استعرض الموضوع التالياذهب الى الأسفلاستعرض الموضوع السابق

الارقام العربية , اصول وحقائق  Empty الارقام العربية , اصول وحقائق

avatar
زائر
زائر
تمت المشاركة الإثنين فبراير 13, 2012 7:50 pm


كان العَرَبُ في جزيرتِهم أصحابَ حضارة، فكانت سبأ وحمير في الجنوب، وثَمود في الشمال، وهي حضارات لم تكتفِ بالعيش اليومي، وما يحتاجه من وسائل بسيطة في العُلُوم الرياضية، بل كانت حضاراتٍ بانية، ما زال ذِكْرُها يشير إلى عظمتها ورُقيِّها، وحضارات بمثل هذا التقدُّم العُمراني لا يُمكنها أن تُشيَّدَ وتبنى إلا بعلوم رياضية مُتقدمة، تكون عمادًا للهندسة المعمارية، التي تقوم على الأرقام والرُّموز الرِّياضية؛ ولهذا فقد استعملت الحضارات العربيَّة في الجنوب صُورًا خاصة للأرقام في خط المسند، تعبِّر به عن الأعداد بدلاً من الكلمات، وكان ذلك في حدود المائة العاشرة قبل ميلاد المسيح، فعبَّروا عن الأعداد من (1) إلى (4) بخطوطٍ مُتوازية، كما عبَّروا عن بقيَّة الأعداد بهذه الطَّريقة، مع الاستعانة بالحرف الأول من الكلمات الدالة على تلك الأعداد[1].



وهكذا ساير العرب في تحضُّرهم حضاراتِ الأمم الأخرى في إيجاد صور خاصَّة بالأرقام في كتابَتِهم.



واندثرت معالِمُ الحضارة العربيَّة الجنوبية بعواملَ عدَّة، لعلَّ أبرزها الهجرة العربية الكبيرة من جنوب الجزيرة بعد انهيار سدِّ مأرب؛ مما أدَّى إلى اندثار كثير من المعالم العلميَّة، وفيها خط المسند وصور أرقامه؛ لهذا فإنَّنا لا نجد للعرب في جاهليَّتهم قبل الإسلام أيَّ ذكر لصور الأرقام، ولما أشرق نورُ الإسلام، وأخذت آياتُ الذِّكر الحكيم تتنزَّل على رسوله - صلَّى الله عليه وسلَّم - منجَّمة، كان يرِد ضمنها ذكرٌ للأعداد وتذكير بالعدِّ، فكأنَّ القرآن يُذكِّر العرب بما نَسُوه من مقومات التحضُّر، ويُحتِّم عليهم إكمالَ ما ينقصهم للنهوض، فلمَّا "شعر العرب بالحاجة الملحة إلى الحساب، بادروا - بادئ بَدء - إلى إعطاء حروفهم الأبجدية قِيَمًا حسابيَّة مُعينة يستعينون بها على قضاء حوائجهم وضَبْط تواريخهم، وتسهيل مهماتِهم، فكانوا يرمزون إلى الواحدِ بِحَرف الألف، وإلى الاثنين بحرف الباء، وإلى الثلاثة بحرف الجيم وهكذا، وأطْلَقوا على ذلك اسم "حساب الجمَّل"[2]، فوضعوا للحرف حسب الترتيب الأبجدي "أبجد هوز..." قيمًا عددية تعتمد على تخصيص الأحرف التِّسعة الأولى للأرقام من 1إلى 9.



ثم تخصيص تسعة أحرف للعشرات حتى 90، ثم خصصت التِّسعة الباقية للمئات، والحرف الأخير وهو حرف الغين للألف، ويبدو أنَّ العرب قد ورثوا هذا الأسلوبَ في استعمال الحروف الهجائيَّة لدلالات رقميَّة من أصولهم السامية؛ إذ يذكر الدكتور علي عبدالله الدَّفَّاع[3] أنَّ المسلمين أخذوا بهذا الأسلوب في وقت مُبكِّر، فاستعملوه في وقت الرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - حيث كان بعض علماء المسلمين يستعملون الحروف الهجائيَّة في كتابة مؤلفاتهم؛ لكن الدَّفَّاع لم يذكر المصدر الذي استند عليه في القول باستعمال المسلمين له زمن الرسول، وكانت الحضارةُ الإسلاميَّة في قمة توثُّبها وعطائها، فلم تقنع بهذا الأسلوب في ترميز الأرقام، وفي هذه الظروف الحضاريَّة كان لا بُدَّ أن تطور وسائلها العلميَّة والكتابيَّة، فلم ينصرم القرنُ الأول الهجري إلا والكتابة العربية قد خَطَت خُطُوات واسعةً نحو الكمال؛ حيثُ بدأ علماء العربية يتداركون ما بها من نقص، فاخترع أبو الأسود الدؤلي وسيلةً للضبط الإعرابي عن طريق النَّقط، ثم جاء مِن بَعْدِه يَحيى بن معمر ونصر بن عاصم، فأعجما الحروفَ بالتَّفريق بين المتشابه منها عن طريق النِّقاط[4]، وفي القرن الثاني الهجري جاء الإصلاح الأخير على يد عالم العربيَّة الخليل بن أحمد الفراهيدي، الذي استبدل الشكل بنقاط الإعراب[5]، وفي هذه البيئة العلميَّة النشيطة التي تتوق نحو الكمال كان لا بُدَّ لعلم الحساب أن يبحثَ عن وسيلة علميَّة أيسر لتصوير الأرقام، ليس لقراءتها فحسب، بل للتعامُل معها ضمن مسائل رياضية ذهنية تتَّسم بالتعقيد والتجريد، وهنا جدت الحضارة العربيَّة في البحث والاستقصاء عن صورٍ أكثرَ عمليَّة للأرقام.



كيف وصل العرب إلى أرقامهم؟

كان حساب (الجمَّل) وأسلوب التَّرقيم فيه يفي بأمورِ الحياة البسيطة، أو تلك العمليَّات الحسابية في الأمور المحسوسة، التي يعتمد فيها الحاسبُ على يديه وقُدراته العقلية البحتة، فيفصح عنها بالكلام، وبعد حُصُوله على النَّتيجة يسجلها بأسلوب حساب الجمَّل؛ لكنَّ هذه الطريقة لا تُناسب العمليات المعقدة التي لا تكفي لإجرائها القدرات العقلية، والتلفُّظ بالناتج فحسب، بل يتحتَّم على الحاسب استعمال وسيلة عملية للترقيم، يستطيعُ عن طريقها إجراء العمليَّات الحسابيَّة نفسِها، ولا يلجأ إلى الكلام إلاَّ إذا أراد أن يشرح ما يعمل، فكان لا بُدَّ من صور للأرقام تتصف بالقُدرة على التكيُّف مع آفاق العقل الرِّياضي غير المحدود، فتعبر عن المدركات العقليَّة التي قد لا تشاهد في الواقع، وهنا جاءت الحاجة إلى اكتشافِ صور جديدة للأرقام، ونظام يَحكم مواقعها[6].



وعند مراجعة أدبيَّات الحساب عند العرب، أو المعنيَّة بالأرقام بالذَّات، نجد أربع نظريات في تفسير أصل الأرقام العربية ونشأتها قد سيطرت على السَّاحة الأولى منها، ترى أنَّ الأرقام العربية (المغربية) قد صوّرت بشكل تكون عدد زواياها معبِّرة عن قيمها، فالواحد له زاوية واحدة، والاثنان لهما زاويتان وهكذا، وقد قال بهذه النظرية البارون "كراديفو" بعد عُثُوره على نصٍّ عربي يُسمَّى الحساب الهندي بالطَّريق الهندسي، فظَنَّ أن الهندسي نسبة إلى الهندسة، ومن ثَمَّ دعا إلى أن كلَّ ما يرد في المخطوطات العربيَّة باسم حساب هندي، أو حروفٍ هندية، أو أرقام هندية - ينبغي أن يفهمَ على اعتبار أنه حساب هندسي أو حروف هندسية؛ لكن هذه النظريَّة لم تستطع الصُّمود أمام البحث العلمي المتأني؛ إذ لم يعثر الباحثون على أشكال مكتوبة على هذا النَّحو الهندسي الرتيب، كما ثبت أن "كراديفو" كان واهمًا؛ إذ إنَّ عبارة "الطريق الهندسي"؛ أي: هندوسي نسبة إلى الهندوس لا إلى الهندسة"[7]، كما أنَّ الذين أخذوا بهذه النظرية قد اختلفوا في رسم زوايا كلِّ رقم؛ مما يدُلُّ على تكلف هذا الرَّأي؛ ولهذا يقول قدري طوقان عنها: "لسنا معهم؛ لعدم دلالة الزوايا على العدد المدلول إلا تكلفًا"[8]، وقد فنَّد هذه النظرية الأستاذ محمد السراج[9]، معتمدًا على الأساس الذي اعتمدت عليه النظرية؛ حيث يقول: "أمَّا النظرية التي تزعُم أن الأشكال الحسابية هي زوايا في أصل وضعها، فلا تطرد في جميع سلسلة الأرقام؛ لأنَّها لو تيسرت بالنسبة لرقم الواحد من أنَّه في الأصل زاوية، وبالنسبة لاثنين من كونها في الأصل زاويتين، وكذا الثَّلاثة من كونها ثلاث زوايا، والأربعة من كونها أربع زوايا، فهي تتعذر في الخمسة والسبعة والثمانية وتعسر - إن لم نقل: تستحيل - في الستة والتسعة؛ إذ لا فرق بينهما إلا في الوضع العكسي"، ويضيف قائلاً: "وعلى فرض إمكان ذلك مع التكلف، فإنَّ الغرض من الأعداد الدلالة على معدوداتها المتنوعة لا على كَمية الزَّوايا؛ حتى يكون ذلك مبررًا لصرف المجهودات من أجل تصحيح تلك النظرية.



النظرية الثانية: ترى أنَّ الأرقام العربية مُحوَّرة من الحروف العربيَّة بأخذ الحرف الأول من اسم الرَّقم؛ حيث يرى أصحاب هذه النظرية أنَّ منشأ أرقام السلسلتين المشرقية والمغربية كان صورَ حروف الأبجدية العربيَّة، فهي وليدة الحروف الأولى للأبجدية العربية، ومما يقرُب من هذا قول بعض الباحثين: إنَّ الأشكال المغربية للأرقام تقرُب من أشكال بعض الحروف العربية، وقد جَمَعها بعضهم في الأبيات التالية[10].



