تميزت الأمة الإسلامية عن سائر الأمم
بانضباطها وامتثالها لأمر الله سبحانه في كل الأحكام الشرعية المتعلقة
بأفعال العباد، ومنها ما كان يتعلق بعبادة الصيام؛ فشهر رمضان وما فيه من
خيرات وبركات وقربات لله عز وجل، لتحصن المسلم من أن يقترب أو يصيبه شيء
من المعاصي والآثام، فحرمات الله مصانة محفوظة ولا تعدي عليها ،{تِلْكَ
حُدُودُ اللّهِ فَلاَ تَقْرَبُوهَا} .
فدوام مراقبة النفس المسلمة لعلاقتها بالله عز وجل والامتثال لأحكام الله عز وجل تجنبها الوقوع في حبائل الشيطان والارتماء في أحضانه ،
وبالتالي عدم ارتكاب المعاصي التي تغضب الله وتكون وبالا على صاحبها
فيُضّيع الصائم صيامه كما ضيعت وفقدت الأمة هويتها وخصوصية رسالتها
بفقدانها الخلافة حامية الدين وحافظته.
إن الله سبحانه وتعالى فرض
على الأمة الإسلامية الصيام بقوله:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ
كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن
قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ }البقرة183 ..والصيام ركن من أركان
الإسلام فعن ابن عمر رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم
يقول (بُنِيَ الإسلام على خمس شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول
الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وحج البيت وصوم رمضان) متفق عليه.
وقد جعل الله عز وجل حكمة
للصيام وهي التقوى؛ فقال سبحانه {لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}،وقد عرفها
الإمام علي كرم الله وجهه " هي الخوف من الجليل سبحانه وتعالى، والعمل
بالتنزيل،والاستعداد ليوم الرحيل".. وإن
الإنسان ليحرص في كل عمل أن يقطف ثمرة عمله ، وفي الصيام ينبغي للصائم أن
يحرص على قطف ثمرة صيامه وعلى تحقيق حكمة الصيام التي أرادها الله عز وجل
وهي التقوى .
وبإمكانه أن يعرف ذلك؛ بل
عليه أن يعرف هل زاده الصيام قربا وخشية لله – عز وجل- وطاعة لله ولرسوله
صلى الله عليه وسلم واستعدادا للقائه.. هل أكثر من فعل الخيرات والأعمال الصالحة؟ هل ابتعد عن المعاصي؟
وقد ورد في تفسير الجلالين
في قول الله تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ
الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ
تَتَّقُونَ }البقرة183، (يا أيها الذين آمنوا كُتب) فرض (عليكم الصيام كما
كتب على الذين من قبلكم) من الأمم (لعلكم تتقون) المعاصي فإنه يكسر الشهوة
التي هي مبدؤها " وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال النبي صلى الله
عليه وسلم:{ من لم يَدَعْ قولَ الزُّور والعملَ به ، فليس لله حاجةٌ في أن
يَدَع طعامَه وشرابَه } رواه البخاري وأبو داود والنَّسائي والترمذي وأحمد
. ورواه ابن ماجة بلفظ:{ من لم يَدَعْ قولَ الزور والجهلَ والعملَ به فلا
حاجة لله في أن يدع طعامه وشرابه}.
وعن أنس بن مالك رضي الله
تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:{ مَن لم يدع الخَنَا
والكذب فلا حاجة لله أن يدع طعامَه وشرابَه } رواه الطبراني في المعجم
الصغير وفي المعجم الأوسط . قال ابن حجر [ رجاله ثقات ] وفي المقابل قال
الهيثمي [ وفيه من لم أعرفه ] قوله الخَنَا : هو الفُحْشُ في القول .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه
، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:{ الصيام جُنَّة ، فلا يَرْفُثْ
ولا يَجْهَلْ ، وإِن امرؤٌ قاتله أو شاتمه فلْيقلْ إِني صائم ، مرتين ...
}. رواه البخاري ومسلم وأبو داود والنَّسائي وابن ماجة وأحمد . قوله فلا
يرفث : أي فلا يتكلم بكلام فاحش ، فهو هنا بمعنى الخَنَا الوارد في الحديث
المار قبل هذا..إن الله سبحانه أمر الصائم أن يترك عدداً من المنهيَّات
عنها مبيِّناً أنه إن لم يترك هذه المنهيَّات عنها فإنه لا حاجة به إلى
ترك الطعام والشراب . وبعبارة أخرى : إنْ من لم يترك هذه المنهيَّات عنها
فإنه لا حاجة به إلى الصيام.
إن الشرع عندما يأمر
المسلم بعبادة من العبادات فإنه يأمره بها من أجل أن يجنِيَ منها الثوابَ
والأجرَ ، فإن قام المسلمُ بارتكاب معصيةٍ في أثناء هذه العبادة ، فإنه
بذلك يكون قد خرق القصد من عبادته ، ولم يتنبه
للغايةِ منها ، وهو بدلاً من أن يَجْنِيَ ثواب العبادة وأجرَها يقوم بجني
الآثام والسيئات ، فيلغي بفعله هذا القصد من العبادة، ولذا جاء النص
الشرعي يحذر المسلم من أن يحصد إثماً ومعصية في موسم حصاد الأجر والثواب ،
ليبقى موسمُ الأجرِ والثوابِ موسمَ أجرٍ وثوابٍ وتحصيل الحسنات.
وإن النبي صلى الله عليه
وسلم صعد المنبر فقال آمين آمين آمين فسئل النبي صلى الله عليه وسلم عن
تأمينه فقال أتاني جبريل فقال رغم أنف أمريء ذكرت عنده فلم يصل عليك قل
آمين فقلت آمين ثم قال (رغم أنف امريء أدرك رمضان فلم يغفر له فقل أمين
فقلت أمين ثم قال رغم أنف امريء أدرك أبويه أو أحدهما فلم يدخلاه الجنة
فقلت أمين فقلت آمين) ومعنى رغم أنفه أي سقط في الرغامة والتراب وهذا
كناية عن ذله وإهانته؛ فمن أدرك رمضان فلم يغفر له يرغم أنفه أي يصاب
بالذل .
فثمرة الصيام يجب أن
تظهر في حسن عبودية المسلم لله –عز وجل- على صعيد الرجاء والخوف والثقة
والتذلّل والحب والولاء والبراء، وعلى صعيد السلوك العملي من الإلتزام
بحدود الله – تعالى- والعمل بأحكام الإسلام كلها.. والمعاصي
والآثام كثيرة منها عقوق الوالدين والغدر والكذب وقول الزور والخيانة
والسرقة والحكم بغير ما أنزل الله والقعود عن تنصيب إمام للمسلمين وغير
ذلك .
هذه المعاصي التي تطفىء النور وتحرم الرزق ؛
فقد جلس الإمام الشافعي بين يدي الإمام مالك، وقرأ عليه فأعجبه ما رأى من
وفور فطنته، وتوقد ذكائه، وكما فهمه، فقال إني أرى الله قد ألقى على قلبك
نوراً فلا تطفئه بظلمة المعصية.. وفي المسند أن العبد ليحرم الرزق بالذنب الذي يصيبه.
وقال عبد الله بن عباس إن
للحسنة ضياء في الوجه، ونوراً في القلب ، وسعة في الرزق، وقوة في البدن
ومحبة في قلوب الخلق، وإن للسيئة سواداً في الوجه وظلمة في القبر والقلب،
ووهناً في البدن ونقصاً في الرزق، وبغضة في قلوب الخلق.
فاللهم أغلق أبواب الشر
وصفد كل شيطان مارد وافتح اللهم علينا من بركات هذا الشهر الكريم شهر
الخيرات والبطولات والانتصارات، بركات السماء وخيرات الأرض وبطولات الرجال
وانتصارات لا تعرف الأمة الإسلامية بعدها الهزائم المتلاحقات.
فالصوم جنة كما الإمام جنة، وفيهما الوقاية والحماية.
عاهد ناصر الدين
منقول....