قبل أشهر عدة.. تعرض بريدي الإلكتروني للسرقة..
إنه أمر مخجل وأنا التي قمت لفترة بتدريس مادة صيانة
الحاسبات – ولي شهادة دولية فيها- لكنه حصل! وبطريقة بسيطة جداً! إذ يكتفي
السارق بإرسال إيميل حين تقوم بفتحه يعرض صفحة مشابهة لصفحة دخولك على
البريد، فتعتقد أنك قد خرجت منه وتقوم بإعادة إدخال كلمتك السرية التي
تذهب بدورها بشكل مباشر للسارق..
إنها طريقة بسيطة جداً كما ذكرت ولا تحتاج إلى زرع
ملفات تجسس ولا محركات كشف عن الكلمات السرية.. ويمكن لأي مراهق أو حتى
طفل استخدامها لسرقة الإيميلات..
لا يهمنا هذا الأمر كله..
كنت مصدومة وفكرت كثيراً.. من يريد سرقة إيميلي
(المستخدم في المجلة).. ولماذا.. هل هناك من يكرهني؟ هل هناك من يريد أن
يلقنني درساً؟
وباءت كل أسئلتي بالفشل إذ لم أعثر على من يمكن أن يتعمد ذلك لأي سبب كان..
فأيقنت أنها مجرد مسألة سرقة عشوائية لا غير.. مراهق يعاني الفراغ..
وبعد أسابيع عدة خطرت في بالي فكرة أن أرسل رسالة لسارق إيميلي.. ووجدتها معقولة..
فكرت طويلاً فيما يمكنني أن أكتب له.. وبأي أسلوب.. ثم بدأت (أطقطق)
الكلمات التالية على الكيبورد وهي تنبع من قلبي- أكتبها لكم حرفياً:
(السلام عليكم..
أخي سارق الإيميل.. أتمنى أن تكمل قراءة الرسالة لآخرها..
أتعرف؟... أقسم لك بالله.. أني لم أدع عليك.. لأني رحمتك.. والله إني أدعو لك بالهداية.. لأنك ضائع..
أريد أن أسألك فقط.. ما الفائدة من سرقة الإيميل؟
هل هي متعة؟ تحد؟..... ثم .. ماذا؟؟
هل فتحت الأقصى؟ حررته من دنس اليهود؟ أم حررت العراق؟
أنقذت أخواتك المسلمات من سجون (أبو غريب)؟
هل هذه بطولة..؟
والله إني أشفق عليك..
لأن.. لا شيء.. لا شيء أبداً.. يضيع عند رب العالمين..
سيأتي يوم تقف فيه أمام ملك الملوك.. أمام ربك الذي تناسيته طويلاً.. وستحاسب على كل ما فعلته في حياتك..
هل تحسب الموت بعيداً عنك؟.. مخطئ! هه
والله لا تدري.. أيومك بعد عشر سنين.. أم بعد أسبوع.. أم الليلة.. أم في هذه اللحظة الآن وأنت تقرأ هذه الرسالة..!
ماذا أعددت ليوم لقائك بربك؟ أعمالاً صالحة.. أم إيذاء لغيرك.. وسرقة لحقوق الآخرين؟
والله إني أدعو لك.. لأنك ضاااائع.. ولا يقوم بهذا العمل إلا إنسان
فااااارغ من الداخل.. بلا همة.. بلا أهداف في الحياة.. إنسان فاقد للثقة
بنفسه.. يقوم بهذه الأعمال ليثبت لنفسه أنه يستطيع أن يفعل شيئاً..
لا يقوم بهذا العمل إلا إنسان محروم.. محروم من السعادة الحقة.. ولا يعرف أين الطريق..
إنسان ابتعد عن ربه كثيراً.. وضاع.. لا يدري أن السعادة لا تكون إلا بالقرب من الله.. وأن الله سبحانه وتعالى يدعوه وينتظر توبته..
لذا فأنا أدعو لك.. أدعو الله أن يهدي قلبك ويصلحك.. ويجعلك ممن يتشرفون بخدمة هذا الدين وحمايته والدفاع عنه..
إني أسأل الله أن يجعلك من أحفاد صلاح الدين الأيوبي.. وأن يجعلك من الأبطال المجاهدين المدافعين عن هذا الدين..
أسأل الله أن يجعل علمك نافعاً.. وأن يسلطك على أعداء هذا الدين..
اللهم اهد قلبه وأصلح شأنه كله وتوفه إليك وأنت راض عنه.. اللهم أسعده في الدنيا والآخرة ووفقه لما تحبه وترضاه.. اللهم آمين..)
لم أكن أتوقع إجابة منه.. لكن في اليوم التالي.. وجدت في صندوق الوارد رسالة منه.. قصيرة لكنها مؤثرة..
رسالة بأسلوب بسيط وركيك ولكنه صادق جداً..
قال أنه لا يعرف صاحبة الإيميل إنما سرقه بالصدفة كما يفعل دائماً.. لكنه يحترمني جداً.. فقد وجد الإيميل نظيفاً وبلا رسائل مخلة!
ثم قال أنه متأثر لأنه في حياته كلها لم يسمع أحداً يدعو له.. ولم يشعر بأن هناك من (يحترمه) هكذا..
وقال إنه مستغرب جداً لأني لم أدع عليه كما يفعل الجميع عادة..
واعتذر ثم قال إنه مستعد جداً لإعادة الباسوورد لي على الماسنجر في أي وقت..
عرفت من أسلوبه أنه شاب
صغير جداً في السن ربما في المرحلة المتوسطة، شعرت بأنه بمثابة الأخ
الصغير الذي لم يجد من يأخذ بيده ولا يرشده، ولا يشعره بالاهتمام..
توقفت عند كل كلمة منه، وشعرت بالألم والضياع بين سطوره..
عرفت كم هم شبابنا وفتياتنا بحاجة فقط إلى من يأخذ بأيديهم، ويشعرهم بالفخر بأنفسهم ودينهم..
وأنك حين تحترم أي إنسان بصدق فإنه سيقابلك بالاحترام مهما كان مستواه..
اعتذرت له لأني لا أدخل الماسنجر، ولا أسمح لنفسي أن أحاوره عليه أصلاً..
إن استطاع أن يرسله فسأدعو له في ظهر الغيب، وإن لم يعده، فعسى الله أن يعوضني خيراً منه، وهذه آخر رسالة أرسلها..
في الغد وجدت رسالة أخرى منه..
وقد أرسل لي الباسوورد، وتحته كتب..
أرجوك يا أختي.. ادعي لي بالهداية.. فأنا أحتاج إليها..
يعلم الله كم دعوت له..
وكم شعرت أنه بحاجة فقط إلى من يقف معه.. ويرشده أين الطريق..
عرفت أنه مجرد طفل ضائع، لم يجد من يحتويه ولا يشعره بالاحترام والتقدير..
عرفت كم هم شبابنا وفتياتنا بحاجة لمن يحتويهم ويشعرهم بالاهتمام والأهمية، وأن الله خلقهم لأهداف أعظم..
هم بحاجة إلى من يخاطبهم بلهجة الكبار، ويدعو لهم، ويصفح عن أخطائهم مقابل أن يرشدهم الطريق..
حين أقرأ رسالتي، لا
أعرف كيف تأثر بها على قصرها، وكيف أعاد لي إيميلي بكل بساطة وأنا التي
كنت أفكر في مختلف الطرق الصعبة.. سبحان الله..
لقد كان بحاجة فقط إلى من يدعو له، لا عليه..
ليتنا نعي ذلك..
مجلة حياة العدد (89) رمضان 1428هـ
إنه أمر مخجل وأنا التي قمت لفترة بتدريس مادة صيانة
الحاسبات – ولي شهادة دولية فيها- لكنه حصل! وبطريقة بسيطة جداً! إذ يكتفي
السارق بإرسال إيميل حين تقوم بفتحه يعرض صفحة مشابهة لصفحة دخولك على
البريد، فتعتقد أنك قد خرجت منه وتقوم بإعادة إدخال كلمتك السرية التي
تذهب بدورها بشكل مباشر للسارق..
إنها طريقة بسيطة جداً كما ذكرت ولا تحتاج إلى زرع
ملفات تجسس ولا محركات كشف عن الكلمات السرية.. ويمكن لأي مراهق أو حتى
طفل استخدامها لسرقة الإيميلات..
لا يهمنا هذا الأمر كله..
كنت مصدومة وفكرت كثيراً.. من يريد سرقة إيميلي
(المستخدم في المجلة).. ولماذا.. هل هناك من يكرهني؟ هل هناك من يريد أن
يلقنني درساً؟
وباءت كل أسئلتي بالفشل إذ لم أعثر على من يمكن أن يتعمد ذلك لأي سبب كان..
فأيقنت أنها مجرد مسألة سرقة عشوائية لا غير.. مراهق يعاني الفراغ..
وبعد أسابيع عدة خطرت في بالي فكرة أن أرسل رسالة لسارق إيميلي.. ووجدتها معقولة..
فكرت طويلاً فيما يمكنني أن أكتب له.. وبأي أسلوب.. ثم بدأت (أطقطق)
الكلمات التالية على الكيبورد وهي تنبع من قلبي- أكتبها لكم حرفياً:
(السلام عليكم..
أخي سارق الإيميل.. أتمنى أن تكمل قراءة الرسالة لآخرها..
أتعرف؟... أقسم لك بالله.. أني لم أدع عليك.. لأني رحمتك.. والله إني أدعو لك بالهداية.. لأنك ضائع..
أريد أن أسألك فقط.. ما الفائدة من سرقة الإيميل؟
هل هي متعة؟ تحد؟..... ثم .. ماذا؟؟
هل فتحت الأقصى؟ حررته من دنس اليهود؟ أم حررت العراق؟
أنقذت أخواتك المسلمات من سجون (أبو غريب)؟
هل هذه بطولة..؟
والله إني أشفق عليك..
لأن.. لا شيء.. لا شيء أبداً.. يضيع عند رب العالمين..
