استعرض الموضوع التالياذهب الى الأسفلاستعرض الموضوع السابق

فصل: ثمرات العلم Empty فصل: ثمرات العلم

mahdi87
mahdi87
عضو مميز
عضو مميز
رقم العضوية : 11810
الجنس : ذكر عدد المساهمات : 1205 نقاط التميز : 2012 تقييم العضو : 32 التسجيل : 17/02/2012
تمت المشاركة السبت أغسطس 25, 2012 12:03 am
تأملت أحوال الناس في حالة علو شأنهم، فرأيت أكثر الخلق تبين خسارتهم حينئذ، فمنهم من بالغ في المعاصي من الشباب، ومنهم من فرط في اكتساب العلم، ومنهم من أكثر من الاستمتاع باللذات: فكلهم نادم في حالة الكبر، حين فوات الاستدراك لذنوب سلفت، أو قوًى ضعفت، أو فضيلة فاتت، فيمضي زمان الكبر في حسرات؛ فإن كانت للشيخ إفاقة من ذنوب قد سلفت، قال: وا أسفا على ما جنيت! وإن لم يكن له إفاقة، صار متأسفًا على فوات ما كان يلتذ به.
765- فأما من أنفق عصر الشباب في العلم؛ فإنه في زمن الشيخوخة يحمد جني ما غرس، ويلتذ بتصنيف ما جمع، ولا يرى ما يفقد من لذات البدن شيئًا بالإضافة إلى ما يناله من لذات العلم، هذا مع وجود لذاته في الطلب الذي كان تأمل به إدارك المطلوب، وربما كانت تلك الأعمال أطيب مما نيل منها، كما قال الشاعر:
أَهْتَزُّ عِنْدَ تَمَنِّي وَصْلِهَا طَرَبًا ... وَرُبَّ أُمْنِيَةٍ أَحْلَى مِنَ الظَّفْرِ
766- ولقد تأملت نفسي بالإضافة إلى عشيرتي الذين أنفقوا أعمارهم في اكتساب الدنيا، وأنفقت زمن الصبوة والشباب في طلب العلم، فرأيتني لم يفتني مما نالوه؛ إلا ما لو حصل لي، ندمت عليه.
ثم تأملت حالي، فإذا عيشي في الدنيا أجود من عيشهم، وجاهي بين الناس أعلى من جاههم، وما نلته من معرفة العلم لا يقاوم. فقال لي إبليس: ونسيت تعبك وسهرك؟! فقلت له: أيها الجاهل! تقطيع الأيدي لا وقع له عند رؤية يوسف، وما طالت طريق أدت إلى صديق.
جزى الله المسير إليه خيرًا ... وإن ترك المطايا كالمزاد1
767- ولقد كنت في حلاوة طلبي العلم ألقى من الشدائد ما هو عندي أحلى من العسل، لأجل ما أطلب وأرجو، كنت في زمان الصبا آخذ معي أرغفة يابسة، فأخرج في طلب الحديث، وأقعد على نهر عيسى2، فلا أقدر على أكلها إلا عند الماء، فكلما أكلت لقمة، شربت عليها، وعين همتي لا ترى إلا لذة تحصيل العلم.
فأثمرت ذلك عندي أني عرفت بكثرة سماعي لحديث سير الرسول صلى الله عليه وسلم وأحواله وآدابه وأحوال أصحابه وتابعيهم، فصرت في معرفة طريقه كابن أجود3.
وأثمر ذلك عندي من المعاملة ما لا يدرك بالعلم، حتى إنني أذكر في زمان الصبوة ووقت الغلمة4 والعزبة قدرتي على أشياء كانت النفس تتوق إليها توقان العطشان إلى الماء الزلال، ولم يمنعني عنها إلا ما أثمر عندي العلم من خوف الله عز وجل، ولولا خطايا لا يخلو منها البشر، لقد كنت أخاف على نفسي من العجب؛ غير أنه عز وجل صانني وعلمني وأطلعني من أسرار العلم على معرفته، وإيثار الخلوة به، حتى إنه لو حضر معي معروف وبشر، لرأيتهما زحمة.
768- ثم عاد فغمسني في التقصير والتفريط، حتى رأيت أقل الناس خيرًا مني، وتارة يوقظني لقيام الليل ولذة مناجاته، وتارة يحرمني ذلك مع سلامة بدني، ولولا بشارة العلم بأن هذا نوع تهذيب وتأديب، لخرجت إما إلى العجب عند العمل، وإما إلى اليأس عند البطالة؛ لكن رجائي في فضله قد عادل خوفي منه.
769- وقد يغلب الرجاء بقوة أسبابه؛ لأني رأيت أنه قد رباني منذ كنت طفلًا، فإن أبي مات وأنا لا أعقل والأم لم تلتفت إلي، فركز في طبعي حب العلم، وما زال يوقعني على المهم فالمهم، ويحملني إلى من يحملني على الأصوب، حتى قوم أمري، وكم قد قصدني عدو فصده عني، وإذ رأيته قد نصرني
ـــــــ
1 مزاد ومزادة: وعاء من جلد: أي أن المطايا هزلت من كثرة الأسفار حتى صارت جلدًا على عظم.
2 نهر عيسى: نهر غربي بغداد، وحوله متنزهات وبساتين، ينسب إلى عيسى بن علي.
3 الدليل.
4 وقت الغلمة: سن الشباب.
........................................................

