــــــع
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى