لا دين لمن لا أخلاق له
قال الله تعالى وهو اصدق القائلين(( يأيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير )) . بعث الله رسله الكرام بالدين الحق القويم لهداية الناس إلى طريق الحق السبيل المستقيم فان اتبعوه صلحت أحوالهم وانتظمت حياتهم وعاشوا حياة طيبة كريمة عمادها التقوى وشعارها العدل وسورها الإخاء والتعارف والتعاون على البر والتقوى.
قال شوقي:
إنما الأمم الأخلاق ما بقيت.............................................. ....فان هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا.
صلاح أمرك للأخلاق مرجعه............................................. .......فقوم النفس بالأخلاق تستقم.
فواجب على كل عبد إن يطيع الله _عزوجل_ ويتقيه ويتبع دينه ويتحلى بأخلاقه الفاضلة وفضائله السامية قولا وعملا قلبا وقالبا مع كل من يعاشر ويخالط ويعامل فالدين معاملة بها تعرف قوة أو ضعف دينك، فالعبد المؤمن يحسن حتى على البهائم ممتثلا قول رسول الله-صلى الله عليه وسلم-" في كل كبد رطبة اجر "
وكذالك على المسلم إن لا يسوء خلقه حتى مع أعدائه أعداء الدين بحجة أنهم كفار فاسمع إلى الرؤف الرحيم حين قال" مهلا يا عائشة إن الله يحب الرفق في الأمر كله" قالها -صلى الله عليه وسلم-عندما دخل عليه اليهود لعنهم الله وقالوا السام عليكم-أي الموت-
هذه أخلاقه-صلى الله عليه وسلم-مع ألد أعدائه وهكذا يجب إن تكون أخلاق المسلمين قال-صلى الله عليه وسلم- " أثقل شيء في ميزان المؤمن يوم القيامة حسن الخلق وان الله ليبغض الفاحش البذيء"
بهذا تصلح أحوال الناس وتستقيم وتطيب حياتهم، إما إذا تدابروا وتخاصموا فان قلوبهم لا تتعارف ووجوههم تختلف وتسوء أخلاقهم فيفسد دينهم لفساد أخلاقهم.
فاحرص أخي المسلم على الخير والفضل الذي يأتي به حسن الخلق، وإياك من الشر والبغض والبعد الذي يأتي به سوء الخلق فاسمع واتعظ بما قاله صاحب الخلق الكبير -صلى الله عليه وسلم-" إن من أحبكم إلي وأقربكم مني مجلسا يوم القيامة أحسنكم أخلاقا وان أبغضكم إلي وأبعدكم مني مجلسا يوم القيامة الثرثارون والمتشدقون والمتفيهقون " الصحيحة رقم 791
فهذا رسول الله-صلى الله عليه وسلم-الذي زكاه كله ربه الخبير العليم وخص في التزكية خلقه فقال (( وانك لعلى خلق عظيم ))، وقال هو عن وظيفته وسبب بعثته " إنما بعثت لأتمم صالح الأخلاق " وفي رواية " مكارم الأخلاق " –البخاري – ومع هذا كله قال له ربه ممتنا عليه وموجها له نحو الأمر الذي به يؤدي مهمته على أكمل وجه (( فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك )) –أل عمران 159، لان الرفق بالناس وحسن الخلق معهم يثمر استلانة قلوبهم ولقد جبلت النفوس على حب من عرف لها كرامتها وصان عزتها وخالطها مخالطة خيرة نيرة وقديما قالوا:{ إن قلوب الناس وحشية فمن تألفها أقبلت عليه } ولا يكاد يسلم من السنة الناس إلا من كان هذا حاله وفعاله معهم فهذا هو الإمام احمد –رحمه الله- قال لأحد حكماء العرب اخبرني كيف اسلم من الناس ؟؟ فقال بثلاثة أشياء:-1.تعطيهم مالكا ولا تأخذ مالهم،
2.وتقضي حقوقهم ولا تطالبهم بقضاء حقوقك،
3. وتصبر على أذاهم ولا تؤذيهم،
فقال الإمام احمد: أنها لصعبة، فقال الحكيم وليتك مع هذا تسلم.
اجل إن السلامة من السنة الناس بعيدة المنال صعبة المدرك وما يسلم الله عز وجل من السنة عباده الذين يعطيهم من فضله بلطفه ورحمة ويبتليهم بحكمته . ولم يسلم النبيين _صلوات ربي عليهم_ وكذلك الصالحون رحمهم الله ما سلموا من السنة التافهين الذين لا يعرفون شرف الكلمة ولا أمانة القلم الذي جعلوه في أيديهم معول هدم وأداة تحريف للكلم عن مواضعه، وليكن سلوى الذين استحفظوا مواريث الفضيلة والخير مقابل ما يأتيهم من سيئي الأخلاق، هذا الأدب الرباني حين قال: (( يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين آذوا موسى فبرأه الله مما قالوا وكان عند الله وجيها. يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا. يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما.)). وقول مالك بن دينار رحمه الله: { من عرف نفسه لم يضره ما يقول الناس فيه } وليأخذ بنصيحة الإمام الشافعي رحمه الله حين قال: { احرص على ما ينفعك ودع كلام الناس فانه لا سبيل إلى السلامة من السنة العامة }.
وأقول للذين يؤذون المؤمنين وفي مقدمتهم العلماء اسمعوا واحذروا قول رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حين قال: " ليس منا من لم يجل كبيرنا ويرحم صغيرنا ويعرف لعالمنا حقه "رواه احمد والترمذي.
ذكر ابن عبد البر في كتابه جامع العلوم والحكم عن أمير الكوفة زياد انه خطب فقال:_{ أيها الناس أني بت ليلتي هذه مهتما بخلال ثلاث: رأيت إن أتقدم أليكم فيهن بالنصيحة:_ رأيت إعظام ذوي الشرف، وإجلال ذوي العلم، وتوقير ذوي الأسنان، والله لا أوتى برجل رد على ذي علم ليضع بذالك منه إلا عاقبته ولا أوتى برجل رد على ذي شرف ليضع بذالك من شرفه إلا عاقبته، ولا أوتى برجل رد على ذي شيبة ليضعه بذالك إلا عاقبته، إنما الناس بأعلامهم وعلمائهم وذوي أسنانهم }.
قال رسول الله-صلى الله عليه وسلم- " المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده "، إذا فليتقي الله أناس سلم من شرهم اليهود والنصارى وما سلم من أذاهم إخوان لهم فهؤلاء هم من المفلسين الذين ذكرهم الرسول-صلى الله عليه وسلم-بقوله: " أتدرون من المفلس ؟ قالوا المفلس فينا من لادرهم له ولا متاع فقال: إن المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة ويأتي وقد شتم هذا وقذف هذا واكل مال هذا وسفك دم هذا وضرب هذا فيعطي هذا من حسناته فان فنيت حسناته قبل إن يقضي ما عليه اخذ من خطاياهم فطرحت عليه ثم طرح في النار " رواه مسلم.
من هنا نعرف إن جوهر الإسلام الحنيف ولبابه مكارم الأخلاق ومحاسن الشيم والسلوك القويم الكريم مع العمل الصالح الطيب المثمر المسبوق بالأيمان الخالص فلا دين كامل ولا مرضي لمن لا أخلاق له.
إذا الأيمان ضاع فلا أمان.............................................. ...............ولا دنيا لمن لم يحي دينا.