وبصرني، ودافع عني، ووهب لي: قوي رجائي في المستقبل بما قد رأيت في الماضي.
ولقد تاب على يدي في مجالس الذكر أكثر من مائتي ألف، وأسلم علي يدي أكثر من مائتي نفس، وكم سالت عين متجبر بوعظي لم تكن تسيل، ويحق لمن تلمح هذا الإنعام أن يرجو التمام.
770- وربما لاحت أسباب الخوف بنظري إلى تقصيري وزللي. ولقد جلست يومًا، فرأيت حولي أكثر من عشرة آلاف، ما فيهم إلا من قد رق قلبه، أو دمعت عينه، فقلت لنفسي: كيف بك إن نجوا وهلكت؟! فصحت بلسان وجدي:
إلهي وسيدي! إن قضيت علي بالعذاب غدًا، فلا تعلمهم بعذابي، صيانة لكرمك، لا لأجلي، لئلا يقولوا: عذب من دل عليه.
إلهي! قد قيل لنبيك صلى الله عليه وسلم: اقتل ابن أُبَيٍّ المنافق! فقال: "لا يتحدث الناس أن محمدًا يقتل أصحابه"1.
إلهي! فاحفظ حسن عقائدهم في بكرمك أن تعلمهم بعذاب الدليل عليك. حاشاك والله يا رب من تكدير الصافي.
لا تبر عودًا أنت ريشته ... حاشا لباني الجود أن ينقضا2
لا تعطش الزرع الذي نبته ... بصوب إنعامك قد روضا3
ـــــــ
1 رواه البخاري "3518"، ومسلم "2584" عن جابر رضي الله عنه.
2 ريش السهم: جعل له ريشًا، وهو آخر مراحل صنع السهم وتحضيره، والبري يكون قبل الترييش. والمقصود: لا تنقض شيئًا بدأته.
3 "الصوب": المطر، و "روّض النبت": أصبح روضةً غناء.



فصل: ثمرات العلم Empty رد: فصل: ثمرات العلم

avatar
زائر
زائر
تمت المشاركة السبت أغسطس 25, 2012 11:31 pm
جزاك الله خير وجعله في ميزان حسناتك

فصل: ثمرات العلم Empty رد: فصل: ثمرات العلم

nadim
nadim
عضو مشارك
عضو مشارك
الجنس : ذكر عدد المساهمات : 332 نقاط التميز : 367 تقييم العضو : 6 التسجيل : 20/04/2012
تمت المشاركة السبت أغسطس 25, 2012 11:32 pm
شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك ..
تقبل مروري

فصل: ثمرات العلم Empty رد: فصل: ثمرات العلم

barca
barca
عضو محترف
عضو محترف
رقم العضوية : 2
الجنس : ذكر عدد المساهمات : 30651 نقاط التميز : 40610 تقييم العضو : 915 التسجيل : 05/08/2009 الإقامة : guelma
http://www.guelma24.net
تمت المشاركة الأحد أغسطس 26, 2012 12:55 pm
شكرا جزيلا لك اخي مهدي على المعلومات الرائعة والقيمة
التوقــيـــــــــــــــــــــع



فداك أبـــــــــ يا رسول الله ــــــي وأمي
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
معلوماتـــ مهمة:

تنبيــه!! [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]

[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]

[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
استعرض الموضوع التاليالرجوع الى أعلى الصفحةاستعرض الموضوع السابق
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى