1.
الإحتكار حرام شرعا
يتم طرح موضوع الإحتكار عادة من زاوية اقتصادية و تجارية بيد أنه يمكن تعميم الطرح ليشمل جوانب أخرى كالسياسة بما يشتمل عليه ذلك التعميم من استصحاب للحكم الشرعي “حرمة الإحتكار” في الجوانب السياسية كحرمة توريث الحكم ـ سواء في الدول الملكية أو الجمهورية ـ وحرمة إستئثار حاكم ما بالحكم دونما إشراك للآخرين عن طريق تدويل السلطة وهكذا. من الملاحظ عدم ورود مادة “حكر” في الكتاب المبين ولكن ورد معناها فعلا من خلال ذكر مقابلها اللغوي، كما في قوله تعالى:
(مَّا أَفَاء اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الأَغْنِيَاء مِنكُمْ) (الحشر : 7)
كلمة (دولة) تدل على التداول وا لمداولة وكل ما يقابل معنى الإحتكار. ورد النهي القرآني عن الإحتكار من خلال قوله تعالى (… كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الأَغْنِيَاء مِنكُمْ) فبين الحكمة من توسيع شريحة التوزيع وهي التداول والإنتشار للقضاء على الحبس والإحتكار بين شريحة بعينها. وجود هذه الآية يغنينا عن تتبع آراء الناس فيما يتعلق بحكم الإحتكار فقد حسم الكتاب القضية بالنهي عن الإحتكار الشخصي أو الفئوي فمن يحتكر يصبح آثم، فإن شمل الإحتكار العصب الإقتصادي والسياسي والإجتماعي وغير ذلك فصاحبه ـ المحتكر ـ آثم ومرتكب لكبيرة إن مات دون توبة فهو خالد في النار. هذا ما نقرره في فقهنا للسياسة الشرعية. حينما يسمع العوام كلمة “كبيرة” لا تنصرف أذهانهم إلا إلى الجرائم الجنسية كالزنا واللواط والسحاق والإغتصاب وغير ذلك وهذا للأسف قصور في الفهم. إضافة للجرائم التقليدية جنسية كانت أم لا يشمل مفهوم “ارتكاب الكبائر” جرائم أخرى لعلها تكون أشد خطرا لإضرارها التام ببيضة المجتمع، فهناك فارق كبير بين أن يسقط شاب وفتاة في جريمة الزنا مثلا وبين جور الحكام ونهب ثروات البلاد والعباد، الجريمة الأولى شديدة بينما الجريمة الثانية قاصمة ومزلزلة. المعتزلة في اطار حديثهم عن مرتكبي الكبائر لايركزون على كبائر ما بين الفخدين فحسب بل يهتمون أكثر بالكبائر السياسية والإقتصادية والمالية والجرائم الإجتماعية.
يعالج الكتاب قضية الإحتكار من منظور إضافي لما تقدم وهو منظور النهي عن “الإكتناز” وتوعد المكتنزين بأقصى أنواع الوعيد كما في قوله تعالى:
(… وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلاَ يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ. يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لأَنفُسِكُمْ فَذُوقُواْ مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ) (التوبة : 34 - 35)
تحريم الإحتكار ـ بشتى صوره ـ حقيقة قرآنية يستشفها المتدبر لآي الذكر الحكيم من خلال الأمر بالتوزيع والتداول من ناحية وتوعد قاس لمرتكبي كبيرة الإكتناز من ناحية أخرى.
أنواع الأسواق الإحتكارية
الإحتكار في علم الإقتصاد قد يتكون في جانب “العرض” وهذا هو الغالب إلا أنه قد يتكون في جانب “الطلب” كذلك. إن تكون الإقتصاد في جانب العرض وكان هناك “عارض” واحد فقط يسمى الإحتكار هنا الإحتكار الأحادي Monopol ولو كان هناك “عارضان” يسمى حينئذ الإحتكار الثنائي Duopol أما لو كان هناك “عارضون” ولكنهم قلة يسمى إحتكار القلة Oligopol . في حالة كثرة العارضين نفارق عندئذ الأسواق الإحتكارية ونكون بصدد أسواق المنافسة وهي نوعان: المنافسة التامة والمنافسة الناقصة. إذا انتقلنا بعد ذلك إلى جانب الطلب نجد أن تلك التقسيمات تصاحبنا كذلك إلا أن “الطالب” الواحد يسمى هنا Monopson كما نجد مثال ذلك بوضوح في سوق العمل.
علاج الإحتكار
التشريع
الجشع الفردي والنهم الإنساني لا حدود له ولذلك تسن القوانين لتهذيب تلك الأنماط السلوكية الطفيلية لتحقيق مصلحة المجتمع ككل. أضرب مثالا لكيفية معالجة الإقتصاد الألماني لظاهرة الإحتكار: هناك هيئة حكومية مناط بها “رقابة” التوجهات الإحتكارية في الإقتصاد. حين حدوث “إتحاد” أو “إندماج” بين عملاقين أو أكثر بما يؤدي لبلوغ رأسمال المنتج الجديد لسقف معين يتم توجيه تهمة الشروع في الإحتكار للعملاقين المتحدين وإحالتهما للجهاز القضائي للبت بشأنهما، فإن ثبتت هنا “تهمة” الإحتكار يتم حينئذ فسخ الإندماج بقوة القانون. هب أن شركة “Mercedes-Benz ” وشركة “VW” شرعتا في تكوين إندماج عملاق بينهما، القانون يتدخل هنا لوقف ذلك الإندماج حفاظا على مبدأ “التنافس” الحر لأن الإندماج السابق لو سمح به مثلا فسيؤدي لأضرار بالغة بالمنتجين الآخرين في سوق صناعة السيارات مثل “Opel” أو “Audi” أو غيرهما من الشركات الأصغر.
السياسة المالية
أي فرض ضرائب “كمية” أو “قيمية” على المحتكر لمنعه من الإحتكار. بعد القيام بدراسة أثر الضريبة المفروضة رياضيا سواء على جانب العرض أو على جانب الطلب وجد أنها تؤدي لنتيجة واحدة وهي: المنتج يحصل على مبلغ أقل والمستهلك يدفع مبلغ أكبر.
طريقة “الحاكم بأمر الله”
في أحد الأزمنة الماضية وتحديدا في أثناء حكم القائد الفاطمي الحاكم بأمر الله إتفق “شهبندر” التجار وكبار التجار في سوق الغلال على تخزين الغلال وعدم طرحها للبيع مما أدى إلى ارتفاع كبير في أسعار الغلال. لما وصل الحاكم بأمر الله نبأ التجار وما أحدثوه أرسل لهم التحذير التالي قبل يوم الجمعة بعدة أيام: سيزور الخليفة الفاطمي الحاكم بأمر الله سوق الغلال بعد صلاة الجمعة مباشرة. أيما تاجر يكون متجره مغلقا أو خاويا من الغلال والتي ستباع بسعر حدده لهم فسيتم ضرب عنق ذلك التاجر أمام متجره على الفور. جاء يوم الجمعة وذهب الحاكم إلى السوق بعد الصلاة واصطحب معه سيافين فماذا وجد؟ وجد الرواج والإزدهار في سوق الغلال: المتاجر امتلئت بالغلال وبسعر أقل من السعر الرسمي والمخازن فارغة تماما من الغلال التي كانت بها إبان الأزمة. (المصدر: كتاب “بدائع الزهور في وقائع الدهور” بتصرف).
موقف “العدل والتوحيد” من قضية “الإحتكار”
الإحتكار ـ لاسيما إحتكار ما من شأنه الإضرار بحياة الإنسان لو منع عنه كالغذاء والدواء والتعليم وغير ذلك ـ محرم شرعا لتحريم القرآن الكريم له ـ إلا في النموذج الإقتصادي الذي توجد فيه الدولة كمنتج وموزع وحيد فهذا أمر آخر ـ وأن المحتكر ـ فردا كان أو فردان أو مجموعة أفراد ـ لأقوات وغذاء ودواء وصحة المواطن الجسدية والنفسية والعقلية يرتكب إثما. ويجب إصدار التشريعات القانونية والإقتصادية والتنفيذية التي تجرم المحتكر وتوقعه تحت طائلة القانون.
أكتفي بهذا القدر والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
- فراسبيتوعضو محترف
- رقم العضوية : 3079
الجنس : عدد المساهمات : 7200 نقاط التميز : 10794 تقييم العضو : 40 التسجيل : 28/01/2010 الإقامة : الجزائر
تمت المشاركة الخميس فبراير 25, 2010 10:37 pm
- rymعضو مميز
- رقم العضوية : 2913
الجنس : عدد المساهمات : 1686 نقاط التميز : 1898 تقييم العضو : 11 التسجيل : 23/01/2010 العمر : 36
تمت المشاركة الخميس فبراير 25, 2010 10:38 pm
شكرا
التوقــيـــــــــــــــــــــع
- العائد من الظلامعضو مميز
- الجنس : عدد المساهمات : 2184 نقاط التميز : 2895 تقييم العضو : 19 التسجيل : 24/08/2009 العمر : 31
تمت المشاركة الخميس فبراير 25, 2010 10:56 pm
مشكوور اخي واصل تالقك
التوقــيـــــــــــــــــــــع
<br>
- فراسبيتوعضو محترف
- رقم العضوية : 3079
الجنس : عدد المساهمات : 7200 نقاط التميز : 10794 تقييم العضو : 40 التسجيل : 28/01/2010 الإقامة : الجزائر
تمت المشاركة الجمعة فبراير 26, 2010 12:32 am
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى