بسم الله الرحمن الرحيم لقد قرأت حديثا عمن أرسله الله بشيرا ونذيرا فأعجبني كثيرا، كثيرا ، واستوقفني وقتا طويلا ليس يسيرا ،أقلب النظر فيه تفكيرا وتدبيرا ،وارجع البصر إلى حال إخواننا الذين دمروا الأخلاق تدميرا ،فسألت الله أن يجعلني موصوفا بما فيه إنه كان بي قديرا ، وأن يوفق إخواننا الذين حبرته لهم تحبيرا إلى التمسك بما فيه تعظيما وتقديرا فإنه سبحانه عليه ليس عسيرا ،فهو المؤثر في القلوب بالحب جمعا وتأثيرا ،والمؤلف بينهم كبيرا وصغيرا ، والولي لنا جميعا نعم المولى ونعم النصيرا ،فالمؤمن مألفة بالحب والسرور والحبورا ، ولا خير فيمن نفر عن إخوانه نفورا ... لفظ الحديث :قال صلى الله عليه وسلم:<< المؤمن مألفة. ولا خير فيمن لا يألف ولا يؤلف >>. تخريج الجديث : أخرجه أحمد[5/335] والخطيب [11/376] من حديث سهل بن سعد / مرفوعا / وأورده الهيثمي في المجمع في موضعين [8/87، 10/273] وبلفظ :<<المؤمن يألف ويؤلف ولا..>> والحديث صححه الشيخ العلامة الألباني رحمه الله في السلسلة الصحيحة [426]وذكر له شاهدا [ح 427]من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه. رواه الدارقطني في الأفراد والضياء المقدسي في المختارة وفيه زيادة :<< وخير الناس أنفعهم للناس >>وحكم عليها بالصحة. شرح الحديث ، وما فيه من فوائد: يبين هذا الحديث العظيم صفة من صفات المؤمن التي يلزمه القيامبها والانتباه إليها، وهو أن يكون (مألفة) أي يتألف الناس ويألفونه، ولا يكون هذاإلا بمحبته للناس وبشاشته معهم، وصدقه وحفظه لحقوقهم وأسرارهم فالنبي صلى الله عليه وسلم يصف المؤمنين في توادهم وتراحمهم كالجسد الواحد ، فالؤمن مألفة ، أي موضع للإجتماع والألفة ، فهو كالجسد الواحد ، الذي تجتمع فيه الأعضاء ، أي مجمع الأعضاء التي تجتمع على الحب لهذا الجسد ، وتتداعى له عندما يشاك ، أو يشتكي فالعبد المؤمن بجسده الواحد يتآلف معه ولا يرضى ان تشوكه الشوكة في أي عضو منه ، ويحب جسده حبا متساويا لجميعه ،فأي أمر خارجي عنه يصيب بعض الأعضاء فإنه يتأثر له جميع الجسد ،ويتداعى فيما بينه لنصرة ذلك العضو الذي اشتكى من الضرر الحاصل له من ذلكم المؤثر الخارجي ،فهكذا ينبغي ان يكون المؤمن ، وهكذا ينبغي أن يكون جميع المؤمنين، ولذلكم في هذا الحديث الرسول صلى الله عليه وسلم يرشد إلى خصلتين تؤهل المؤمن أن يكون كذلك ..مع إخوانه وبينهم . ويشتمل هذا الحديث على خلقين عظيمين، هما: أولاً: يألف : وهذا فعل يصدر منه، لسلامة قلبه وسعة صدره يتطلب منه المخالطة والتودد للناس. ثانيا: يؤلف: وهذا متعلق بغيره نتيجة ما يصدر عنه من حسن الكرم ومكارم الأخلاق، ويتطلب صدور أقوال وأفعال منهلغيره، بحيث تحفزهم وتدفعهم إلى القرب منه. ولكن لا يعني هذا مداهنة الناسعلى ما عندهم من الفساد أو الفسق،أو البدعة ، وغض الطرف عن ذلك ،ومحاباتهم ومسايرتهم على الباطل لاكتساب تآلفهم عليه. فهذا لا يقوم به الدين ولا تستقيم به المؤآلفة.وهذا أيضا يهدم الحب والبغض في الله ، ويضعف الولاء والبراء، ولكن كل يعطى بقدر قربه وبعده عن الله تعالى والتمسك بكتابه وسنة رسوله،أنزلوا الناس منازلهم، أي من الحب بالقرب والبغض بالبعد عن طاعة الله . ولا تتحقق المؤالفة بمعاداتهم أيضاً ، والسوء إليهم ، ولكن بالتلطف معهم ابتداء على ما عندهم من الخير، ومناصحتهم فيما عندهم من الشر، بالتي هي أحسن للتي هي أقوم رجاء عودتهم للحق ،{{ ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عدواة كأنه ولي حميم }} أما من أبي إلا البدعة ، وركوب الأهواء فيبغض ويعادى ولاكرامة ، فسبحان من يجعل العدو البعيد حمياما، والصديق القريب فاجرا لئيما !!. والألفة من صفات المؤمن .. قال صلى الله عليه وسلم:<< إذا أحب أحدكم صاحبه فليأته في منزله فليخبره أنه يحبه لله >> رواه أحمد وهو صحيح مخرج في صحيح الجامع [281] والسلسلة الصحيحة [777]. ولفظ مألفة، يعني موضع للألفة، وموضع للاجتماع، فالمؤمن يجتمع عليه الإخوان، المؤمن يجمع بين الإخوان يؤلف بينهم،سماه مألف، موضع الائتلاف، موضع الاجتماع. هكذا هي صفة أهل الإيمان، أهل السنة والقرآن ، لا يفرق، يجمع القلوب يقارب بينها يصلح يجتهد في إصلاح ذات البين ، فلا يهدأ له بال، ولا يستقر له حال ، ولايطمئن حتى يجتمع إخوانه ويزول الدغل ،بين أهل الإستقامة على الصراط المستقيم بفهم سلف الأمة الرعيل الأول . ولعظم هذا الأمر جاز الكذب بل شرع لأجل الإصلاح بين الناس، كما في الصحيحين:قال صلى الله عليه وسلم <<ليس الكذاب الذي يقول خيرا أو ينمي خيرا >>مع أن صفة الكذب من أقبح الصفات التي تنزه عنها حتى أهل الجاهلية مروءة كما في حديث أبي سفيان في قصته مع هرقل وهي في البخاري ومسلم ، فالكذب ليس من صفات المومن بل هي من صفات المنافقين ، ولكن في الإصلاح من أجل التأليف بين المتشاحنين المتخاصمين فهي صفة مندوحة ،فهي من صفات المؤمن ، فالمؤمن مؤلفة ،يؤلف ، ويؤلف .. فعن أم كلثوم بنت عقبة - رضي الله عنها - قالت : رخص النبي صلى الله عليه وسلم من الكذب في ثلاث : في الحرب ، وفي الإصلاح بين الناس ،وقول الرجل لامرأته .وفي رواية :وحديث الرجل امرأته ، وجديث المٍأة زوجها .صحيح ، الصحيحة [ح545] قال الشيخ بعد تخريجه :فقه الحديث : وبعد أن فرغنا من تحقيق القول في صحة الحديث ، ودفع إعلاله بالإدراج ، أنقل إل القاريء الكريم ما ذكره النووي -رحمه الله - في شرح الحيث : قال القاضي لا خلاف في جواز الكذب في هذه الصور ...ثم ذكر كلاما جميلا في الموضوع فراجعه غير مأمور ..قلت : لأن هذا من البر والخير ومحاسن الأخلاق ،وجمع القلوب إلى بعضها البعض حيث مكمن القوة والإجتماع . نعم فالمؤمن مألفة لأنه مجمع محاسن الأخلاق ،ومحضنة الخير باتفاق ،فالبصر إليه حادق والقلب في ميله إليه صادق ،والنفوس إليه تشتاق، لأنه لطعم الإيمان ذاق، ذاق، ولا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه،فلا اختلاف عنده على الحق ولا افتراق،إلا التمسك بالحق ومحاسن الأخلاق ، لين هين سهل قريب من الألفة والاتفاق ،وإصلاح ذات البين من أعظم الأخلاق الحسنة التي فاقت الصلاة والصيام والعتاق .يبين هذا حديث من أمرنا الله بطاعته وقبول ما جاء به بالإتفاق :<< ألا أخبركم بأفضل من درجة الصلاة ، والصيام والصدقة ؟قالوا: بلى . قال: إصلاح ذات البين . قال : وفساد ذات البين هي الحالقة >> رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح ، وهو في صحيح الترمذي [ح 2037] . نعم فالمؤمن مألفة ،لأنه غر كريم ، سهل قريب ، قال صلى الله عليه وسلم : "المؤمن غر كريم والفاجر خب لئيم" صحيح سنن أبي داود [4790]وقال حسن ، وصحيح سنن الترمذي [1964]وقال حسن ، وصحيح الترغيب والترهيب[2609]وتخريج المشكاة [5014]وقال هناك: صحيح لغيره ،وفي الصحيحة قال الشيخ رحمه الله : صحيح [ح935]. فالمؤمن المحمود من طبعه الغرارة والتغافل ، وقلة الفطنة للشر بين إخوانه المؤمنين وترك البحث عنه ،من التحسس والتجسس واتباع العورات ، وليس ذلك منه جهلا ، ولكنّه كرم وحسن الخلق ، فهو يتغافل لسلامة صدره وحسن ظنه ، فترى الناس منه في راحة -وإن كان هو منهم في عناء- لايتعدى إليهم منه شر ،والمسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، وقد قال النبي لأبي ذر لما قال له :فإن لم استطع ؟ قال:أن تمسك شرك عنهم : أو كما قال .فالمبادر لهذه الخصال العظيمة ،فهو الذي جمع الخير في نفسه ، وسعى به بين إخوانه المؤمنين ، ولا خير فيمن لايألف ولايؤلف ،لأنه ليس موضع للاجتماع والتآلف الذي حث الله تعالى عليه ورغب فيه أيما ترغيب ،ألم يقل سبحانه :{{ إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم }}فلا يمكن الصلح إلا بأن يكون موضع الألفة ،والغرارة ، والكرم ، وترك الشحناء والشح ، وإلا كان فاجرا لئيما ، ومن أخلاق المروؤة عديما .قال الشيخ الألباني رحمه الله بعد تخريجه :فائدة: قال أبو جعفر الطحاوي - رحمه الله -: الغر في كلام العرب : هو الذي لا غائلة ولا باطن له يخالف ظاهره ، ومن كان هذا سبيله أمن المسلمون من لسانه ويده وهي صفة المؤمنين . والفاجر : ظاهره خلاف باطنه ،لأن باطنه هو ما يُكره وظاهره مخالف لذلك ، كالمنافق الذي يظهر شيئا غير مكروه منه ،وهو الإسلام الذي يحمده أهله عليه ويبطن خلافه ، وهو الكفر الذي يذمه المسلمون عليه . و صل اللهم وسلم على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ..اللهم اجعلني وإخواني المؤمنين مألفة: يألف ويؤلف على الوجه الذييرضيك ياربنا. المصدر: تاريخ بغداد - لصفحة أو الرقم: 3/333 خلاصة حكم المحدث: [فيه] محمد بن العباس النحوي في رواياته نكرة |
- فراسبيتوعضو محترف
- رقم العضوية : 3079
الجنس : عدد المساهمات : 7200 نقاط التميز : 10794 تقييم العضو : 40 التسجيل : 28/01/2010 الإقامة : الجزائر
تمت المشاركة الخميس أغسطس 26, 2010 4:12 pm
التوقــيـــــــــــــــــــــع
- بوكعضو مطرود
- الجنس : عدد المساهمات : 9166 نقاط التميز : 10738 تقييم العضو : 181 التسجيل : 02/05/2010 الإقامة : *في المنتدى*
تمت المشاركة الخميس أغسطس 26, 2010 4:16 pm
بارك الله فيك اخي و جعله في موازين حسناتك
التوقــيـــــــــــــــــــــع
- فراسبيتوعضو محترف
- رقم العضوية : 3079
الجنس : عدد المساهمات : 7200 نقاط التميز : 10794 تقييم العضو : 40 التسجيل : 28/01/2010 الإقامة : الجزائر
تمت المشاركة الجمعة أغسطس 27, 2010 5:13 pm
أسعدني مرورك أخي بوك الله يحفظك .
التوقــيـــــــــــــــــــــع
- mreimعضو مميز
- رقم العضوية : 6854
الجنس : عدد المساهمات : 1483 نقاط التميز : 1718 تقييم العضو : 22 التسجيل : 28/07/2010 العمر : 30 الإقامة : المسيلة
تمت المشاركة الجمعة أغسطس 27, 2010 5:16 pm
التوقــيـــــــــــــــــــــع
فَلترسُمني الدُّنيا،
طيراً في سَمَاءِ النّقاء
يكرهُ السُّجُون
وَيطيرُ حُراً كيفَ يشاء
لا يمسُّ الأرض إلا ساجداً لِربِّ السّماء
- فراسبيتوعضو محترف
- رقم العضوية : 3079
الجنس : عدد المساهمات : 7200 نقاط التميز : 10794 تقييم العضو : 40 التسجيل : 28/01/2010 الإقامة : الجزائر
تمت المشاركة الجمعة أغسطس 27, 2010 5:19 pm
شكرا لكي على المرور الجميل
التوقــيـــــــــــــــــــــع
- bilel 24عضو مميز
- الجنس : عدد المساهمات : 1533 نقاط التميز : 1943 تقييم العضو : 22 التسجيل : 16/03/2010 العمر : 40
تمت المشاركة الخميس سبتمبر 02, 2010 5:47 pm
سلمت يداك اخي فراس وبارك الله فيك على الموضوع القيم والمميز
جزاك الله خيرا
جزاك الله خيرا
التوقــيـــــــــــــــــــــع
- الخنساءعضو مشارك
- الجنس : عدد المساهمات : 107 نقاط التميز : 109 تقييم العضو : 6 التسجيل : 13/08/2010
تمت المشاركة الخميس سبتمبر 02, 2010 5:56 pm
جزاك الله خيرا
التوقــيـــــــــــــــــــــع
- فراسبيتوعضو محترف
- رقم العضوية : 3079
الجنس : عدد المساهمات : 7200 نقاط التميز : 10794 تقييم العضو : 40 التسجيل : 28/01/2010 الإقامة : الجزائر
تمت المشاركة الجمعة سبتمبر 03, 2010 4:21 pm
أسعدني مروركم
التوقــيـــــــــــــــــــــع
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى