الموت
إن الموت حقيقة قاسية رهيبة، تواجه كل حي فلا يملك لها رداً، وهي تتكرر في كل لحظة ويواجهها الجميع دون استثناء، قال تعالى: كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ [العنكبوت:57]، إنها نهاية الحياة واحدة فالجميع سيموت لكن المصير بعد ذلك يختلف، فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ [الشورى:7]، وفي الموت عظة وتذكير وتنبيه وتحذير، وكفى به من نذير، قال : { كفى بالموت واعظاً } والموت هو الخطب الأفظع والأمر الأشنع والكأس التي طعمها أكره وأبشع، وأنه الحادث الأهدم للذات والأقطع للراحات والأمنيات.
ولكننا مع الأسف الشديد نسيناه أو تناسيناه وكرهنا ذكره ولقياه مع يقيننا أنه لا محالة واقع وحاصل، والعجب من عاقل يرى استيلاء الموت على أقرانه وجيرانه وكيف يطيب عيشه! وكيف لا يستعد له! إن المنهمك في الدنيا، المكب على غرورها المحب لشهواتها يغفل قلبه لا محالة عن ذكر الموت، وإذا ذُكّر به كرهه ونفر منه، ومن لم يتذكر الموت اليوم ويستعد له فاجأه في غده وهو في غفلة من أمره وفي شغل عنه.
قال مالك بن ينار: ( لو يعلم الخلائق ماذا يستقبلون غداً ما لذوا بعيش أبداً ). وما خاف مؤمن اليوم إلا أمن غداً بحسن اتعاظه وصلاح عمله، ولكن كثيراً من الناس مع الأسف الشديد يضيع عمره في غير ما خلق له، ثم إذا فاجأه الموت صرخ رَبِّ ارْجِعُونِ [المؤمنون:99] ولماذا ترجع وتعود لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ [المؤمنون:100] وأين أنت عن هذا اليوم أيها الغافل؟ ألا تعمل وأنت في سعة من أمرك وصحة في بدنك، ولم يدن منك ملك الموت بعد.
إن ما نراه في المقابر أعظم وأكبر معتبر، فحامل الجنازة اليوم محمول غداً، ومن يرجع من المقبرة إلى بيته اليوم سيرجع عنه غداً ويُترك وحيداً فريداً في قبره مرتهناً بعمله، إن خيراً فخير وإن شراً فشر.
وحيــداً فـريـداً فـي التـراب وإنمـا
قرين الفتى في القبر ما كان يعمل
ولكن ما أقل من اتعظ وما أنذر من اجتهد، إن كان من قصر أمله، وجعل الموت أمام ناظريه عمل بلا شك للآخرة واستفاد من كل لحظة من لحظات عمره في طاعة ربه وتحسر على كل وقت أضاعه بدون عمل صالح يقربه إلى الله، وهو لما قدم من عمل فرح مسرور بالانتقال إلى الدار الآخرة وهذا هو المغبوط حقاً.
قال لقمان لابنه: ( يا بني أمرٌ لا تدري متى يلقاك استعد له قبل أن يفجأك ).
وقال بعض السلف: اعلم أنه لو لم يكن بين يدي العبد المسكين كرب ولا هول ولا عذاب سوى سكرات الموت بمجردها لكان جديراً بأن يتنغص عليه عيشه ويتكدر عليه سروره ويفارقه سهوه وغفلته، وحقيق بأن يطول فكره ويعظم له استعداده، كيف ونحن نعلم أن وراء الموت القبر وظلمته، والصراط ودقته والحساب وشدته، أهوال وأهوال لا يعلم عظمها إلا بالله .
للمـوت فاعمـل بجـد أيهـا الرجــل
واعـلم بأنــك مـن دنيــاك مـرتـحـل
إلـى متى أنت فـي لهـو وفي لعب
تمسي وتصبح في اللذات مشتغل
اعمل لنفسك يا مسكيـن في مهـل
مــا دام ينفعـك التـذكـار والعـمـل
القبر
القبر هو أول منازل الآخرة فكيف بنا أهملنا بنيانه وقوضنا أركانه وليس بيننا وبين الانتقال إليه إلا أن يقال: فلان مات. قال : { ما رأيت منظراً إلا والقبر أفظع منه
} وقال عليه الصلاة والسلام: { القبر أول منازل الآخرة فمن نجا منه فما بعده أيسر منه ومن لم ينج منه فما بعده أشد منه }.
فارقت موضع مرقدي يوماً ففارقني السكون
القبر أول ليلة بالله قل لي فيه ما يكـون
نظرة واحدة بعين البصيرة في هذا القبر والله سوف تعطيك حقيقة هذه الدنيا فبعد العزة وبعد الأموال وبعد الأوامر والنواهي وبعد الخدم والحشم وبعد القصور والدور، أهذه هي نهاية ابن آدم في هذه الحفرة الضيقة المظلمة.
تالله لو عاش الفتى في عمره
ألفاً من الأعـوام مالك أمـره
متـلـذذاً فيهـا بكـل نـعيـم
متنعماً فيهـا بنعمـى عصـره
ما كان ذلك كله في أن يفي
بمبيت أول ليلـة فـي قبـره
أخي الحبيب:
انظر لحال الموتى وتأمل حالهم ومآلهم فوالله إنه سيأتيك يوم مثل يومهم وسيمر عليك ما مرّ بهم، ألا فاعتبر واستعد، ولا تغفل ولا تنسى مصيرك ومآلك، فهل تصورت نفسك وأنت مكان هذا المدفون، والله إنها نعمة كبيرة أن أعطاك الله العبرة من غيرك ولم يعط غيرك العبرة منك، فأعطاك الفرصة أن تحاسب نفسك وتستعد لذلك المصرع، فهلاّ استفدت من هذه
الفرصة ما دام في الوقت مهلة، لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلْ الْعَامِلُونَ [الصافات:61] وجاء في الحديث عن النبي أنه قال: { إذا وضعت الجنازة واحتملها الرجال على أعناقهم فإن كانت صالحة قالت: قدموني، قدموني، وإن كانت غير صالحة قالت لأهلها: ياويلها أين تذهبون بها، يسمع صوتها كل شيء إلا الإنسان، ولو سمع الإنسان لصعق } [رواه البخاري]. فتخيل نفسك يا عبد الله وأنت محمول على الأعناق وعلى أي الحالتين تحب أن تكون.
وقال : { والله لوتعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيراً ولما تلذذتم بالنساء على الفرش، ولخرجتم إلى الصعدات تجأرون بالبكاء ولحثيتم على رؤوسكم التراب } وهذا الكلام موجه للصحابة رضي الله عنهم فكيف بك أنت أيها الغافل اللاهي تلهو وتلعب وتغني وتعصي الله صباحاً ومساء، ولا كأن أمامك موت ولا قبر ولا حشر ولا نشر، ولا كأن أمامك هذه الأهوال العظيمة، فما أقسى والله قلبك وما أقل عقلك. فتنبه لذلك أيها المسكين إن كنت تعقل وتفهم.
وجاء في الأثر أن الإنسان إذا وضع في قبره وكان فاجراً عاصياً تقول له الأرض: والله إن كنت لمن أبغض الناس إليّ وأنت تمشي على ظهري فجئت اليوم في بطني فسترى ماذا أصنع بك من غيظي، فتخيل يا عبدالله وأنت في هذا القبر الموحش المظلم يقال لك مثل هذا الكلام فحينئذ لا ينفعك ندم ولا صياح ولا بكاء ولا أنين.
وجاء في الحديث أيضاً أن الميت إذا وضع في قبره جاءه ملكان فيسألانه عن ربه ودينه ونبيه فإن كان ممن مات على الذنوب والمعاصي لم يوفق للإجابة فحينئذ يضيق عليه في قبره حتى تختلف أضلاعه ويضرب بمرزبة من حديد لو ضرب بها جبل لهدته
وتفتح له نافذة الى النار ويرى مقعده فيها ويأتيه من حرّها وسمومها ويبقى هو في قبره في عذاب على حسب عمله، وإن كان الميت ممن أطاع الله وعمل صالحاً فإن الله يثبته ويوفقه للإجابة ويوسع له في قبره وينور له فيه، ويرى مقعده من الجنة ويفرش له في قبره خضراً إلى يوم القيامة.
فيا عبدالله أي المقعدين تريد؟ وأيهما أهون عليك طاعة الله أم تلك الأهوال التي أمامك؟! والله إن طاعة الله أهون عليك بكثير مما أمامك فما الذي يمنعك من ذلك وماذا تنتظر!.
أخي الحبيب:
هل تذكرت لحظة الفراق عندما تلقي آخر النظرات على هذه الدنيا وتستقبل الآخرة بما فيها من الأهوال والصعاب فإما أن تنتقل إلى سموم وحميم وتصلية جحيم فاعمل من الآن عملاً ينجيك بإذن الله مما أمامك من أهوال ما دام في الوقت مهلة وما دمت تستطيع ذلك لتخرج من هذه الدنيا مرتاحاً وفرحاً مسروراً بلقاء ربك، وبما أعده لك من النعيم المقيم.
ولدتك أمــك يا ابـن آدم باكـياً
والناس حـولك يضحكون سـروراً
فاعمل لنفسك أن تكون إذا بكوا
فـي يوم موتك ضاحكـاً مسروراً
وفق الله الجميع لما يحب ويرضى.
والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
- كبرياء أنثىعضو متقدم
تمت المشاركة الأحد نوفمبر 10, 2013 5:12 pm
التوقــيـــــــــــــــــــــع
فأنا كما انا لن اتغير من أجل أحد فمن يحبني على طبيعتي ............
- barcaعضو محترف
تمت المشاركة الإثنين نوفمبر 11, 2013 5:04 pm
التوقــيـــــــــــــــــــــع
فداك أبـــــــــ يا رسول الله ــــــي وأمي
معلوماتـــ مهمة:
تنبيــه!! [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
- عاشقة الجنانعضو متقدم
- رقم العضوية : 17727
الجنس : عدد المساهمات : 3475 نقاط التميز : 3821 تقييم العضو : 71 التسجيل : 17/07/2013 العمر : 41
تمت المشاركة الإثنين نوفمبر 11, 2013 8:03 pm
التوقــيـــــــــــــــــــــع
- كبرياء أنثىعضو متقدم
تمت المشاركة الإثنين نوفمبر 18, 2013 7:37 pm
سلام تشكران على الرد المتميز ...........
التوقــيـــــــــــــــــــــع
فأنا كما انا لن اتغير من أجل أحد فمن يحبني على طبيعتي ............
- عبدالحميد19عضو محترف
- رقم العضوية : 13498
الجنس : عدد المساهمات : 10036 نقاط التميز : 12444 تقييم العضو : 105 التسجيل : 07/10/2012 العمر : 34 الإقامة : برج بوعريريج
تمت المشاركة الأحد نوفمبر 24, 2013 1:50 pm
- محمد ابن الجزائرعضو مشارك
- رقم العضوية : 19394
الجنس : عدد المساهمات : 383 نقاط التميز : 621 تقييم العضو : 11 التسجيل : 02/12/2013 العمر : 27 الإقامة : تلمسان
تمت المشاركة الخميس ديسمبر 05, 2013 12:18 am
السلام عليكم و رحمة الله تعالى و بركاته
جزاكِ الله خيرا على الموضوع القيم
و جعله الله في ميزان حسناتك
جزاكِ الله خيرا على الموضوع القيم
و جعله الله في ميزان حسناتك
التوقــيـــــــــــــــــــــع
اذا المـرء لا يرعـاك إلا تكلفـا
فدعـه ولا تكثـر عليـه التأسفـا ففي الناس ابدال وفي الترك راحة وفي القلب صبر للحبيب ولو جفا فما كل من تهـواه يهـواك قلبـه ولا كل من صافيته لك قـد صفـا إذا لم يكن صفـو الـوداد طبيعـة فلا خير في خـل يجـيء تكلفـا ولا خير في خـل يخـون خليلـه ويلقاه مـن بعـد المـودة بالجفـا وينكر عيشـا قـد تقـادم عهـده ويظهر سرا كان بالامس قد خفـا سلام على الدنيا اذا لم يكـن بهـا صديق صدوق صادق الوعد منصفا
فدعـه ولا تكثـر عليـه التأسفـا ففي الناس ابدال وفي الترك راحة وفي القلب صبر للحبيب ولو جفا فما كل من تهـواه يهـواك قلبـه ولا كل من صافيته لك قـد صفـا إذا لم يكن صفـو الـوداد طبيعـة فلا خير في خـل يجـيء تكلفـا ولا خير في خـل يخـون خليلـه ويلقاه مـن بعـد المـودة بالجفـا وينكر عيشـا قـد تقـادم عهـده ويظهر سرا كان بالامس قد خفـا سلام على الدنيا اذا لم يكـن بهـا صديق صدوق صادق الوعد منصفا
- كبرياء أنثىعضو متقدم
تمت المشاركة الإثنين ديسمبر 16, 2013 8:14 pm
التوقــيـــــــــــــــــــــع
فأنا كما انا لن اتغير من أجل أحد فمن يحبني على طبيعتي ............
- العباسيةعضو فعال
- رقم العضوية : 16549
الجنس : عدد المساهمات : 425 نقاط التميز : 526 تقييم العضو : 32 التسجيل : 26/04/2013 العمر : 28 الإقامة : سيدي بلعباس
تمت المشاركة الثلاثاء ديسمبر 17, 2013 4:26 pm
التوقــيـــــــــــــــــــــع
لاتجعل احدا يعرف سر دمعتك لأنه سوف يعرف كيف يبكيك
- كبرياء أنثىعضو متقدم
تمت المشاركة الخميس ديسمبر 19, 2013 7:32 pm
أسعدني مرورك
التوقــيـــــــــــــــــــــع
فأنا كما انا لن اتغير من أجل أحد فمن يحبني على طبيعتي ............
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى