قال
رجل لحممة العابد: ما أفضل عملك؟ فقال: ''ما أتتني صلاة قط إلاّ وأنا
مستعدّ لها ومشتاق إليها، وما انصرفت من صلاة قط إلا كنت إذا انصرفت منها
أشوق إليها منّي حيث كنت فيها، ولولاَ أن الفرائض تقطع لأحببت أن أكون
ليلي ونهاري قائما راكعا ساجدا''.
شوق وظمأ فذلك هو الشوق والتعلق
والذوق والتعبد، وتتصل القلوب بالله؛ عندما تراها ظامئة للعبادة، ترتشف
ولا ترتوي، تزيد ولا تحيد، وتتلذذ النفوس بالذكر، وتغترف ولا تنصرف، تنصب
ولا تتعب، إذ ''كان صلة بن أشيم يقوم الليل حتّى يفتر فما يجيء إلى فراشه
إلاّ حَبْوَا''.
ويقتدي المؤمنون حقًا في قيام الليل بسيّد الخلق صلّى
الله عليه وسلّم؛ وقد خاطبه ربّه: {يَا أَيّهَا الْمُزملُ × قُمِ الليْلَ
إِلاّ قَلِيلاً} وناداه مولاه: {وَمِنَ الليْلِ فَتَهَجّدْ بِهِ نَافِلَة
لَكَ}، فقام ليله بلا مزيد عليه وسئل عن إتعاب نفسه وقد تورّمت قدماه فقال
ـ وما أعظم ما قال ـ ''أفلا أكون عبدًا شكورًا''.
ومن هنا جاء وصفهم
بلسان الحسن حيث قال: ''صحبت أقوامًا يبيتون لربّهم في سواد هذا الليل
سُجدًا وقيامًا، يقومون هذا الليل على أطرافهم، تسيل دموعهم على خدودهم،
فمرّة ركعًا ومرّة سجدًا، يناجون ربّهم في فكاك رقابهم، لم يَمَلوا كلال
السهر لما قد خالط قلوبهم من حسن الرجاء في يوم المرجع، فأصبح القوم بما
أصابوا من النصب لله في أبدانهم فرحين. وبما يأملون من حسن ثوابه
مستبشرين، فرحم الله امرأ نافسهم في مثل هذه الأعمال، ولم يرض من نفسه
لنفسه بالتقصير في أمره باليسير من فعله، فإن الدنيا عن أهلها منقطعة،
والأعمال على أهلها مردودة'' ثم يبكي حتّى تبتلّ لحيته بالدموع.