بعض الزملاء الذين درسوا في الجامعات الغربية وعملوا في مستشفياتها
الباردة وقرؤوا تجاربهم المستقاة من واقعهم ، حرموا على الأمهات العراقيات
، عبر شاشات التلفزيون وغيره من وسائل الإعلام ، إعطاء أطفالهن قطرة ماء
في تموز العراق المحرق ، بدعوى أن ذلك غير ضروري ، بل يؤثر على نمو الرضيع
، فحدثت مشاكل للأطفال ، كان يمكن تجنبها لو أنهم فرقوا ما بين طقس
انكلترا وأجواء بغداد .!!!
ولذلك أود أن أوضح هذا الموضوع
المهم بالتفصيل التالي : الماء هو أهم عنصر من عناصر الحياة ، ومنه خلق
الله كلَ شيء حي ، وبدونه يموت الإنسان في غضون أيام ، قال تعالى في كتابه
الكريم : (( وجعلنا من الماء كلَّ شيء حيّ ))
وتشكل نسبة الماء
في جسم المولود الجديد ما بين 70%-80% مقارنة مع البالغين 55%-60% . كمية
الماء اليومية التي يحتاجها الطفل تعادل 10-15% من وزنه، فإذا كان وزنه
أربعة كيلوغرامات مثلا ، فإنه يحتاج إلى كمية ماء يومية تعادل 600 مل ،
وتزداد حاجة قليلي الوزن للماء أكثر من غيرهم، فقد تصل حاجته اليومية إلى
80-170 مل / كغ / يوميا .
يحصل الرضيع على الماء من الحليب
بالدرجة الأساس ، فنسبة الماء في حليب الأم ، أو حتى في حليب القناني لا
تقل عن 880 مل / لتر ، هذا في الأحوال العادية ، وفي الظروف المثالية ..
والطفل الرضيع يفقد الماء أيضاً من منافذ مختلفة :
عبر الغائط ، ونسبة الماء المفقود 3-10% من الماء المتناول يوميّاً .
عن طريق التبخر الحاصل من الرئة ( عبر التنفس ) ، أو من الجلد ، وهنا قد تصل كمية الماء المفقود إلى نسبة 40-50% .
عن طريق البول ، ونسبته لا تقل أيضاً عن 40% من الماء المتناول يومياً .
في
الأحوال العادية ، يكون هناك توازن ما بين الماء الداخل والماء الخارج في
جسم الطفل الرضيع ، أما إذا زاد الماء الخارج لأي سبب من الأسباب ، مثل :
الإسهال والتقيؤ : الذي يؤدي إلى زيادة فقدان الماء مع الغائط والقيء .
أو زيادة التبخر ، سواء بسرعة التنفس ، كما يحصل في النزلات التنفسية ، أو عن طريق الجلد ، كما يحصل في البلاد أو الفصول الحارة .
أو زيادة التبول ، كما يحصل في بعض الأمراض المعروفة .
أقول
: إذا حدثت زيادة في كمية الماء المفقود من جسم الرضيع ، لأي من الأسباب
أعلاه أو غيرها ، فإن التوازن الفيزيولوجي الذي كان قائما ما بين الماء
الداخل والماء الخارج سوف يختل حتما لصالح نقص الماء في جسم الرضيع ،
والذي لا يمكن السيطرة عليه إلا بأحد أمرين :
إما وقف الأسباب الموجبة لفقدان الماء فورا … ولما كان هذا الهدف صعب التحقق بالسرعة المطلوبة في كثير من الأحيان ، لذا نلجأ إلى
العامل الثاني ، وهو زيادة كمية الماء الداخلة للطفل الرضيع بإعطائه المزيد من الماء المعقم بين وجبات الرضاعة العادية .
ولقد
رأيت العشرات من الأطفال الرضع ، الذين كانوا يعانون من حمى الجفاف
Dehydrated Fever ، ومعظمهم حديثي الولادة لا تتجاوز أعمارهم الخمسة أيام
، والسبب بكل بساطة هو : فقدان الرضيع لكمية كبيرة من الماء عن طريق
التبخر في صيف العراق المعروف ، مع عدم إعطاء الرضيع أية قطرة ماء ( بناء
على نصائح الجدة والجيران والأصدقاء أو حتى بعض برامج التلفزيون ) يتزامن
ذلك مع قلة تناول الرضيع لما يكفيه من الحليب في هذه الفترة بالذات (
الأيام الأولى بعد الولادة ) لأسباب مفهومة ، منها : عدم وجود حليب في ثدي
الأم من جهة ، وقلة نشاط وقتي لمنعكسات المص والبلع لدى الرضيع نفسه من
جهة أخرى.
فكنت أنصح الأمهات بإعطاء أطفالهن الماء ، ولقد كانت دهشة
الأهل عظيمة عندما كانوا يأتونني في اليوم التالي وقد حدث انقلاب كامل في
كيان الطفل كله ،وذلك باختفاء الحرارة العالية ، وتحسن الرضاعة ، وامتلاء
الطفل بالنضارة والحيوية ، بعد الخمول المخيف والذبول الواضح الذي كان
يسيطر عليه .!!!
وشكرا على زيارتكم