أَلْفٌ وَحَاءٌ ثُمَّ حَجَّ بَعْدَهُ عَيْنٌ وَبَعْدَ الَْعَيْنِ وَهْوَ تُرْسَمُ
هَاءٌ وَبَعْدَ الْهَاءِ شَكْلٌ ظَاهِرٌ يَبْدُو لِمِخْطَافٍ إذَا هُوْ يُرْقَمُ
صِفْرَانِ ثَامِنْهَا وَقَدْ ضُمَّا مَعًا وَالْوَاوُ تَاسِعْهَا بِذَاكَ تُخْتَمُ



- 1، 2، 3، 4، 5، 6، 7، 8، 9

أ، ح، حج، ع، هو، 7، 8، و





لكن هذه النظرية - أيضًا - بشكليها لا تصمُد للتمحيص؛ لتكلُّفِها التحوير في الحروف العربيَّة؛ لتقارب الأشكال الرقمية في صورتها المشرقيَّة أو المغربية، كما أنَّها تعتمد على رأي افتراضي لا تدعمُه الحقائق التاريخيَّة.



النظرية الثالثة: ترى أنَّ الأرقام الحسابيَّة من وضع عربي، والقائل بهذه النَّظرية الأستاذ محمد السراج، لكنَّه يقصر رأيه فيها على الأرقام العربيَّة المغربية، ولا يدخل فيه الأرقام المشرقية؛ حيثُ يقول: "إنَّ الأرقام الحسابيَّة الجاري بها العمل في البلاد العربية هي من وضع عربي مغربي؛ لأنَّ عربَ المغرب لم يتَّصلوا بالهنود، وإنَّما اتَّصلوا بالإغريق، الذين لم تكن لهم طريقة منظمة لكتابة الأعداد، كما اتَّصلوا بالرُّومان أصحاب تلك الطريقة البسيطة في رقم الأعداد[11]، ويؤيد مثل هذا الرأي "رام لاند"، وهو من علماء الرِّياضيات، وذلك حين يؤكد أن أوَّل كتاب استعملت فيه هذه الأرقام كُتِبَ سنة 874 ميلادية، وبعد عامين من صُدُور الكتاب العربي - أي: في سنة 876 ميلادية - ظهر في الهند كتاب مشابه استخدمت فيه الأعداد العربيَّة أيضًا[12]، ويرى الدكتور عبدالرحمن عبداللطيف أنَّ الأرقام الغبارية ابتكرها العربُ منذ أوَّل عهدهم بتعلُّم الكتابة قبل البعثة المحمدية، إبان تحول الخط النبطي إلى صورته العربيَّة، ويُدلِّل على ذلك بالإشارة إلى التشابه بين الخط وصور الأرقام[13]، لكن هذه النظرية - مع ما في طَرْحها من لبس - تغفل عن الواقع التَّاريخي للوطن العربي، الذي كان فيه المغرب العربي شِقَّ المشرق، فكلاهما يصدُران عن ثقافَةٍ واحدة، ولم ينقطع التَّواصل الثقافي العلمي بينهما طول الفترات التاريخيَّة الماضية؛ كما أنَّ الأرقام المغربية لم تظهر في المؤلفات الرِّياضية إلا مُتأخرة، وعند ابن الياسمين في القرن السادس بالذَّات، فهل المغرب العربي كان بعيدًا عن الحضارة طوال هذه القرون؟! وهل كان علماؤه منكفتين على أنفسِهم، مُبتعدين عن إخوانهم في المشرق، وعن تطوُّرهم العلمي، فلا يعلمون ما عندهم من وسيلة للترقيم؟!



والحقيقة أنَّ هناك من التشابُه في الشَّكل بين الأرقام الهندية والأرقام العربيَّة المغربية ما يُؤكِّد صِلَتَها الوثيقة بالهند، وكذلك الرِّوايات التاريخية المُتعددة التي تؤكد اقتباسَ العرب أصولَ أرقامهم من بعض مجموعات الهند الرقميَّة؛ حيث إنَّ الروايات التاريخية تشير بصراحة إلى أخذ العرب لأرقامهم من الهنود، فقد نسب المؤرخ اليعقوبي وضع الأرقام لأحد ملوك الهند، والإقليديسي سمَّاها "أحرف الهند"، والنديم عزاها إلى السِّند، وابن الياسمين قد عد حساب الغبار في جملة "أعمال أهل الهند"، ونصر الدين الطوسي ذكر أنها "منسوبة إلى الهند"[14].



وكتاب "الفِهْرِست" لابن النديم حافل بأسماء المؤلفات التي تعالج علم الحساب عند العرب، وتنسبه إلى الهند من مثل:

1 - كتاب "البحث في حساب الهند"، لأبي حنيفة الدينوري (الفهرست، ص86).

2 - كتاب "الرسالة في استعمال الحساب الهندي"، ليعقوب بن إسحاق الكندي (الفهرست، ص316).

3 - كتاب "الحساب الهندي"، لسند بن علي، (الفهرست، ص334).

4 - كتاب "التخت في الحساب الهندي"، لسنان بن الفتح، (الفهرست، ص339).

5 - كتاب "التخت الكبير في الحساب الهندي"، للمجتبي الأنطاكي (الفهرست، ص339).




ويذكر الدكتور صالح أحمد العلي[15] أسماءَ جملة من المؤلفات تتضمَّن عناوينها إشارة إلى نسبة الحساب إلى الهند مثل:

1 - "المقنع في الحساب الهندي"، لأحمد بن علي النسوي.

2 - "التعليق الهندي".

3 - "الهندي المنتزع من الكافي".

4 - "تذكرة في الحساب والعد بأرقام السند هند"، للبيروني.

5 - "كيفية رسوم الحساب"، للبيروني.



وهذا التُّراث التأليفي في علم الحساب لدى العرب يُشيرُ إلى انتسابٍ وثيقٍ للأرقام ونظامها الحسابي إلى الهند، ويُلخِّص الدكتور سعيد النجار نتيجةَ البحث في هذه النظرية بقوله[16]: "لا يوجد أي أساس للقول بأن الصورة المغربية أو الغبارية لكتابة الأرقام ذات أصل عربي بحت، والحقيقة التاريخيَّة التي لا يرقى إليها الشك: أنَّها مأخوذة عن الصورة الهندية الغليورية أو الديوانغارية: للتطابق الذي يكاد يكون كاملاً بين الأرقام في الصورتين، والأدلة التاريخيَّة تُؤكد أنَّ البيروني والخوارزمي هما أوَّل مَن نقل هذه الأرقام بصورتها الأولى من الترقيم الهندي، ولو كان هناك ابتكارٌ أو اختراع منسوب لعالم عربي، لأشارَ إلى ذلك أيٌّ من هذين العالمين الرياضِيَّين[17]، ومن هذا نخلص إلى النظرية الرابعة، التي ترى أن الأرقام العربية هندية الأصل.



الأرقام العربية ذات أصول هندية:

تُجمع المصادر العلميَّة المعتمدة: أنَّ الشَّكل المشرقي أو الشَّكل المغربي منقولٌ عن السلسلة التي كانت شائعةً في بعض أجزاء الهند في القرن الثامن الميلادي، وهو الوقت الذي أخذ فيه العَرب بالنِّظام الهندي الحسابي، ويتأكد ذلك بوضوحٍ عند مقارنة الصورة المغربية بالصورة الهندية حينئذ، في منتصف القرن الثاني الهجري كانت بغداد - عاصمة الخلافة الإسلامية يومئذ - مركزًا لنشاطٍ تجاري وعلمي هائل، يأتي إليها طلابُ العلم، كما يأتي إليها التجار من كل صقع وصَوْبٍ، وفي هذه البلاد المتفتحة بشموخ على كلِّ الحضارات، تقبس منها ما تَحتاجه لرُقيها ورفاهية عيشها، كانت هناك عَلاقة تِجارية وثقافيَّة قوية بين العرب والهنود، امتدادًا لعلاقاتٍ تِجارية ضاربة في القِدَم بخاصَّة على سواحل الخليج العربي، وإن لم تنتج ثقافيًّا إلا في عصر الازدهار الحضاري للدولة الإسلاميَّة... وفي هذه الظُّروف المشجعة على التفاعُل الحضاري البنَّاء - وبالذَّات في عام 622م - عرف النظام الهندي في كتابة الأعداد خارجَ حدودِ الهند، وبدأت تسير بها الرُّكبان إلى الشَّرق العربي؛ حيثُ يشير العالم السُّوري ساويروس سابوخت Severus Sabocht، الذي كان رئيسًا لدير ومدرسة على الفُرات إلى الأرقام الهندية بقوله: "طريقة الحساب الهندي مُمتازة، وتنفع في كل العمليات الحسابية؛ أعني بها: طريقة الأرقام التسعة"[18].



ويستنتج الدكتور أحمد سعيدان من هذا "أنَّ الأرقام الهندية قد بدأت تتسرب أخبارُها إلى الشَّرق الأوسط في القرن السَّابع الميلادي"[19]، لكن يبدو أن هذه الوسيلة في التَّرقيم لم تعرفها الأوساط العلميَّة إلاَّ بعد قرن من الزَّمان؛ حيثُ بدأت المؤلفات العلمية تأخذ بها.



وتروي المستشرقة الألمانية زيغرد هونكة قصَّة اللقاء العلمي التاريخي في قصر الخلافة، وما رافقه من وصول أوَّل كتاب في الحساب الهندي إلى العرب، حين تقول: "كان من حظ العرب أنْ قَدِمَ إلى بلاط الخليفة المنصور عام 773م فلكيٌّ من الهند اسمه "كانكا" Kankah، وكان عالمًا في طُرُقِ الحسابات الهندية المعروفة باسم "السند هند" Send Hand التي تَهتم بحركات الكواكب، وكان يحمل كتابًا أَمَرَ المنصور بترجمته إلى العربية[20]، والكتاب المذكور الذي أعجب به الخليفة، وأمر بترجمته ما هو إلا كتاب (Sinddhanta) لمؤلفه "براهما جوبتا"، وعُرف باللغة العربية بعد ترجمته باسم "سند هند"، وقد لاقى نجاحًا كبيرًا[21]؛ حيثُ انكبَّ علماء الفلك العرب على دراسته، والتوسع في عرض مفاهيمه في وقت مُبكر من تأليفه، فألَّف الفلكي محمد بن إبراهيم الفزاري الكوفي (المتوفى نحو سنة 180هـ - 796م) كتابًا سماه "السند هند الكبير"، ونقل فكرة الأعداد من الهنود[22]، وبعد هذا أَخَذ مفهومُ الحساب الهندي يُؤثِّر في تفكير الرِّياضيين العرب؛ مما جعلهم يأخذون به مُعتمدين عليه في مؤلَّفاتهم الرِّياضية؛ لما يَمتاز به؛ حيث "يقوم على نظام ترقيم منازلي عشري، قيمة الرَّقم فيه تعتمد على منزلته"[23]، لكن يبدو أنَّ الترجمة الأولى للكتاب لم تكن ترجمةً وافية، فلم تستطع نقل مفاهيم الحساب الهندي إلى علماء العربيَّة المتطلعين لنَقْلَةٍ كاملة، تُقدِّم لهم المفهومَ الرياضيَّ لهذه الأرقام؛ حيثُ إنَّ الدلالة الحقيقية للنظام الهندي لم تتَّضح إلاَّ على يد العلاَّمة الرِّياضي "الخوارزمي"، الذي قام بالترجمة المعتمدة لكتاب "سند هند" سنة 204 هجرية (820 ميلادية)؛ بناءً على تكليف من الخليفة المأمون[24].



ولكن هذه المؤلفات الأولى في علم الحساب عند العرب لم تصلْ إلينا، فلم تتبين سمات ذلك العلم عند نقله مباشرةً من الهند، كما لم نستطع تحديد التطوُّر الأوَّلي الذي أصابه عند حلوله في ديار العرب، إلاَّ أنَّ الثَّابت أنَّ أقدمَ كتابٍ في الحساب الهندي وصل إلينا في العصر الحديث هو كتاب "الفصول في الحساب الهندي"، لأبي الحسن بن إبراهيم الإقليديسي، وقد كتبه في دمشق سنة 341هـ (953م)، ومنه يتبيَّن بجلاء السمات المميزة لهذا النظام، ويظهر أقدم وصف عربي للأرقام الهندية في زمن أقدم؛ حيث نجده عند اليعقوبي في كتابه الذي وضعه سنة 219هـ (872م)، وفيه يعطي صورةَ الأرقام الهندية المشرقية[25].



وقد بَقِيَت المصادر العربية تذكر الحساب باسم الحساب الهندي، تمييزًا له عن الحساب الهوائي، وتسمَّى الأرقام العربية المشرقية بالحروف الهندية، ولم يكن هناك أي ذكر لتلك الصورة التي شاعت في المغرب العربي، وقد بَقِيَت الحال حتى القرن السادس الهجري؛ حيث وَرَدَ ذكرها أوَّل مرة عند ابن الياسمين (ت601هـ)[26]؛ حيث بيَّنها، وأوضح أنَّ التسمية بالغبارية تطلق على كلا النَّوعين من الأرقام (أي: المشرقية والمغربية)، وقد ذكر ذلك في كتابه المسمَّى "تلقيح الأفكار في العمل برسوم الغبار"، وهو أحد مخطوطات الخزانة العامَّة بالرباط"[27]، وبهذا يتبيَّن أنَّ السلسلتين كليهما تسمى بأشكال الغبار، تمييزًا لهذا النوع من الأرقام والحساب، عن الحساب الهوائي الذي لا يكتب، وإنَّما يعتمد على الذِّهن في إجراء العمليات الحسابيَّة، ولا يَحتاج إلى الكتابة إلا عند تسجيل النتيجة، أمَّا هذه فإنها تكتب بواسطة النَّقش على لوح مغطى بالغبار، ومن هنا فإن قصر التسمية بالغبارية على الأرقام العربية المغربية وَحْدَها خطأ، يلزم التنبُّه له.



ومع أنَّ ابن الياسمين هو أوَّل مَن أشار إلى السلسلة العربية المغربية، فإنَّه لم يشر إلى أصلها أو كيف أخذ بها أهلُ المغرب، ولعلَّ ذلك راجع إلى أنَّها لم تأتِ طارئة إلى المغرب، كما لم تأتِ من غير نسب تؤول إليه، بل هي مَعرفة قبل أيام ابن الياسمين، وهذا يرجح القَوْل بأنَّ أصل الشَّكلين العربيَّين واحد، وأنَّهما في الأصل سلسلة واحدة ظهرت في عاصمة الخلافة في القرن الثاني، ثم تناقلتها الركبان في شرق البلاد وغربها، ومع تباعد الأوطان، وتقادم الأزمان حَصَل لهذه السلسلة من التطوُّر ما جعلها تأخذ شكلاً متميزًا في شرق البلاد، يَختلف قليلاً عن ما في الغرب، ثم ترسَّخ هذا الاختلاف وتعمَّق إلى أن أصبح الشَّكلان بما اعتورهما من تطور سلسلتين تفترقان شكلاً في أوَّل وهلة، لكنَّهما عند التدقيق تُبِينان عن أوجه الالتقاء والنَّسب والواحد.



وقد قال بمقولة الأصل الواحد للأرقام العربية المشرقية والمغربية كثير من الباحثين، ويَدْعَمُ هؤلاء رأيَهم بهذا التشابُه الكبير بين الشَّكلين، فيقول سالم محمد الحميدة: "إنَّ السلسلتين كانتا رَتْقًا فَفَتَقَهُما التعديلُ والتَّهذيب، حتى أصبحتا كأنَّهما سلسلتان مختلفتان في منشئهما"، ويُؤيِّده في ذلك الدكتور عدنان الخطيب[28]، وقد شَرَح هذا الوضع في أصل السلسلتين الدكتور عادل البكري[29]، حين أبان أنَّ أصلَ السلسلتين واحد، وأنَّهما تطورتا عن أصل هندي واحد، ووضح أثر التطور على كل سلسلة، وأوجه الاختلاف والالتقاء بينهما، سواء ما طرأ عليها في البِنْية أم في تغيُّر الوضع من جهة إلى أخرى... وقد شرح ذلك رَسْمًا مُوَضِّحًا مسارَ تطوُّرهما، وأثر ولع المغاربة بالتوريق والتعريش على خطهم، ومن ثَمَّ على تطور الأرقام لديهم.



وأوجه التشابه:

ويُمكننا أن نُؤكد حقيقةَ الأصل الهندي الواحد للأرقام العربيَّة في شكلَيْها المشرقي والمغربي من خلال أشكالِ الأرقام نفسِها، وذلك برصد أوجُه الاختلاف والالتقاء بين الأرقام العربية، المشرقية والمغربية من جهة، وبين الأصول الهندية لها، وكذلك مقارنة السلسلتين العربيَّتين المشرقية والمغربية؛ لنتبيَّنَ أوجهَ التشابُه بينهما، فمن خلال المراجع المتعدِّدة التي تعرضت للأرقام الهندية، نستطيع أن نعرض أبرزَ أشكالها عند المستشرقة الألمانية "هونكة" في كتابها "شمس العرب تسطع على الغرب"، وشكلها الوارد في كتاب "الأرقام العربية نشأتها وتطورها" الصادر عن المركز العربي للبحوث التربوية لدُول الخليج في الكويت، وكذلك ما أورده نقلاً عن كتاب "جراهام فليق"، ومع هذه الأشكال الثلاثة للأرقام الهندية، نستطيع أن نخرج بأقربِ صورة لما كانت عليه الأرقام الهندية؛ لنقارنَها بما وصلت إليه الأرقامُ عند العرب (المشارقة والمغاربة)، وكذلك نعرضُ شكلَيْن للأرقام العربية المغربية أحدهما وَرَد عند "هونكة"، والشَّكل الآخر ورد في مخطوط لابن البنا من أعلام الرياضيين العرب في المغرب (721هـ)، وأخيرًا نعرض الأرقامَ العربية في شكلها المشرقي عند الإقليديسي (341هـ)، والشكل نفسه تقريبًا لدى الطوسي (657هـ)[30].



ومن خلال هذه الأشكال يُمكننا أن نلحظ ما يلي:

أ - هناك تشابه شبه كامل بين الأشكال الهندية والأشكال العربيَّة للأرقام، وذلك بين رقم (صفر، 1، 2، 3، 7)، ولا نجد من الاختلافات الجوهرية بينها إلا في الصورة المشرقيَّة للأرقام (2، 3، 7، 9)؛ حيث نجد أنَّها أخذت الشَّكل الرأسي بدل الشَّكل الأفقي الذي كانت عليه في صورتها الهندية والمغربية.

ب - إنَّ الأرقام (4، 5، 6) قد تطوَّرت في السِّلسلتين العربيَّتين بما غيَّر في بنيتها الأصلية، لكن يُمكن ردُّهما لأصلهما، كما بيَّن ذلك الدكتور عادل البكري[31].

ت - هذا التشابه بين السلسلتين العربيَّتين، وبين السلسلة الهندية يؤدي بطبيعة الحال إلى وجود تشابُه بين السلسلتين العربيَّتين في تلك الأرقام.

ث - إنَّ هناك تشابهًا يصل إلى حدِّ التطابُق بين أشكال الأرقام في السلسلتين العربيَّتين، نجد ذلك أكثر وضوحًا في شكلِ الأربعة قبل تطوُّرها الأخير في المشرق، وكذلك في شكل التِّسعة.



ومن هنا نستطيع القول بثقة: إنَّ الأرقام بشكليها المشرقي والمغربي ما هما إلا تطوير عربي شامل للأرقام الهندية، أبعدهما عن صورتِهما الهندية البدائيَّة، وأكسبهما أشكالاً جديدة، قد تقرب وقد تبعُد عن الأصل؛ لكن ذلك لا يُخفي أصلهما، ولا ينكره ما حَدَث لهما من تطور على يد الرياضيِّين والعُلماء العرب، كما يثبت أنَّ السلسلتين العربيَّتين ما هما في الأصل إلا سلسلة واحدة، فَتَقَهما تباعُد الأوطان وتوالي الأزمان، حتى أصبحت شكلين لسلسلتين توهمان الناظر لهما باختلافهما، ومِنْ ثَمَّ اختلاف أصولهما.



وقد أوهمت التسميات كثيرًا من الدَّارسين فنسبوا الأرقام المشرقية إلى الهند، وعدُّوها هندية ليس للعرب فيها إلا الاستعمال، ونسبوا الأرقام المغربية إلى العرب وعدُّوها عربية صراحًا، ليس لأهل الهند فيها شيء.



والحقيقة أنَّ للعرب في الأرقام الشرقية أكثرَ مِمَّا لهم في الأرقام العربية المغربية؛ حيث طوَّروها وجعلوها ملائمة لثقافَتِهم ونظامهم الكتابي وأسلوب حياتِهم، وإن بقُوا أوفياء للمصدر الذي أخذوها منه، فأسْمَوْها بالحروف الهندية، وقَصَر بعض الباحثين العروبة على أرقام المغرب متناسين أصولها الهندية، وإمعانًا في تناسي الحقائق قصروا عليها اسم الغبارية، على الرَّغم من أن ابن الياسمين أوَّل من ذكر الشكل المغربي - ذكر كما أشرنا سابقًا: أن كلتا السلسلتين يسمى بالغبارية - وبهذا نستطيع القول: إنَّ كلتا السلسلتين المشرقية والمغربية تطويرٌ عربي شامل لأرقامٍ كانت في نشأتِها الأولى هندية، فإنْ كان للهنود فضل النشأة الأولى في صُورها البدائية غير المستقرة، مع تعدُّد أشكالها، فإن العرب قد أقاموها ثابتة الصُّورة، مستقرة الدَّلالات، بعد أن استخدموها بشكل موسع في عملياتِهم الحسابية ونشروها في أنحاء العالم.



وهناك تساؤلان:

على الرغم من قوة هذه النظرية القائلة بأن الأرقام العربية هندية الأصل والمنشأ، وثباتها بتواتر المؤلفات العربية في علم الحساب على القول بها، بل ورسم هذا العلم من قبل علماء الحساب العرب باسم الحساب الهندي، وكذلك أوجه التشابُه الكبيرة بين صور الأرقام الهندية، وما كتب به العرب أرقامَهم إبَّان الحضارة العربية؛ إلاَّ أنَّ هذه النَّظريَّة لم تستطع أنْ تُجيبَ عن تساؤلين يفرضهما واقعٌ مُؤكد: أحدهما أنَّنا لا نَجد في كتب الحساب العربية أيَّ إشارة واحدة إلى حاسب هندي، أو كاتب هندي، أو لفظ هندي، وأمَّا الثاني فهو أنَّ الخوارزمي حينما عرَّب كتاب "السند هند" كَتَبَ بالأرقام غير الأرقام التي عمَّت في الحضارة العربيَّة، فمع أن "كتاب الخوارزمي مفقود في العربية، لكن وصل إلينا بضعة كتب لاتينيَّة هي ترجمة له أو أثر منه، ومن هذه الكتب نستنتج أن أشكالَ الأرقام التي استعملها الخوارزمي، والعمليَّات الحسابية التي وصفها - تُغايِر كلَّ ما انتشر من هذه الأرقام والعمليات في العالم الإسلامي".



وقد حاول الدكتور أحمد سعيدان الإجابةَ عن هذين التساؤلين، شارحًا السبب في عدم ورود ألفاظ أو مصطلحات "سنسكريتية" في الحسابِ الهندي العربي، حين يرجح أنَّ ما أخذه العرب من الهند "كان نتاج مدرسة هندية لم تصل إلينا كتبها، ولعلَّ العرب أخذوا هذا الحسابَ من التُّجَّار والعامَّة قبل أنْ تنتبه له العُلماء الهنود أنفسهم[32]، أو أن "العرب لُقِّنوا هذا العلم مُشافهة من هنود يقيمون بين ظَهرانَيْهم، ويتكلمون العربية مثلهم"[33]، وهذا القول يشير بصورة قاطعةٍ إلى محدودية النَّقل، والأخذ في علم الحساب من الهنود، وأن أخذ الأرقام كان مُجرد نقل لها من خلال النُّقوش على بعض المصنوعات الهندية الواردة إلى عاصمة الخلافة، وبأنَّ العرب لم يأخذوا الحسابَ الهندي من كتاب مُحدَّد أو حاسب معروف، لكن الثَّابت أن علم الحساب قد انتقل عن طريق الكتب والعُلماء، وكتاب "السند هند" خير دليل على ذلك؛ لهذا أرى أنَّ السبب يكمُن في أن العرب لم يلتقوا بعلم الحساب الهندي، وهم مُبتدئون فيه، عالة على الأمم الأخرى في استكناه أسراره، وإنَّما كان في نهاية القرن الثاني وبداية الثالث الهجري، وهو قرن بلغت فيه الحضارة الإسلامية قمة حيويَّتها وإبداعها، بعد أنْ هضمت الكثير من أفكار ومعارف الأمم الأخرى، وأخرجتها بعد الصقل والتَّمحيص والإضافة والاختبار علومًا عربية إسلامية، وفي عصر مثل ذلك العصر كان علم الحساب العربي قد بلغ شأوًا كبيرًا من التقدم، وضرب علماء الحساب العرب فيهم بسَهْم وافر، ولم يكن ما يعوق الانطلاقة الكبرى إلا عدم وجود رموز عملية للأرقام، فلمَّا انتقلت إليهم الأرقام عن طريق العلماء وكتبهم، أو التجَّار وحساباتِهم، نقل العُلماء العرب ما هم بحاجة إليه، فكان ما نقلوه أرقامَ الحساب فحسب، أمَّا الحساب نفسه، فقد بَقِيَ حسابًا عربيًّا بمصطلحاته وعلمائه، فلم يَجدوا حاجةً إلى أخذ مصطلحات "سنسكريتية" مثلما أخذ علماء الفلك، كما لم يَجدوا حاجةً إلى الاستناد إلى آراء أعلام الهنود بذكر أسمائهم في أمور خَبَروها، وأدركوا كنهَهَا قبل أن يسمعوا بالحساب الهندي بعشرات السنين.



أمَّا ذلك الاختلاف بين الأرقام الخوارزميَّة وما شاع في العالم الإسلامي، فإنَّ الدكتور أحمد سعيدان يفسره بقوله: "إنَّ الحسابَ الهندي العربِيَّ نشأ في الهند بين عامَّة الناس، واستعملوه في حياتِهم التِّجارية، ولعلَّ ذلك كان في أفغانستان والبنجاب؛ حيث انتشرت الكتابة "الخاروشتية" التي تتَّجه كالعربيَّة من اليمن إلى الشَّمال، ومع التِّجارة انتشر هذا الحساب مع أرقامه في المشرق الأدنى وحَوْض المتوسط واستعمله العامَّة، واستعملوا معه التخت والرَّمل، ولكن العُلماء لم يعيروه التفاتًا أول الأمر، فلَمَّا تنبَّهتِ الأذهان إلى الفكر الهندي، رأى الحُسَّاب وعُلماء الرياضيات العرب أنَّ من المناسب علميًّا وواقعيًّا "الأخذ بالصور والطرق القائمة عند عامَّتهم، وترك ما جاء به الخوارزمي، ولعلَّه تعلَّمه من حاسب هندي كان يجهل ما يجري عليه العامَّة، بل لعلَّ اهتمام العرب بهذا النظام الحسابي كان مدعاة لتنبيه الهنود أنفسهم إليه".



