- عبد المهيمنعضو فعال
- الجنس : عدد المساهمات : 476 نقاط التميز : 562 تقييم العضو : 13 التسجيل : 25/12/2011 العمر : 46 الإقامة : في ارض الله
تمت المشاركة الجمعة مارس 01, 2013 4:51 pm
أثر القرآن في تعزيز الأخلاق والسلوك
أَثَرُ الْقُرْآنِ فِي تَعْزِيزِ الْأَخْلَاقِ وَالسُّلُوكِ
إنَّ الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضلَّ له ، ومن يُضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أنَّ محمداً عبده ورسوله ، صلى الله وسلَّم عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين . اللهم علِّمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علَّمتنا وزدنا علماً ، وأصلح لنا شأننا كله ، اللهم اجعل القرآن العظيم ربيع قلوبنا ونور صدورنا وجِلاء أحزاننا وهمومنا وغمومنا ، اللهم علِّمنا منه ما جهلنا ، وذكِّرنا منه ما نُسِّينا ، وارزقنا حُسن تلاوته آناء الليل وأطراف النهار على الوجه الذي يُرضيك عنا .
وبعد أيها الإخوة الكرام : موضوع هذه الليلة موضوعٌ عظيمٌ للغاية لأنه يتعلق بكتاب الله تبارك وتعالى ؛ ذلكم الكتاب العظيم الذي أنزله الله تبارك وتعالى رحمةً للعالمين وهدايةً للبشرية وصلاحاً للناس وجعل فيه سعادتهم وفلاحهم ؛ فمن اتبع هذا الكتاب لا يضل ولا يشقى ، ومن أعرض عن هذا الكتاب فإن له معيشةً ضنكا ، فلا سعادة إلا به ، والشقاء كل الشقاء بالإعراض عنه ، من أعرض عنه شقي ومن أقبل عليه سَعِد، {طه (1) مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى } [طه:1-2] أي : إنما أنزلناه عليك لتسعد وليسعد به كل من وُفِّق لهذا القرآن عنايةً به وفهماً لمعانيه وتحقيقاً لغاياته ومقاصده وتقويةً للصلة بالله تبارك وتعالى من خلال هدايات القرآن المباركة وتوجيهاته العظيمة ، والله جل وعلا يقول : {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا} [الإسراء:9] ؛ فهو كتاب هداية يهدي للتي هي أقوم ويدل للتي هي أرشد ، وكتاب بشارة يبشر المؤمنين؛ بماذا؟ بكل خيرٍ وسعادةٍ وفلاحٍ ورفعةٍ في الدنيا والآخرة . وهذا القرآن فيه كفاية للعباد وصلاحٌ لهم ولهذا قال الله سبحانه وتعالى: {أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ } [العنكبوت:51] أي أن القرآن الكريم فيه الكفاية للعباد في تحقيق سعادتهم وفلاحهم في الدنيا والآخرة . لكن كيف يتحقق للعبد نيل هذه السعادة التي جاء القرآن مشتملاً على تحققها ونيلها لمن كان من أهل القرآن حقاً وصدقاً ؟
ويأتي أيها الإخوة الكرام هذا الموضوع - موضوع هذه الليلة- مذاكرةً حول هذا الموضوع العظيم « أَثَرُ الْقُرْآنِ فِي تَعْزِيزِ الْأَخْلَاقِ وَالسُّلُوكِ » ؛ وهو موضوعٌ واسع وجوانبه عديدة ولا يتسنى ولاسيما لمثلي في مثل هذه الجلسة الإتيان على جوانب هذا الموضوع الذي يتحقق ببيانها هذا المقصد الجليل ، لكن حسبي أن أقف معكم -أيها الإخوة الكرام- وقفات أرجو الله سبحانه وتعالى أن ينفع بها حول «أَثَرُ الْقُرْآنِ فِي تَعْزِيزِ الْأَخْلَاقِ وَالسُّلُوكِ».
وأول ما ينبغي أن نلاحظه في هذا الباب : أن هذا القرآن -أيها الإخوة الكرام- يقوِّي صلة العبد بالله ؛ فهو كتابٌ يُعرِّف العبد بربه وبخالقه ولماذا خلقه ؟ وما الغاية من وجود هذا العبد؟ فيعرِّف العبد بربه العظيم وخالقه الجليل ، يعرِّفه بأسمائه الحسنى وصفاته العليا ، يعرَّفه بعظمته وجلاله وكماله ، يعرِّفه بأنه هو المعبود بحق ولا معبود بحقٍ سواه ، يعرِّفه بوجوب إخلاص الأعمال كلَّها له سبحانه وتعالى والإتيان بها خالصةً لوجهه الكريم ، يعرِّفه بأن الرب سبحانه وتعالى هو الذي يحكم بين عباده وهو الذي يشرع ما يشاء ويحكم ما يريد ، شرع الشرائع وأحكم الأحكام ، لا حُكم إلا لله {إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} [يوسف:40] ، فيعلِّمه القرآن أنه عبدٌ لله ، وليس للعبد إلا أن يطيع سيَّده ويأتمر بأمره وينتهي عن نهيه ويخضع لشرعه ويتأدب بالآداب التي يأمره بها سيده وخالقه ومولاه سبحانه وتعالى .
ويأتي القرآن الكريم في تربية الناس على الأخلاق الفاضلة والآداب الكاملة بأجمع وأشمل ما يكون ترغيباً وترهيبا ؛ ولهذا ترى القرآن الكريم مشتملاً على آيات الترغيب وآيات الترهيب وتأتي مجتمعة ومتفرقة ؛ {نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (49) وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ} [الحجر:49-50] ، تُذكر العقوبة ويُذكر أيضاً الثواب والإنعام والإكرام ؛ ولهذا فإن العبد وهو يقرأ القرآن سواءً في باب تعلم الآداب وتعلُّم الأخلاق أو في عموم مسائل الدين وأموره المتنوعة وفي باب ترك النواهي والمحرمات ونحو ذلك يجد في القرآن آياتٍ مرغبة وآياتٍ أخرى مرهبة ؛ فيحيا مع هذا القرآن بين ترغيب وترهيب ، رغبةٍ ورهبة ، رجاءٍ وخوف ؛ وبهذا يكون التوازن في الأخلاق ، التوازن في التعامل ، التوازن في السلوك ، التوازن في الأمور كلها ، ولهذا قال العلماء رحمهم الله تعالى : إن الرجاء والخوف والرغبة والرهبة في حق السائر إلى الله جل وعلا كالجناحين للطائر لا يستتم طيرانه إلا بجناحيه ، وكذلك السائر إلى الله تبارك وتعالى لا يستتم له سيره إلى الله تبارك وتعالى إلا بهذين الأمرين ؛ الرجاء والخوف ، الرغبة والرهبة . والقرآن الكريم في تربيته للعباد على الأخلاق الفاضلة والآداب الكاملة وزجْره لهم عن سيء الأخلاق ورديئها جاء جامعاً بين هذين الأمرين العظيمين : الرجاء والخوف ، الرغبة والرهبة ؛ ليكون العبد في تمام التوازن وكماله في باب الأخلاق والسلوك .
ثم إنَّ هذا القرآن له تأثيرٌ عظيمٌ على القلوب وله أثرٌ بالغٌ على العباد لمن وفَّقه الله سبحانه وتعالى وأكرمه بأن كان القرآن حياةً لقلبه ، {لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} [الحشر:21] ، وتفكر في هذا المثل الذي يبيِّن لك قوة تأثير القرآن وأنَّ هذا القرآن لو أنزل على جبلٍ لتصدع من خشية الله ، على جبل لكان بهذه الصفة { مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ} إذاً فما بال هذا القلب؟! ما بال هذا القلب تُتلى عليه الآيات ويمر عليه الوعيد ويسمع آيات التخويف والتهديد ولا ينصدع ولا يخاف !! وهذا راجعٌ ولا شك إلى عطبٍ في القلب نفسه ومرضٍ فيه ، وإلا فإن القرآن نفسه تأثيره عظيم للغاية ، فمن لم يتأثر بالقرآن فليفتِّش عن أدواء قلبه وأسقامها وأمراضها وسمومها التي حالت بينه وبين التأثر بالقرآن الكريم.
ثم إنَّ هذا القرآن العظيم المبارك مع ما فيه من قوة في التأثير والأثر على سامعيه - وهذا باب لو طالع المطالع وتأمَّل المتأمل ما حصل للناس من هدايات يرى في هذا الباب عجبا - يرى في الباب عجباً من قوة تأثير القرآن ، كم من إنسانٍ دخل هذا الدين أثَّرت فيه آية واحدة واقرأ التاريخ ، كم من إنسانٍ قويَت صلته بالله بسماع آية من كتاب الله ، كم من إنسانٍ تعدَّلت أخلاقه واستقام سلوكه وحسُنت حاله عندما أكرمه الله سبحانه وتعالى بوقوع الآية في قلبه موقعها الصحيح فكان لها الأثر البالغ والثمرة العظيمة عليه في أخلاقه وسلوكه . ومع هذا التأثير القوي للقرآن جاء جامعاً للهداية كلها في الأخلاق والسلوك والتعاملات ، وقد مر معنا قول الله سبحانه وتعالى: {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ } [الإسراء:9] ؛ للتي هي أقوم : في الأخلاق ، في السلوك ، في الآداب ، في التعاملات ، في العبادات ، في جميع شؤون العباد ، ليس هناك خُلق فاضل ولا أدب كريم ولا معاملة حسنة إلا وجاء القرآن هادياً إليها وداعياً إلى فعلها ، وليس هناك أدبٌ سيء وخُلق رذيل وتعامل فجٌ فظ إلا وجاء هذا القرآن محذِّراً من ذلك أشد التحذير . فالقرآن فيه جماع الأخلاق وسيأتي معنا إشارة إلى جملةٍ من الآيات الجوامع في تهذيب الأخلاق وتأديب النفوس وتربيتها على الآداب الفاضلة والأخلاق الكاملة وتحذيرها من سيء الأخلاق وسفسافها ورديئها .
وتأمل -رعاك الله-في هذا المقام عندما سُئلت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وأرضاها عن خُلق النبي عليه الصلاة والسلام ؛ جاء في المسند وغيره أن سعد ابن هشام قال : سألت أم المؤمنين عائشة عن خُلُق رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت : «كَانَ خُلُقُهُ الْقُرْآنَ أَمَا تَقْرَأُ الْقُرْآنَ قَوْلَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ { وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ } [القلم:4]» فهمَّ رحمه الله تعالى أن يقوم ولا يسألها عن شيء بعد ذلك . ما معنى ذلك ؟ أي أنَّ الذي قالته جاء جامعاً وافياً في بيان هذه المسألة العظيمة ، سألها عن خُلق النبي عليه الصلاة والسلام قالت :«كَانَ خُلُقُهُ الْقُرْآنَ» معنى ذلك : أن حياة النبي عليه الصلاة والسلام في آدابه وفي معاملاته وفي جميع شؤونه ترجمةٌ واقعية لتوجيهات القرآن وتطبيقٌ تام لهدايات القرآن ، فما من خُلق ولا أدب اشتمل عليه القرآن حثاً عليه وترغيباً فيه إلا جاء به نبينا صلوات الله وسلامه عليه على التمام والكمال ، وليس هناك خُلقٌ ذميم حذَّر منه القرآن إلا وكان صلوات الله وسلامه عليه أبعد الناس عنه ، فكان صلى الله عليه وسلم قدوةً للعباد في جميع أبواب الخير ومجالاته {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا } [الأحزاب:21] .
ولهذا أيها الإخوة : من أراد أن يحقق في نفسه هذه الأخلاق العظيمة التي دعا إليها القرآن فلينظر الحياة العملية حياة الرسول الكريم صلوات الله وسلامه عليه في آدابه ، في أخلاقه ، في تعاملاته {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ } [آل عمران:159] ، لينظر في سيرته عليه الصلاة والسلام العطرة وآدابه الكاملة وأخلاقه العظيمة وحياته الشريفة صلوات الله وسلامه عليه ؛ يتفيأ من ظلالها ، ويجني من ثمارها ، ويفيدُ من عبق عطرها وجمال تلك الحياة المباركة التي كان عليها صلوات الله وسلامه وبركاته عليه .
والأخلاق التي جاء القرآن مشتملاً عليها أخلاقٌ متنوعة جامعة شملت كل بابٍ من أبواب الأخلاق وكل مجالٍ من مجالاته ، فما ترك باباً من أبواب الأخلاق ولا مجالاً من مجالاته إلا ودعا العباد إلى أصلح ما يكون في ذلك . انظر ما في القرآن الكريم من آياتٍ تُعلِّم حقوق الوالدين وما ينبغي أن يكون عليه الأبناء من حُسن تعامل مع الآباء والأمهات ، انظر ما في القرآن من آياتٍ فيها الدعوة إلى صلة الأرحام ومراعاة حقوق الأقارب والجيران ، انظر ما في القرآن من آدابٍ تتعلق بالعشرة بين الزوجين ، انظر ما في القرآن من آداب بين العالم والمتعلِّم ، إلى غير ذلك من المجالات الكثيرة والمتنوعة التي تعرِّفك باشتمال القرآن الكريم على الآداب والأخلاق في كل مجالات الحياة وأعطى كل ذي حقٍ حقه ، ودعا رب العالمين عباده إلى الإحسان {وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [البقرة:195] ، دعاهم إلى الإحسان ورغَّبهم فيه سواءً الإحسان في عبادة الخالق سبحانه وتعالى أو في معاملة المخلوقين ، فجاء كتاب الله سبحانه وتعالى شاملاً على جماع الأمور في الأخلاق بجميع مجالاتها وتنوع أبوابها ، وأعظم ما يكون في هذا الجانب -جانب حسن الخلق- صلاح العبد بينه وبين ربه ، لأن الأدب كما أنه يكون في معاملة المخلوقين فإنه يجب أن يكون في أتم صوره وأبهى حُلله في معاملة الخالق رب العالمين ، ولهذا قسَّم العلماء الآداب إلى أقسام ثلاثة :
1. أدب مع الله .
2. وأدب مع رسوله صلى الله عليه وسلم .
3. وأدب مع عباد الله .
ولهذا أعظم ما يكون في باب الخُلق والأدب الأدب مع الله سبحانه وتعالى ؛ إنَّ من يعبد غير الله أو يستغيث بغير الله أو يصرف نوعاً من أنواع العبادة لغير الله ، أو يعطِّل شيئا من أسماء الله ، أو يحرِّف شيئا من صفاته سبحانه وتعالى ، أو يخوض في دينه بغير علم ، أو يقول على الله بلا علم أو نحو ذلك ؛ هذا إنما هو ناشئ عن ضعف الأخلاق أو انعدامها ، أيُّ خُلقٍ عند من خلقه الله ورزقه وتفضل عليه بالنعم ثم يصرف ذله وخضوعه إلى غير خالقه ومولاه سبحانه وتعالى !! أين الأخلاق ؟ أين الأدب؟ .
ولهذا ينبغي أن يُعلم أن الأدب في أعظم أبوابه وأتم مجالاته الأدب مع الله ؛ بتوحيده وإخلاص الدين له ، وإثبات أسمائه الحسنى وصفاته العليا ، والبعد عن القول على الله أو في دين الله تبارك وتعالى بلا علم ، وصيانة اللسان والقلب عن أيِّ أمرٍ فيه سوء ظن برب العالمين أو تنقصٌ لمقام الألوهية أو هضمٌ لما يتعلق بربوبية الله تبارك وتعالى؛ ليحذر من ذلك أشد الحذر لأن هذا هدمٌ للأخلاق .
يتبــــــــــــــــــــــ ـع
التوقــيـــــــــــــــــــــع
- عبد المهيمنعضو فعال
- الجنس : عدد المساهمات : 476 نقاط التميز : 562 تقييم العضو : 13 التسجيل : 25/12/2011 العمر : 46 الإقامة : في ارض الله
تمت المشاركة الجمعة مارس 01, 2013 4:53 pm
وتعجب عندما يتحدث بعض الناس عن الأخلاق والمعاملات فيُيمِّمون شرقاً وغرباً ذاكرين نماذج من تعاملات للكفار يمدحونها ويثنون عليها ويُشيدون بها ، ونسي هؤلاء أن الكافر عديم الأخلاق لأن الكفر بالله تبارك وتعالى هدمٌ للأخلاق ، والكافر منهدم الخُلق ، وما يكون من الكافر من تعاملاتٍ جميلة أو أساليب حسنة في التعامل ليست مبنيةً على ديانة يرجو بها موعود الله وثوابه يوم يلقاه ، أين تلك الأخلاق في الكافر ممن قال الله سبحانه وتعالى عن أخلاقهم: { إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا} [الإنسان:9] ؟! فرقٌ بين صاحب خُلق يأتي بأخلاقه الفاضلة وآدابه الكاملة ومعاملاته الحسنة مع عباد الله لا يرجو بذلك إلا وجه الله ولا يطمع في فعل ذلك إلا نيل ثواب الله سبحانه وتعالى ، وبين من يأتي بهذه المعاملات لمصالح دنيوية ومقاصد دنيئة وإذا انقضت مصالحه ذهبت أخلاقه ؛ فأين الخُلق ؟!
ولهذا قال العلماء رحمهم الله في قوله تعالى { وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ } [القلم:4] : « الخُلق : الدين كله» ، وهذا نُقل عن ابن عباس رضي الله عنهما وعن غيره من المفسِّرين ، فالخُلق هو الدين كله ، ولهذا إذا وجد الكفر بالله سبحانه وتعالى فإن الأخلاق منهدمة ، وما وُجد عند الكافر من تعاملاتٍ لطيفة أو أساليب جميلة لا تنفعه عند الله ولا تفيده يوم يلقى الله سبحانه وتعالى ؛ لماذا؟ لأنه ما قام بهذه الأخلاق يرجو بها شيئاً عند الله ، ولا قام في قلبه يوماً ما أن لا ينال خزياً يوم يبعثون ، يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم ، وإنما كانت أخلاقه تقع منه لمطامع دنيوية انتهت تلك المطامع بموته ومفارقته للحياة ؛ فلا يجد شيئاً على تلك الأخلاق يوم يلقى الله كما قال الله تعالى: {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا } [الفرقان:23] ، وقال تعالى: {وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ } [التوبة:54] ، وقال تعالى: {وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [المائدة:5] . [عن عائشة قالت قلت : يا رسول الله ان عبد الله بن جدعان كان في الجاهلية يقري الضيف ويفك العاني ويصل الرحم ويحسن الجوار فأثنيت عليه فهل ينفعه ذلك قال رسول الله صلى الله عليه و سلم لا إنه لم يقل يوما قط اللهم اغفر لي يوم الدين رواه أحمد]
أيها الإخوة الكرام : إنَّ أعظم ما ينبغي أن يُعنى به في باب الأخلاق إصلاح القلب والعمل على تزكيته ، والقرآن الكريم جاء بهدايات عظيمة ومباركة في هذا الباب - باب تزكية القلب وإصلاحه- ، والقلب هو الأصل إذا صلح تبعه البدن وإذا فسد تبعه البدن ، فالبدن يتبع القلب صلاحاً أو فسادا كما قال نبينا صلوات الله وسلامه وبركاته عليه : ((أَلاَ وَإِنَّ فِي الجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الجَسَدُ كُلُّهُ ، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الجَسَدُ كُلُّهُ؛ أَلاَ وَهِيَ القَلْبُ)) ، فالقلب هو الأساس ، القلب أساس الأخلاق ، القلب معدن الفضائل ، القلب منبع الكمالات ، القلب رائد الخيرات ؛ ولهذا فإن ظاهر الإنسان كما أنه مطلوبٌ منه أن يتحلى بأخلاق فاضلة فإن باطن الإنسان الذي هو قلبه وسره ينبغي أن يتحلى بأخلاقٍ فاضلة جاء القرآن يربي العباد عليها .
وأيضاً عَوْداً لما سبق : فرقٌ بين من يتحلى بأخلاقٍ فاضلة في ظاهره وقلبه خرابٌ تباب ، وبين من استوى سره وظاهره -قلبه وعلانيته- بالتأدب بالآداب الفاضلة والأخلاق الكاملة طلباً لرضا الله سبحانه وتعالى . ولهذا يأتي في الدرجة الأولى والأساس في هذا الباب العظيم التحلي بالأخلاق والتزكي بالآداب الفاضلة : إصلاح القلب أولاً والعمل على تزكيته وتنقيته وإبعاده عن كل ما يشين وكل ما يقبُح . وإذا تحلى القلب بالآداب الفاضلة : الحياء ، الصدق ، التوكل ، والبعد أيضاً عن الأخلاق السيئة والذميمة وما يكون في القلوب من أسقام وسخائم وأمراض ، إذا أكرم الله سبحانه وتعالى هذا القلب بالصلاح والزكاء الجوارح كلها تتبعه صلاحاً ، ولهذا تبدأ الحياة الحقيقية في الأخلاق والآداب من القلب ومنه تنبُع ، فإذا تحلى هذا القلب بالخُلق والأدب الجوارح تبعته في ذلك ، ولا يكون الأدب الذي يظهر على الجوارح أمراً يتصنَّعه العبد وإنما يكون أمراً نابعاً من قلبه ، والله سبحانه وتعالى يقول : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ } [الأنفال:24] ، فإذا وُجدت الحياة في القلب حي البدن وإذا مات القلب مات البدن ، ولهذا يأتي كما قدمت في الدرجة الأولى في باب الأخلاق إصلاح القلب بالأخلاق الفاضلة والآداب الكاملة . وانظر رعاك الله ما بين الحياء والحياة من تلازم وتطابق وأن الحياة الحقيقية لا تكون في القلب إلا إذا كان فيه الحياء ، والحياء شعبة من شعب الإيمان و «إِنَّ مِمَّا أَدْرَكَ النَّاسُ مِنْ كَلاَمِ النُّبُوَّةِ: إِذَا لَمْ تَسْتَحْيِ فَاصْنَعْ مَا شِئْتَ» ، فإذا كان القلب عديم الحياء أين الأخلاق ؟ أين الآداب ؟ بل يكون والعياذ بالله متمرداً . ترى في الناس من نشأ بين أبوين كريمين أحسنا في تربيته وفي معاملته وفي تأديبه وفي الإحسان إليه فإذا شبَّ عوده وقوي عظمه تمرد على والديه وعاملهما أسوأ معاملة ؛ لماذا ؟ لأنه عديم الحياء ، لو كان في القلب حياءٌ لكان فيه حياة ولسرى ذلك في بدنه كله ولظهر على لسانه وعلى أقواله وعلى أعماله .
ولهذا الحياة الحقيقية إنما تكون بإصلاح القلب أولاً أن يحيا بالإيمان بطاعة الرحمن جل وعلا فيتبعه البدن في ذلك، قال الله تعالى : {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ (16) اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} [الحديد:16-17] أي : كما أن الله سبحانه وتعالى يحيي الأرض الميتة بالماء فإنه سبحانه وتعالى يحيي القلوب الميتة بالوحي ، في هذا المقام يقول الإمام مالك رحمه الله تعالى: « يَا حَمَلَةَ الْقُرْآنِ مَاذَا زَرْعَ الْقُرْآنُ فِي قُلُوبِكُمْ ؟ فَإِنَّ الْقُرْآنَ رَبِيعُ الْمُؤْمِنِ كَمَا أَنَّ الْغَيْثَ رَبِيعُ الْأَرْضِ» ؛ ماذا زرع القرآن في قلوبكم لأن القرآن فعلاً إذا زرع في القلب أخلاقاً فاضلة وآداباً كاملة وزكاءً وصلاحاً أنبت من كل زوج بهيج وكلِّ خُلق فاضل وازدان البدن بذلك القلب الزكي الذي كان فيه أثر القرآن تأديباً له وتزكيةً له وتطهيراً له من الأدران والأسقام . ولهذا فالقرآن شفاء للقلوب من أسقامها وأدوائها {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ } [الإسراء:82] ، { قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ } [فصلت:44] ، {وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ } [يونس:57] فالقرآن يداوي القلوب ، يعالج النفوس ، فيه طبٌّ لأمراضها وأسقامها لمن أكرمه الله سبحانه وتعالى بحُسن الاستشفاء بالقرآن وحُسن الانتفاع به .
أيها الإخوة الكرام : ينبغي أن نعلم والحديث ماضياً عن هدايات القرآن وآثاره العظيمة المباركة في التزكية والأخلاق والسلوك أن نعلم أمراً عظيماً دل عليه القرآن ألا وهو : أنَّ الأخلاق هبةٌ إلهية ومنَّة ربانية ، وأن القلوب بيد خالقها وطوع مدبِّرها ، ومن أدعية القرآن العظيمة: {رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ} [آل عمران:8] ، ولهذا قال بعض السلف : « إن هذه الأخلاق وهائب ؛ فإذا أحب الله عبده وهبه منها» ، وقد قال الله تعالى : {وَأَنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} [الحديد:29] ، قال الله تعالى : {وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا } [النساء:83] ، وقال : {وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ } [النور:21] ، وقال سبحانه وتعالى : {وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ (7) فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَنِعْمَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [الحجرات:7-8] ؛ ولهذا أقبِل على الله بصدق وألحَّ عليه بالدعاء ، وفي القرآن أن من دعا الله أجابه ومن سأله أعطاه ، وأنه سبحانه وتعالى لا يخيِّب عبداً دعاه ولا يرد مؤمناً ناجاه كما قال سبحانه وتعالى : {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} [البقرة:186] ، وقال الله تعالى : {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ } [غافر:60] ، إلى غير ذلكم من الآيات . ولهذا ينبغي على المسلم أن يكثر من الضراعة والسؤال .
ومن الأدعية المأثورة عن نبينا عليه الصلاة والسلام : (( اللهم اهْدِنِي لِأَحْسَنِ الْأَخْلَاقِ لَا يَهْدِي لِأَحْسَنِهَا إِلَّا أَنْتَ ، وَاصْرِفْ عَنِّي سَيِّئَهَا لَا يَصْرِفُ عَنِّي سَيِّئَهَا إِلَّا أَنْتَ)) ، ومن الأدعية المأثورة عنه عليه الصلاة والسلام ((اللهُمَّ كَمَا حَسَّنْتَ خَلْقِي فَحَسِّنْ خُلُقِي)) دون تقييد له بالنظر في المرآة ، وهو من الدعوات المطلقة . وكذلكم ((اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ مُنْكَرَاتِ الأَخْلَاقِ وَالأَعْمَالِ وَالأَهْوَاءِ)) ؛ فيحتاج العبد فعلاً في هذا المقام أن يكثر من الدعاء والسؤال والإقبال على الله تبارك وتعالى .
تدبر القرآن عونٌ للعبد على تحقق التأثر بالقرآن ؛ ولهذا جاء في القرآن الكريم آياتٌ عديدة حثٌ على تدبر القرآن وأن المتدبر لكتاب الله عز وجل المتأمل لمعانيه ودلالاته هو الذي ينتفع به كما قال الله سبحانه وتعالى : {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ} [ص:29] ، وقال جل وعلا : {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا } [النساء:82] ، وقال تعالى : {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا } [محمد:24] ، وبيَّن جل وعلا أن عدم تدبر القرآن من أعظم أسباب الهلاك والنكوص على العقبين { قَدْ كَانَتْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ تَنْكِصُونَ (66) مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ سَامِرًا تَهْجُرُونَ (67) أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ } [المؤمنون:66-68] أي لو أنهم تدبروا القول وهو كلام الله سبحانه وتعالى لصلحت قلوبهم وزكت نفوسهم وسلِموا من الهلاك .
ولهذا ينبغي على قارئ القرآن إذا قرأ القرآن أن يكون مهتماً بالانتفاع بالقرآن والارتفاع بالقرآن والاهتداء بهدايات القرآن ، لا يكن همُّه متى أختم الآية أو متى أختم السورة أو متى أختم المصحف ، وليكن همُّه كيف أنتفع بالقرآن؟ كيف أهتدي بهدايات القرآن؟ .
إن بعض الناس قد يقرأ آيةً فيتقنها ويجيد مخارجها ويتقن تجويدها وتلاوتها وحفظها لكنه في الناحية العملية ليس من أهلها !! فلا يكون من أهل القرآن إلا بفهمه والعمل به ، أرأيتم لو أن شخصاً حفظ قول الله تعالى : {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا (23) وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا } [الإسراء:23-24] لو حفظها حفظاً متقناً وأجاد ترتيلها وتجويدها لكنه في بيته يعامل والديه بالعقوق وكثيراً ما يقول لهما أف ؛ أيكون بمجرد حفظه المتقن لهذه الآية من أهلها ؟ لا والله . ولهذا قد يكون آخر لا يحفظ هذه الآية ولو قيل له اقرأها لم يحسن قراءتها ويكون من أهلها لأنه يعمل بها براً بالوالدين .
يتبــــــــــــــــــــع
ولهذا قال العلماء رحمهم الله في قوله تعالى { وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ } [القلم:4] : « الخُلق : الدين كله» ، وهذا نُقل عن ابن عباس رضي الله عنهما وعن غيره من المفسِّرين ، فالخُلق هو الدين كله ، ولهذا إذا وجد الكفر بالله سبحانه وتعالى فإن الأخلاق منهدمة ، وما وُجد عند الكافر من تعاملاتٍ لطيفة أو أساليب جميلة لا تنفعه عند الله ولا تفيده يوم يلقى الله سبحانه وتعالى ؛ لماذا؟ لأنه ما قام بهذه الأخلاق يرجو بها شيئاً عند الله ، ولا قام في قلبه يوماً ما أن لا ينال خزياً يوم يبعثون ، يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم ، وإنما كانت أخلاقه تقع منه لمطامع دنيوية انتهت تلك المطامع بموته ومفارقته للحياة ؛ فلا يجد شيئاً على تلك الأخلاق يوم يلقى الله كما قال الله تعالى: {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا } [الفرقان:23] ، وقال تعالى: {وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ } [التوبة:54] ، وقال تعالى: {وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [المائدة:5] . [عن عائشة قالت قلت : يا رسول الله ان عبد الله بن جدعان كان في الجاهلية يقري الضيف ويفك العاني ويصل الرحم ويحسن الجوار فأثنيت عليه فهل ينفعه ذلك قال رسول الله صلى الله عليه و سلم لا إنه لم يقل يوما قط اللهم اغفر لي يوم الدين رواه أحمد]
أيها الإخوة الكرام : إنَّ أعظم ما ينبغي أن يُعنى به في باب الأخلاق إصلاح القلب والعمل على تزكيته ، والقرآن الكريم جاء بهدايات عظيمة ومباركة في هذا الباب - باب تزكية القلب وإصلاحه- ، والقلب هو الأصل إذا صلح تبعه البدن وإذا فسد تبعه البدن ، فالبدن يتبع القلب صلاحاً أو فسادا كما قال نبينا صلوات الله وسلامه وبركاته عليه : ((أَلاَ وَإِنَّ فِي الجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الجَسَدُ كُلُّهُ ، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الجَسَدُ كُلُّهُ؛ أَلاَ وَهِيَ القَلْبُ)) ، فالقلب هو الأساس ، القلب أساس الأخلاق ، القلب معدن الفضائل ، القلب منبع الكمالات ، القلب رائد الخيرات ؛ ولهذا فإن ظاهر الإنسان كما أنه مطلوبٌ منه أن يتحلى بأخلاق فاضلة فإن باطن الإنسان الذي هو قلبه وسره ينبغي أن يتحلى بأخلاقٍ فاضلة جاء القرآن يربي العباد عليها .
وأيضاً عَوْداً لما سبق : فرقٌ بين من يتحلى بأخلاقٍ فاضلة في ظاهره وقلبه خرابٌ تباب ، وبين من استوى سره وظاهره -قلبه وعلانيته- بالتأدب بالآداب الفاضلة والأخلاق الكاملة طلباً لرضا الله سبحانه وتعالى . ولهذا يأتي في الدرجة الأولى والأساس في هذا الباب العظيم التحلي بالأخلاق والتزكي بالآداب الفاضلة : إصلاح القلب أولاً والعمل على تزكيته وتنقيته وإبعاده عن كل ما يشين وكل ما يقبُح . وإذا تحلى القلب بالآداب الفاضلة : الحياء ، الصدق ، التوكل ، والبعد أيضاً عن الأخلاق السيئة والذميمة وما يكون في القلوب من أسقام وسخائم وأمراض ، إذا أكرم الله سبحانه وتعالى هذا القلب بالصلاح والزكاء الجوارح كلها تتبعه صلاحاً ، ولهذا تبدأ الحياة الحقيقية في الأخلاق والآداب من القلب ومنه تنبُع ، فإذا تحلى هذا القلب بالخُلق والأدب الجوارح تبعته في ذلك ، ولا يكون الأدب الذي يظهر على الجوارح أمراً يتصنَّعه العبد وإنما يكون أمراً نابعاً من قلبه ، والله سبحانه وتعالى يقول : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ } [الأنفال:24] ، فإذا وُجدت الحياة في القلب حي البدن وإذا مات القلب مات البدن ، ولهذا يأتي كما قدمت في الدرجة الأولى في باب الأخلاق إصلاح القلب بالأخلاق الفاضلة والآداب الكاملة . وانظر رعاك الله ما بين الحياء والحياة من تلازم وتطابق وأن الحياة الحقيقية لا تكون في القلب إلا إذا كان فيه الحياء ، والحياء شعبة من شعب الإيمان و «إِنَّ مِمَّا أَدْرَكَ النَّاسُ مِنْ كَلاَمِ النُّبُوَّةِ: إِذَا لَمْ تَسْتَحْيِ فَاصْنَعْ مَا شِئْتَ» ، فإذا كان القلب عديم الحياء أين الأخلاق ؟ أين الآداب ؟ بل يكون والعياذ بالله متمرداً . ترى في الناس من نشأ بين أبوين كريمين أحسنا في تربيته وفي معاملته وفي تأديبه وفي الإحسان إليه فإذا شبَّ عوده وقوي عظمه تمرد على والديه وعاملهما أسوأ معاملة ؛ لماذا ؟ لأنه عديم الحياء ، لو كان في القلب حياءٌ لكان فيه حياة ولسرى ذلك في بدنه كله ولظهر على لسانه وعلى أقواله وعلى أعماله .
ولهذا الحياة الحقيقية إنما تكون بإصلاح القلب أولاً أن يحيا بالإيمان بطاعة الرحمن جل وعلا فيتبعه البدن في ذلك، قال الله تعالى : {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ (16) اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} [الحديد:16-17] أي : كما أن الله سبحانه وتعالى يحيي الأرض الميتة بالماء فإنه سبحانه وتعالى يحيي القلوب الميتة بالوحي ، في هذا المقام يقول الإمام مالك رحمه الله تعالى: « يَا حَمَلَةَ الْقُرْآنِ مَاذَا زَرْعَ الْقُرْآنُ فِي قُلُوبِكُمْ ؟ فَإِنَّ الْقُرْآنَ رَبِيعُ الْمُؤْمِنِ كَمَا أَنَّ الْغَيْثَ رَبِيعُ الْأَرْضِ» ؛ ماذا زرع القرآن في قلوبكم لأن القرآن فعلاً إذا زرع في القلب أخلاقاً فاضلة وآداباً كاملة وزكاءً وصلاحاً أنبت من كل زوج بهيج وكلِّ خُلق فاضل وازدان البدن بذلك القلب الزكي الذي كان فيه أثر القرآن تأديباً له وتزكيةً له وتطهيراً له من الأدران والأسقام . ولهذا فالقرآن شفاء للقلوب من أسقامها وأدوائها {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ } [الإسراء:82] ، { قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ } [فصلت:44] ، {وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ } [يونس:57] فالقرآن يداوي القلوب ، يعالج النفوس ، فيه طبٌّ لأمراضها وأسقامها لمن أكرمه الله سبحانه وتعالى بحُسن الاستشفاء بالقرآن وحُسن الانتفاع به .
أيها الإخوة الكرام : ينبغي أن نعلم والحديث ماضياً عن هدايات القرآن وآثاره العظيمة المباركة في التزكية والأخلاق والسلوك أن نعلم أمراً عظيماً دل عليه القرآن ألا وهو : أنَّ الأخلاق هبةٌ إلهية ومنَّة ربانية ، وأن القلوب بيد خالقها وطوع مدبِّرها ، ومن أدعية القرآن العظيمة: {رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ} [آل عمران:8] ، ولهذا قال بعض السلف : « إن هذه الأخلاق وهائب ؛ فإذا أحب الله عبده وهبه منها» ، وقد قال الله تعالى : {وَأَنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} [الحديد:29] ، قال الله تعالى : {وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا } [النساء:83] ، وقال : {وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ } [النور:21] ، وقال سبحانه وتعالى : {وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ (7) فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَنِعْمَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [الحجرات:7-8] ؛ ولهذا أقبِل على الله بصدق وألحَّ عليه بالدعاء ، وفي القرآن أن من دعا الله أجابه ومن سأله أعطاه ، وأنه سبحانه وتعالى لا يخيِّب عبداً دعاه ولا يرد مؤمناً ناجاه كما قال سبحانه وتعالى : {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} [البقرة:186] ، وقال الله تعالى : {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ } [غافر:60] ، إلى غير ذلكم من الآيات . ولهذا ينبغي على المسلم أن يكثر من الضراعة والسؤال .
ومن الأدعية المأثورة عن نبينا عليه الصلاة والسلام : (( اللهم اهْدِنِي لِأَحْسَنِ الْأَخْلَاقِ لَا يَهْدِي لِأَحْسَنِهَا إِلَّا أَنْتَ ، وَاصْرِفْ عَنِّي سَيِّئَهَا لَا يَصْرِفُ عَنِّي سَيِّئَهَا إِلَّا أَنْتَ)) ، ومن الأدعية المأثورة عنه عليه الصلاة والسلام ((اللهُمَّ كَمَا حَسَّنْتَ خَلْقِي فَحَسِّنْ خُلُقِي)) دون تقييد له بالنظر في المرآة ، وهو من الدعوات المطلقة . وكذلكم ((اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ مُنْكَرَاتِ الأَخْلَاقِ وَالأَعْمَالِ وَالأَهْوَاءِ)) ؛ فيحتاج العبد فعلاً في هذا المقام أن يكثر من الدعاء والسؤال والإقبال على الله تبارك وتعالى .
تدبر القرآن عونٌ للعبد على تحقق التأثر بالقرآن ؛ ولهذا جاء في القرآن الكريم آياتٌ عديدة حثٌ على تدبر القرآن وأن المتدبر لكتاب الله عز وجل المتأمل لمعانيه ودلالاته هو الذي ينتفع به كما قال الله سبحانه وتعالى : {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ} [ص:29] ، وقال جل وعلا : {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا } [النساء:82] ، وقال تعالى : {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا } [محمد:24] ، وبيَّن جل وعلا أن عدم تدبر القرآن من أعظم أسباب الهلاك والنكوص على العقبين { قَدْ كَانَتْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ تَنْكِصُونَ (66) مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ سَامِرًا تَهْجُرُونَ (67) أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ } [المؤمنون:66-68] أي لو أنهم تدبروا القول وهو كلام الله سبحانه وتعالى لصلحت قلوبهم وزكت نفوسهم وسلِموا من الهلاك .
ولهذا ينبغي على قارئ القرآن إذا قرأ القرآن أن يكون مهتماً بالانتفاع بالقرآن والارتفاع بالقرآن والاهتداء بهدايات القرآن ، لا يكن همُّه متى أختم الآية أو متى أختم السورة أو متى أختم المصحف ، وليكن همُّه كيف أنتفع بالقرآن؟ كيف أهتدي بهدايات القرآن؟ .
إن بعض الناس قد يقرأ آيةً فيتقنها ويجيد مخارجها ويتقن تجويدها وتلاوتها وحفظها لكنه في الناحية العملية ليس من أهلها !! فلا يكون من أهل القرآن إلا بفهمه والعمل به ، أرأيتم لو أن شخصاً حفظ قول الله تعالى : {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا (23) وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا } [الإسراء:23-24] لو حفظها حفظاً متقناً وأجاد ترتيلها وتجويدها لكنه في بيته يعامل والديه بالعقوق وكثيراً ما يقول لهما أف ؛ أيكون بمجرد حفظه المتقن لهذه الآية من أهلها ؟ لا والله . ولهذا قد يكون آخر لا يحفظ هذه الآية ولو قيل له اقرأها لم يحسن قراءتها ويكون من أهلها لأنه يعمل بها براً بالوالدين .
يتبــــــــــــــــــــع
التوقــيـــــــــــــــــــــع
- عبد المهيمنعضو فعال
- الجنس : عدد المساهمات : 476 نقاط التميز : 562 تقييم العضو : 13 التسجيل : 25/12/2011 العمر : 46 الإقامة : في ارض الله
تمت المشاركة الجمعة مارس 01, 2013 4:53 pm
والقرآن أُنزل ليعمل به كما قال الحسن البصري رحمه الله : « أُنزل القرآن ليعمل به فاتخذ الناس قراءته عملا» ، القرآن أنزل ليعمل به ، ليُتأدب بآدابه ، ليُتخلَّق بالأخلاق التي دعا إليها ، ليتربى العبد على هذه المائدة المباركة ، أما أن يكون حظه من القرآن مجرد تلاوة مجرد قراءة مجرد حفظ دون فهمٍ للمعاني ودون عملٍ بالمقاصد والدلالات لا يكون بذلك من أهل القرآن ، ولهذا يحتاج العبد في هذا المقام إلى عناية عظيمة بتدبر القرآن وتأمل معانيه ليتحقق له فعلاً الانتفاع بالقرآن . وتأمل معي في هذا الباب قول الله سبحانه وتعالى : {قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ } [المائدة:15] من ينتفع به ؟ من الذي يتحقق له الانتفاع بهذا الكتاب بهذا النور بهذا الضياء بهذا المبين لكل خيرٍ وفلاح وسعاة في الدنيا والآخرة ؟ من هو الذي ينتفع ؟ أكُلُّ أحدٍ ينتفع؟ {قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ (15) يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ} [المائدة:15-16] ، ليس كل أحدٍ يتحقق له الانتفاع ، وإنما الذي ينتفع هو الذي يتَّبع رضوان الله ، أي : يقرأ القرآن وهو يطلب رضوانه الله ، يقرأ القرآن وهو يعمل على تحقيق مرضاة الله ، يقرأ القرآن وهو يسعى للفوز برضا الله سبحانه وتعالى ، يقرأه متبعاً لمرضاة الله عاملاً على نيل مرضاة الله . ورضا الله سبحانه وتعالى لا ينال بمجرد قراءة حروف القرآن مع هجر القرآن في التدبر لمعانيه وهجر القرآن في العمل بما دل عليه . ولهذا جاء في الحديث في صحيح مسلم أن نبينا صلوات الله وسلامه عليه قال : ((إِنَّ اللهَ يَرْفَعُ بِهَذَا الْكِتَابِ أَقْوَامًا وَيَضَعُ بِهِ آخَرِينَ)) يعني هذا يقرأ القرآن وهذا يقرأ القرآن ، وهذا يرفعه الله بالقرآن وهذا يضعه الله بالقرآن ؛ ((إِنَّ اللهَ يَرْفَعُ بِهَذَا الْكِتَابِ أَقْوَامًا وَيَضَعُ بِهِ آخَرِينَ)) كيف يكون ذلك ؟ وهذا يبين لك تفاوت الناس مع هذا الكتاب كما قال في الحديث الآخر وكلاهما في صحيح مسلم : ((الْقُرْآنُ حُجَّةٌ لَكَ أَوْ عَلَيْكَ)) أي إن عملت به كان حجةً لك ، وإن لم تعمل به كان حجة عليك ، ولهذا قال بعض السلف أخذاً من هذين الحديثين : «ما جلس أحدٌ على هذا القرآن إلا قام منه إما بزيادة أو بنقصان» بزيادة إن عمل به ، وبنقصان إن هجر القرآن وهجر العمل بالقرآن وهجر ما دعاه إليه القرآن الكريم من هدايات مباركة وتوجيهات عظيمة . ولهذا جاء رجل إلى ابن مسعود رضي الله عنه يطلب الوصية قال أوصني ، قال : «إِذَا سَمِعْتَ اللَّهَ يَقُولُ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} فَأَرْعِهَا سَمْعَكَ؛ فَإِنَّهُ إِمَّا خَيْرٌ تُؤْمَرُ بِهِ، أَوْ شَرٌّ تُنْهَى عَنْهُ» .
أذكر -والكلام هذا له أكثر من خمس وعشرين سنة- كنت أدرِّس في المرحلة المتوسطة فجاءني طالب وبيده أوراق تبلغ الثلاثمائة ورقة مكتوب عليها : (الأوامر والنواهي في القرآن) وقدَّمها لي -طالب في الأولى متوسط أو الثانية متوسط- قلت ما هذا ؟ قال : هذه الأوامر في القرآن والنواهي جمعتها ، فقلت له مرحلة التأليف ليست الآن ، قال : "أنا لا أؤلف ، أنا أحفظ القرآن وأجد أن الله يأمرني فيه بأوامر وينهاني عن النواهي فأردت أن أفقه ما يأمرني الله سبحانه وتعالى به وما ينهاني عنه ؛ فأخذت أجمع كل أمر يمر عليَّ في القرآن وكل نهي وأرجع إلى كلام الإمام ابن سعدي في تفسيره والإمام ابن كثير في تفسيره وأنقل كلامهم لأتفقه في ذلك ، وأريد أن تصحح لي هذه الطريقة" . فيقول ابن مسعود « إِذَا سَمِعْتَ اللَّهَ يَقُولُ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} فَأَرْعِهَا سَمْعَكَ؛ فَإِنَّهُ إِمَّا خَيْرٌ تُؤْمَرُ بِهِ، أَوْ شَرٌّ تُنْهَى عَنْهُ» أما إذا كان يمر العبد على {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا}مشتملةً على أمرٍ أو مشتملة على نهي ويمضي وكأنَّ هذا لا يعنيه !! ولا يقف ليعرف ماذا الذي أمره الله به وهل قام به وهل فعله ؟ وما هذا الذي نهاه الله عنه وهل تركه واجتنبه ؟ يحاسب نفسه في ضوء هدايات القرآن . ولهذا يقول ابن القيم رحمه الله تعالى في وصيةٍ له نافعة من أجل الانتفاع بالقرآن ؛ كيف تنتفع بالقرآن ؟ يقول رحمه الله : « إذا أردت الانتفاع بالقرآن فاجمع قلبك عند تلاوته وسماعه , وألقِ سمعك , واحضُر حضور من يخاطبه به من تكلّم به سبحانه منه إليه » ، ولهذا يقول الله سبحانه وتعالى : { إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ} [ق:37] ، فمن كانت هذه حاله مع كتاب الله سبحانه وتعالى فإنه ينتفع فعلاً ويستفيد وتؤثر فيه هدايات القرآن الكريم ، يقول رحمه الله : « إذا أردت الانتفاع بالقرآن فاجمع قلبك عند تلاوته وسماعه, والق سمعك , واحضر حضور من يخاطبه به من تكلّم به سبحانه منه إليه » .
أحد العلماء أراد أن يوضح هذا المعنى وقال : لو قدِّر أن إنساناً جاءه خطاب بلُغة لا يُحسنها من ملِك من ملوك الدنيا أو رجل من العظماء في هذه الحياة الدنيا والكبار موجَّه إليه ، وصله الخطاب قيل له : هذا خطاب وصلك من فلان ماذا يصنع به ؟ أترون أنه يلقيه جانباً ولا يبالي ؟ أو أنه يبحث عمن يترجم له هذا الخطاب ومن يبين له مفاد هذا الخطاب ؟ والقرآن وحي من رب العالمين ، والفرق بين كلام الله وكلام خلقه كالفرق بين الله وبين المخلوقين ؛ ولهذا ينبغي على العبد أن يستشعر هذا المعنى وأن يستشعر أن هذا القرآن هدايات للبشر في صلاح أحوالهم في صلاح أمورهم في صلاح شؤونهم في تهذيبهم تأديبهم تربيتهم على الأخلاق الفاضلة والآداب الكاملة ثم يجاهد نفسه على تحقيق ذلك والتحلي به والتأدب بآداب القرآن الكريم .
وأختم هذا الحديث حول هذا الموضوع -وأشرت في مقدِّمته إلى أنه موضوع واسع- بذِكر بعض الآيات الجوامع للآداب والأخلاق ، وكنت أيضاً أرغب في الحديث ببعض البسط في معاني بعض هذه الآيات ولكن يبدو أن الوقت ضاق علينا لكنني أذكرها للإخوة الكرام ، وليكن هذا اللقاء دعوةً إلى تدبر هذه الآيات وامتداداً لهذا الحديث تُراجع كتب التفسير ولاسيما تفسير الإمام ابن كثير والإمام ابن سعدي وغيرهما من التفاسير المعتمدة .
من الآيات الجوامع في باب الآداب والأخلاق قول الله سبحانه : {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ } [النحل:90] .
قول الله سبحانه وتعالى : {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} [الأعراف:199] ، واقرأ كلام الإمام بن سعدي رحمه الله تعالى عن هذه الآية ودلالاتها في كتابه التفسير ، وأيضا في كتابه الرياض الناضرة .
وقول الله سبحانه : {وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ (34) وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ } [فصلت:34-35] .
قول الله سبحانه وتعالى : {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا } [الإسراء:23] إلى تمامها .
وقول الله سبحانه وتعالى : {وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ } [الإسراء:53] .
وقول الله سبحانه وتعالى: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ} [الشورى:40] .
وليقرأ في هذا الباب وصايا لقمان الحكيم لابنه . وليقرأ غير ذلك من الآيات والهدايات في كتاب رب العالمين.
وأسأل الله العظيم رب العرش العظيم بأسمائه الحسنى وصفاته العليا وبأنه الله الذي لا إله إلا هو الذي وسع كل شيء رحمةً وعلما أن يجعل القرآن العظيم ربيع قلوبنا وصلاح نفوسنا وهدايةً لنا وزكاءً ورفعة ، وأن يجعلنا بمنِّه وكرمه وفضله من أهل القرآن الذين هم أهل الله وخاصته ، وأسأله تبارك وتعالى أن يصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا ، وأن يصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا ، وأن يصلح لنا آخرتنا التي فيها معادنا ، وأن يجعل الحياة زيادةً لنا في كل خير والموت راحةً لنا من كل شر . اللهم اهدنا لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت ، واصرف عنا سيئها لا يصرف عنا سيئها إلا أنت ، اللهم إنا نعوذ بك من منكرات الأخلاق والأهواء والأدواء ، اللهم آت نفوسنا تقواها وزكها أنت خير من زكاها أنت وليها ومولاها . اللهم أعِنَّا ولا تُعن علينا ، وانصرنا ولا تنصر علينا ، وامكر لنا ولا تمكر علينا ، واهنا ويسِّر الهدى لنا ، وانصرنا على من بغى علينا ، اللهم اجعلنا لك ذاكرين لك شاكرين ، إليك أواهين إليك منيبين ، لك مخبتين لك مطيعين ، اللهم تقبَّل توبتنا ، واغسل حوبتنا ، وثبِّت حجتنا ، واهد قلوبنا وسدِّد ألسنتنا ، واسلل سخيمة صدورنا ، اللهم اقسم لنا من خشيتك ما يحول بيننا وبين معاصيك ، ومن طاعتك ما تبلغنا به جنتك ، ومن اليقين ما تهوِّن به علينا مصائب الدنيا ، اللهم متعنا بأسماعنا وأبصارنا وقوتنا ما أحييتنا واجعله الوارث منا ، واجعل ثأرنا على من ظلمنا ، وانصرنا على من عادانا ، ولا تجعل مصيبتنا في ديننا ، ولا تجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا ، ولا تسلِّط علينا من لا يرحمنا .
سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك .
اللهم صلِّ وسلِّم على عبدك ورسولك نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين .
أذكر -والكلام هذا له أكثر من خمس وعشرين سنة- كنت أدرِّس في المرحلة المتوسطة فجاءني طالب وبيده أوراق تبلغ الثلاثمائة ورقة مكتوب عليها : (الأوامر والنواهي في القرآن) وقدَّمها لي -طالب في الأولى متوسط أو الثانية متوسط- قلت ما هذا ؟ قال : هذه الأوامر في القرآن والنواهي جمعتها ، فقلت له مرحلة التأليف ليست الآن ، قال : "أنا لا أؤلف ، أنا أحفظ القرآن وأجد أن الله يأمرني فيه بأوامر وينهاني عن النواهي فأردت أن أفقه ما يأمرني الله سبحانه وتعالى به وما ينهاني عنه ؛ فأخذت أجمع كل أمر يمر عليَّ في القرآن وكل نهي وأرجع إلى كلام الإمام ابن سعدي في تفسيره والإمام ابن كثير في تفسيره وأنقل كلامهم لأتفقه في ذلك ، وأريد أن تصحح لي هذه الطريقة" . فيقول ابن مسعود « إِذَا سَمِعْتَ اللَّهَ يَقُولُ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} فَأَرْعِهَا سَمْعَكَ؛ فَإِنَّهُ إِمَّا خَيْرٌ تُؤْمَرُ بِهِ، أَوْ شَرٌّ تُنْهَى عَنْهُ» أما إذا كان يمر العبد على {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا}مشتملةً على أمرٍ أو مشتملة على نهي ويمضي وكأنَّ هذا لا يعنيه !! ولا يقف ليعرف ماذا الذي أمره الله به وهل قام به وهل فعله ؟ وما هذا الذي نهاه الله عنه وهل تركه واجتنبه ؟ يحاسب نفسه في ضوء هدايات القرآن . ولهذا يقول ابن القيم رحمه الله تعالى في وصيةٍ له نافعة من أجل الانتفاع بالقرآن ؛ كيف تنتفع بالقرآن ؟ يقول رحمه الله : « إذا أردت الانتفاع بالقرآن فاجمع قلبك عند تلاوته وسماعه , وألقِ سمعك , واحضُر حضور من يخاطبه به من تكلّم به سبحانه منه إليه » ، ولهذا يقول الله سبحانه وتعالى : { إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ} [ق:37] ، فمن كانت هذه حاله مع كتاب الله سبحانه وتعالى فإنه ينتفع فعلاً ويستفيد وتؤثر فيه هدايات القرآن الكريم ، يقول رحمه الله : « إذا أردت الانتفاع بالقرآن فاجمع قلبك عند تلاوته وسماعه, والق سمعك , واحضر حضور من يخاطبه به من تكلّم به سبحانه منه إليه » .
أحد العلماء أراد أن يوضح هذا المعنى وقال : لو قدِّر أن إنساناً جاءه خطاب بلُغة لا يُحسنها من ملِك من ملوك الدنيا أو رجل من العظماء في هذه الحياة الدنيا والكبار موجَّه إليه ، وصله الخطاب قيل له : هذا خطاب وصلك من فلان ماذا يصنع به ؟ أترون أنه يلقيه جانباً ولا يبالي ؟ أو أنه يبحث عمن يترجم له هذا الخطاب ومن يبين له مفاد هذا الخطاب ؟ والقرآن وحي من رب العالمين ، والفرق بين كلام الله وكلام خلقه كالفرق بين الله وبين المخلوقين ؛ ولهذا ينبغي على العبد أن يستشعر هذا المعنى وأن يستشعر أن هذا القرآن هدايات للبشر في صلاح أحوالهم في صلاح أمورهم في صلاح شؤونهم في تهذيبهم تأديبهم تربيتهم على الأخلاق الفاضلة والآداب الكاملة ثم يجاهد نفسه على تحقيق ذلك والتحلي به والتأدب بآداب القرآن الكريم .
وأختم هذا الحديث حول هذا الموضوع -وأشرت في مقدِّمته إلى أنه موضوع واسع- بذِكر بعض الآيات الجوامع للآداب والأخلاق ، وكنت أيضاً أرغب في الحديث ببعض البسط في معاني بعض هذه الآيات ولكن يبدو أن الوقت ضاق علينا لكنني أذكرها للإخوة الكرام ، وليكن هذا اللقاء دعوةً إلى تدبر هذه الآيات وامتداداً لهذا الحديث تُراجع كتب التفسير ولاسيما تفسير الإمام ابن كثير والإمام ابن سعدي وغيرهما من التفاسير المعتمدة .
من الآيات الجوامع في باب الآداب والأخلاق قول الله سبحانه : {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ } [النحل:90] .
قول الله سبحانه وتعالى : {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} [الأعراف:199] ، واقرأ كلام الإمام بن سعدي رحمه الله تعالى عن هذه الآية ودلالاتها في كتابه التفسير ، وأيضا في كتابه الرياض الناضرة .
وقول الله سبحانه : {وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ (34) وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ } [فصلت:34-35] .
قول الله سبحانه وتعالى : {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا } [الإسراء:23] إلى تمامها .
وقول الله سبحانه وتعالى : {وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ } [الإسراء:53] .
وقول الله سبحانه وتعالى: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ} [الشورى:40] .
وليقرأ في هذا الباب وصايا لقمان الحكيم لابنه . وليقرأ غير ذلك من الآيات والهدايات في كتاب رب العالمين.
وأسأل الله العظيم رب العرش العظيم بأسمائه الحسنى وصفاته العليا وبأنه الله الذي لا إله إلا هو الذي وسع كل شيء رحمةً وعلما أن يجعل القرآن العظيم ربيع قلوبنا وصلاح نفوسنا وهدايةً لنا وزكاءً ورفعة ، وأن يجعلنا بمنِّه وكرمه وفضله من أهل القرآن الذين هم أهل الله وخاصته ، وأسأله تبارك وتعالى أن يصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا ، وأن يصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا ، وأن يصلح لنا آخرتنا التي فيها معادنا ، وأن يجعل الحياة زيادةً لنا في كل خير والموت راحةً لنا من كل شر . اللهم اهدنا لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت ، واصرف عنا سيئها لا يصرف عنا سيئها إلا أنت ، اللهم إنا نعوذ بك من منكرات الأخلاق والأهواء والأدواء ، اللهم آت نفوسنا تقواها وزكها أنت خير من زكاها أنت وليها ومولاها . اللهم أعِنَّا ولا تُعن علينا ، وانصرنا ولا تنصر علينا ، وامكر لنا ولا تمكر علينا ، واهنا ويسِّر الهدى لنا ، وانصرنا على من بغى علينا ، اللهم اجعلنا لك ذاكرين لك شاكرين ، إليك أواهين إليك منيبين ، لك مخبتين لك مطيعين ، اللهم تقبَّل توبتنا ، واغسل حوبتنا ، وثبِّت حجتنا ، واهد قلوبنا وسدِّد ألسنتنا ، واسلل سخيمة صدورنا ، اللهم اقسم لنا من خشيتك ما يحول بيننا وبين معاصيك ، ومن طاعتك ما تبلغنا به جنتك ، ومن اليقين ما تهوِّن به علينا مصائب الدنيا ، اللهم متعنا بأسماعنا وأبصارنا وقوتنا ما أحييتنا واجعله الوارث منا ، واجعل ثأرنا على من ظلمنا ، وانصرنا على من عادانا ، ولا تجعل مصيبتنا في ديننا ، ولا تجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا ، ولا تسلِّط علينا من لا يرحمنا .
سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك .
اللهم صلِّ وسلِّم على عبدك ورسولك نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين .
التوقــيـــــــــــــــــــــع
- عبد المهيمنعضو فعال
- الجنس : عدد المساهمات : 476 نقاط التميز : 562 تقييم العضو : 13 التسجيل : 25/12/2011 العمر : 46 الإقامة : في ارض الله
تمت المشاركة الجمعة مارس 01, 2013 4:54 pm
تم والحمد لله
التوقــيـــــــــــــــــــــع
- عبدالحميد19عضو محترف
- رقم العضوية : 13498
الجنس : عدد المساهمات : 10035 نقاط التميز : 12443 تقييم العضو : 105 التسجيل : 07/10/2012 العمر : 34 الإقامة : برج بوعريريج
تمت المشاركة الثلاثاء مارس 12, 2013 3:18 pm
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى