السلام عليكم و رحمة الله و بركاته ،
ان الحمد لله نحمده و نستعينه و نستغفره و نعوذ بالله من شرور أنفسنا و سيئات
أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له و من يضلل فلا هادي له و أشهد أن لا اله الا
الله و أشهد أن محمدا رسول الله .
أما بعد ،
يقول الله تعالى في كتابه المحكم :
(
وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْأِثْمِ
وَالْعُدْوَانِ )
و يقول الرسول الكريم صلى الله عليه و سلم : " الدين
النصيحة ... الدين النصيحة . قيل : لمن يا رسول الله ؟ قال: لله و لكتابه و
لرسوله و لأئمة المسلمين و عامتهم " ( رواه مسلم )
لذلك أكتب إليكم هذه الكلمات التي خرجت من قلبي خالصة لاخوتي في
الله ، لعلها تكون منطلقا إلى الهداية و الإصلاح، والعز و النجاح في الدنيا و
الآخرة و ذلك هو الفوز العظيم . فآمل أن يتسع صدركم لسماع هذه النصيحة ...
قال صلى الله عليه و سلم : " من سن سنة
حسنة فعمل بها كان له أجرها و أجر من عمل بها لا ينقص من أجورهم شيئا و من سن
سنة سيئة فعمل بها كان عليه وزرها و وزر من عمل بها لا ينقص من أوزارهم شيئا"(رواه
مسلم )
و لقد تهافتت المحطات الفضائية على عرض البرامج التي تدور حول
الشهوة و اللذة و ما عادت تقليدا أعمى للغرب فقط بل فاقتهم في قلة الحياء و
الرعونة بما تقدمه من نساء عاريات ، و برامج هدامة لا تدعو إلى صلاح الأمة و
الرفعة بها بل الى افسادها و انحلالها ، و أغان ماجنة تخدر المشاعر و لا تدور
سوى حول الهوى و النساء، مع ما تحويه من استخفاف بالدين و استهزاء بالله عز و
جل و أوامره و نواهيه، فأصبحت وسيلة لفعل الزنا و الفواحش .
فكم من أعراض قد انتهكت
و كم من شباب قد ضاعوا
و كم من فضيلة قد تلاشت
و كم من أموال قد أهدرت على ما حرم الله
فكانت سببا لهلاك شبابنا و أطفالنا ، و سببا في العقوبات الالهية
فقد قال الرسول صلى الله عليه و سلم : " سيكون في هذه
الأمة خسف و مسخ و قذف . فقال رجل من المسلمين : يا رسول الله و متى ذاك ؟ قال
: اذا ظهرت القينات و المعازف و شربت الخمور ( رواه الترمذي ) تماما كما
هو حاصل في هذا العصر.
كما كانت هذه الفضائيات و ما تعرضه سببا لهلاك أصحابها و مدرائها
في الآخرة فانهم بهذا يحملون سيئاتهم و سيئات من تبعهم و من أثروا فيهم كما قال
سبحانه : (
لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ
الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلا سَاءَ مَا يَزِرُونَ
)
و نحن يحزننا أن يكون اخواننا في الإسلام ، هذا الدين القيم الذي
أتى بالفضيلة و الرحمة و الصلاح ، أصحاب هذه المحطات أو مدراءها من الذين أنعم
الله عليهم و أسبغ عليهم . فلا تجعلوا هذه النعم و هذا العلم الذي تحملونه
وسيلة لإشاعة الفاحشة في المؤمنين و تشويه صورة الإسلام بل و تحطيمها كما قال
الله تعالى : (
إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا
لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ )
بل لما لا تكون هذه الوسائل الإعلامية التي يصل صداها إلى العالم
بأسره طريقة لبيان حقيقة هذا الدين و سموه و إبعاد الشبهات عنه، التي يتعرض لها
في كل يوم آلاف المرات .
إخوتي في الله ،
تخيلوا أن الرسول صلى الله عليه و سلم داخل عليكم ، يسألكم حالكم في هذه الدنيا
، هل ستخجلون بعملكم ؟ هل ستندمون ؟ هل ستطلبون منه أن يستغفر الله لكم ؟؟؟
فكيف بكم و الله مطلع عليكم ليل نهار ؟؟؟ كيف بكم يوم الوقوف بين يديه عز و جل
؟؟؟ (يَوْمَ
لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ* إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ
) و(
يَوْمَئِذٍ لا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ
وَرَضِيَ لَهُ قَوْلاً )
و(
هَذَا يَوْمُ لا يَنْطِقُونَ وَلا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ)
، (لا
تَعْتَذِرُوا الْيَوْمَ إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ)
.
اخوتي في الله ،
حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا و استعدوا للموت و للقبر و ظلمته و ليوم القيامة
و أهواله ( يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ *
وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ * لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُمْ
يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ )
( وَاتَّقُواْ يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللّهِ
ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ )
غدا توفى النفوس ما كسبت *** و يحصد الزارعون ما زرعوا
اذا أحسنوا أحسنوا لأنفسهم *** و ان أساؤوا فبئس ما صنعوا
كما قال الشاعر :
يا نفس توبي فان الموت قد حانا *** و اعص الهوى فالهوى ما زال
فتانا
في كل يوم لنا من نشيعه *** ننسى بمصرعه آثار موتانا
يا نفس مالي و للأموال أكنزها *** خلفي و أخرج من دنياي عريانا
ما لنا نتعامى عن مصارعنا *** ننسى بغفلتنا من ليس ينسانا
فعودوا الى ربكم و حكموا دينكم و احذروا تضييع أماناتكم و غش
أبنائكم و بناتكم فكلكم راع و كلكم مسؤول عن رعيته . و اعلموا أن الله يغفر
الذنوب جميعا فقد قال في كتابه الكريم : { قُلْ يَا
عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن
رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ
الْغَفُورُ الرَّحِيمُ }
و كما جاء في الحديث القدسي : يا ابن آدم انك ما دعوتني
و رجوتني غفرت لك على ما كان منك و لا أبالى ، يا ابن آدم لو بلغت ذنوبك عنان
السماء ثم استغفرتني غفرت لك و لا أبالي ، يا ابن آدم انك لو أتيتني بقراب
الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئا غفرت لك و لا أبالي .
فنسأل الله أن يغفر لنا و لكم و يرحمنا بواسع رحمته كما نسأله الهداية و
التوفيق لما يحبه و يرضاه و اعلموا أن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما
بأنفسهم .
و الحمد لله رب العالمبن و أصلي و أبارك على خاتم النبيين و امام المرسلين
سيدنا محمد و على آله و صحبه أجمعين .
و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته