الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين .
أما بعد،
أيها الإخوة والأخوات،
ها أنتم ترون أنفس المؤمنين في نهاية شهر رمضان يعلوها الحزن،
يعلوها البكاء،
تعلوها الحسرة التي تكاد تقطع قلوبهم،
وتُمَزّق أفئدتهم،
إنها القلوب المتعلّقة بالله تبارك وتعالى،
وإذا تعلّق القلب بالله عزّ وجلّ وطاعته أحبّه حبًّا عظيماً يفوق كل المحبوبات،
وإذا انشغل القلب بالله تعالى ومناجاته والتضرّع إليه لم يشغله شيء أبداً عن ذلك،
قال
تعالى: {رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ
اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا
تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأبْصَارُ} ( النور، 37 ) .
نعم !
قلب المؤمن المتعلّق بالله سبحانه،
أقبل فقُبِلَ،
وعرف لماذا خُلِقَ فعَمَل،
إذا رجع الناس إلى لذّاتهم عاد هو إلى عبادته،
وإذا سكن الخلق إلى أوطانه سكن إلى حُرقات أشجانه،
وإذا أقبل التجار على تفقّد أموالهم أقبل على تفقّد أحواله،
وإذا التذّ الغافلون بالمنام على جنوبهم تلذّذ في القيام بكلام محبوبه .
كيف لا يحزن ولا يتألّم قلب المؤمن إذا فارقه شهر القيام،
شهر الخشوع،
الشهر الذي ترقّ فيه القلوب أكثر،
وتلين النفوس أكبر وأعظم،
آهٍ على فراق المحبوب،
آهٍ إذا مضى شهر الخيرات ولم يُكثِر فيه من الطاعات،
آهٍ على ذهاب أيام العمر العظيمة أيام الطاعات والقربات، وليالي المناجاة .
قلوب المتقين إلى هذا الشهر تحنًُّ،
ومن ألم فراقه تئِنُّ،
كيف لا تجري للمؤمن على فراقه دموع
وهو لا يدري هل بقي في عمره إليه رجوع ؟
سلامٌ من الرحمن كل أوان ........... على خير شهر قد مضى وزمانِ
سلامٌ على شهر الصيام فإنه .......... أمانٌ من الرحمن أيَّ أمانِ
لقد فنيت أيامك الغُر بغتةً ........... فما الحزن من قلبي عليك بفانِ
( قال أبو معاوية البيروتي : نقله الدكتور السحيباني في كتيّبه من " بغية الإنسان من وظائف رمضان " لابن رجب )
أين تأثّر المجتهدين في نهاره ؟
أين قلق المتهجّدين في أسحاره ؟
إذا كان هذا حال مَن ربح فيه،
فكيف حال مَن خسر في أيامه ولياليه ؟
ماذا ينفع المفرِّط فيه بكاؤه وقد عظمت فيه مصيبته وجلّ عزاؤه ؟
كم نُصِحَ المسكين فما قبِلَ النّصح ؟!
كم دُعِيَ إلى المصالحة فما أجاب إلى الصلح ؟!
كم شاهد الواصلين فيه وهو متباعد ؟!
كم مَرَّت به زمر السائرين وهو قاعد ؟!
حتى إذا ضاق به الوقت وحاق به المقت ندم على التفريط حين لا ينفع الندم،
وطلب الاستدراك في وقت العدم،
( وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا (27)
يَا
وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا (28)لَقَدْ
أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ
لِلْإِنسَانِ خَذُولاً (29) ) ( الفرقان، 27 - 29 ) .
( وجيء يومئذ بجهنم يومئذ يتذكر الإنسان وأنى له الذكرى (23) يقول : يا ليتني قدمت لحياتي ) ( الفجر، 23 - 24 )
تحياتي أخــــــــــ أمين ـــوكم