سيأتي يوم تقف فيه أمام ملك الملوك.. أمام ربك الذي تناسيته طويلاً.. وستحاسب على كل ما فعلته في حياتك..
هل تحسب الموت بعيداً عنك؟.. مخطئ! هه
والله لا تدري.. أيومك بعد عشر سنين.. أم بعد أسبوع.. أم الليلة.. أم في هذه اللحظة الآن وأنت تقرأ هذه الرسالة..!
ماذا أعددت ليوم لقائك بربك؟ أعمالاً صالحة.. أم إيذاء لغيرك.. وسرقة لحقوق الآخرين؟
والله إني أدعو لك.. لأنك ضاااائع.. ولا يقوم بهذا العمل إلا إنسان
فااااارغ من الداخل.. بلا همة.. بلا أهداف في الحياة.. إنسان فاقد للثقة
بنفسه.. يقوم بهذه الأعمال ليثبت لنفسه أنه يستطيع أن يفعل شيئاً..
لا يقوم بهذا العمل إلا إنسان محروم.. محروم من السعادة الحقة.. ولا يعرف أين الطريق..
إنسان ابتعد عن ربه كثيراً.. وضاع.. لا يدري أن السعادة لا تكون إلا بالقرب من الله.. وأن الله سبحانه وتعالى يدعوه وينتظر توبته..
لذا فأنا أدعو لك.. أدعو الله أن يهدي قلبك ويصلحك.. ويجعلك ممن يتشرفون بخدمة هذا الدين وحمايته والدفاع عنه..
إني أسأل الله أن يجعلك من أحفاد صلاح الدين الأيوبي.. وأن يجعلك من الأبطال المجاهدين المدافعين عن هذا الدين..
أسأل الله أن يجعل علمك نافعاً.. وأن يسلطك على أعداء هذا الدين..
اللهم اهد قلبه وأصلح شأنه كله وتوفه إليك وأنت راض عنه.. اللهم أسعده في الدنيا والآخرة ووفقه لما تحبه وترضاه.. اللهم آمين..)
لم أكن أتوقع إجابة منه.. لكن في اليوم التالي.. وجدت في صندوق الوارد رسالة منه.. قصيرة لكنها مؤثرة..
رسالة بأسلوب بسيط وركيك ولكنه صادق جداً..
قال أنه لا يعرف صاحبة الإيميل إنما سرقه بالصدفة كما يفعل دائماً.. لكنه يحترمني جداً.. فقد وجد الإيميل نظيفاً وبلا رسائل مخلة!
ثم قال أنه متأثر لأنه في حياته كلها لم يسمع أحداً يدعو له.. ولم يشعر بأن هناك من (يحترمه) هكذا..
وقال إنه مستغرب جداً لأني لم أدع عليه كما يفعل الجميع عادة..
واعتذر ثم قال إنه مستعد جداً لإعادة الباسوورد لي على الماسنجر في أي وقت..
عرفت من أسلوبه أنه شاب
صغير جداً في السن ربما في المرحلة المتوسطة، شعرت بأنه بمثابة الأخ
الصغير الذي لم يجد من يأخذ بيده ولا يرشده، ولا يشعره بالاهتمام..
توقفت عند كل كلمة منه، وشعرت بالألم والضياع بين سطوره..
عرفت كم هم شبابنا وفتياتنا بحاجة فقط إلى من يأخذ بأيديهم، ويشعرهم بالفخر بأنفسهم ودينهم..
وأنك حين تحترم أي إنسان بصدق فإنه سيقابلك بالاحترام مهما كان مستواه..
اعتذرت له لأني لا أدخل الماسنجر، ولا أسمح لنفسي أن أحاوره عليه أصلاً..
إن استطاع أن يرسله فسأدعو له في ظهر الغيب، وإن لم يعده، فعسى الله أن يعوضني خيراً منه، وهذه آخر رسالة أرسلها..
في الغد وجدت رسالة أخرى منه..
وقد أرسل لي الباسوورد، وتحته كتب..
أرجوك يا أختي.. ادعي لي بالهداية.. فأنا أحتاج إليها..
يعلم الله كم دعوت له..
وكم شعرت أنه بحاجة فقط إلى من يقف معه.. ويرشده أين الطريق..
عرفت أنه مجرد طفل ضائع، لم يجد من يحتويه ولا يشعره بالاحترام والتقدير..
عرفت كم هم شبابنا وفتياتنا بحاجة لمن يحتويهم ويشعرهم بالاهتمام والأهمية، وأن الله خلقهم لأهداف أعظم..
هم بحاجة إلى من يخاطبهم بلهجة الكبار، ويدعو لهم، ويصفح عن أخطائهم مقابل أن يرشدهم الطريق..
حين أقرأ رسالتي، لا
أعرف كيف تأثر بها على قصرها، وكيف أعاد لي إيميلي بكل بساطة وأنا التي
كنت أفكر في مختلف الطرق الصعبة.. سبحان الله..
لقد كان بحاجة فقط إلى من يدعو له، لا عليه..
ليتنا نعي ذلك..
مجلة حياة العدد (89) رمضان 1428هـ