وهذا التفسير يشير إلى أنَّ أشكالاً من الأرقام الهندية كانت مستعملة في الحياة العامة قبل الخوارزمي، لكنَّها لم تكن تستعمل في الأوساط العلمية؛ حيث كان الناس يستعملون أرقامًا شائعة عند عامة أهل الهند، ولعلها وليدة الكتابة "الخاروشتية"، وصلت بغداد عن طريق العلاقات التِّجارية النشيطة إبَّان تلك الفترة، والوسط التِّجاري لا يستغني عن الأرقام في تسيير مُعاملاتِه اليومية، وضبط مبيعاته ومُشترياته ومعرفة ربْحه وخسارته، لكن الدَّوائر العلمية الهندية كانت تستعملُ صورًا أخرى في مؤلفاته مأخوذة من الكتابة "الديوانجارية"، وهذه الأخيرة هي التي أخذ بها الخوارزمي عند ترجمة كتاب السند هند.



ويؤيد وجود هذا التنوع في صور الأرقام في بغداد في نهاية القرن الثاني وبداية الثَّالث مقولة لابن وحشية، صاحب كتاب "الفلاحة النبطية"، الذي عاش في عصر الخوارزمي؛ أي: قبل انتشار الأرقام الهندية وتعربها؛ حيث يذكر في كتاب له ثلاثَ أبجديات، قوام كل واحد منها الأرقام الهندية التِّسعة، ويضيف إلى كل واحدة منها نقطة أو حلقة صغيرة؛ ليكمل بها 28 حرفًا، وهو يذكر أن بعض الناس يستعملونها في كتابتهم[34].



وفي هذا الوسط العلمي والتِّجاري المضطرب بتعدُّد سلاسل الأرقام، اختار العرب سلسلتهم، ويبدو أنَّه قد تدخَّلت عدَّة عوامل علميَّة وواقعية عند اصطفاء السِّلسلة التي أخذوا بها، وهي عوامل مهمة فرضت سلسلة بعينها، وجعلت العُلماء العرب يهملون الأرقام التي أخذ بها شيخُهم الخوارزمي، وينشدون غيرها مما تحقَّق فيها أكثرُ الشُّروط ملاءمة لواقعهم الحياتي والعلمي، ولعلَّ في هذا التوجيه لهذين التساؤلين ما يغني عن التشكيك في صحَّة النظرية القائلة بأنَّ الأرقام العربية ذات أصول هندية خاصَّة، وأن بقية النظريات الأخرى ليس لها سند من التاريخ أو المنطق.

الارقام العربية , اصول وحقائق  Empty رد: الارقام العربية , اصول وحقائق

avatar
زائر
زائر
تمت المشاركة الخميس فبراير 16, 2012 8:14 pm

يًــ عّ ـطيًڪْـ آلِــ عّ ـآآفيًهـ عّلِى مآطرحت لِنآآ يًـآآلِــ غ ـلِآآآ ,,

وَلآتِحرٍمنآ من جدِيًدِڪْـ ,,,, لِآعّدِمت ,,, وَلِآهنت

مودتِي لروحِكْ الطيبهْ

الارقام العربية , اصول وحقائق  Empty رد: الارقام العربية , اصول وحقائق

مريم
مريم
عضو متقدم
عضو متقدم
رقم العضوية : 53
الجنس : انثى عدد المساهمات : 3268 نقاط التميز : 3775 تقييم العضو : 83 التسجيل : 17/09/2009
تمت المشاركة السبت فبراير 18, 2012 1:24 am
معلومات مفيدة وكتير هامة اخي يازن
شكرا لك لاننحرم منك اخي الغالي
احلى تقييم

الارقام العربية , اصول وحقائق  Empty رد: الارقام العربية , اصول وحقائق

avatar
زائر
زائر
تمت المشاركة الأربعاء مارس 14, 2012 6:44 pm
الارقام العربية , اصول وحقائق  678786 الارقام العربية , اصول وحقائق  678786 الارقام العربية , اصول وحقائق  678786 الارقام العربية , اصول وحقائق  678786 الارقام العربية , اصول وحقائق  813769

الارقام العربية , اصول وحقائق  Empty رد: الارقام العربية , اصول وحقائق

avatar
زائر
زائر
تمت المشاركة الأربعاء مارس 14, 2012 6:45 pm
شكرا لهذا الحضور المشرف

الارقام العربية , اصول وحقائق  Empty رد: الارقام العربية , اصول وحقائق

mohamed nazih
mohamed nazih
عضو مشارك
عضو مشارك
الجنس : ذكر عدد المساهمات : 263 نقاط التميز : 335 تقييم العضو : 7 التسجيل : 12/03/2012 العمر : 38
تمت المشاركة الأربعاء مارس 14, 2012 6:54 pm
merci yazen baraka alaho fika
استعرض الموضوع التاليالرجوع الى أعلى الصفحةاستعرض الموضوع السابق
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى