عنوان هذه المذكرة جريمة الاستعمال التعسفي لأموال الشركة
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمــــة
يمكن أن يعزى تطور الشركة و اكتسابها أهميتها الحالية إلى الحاجة الماسة إليها نتيجة عجز الفرد وحده على القيام ببعض المشاريع الضخمة من جهة، و من جهة أخرى نظرا للتطور المستمر الذي تعرفه الحياة الاقتصادية في الآونة الأخيرة.
و في بلادنا نجد أن دور الشركات يتجسد خاصة في ميدان الاستثمار الداخلي و الأجنبي إذ تعيش الجزائر إصلاحات اقتصادية منذ بداية الثمانينات و تمر بمرحلة انتقالية هامة من اقتصاد موجه إلى اقتصاد السـوق الذي يعتمد على تنمية روح المبادرة لـدى الأفـراد و الجماعات.
و لأجل ذلك، و تحقيقا لهذا، و ككل قوة دافعة لا بد من إيجاد أطر صلبة تحتوي اندفاعها حتى تبقى السيطرة على نشاطها ممكنة و لا تتحرف فتحدث أضرار مادية ومعنوية تفوق الخدمات التي تؤديها، و لذلك كان من اللازم إحاطتها بأحكام واضحة ودقيقة تنظمها ابتدءا من نشأتها و طيلة حياتها إلى ما بعد انتهائها حيث أن الخروج عن هذه الأحكام قد يعرقل تحقيق هذا الهدف.
و في هـذا الشأن، فقد عمـل المشرع الجزائري ـ كغيره من المشرعين ـ على سـن مـواد و نصوص قانونية تهدف إلى حماية هذه الشركات و ذلك عن طريق تشريع جزائي خاصة بها يتعلق أساسا بتكوين و تسيير و تصفية الشركات.
و جريمة الاستعمال التعسفي لأموال الشركة هي أولا و قبل كل شيء جنحة معرفة بأنها " استعمال أموال أو اعتماد الشركة من المسير بسوء نية استعمالا مخالفا لمصلحة الشخص المعنوي، من أجل تحقيق مصلحة شخصية سواء كانت مباشرة أو غير مباشرة".
و تعود نشأة هذه الجريمة للقانون الفرنسي(1) نتيجة فضائح كبرى (2) أين تم النص عليها في قانون الشركات مع جرائم أخرى كالاستعمال التعسفي للسلطات و الأصوات.
فقد تم النص على جريمة الاستعمال التعسفي لأموال الشركة في المادة 15 من قانون 24 جويلية 1867 المعدل بقانون 8 أوت 1935، حيث نص عليها في المادة 242 فقـرة 6 من القانون التجاري الفرنسي بالنسبة لشركة المساهمة و المادة 241 فقرة 3 من نفس القانون بالنسبة للشركات ذات المسؤولية المحدودة.
هذا، و قد نص المشرع الجزائري على جريمة الاستعمال التعسفي لأموال الشركة في الباب الثاني المتعلق بالأحكام الجزائية للقانون التجاري، و ذلك بموجب المواد 800 فقـرة 4، 811 فقرة 3 و 840 فقرة 1 من القانون التجاري.
و لعل ما يفسر تدخل المشرع بنصوص جزائية خاصة في الشركات -و الذي يعتبر إجراءا حديثا-، يعود للحاجة إلى ردع تصرفات مدير أو مسير الشركة، و ذلك بإضفاء وصف الجريمة عليها فتستوجب بالتالي جزاءا جنائيا، و هذا يحقق أهدافا رئيسية تتمثل أساسا في حماية الذمة المالية للشركة و كذا حماية الاستثمار و بالتالي المستثمر و إعطائه الضمانات الكافية للإقدام عليه.
و و تعتبر جريمة الاستعمال التعّسفي لأموال الشّركة جريمة مجهولة نوعا ما من قبل المسيرين، الأمر الذي يجعلنا نتساءل إذا كانت هذه الجريمة ظاهرة و واضحة بصفة كافية بحيث تمنع المسيرين من ارتكابها؟ لذلك فقد بات من الضروري إذن محاولة فهم ماهية هذه الجريمة لمعرفة مدى فعاليّة حمايتها للشركات التجارية، بالإضافة إلى محاولة تلمس بعض المواطن التي تقترب فيها هذه الجريمة مع جرائم أخرى مثل جريمة خيانة الأمانة و جريمة التعسف في استعمال المال العام.
جريمة لمعرفة مدى فعاليّة حمايتها للشركات التجاري
1 أنظر:
Annie MEDINA: Abus de Biens Sociaux. Prévention –Détection- Poursuite. Dalloz- Référence Droit de l’Entreprise. Edition Dalloz. 2001, p:1.
2 أنظر:
Eva JOLY, Caroline JOLY - BAUMGARTNER: l’Abus de Bines Sociaux A l’épreuve de la pratique. Edition. ECONOMICA. 2002, p : 10.
و انطلاقا مما سبق فإنّ خطة أي بحث تعد انعكاسا للهدف المبتغى من الدراسة، و الذي يتجلى في هذا البحث في جانبين أولهما نظري و الثاني تطبيقي، فالجانب النظري يهدف إلى إجلاء الغموض الذي يكتنف فكرة الاستعمال التعسفي لأموال الشركة و تحديد مفهومها و نطاقها .
أما الجانب التطبيقي فيرمي إلى تتبع أثر هذه الجريمة من حيث المسؤولية، فهل تقتصر هذه الأخيرة على مرتكب الجريمة؟ أم أنها تمتد إلى غيره؟ و ما نوع هذه المسؤولية؟ و على إثر ذلك فهل تقوم مسؤولية الشركة في هذا الإطار كما هو عليه الحال بالنسبة للجرائم الأخرى أم أنها مستبعدة منها؟ و كذا الإجراءات الجزائية في مراحل الدعوى المختلفة، و تقدير مدى فعاليتها و ملاءمتها لردع تصرفات المسيرين غير الشرعية في أموال الشركة و مدى نجاح العقوبات المقررة في قمع هذه الجريمة.
و على أساس هذين الاعتبارين فستسير دراسة الموضوع وفق خطة مقتضاها:
الفصل الأول: الأحكام الخاصة لجريمة الاستعمال التعسفي لأموال الشركة
المبحث الأول: مجال تطبيق جريمة الاستعمال التعسفي لأموال الشركة
المطلب الأول: الشركات الداخلة في مجال تطبيـق الجريمـة
المطلب الثاني: الشركات الخارجـة عن مجال تطبيق الجريمة
المبحث الثاني: أركـان جريمة الاستعمـال التعسفي لأمـوال الشركة
المطلب الأول: الركن المادي للجريمـة
المطلب الثاني: الركن المعنوي للجريمة
الفصل الثاني: الأحكام الجزائية لجريمة الاستعمال التعسفي لأموال الشركة
المبحث الأول: المسـؤوليــة المترتبـة عــن الجريمـــة
المطلب الأول: الأشخــــاص المسؤولـــــــين
المطلب الثاني: الإعفاء من المسؤولية المترتبة عن الجريمة
المبحث الثاني: متابعة جريمة الاستعمال التعسفي لأموال الشركة
المطلب الأول: الدعاوى الناشئة عن الجريمة
المطلب الثاني: الجـزاءات المقـررة لـها
الـفـصــل الأول
الأحكام الخاصة لتطبيق جريمة الاستعمال التعسفي لأموال الشركة
ندرس في هذا الفصل الأحكام الخاصة لتطبيق جريمة الاستعمال التعسفي لأمـوال الشركة، فهذه الأحكام تمهد و تعمل على تحديد مفهوم الجريمة و تسهيل عملية الكشف عنها، فالمتمعن في النصوص المتعقلة بهذه الجريمة يجد أنها تطرح عدة إشكاليات منها مـا يتعلق بالشركات صاحبة الأمـوال أي الضحايا، و منها ما يتعلق بالعناصر المكونة للجـريمة و مميزاتها و كذا صفة الفاعلين فيها التي ستتم دراستها لاحقا في الفصل الثاني من هذه المذكرة.
انطلاقا مما سبق، و حتى يتسنى تطبيق أحكام المسؤولية على مرتكبيها و تفادي التداخل الموجود بينها و بين الجرائم الأخرى سنقسم هذا الفصل إلى مبحثين يخصص أولهما إلى تحديد مجال تطبيق جريمة الاستعمال التعسفي لأموال الشركة و يخصص الثاني لدراسة أركان الجريمة.
الـمبـحـث الأول
مجـال تطبيـق جريمـة الاستعمـال التعسّفـي لأمـوال الشركـة.
تهدف جريمة الاستعمال التعسفي لأموال الشركة إلى حماية الشركات التجارية من أفعال مسيّريها، فالشركة هي الضحّية الأولى و الأساسية للتعّسف المعاقَب عليه، إلا أن تنوع الشركات التجارية يجرنا إلى طرح السؤال حول ما إذا كانت الجريمة تنطبق على جميعها؟.
و رغم غرابة الجواب إلاّ أنّ المجال ليس كذلك، و يعود ذلك إلى أن هذه الجريمة تم النص عليها في النصوص القانونية المتعلقة بالأحكام الجزائية للقانون التجاري و ليس قانون العقوبات و قام المشرع من خلال ذلك النص على حصر الجريمة في إطار شركات معينة و ترتكب من ﹺقبل أشخاص معيّنين(*)، و هذا ما يظهر جليا في المواد 800 فقرة 4 و 811 فقرة 3، و على هذا الأساس سنقسم هذا المبحث إلى مطلبين نتطرق في الأول إلى الشركات التي تدخل في مجال تطبيق جريمة الاستعمال التعسّفي لأموال الشركة و الثاني إلى تلك التي تخرج عن مجال تطبيق هذه الأخيرة.
* و ذلك بتحفظ على المصفي الذي يمكنه حسب المادة 840 من القانون التجاري أن يتابع بجريمة الاستعمال التعسفي
لأموال الشركة في جميع أنواع الشركات التجارية، غير أن هذا الاستثناء يتعلق بشخص المصفي و ليس بنوع
الشركة، لمزيد من التوضيح أنظر:
Jacques MESTRE. Christine BLANCHARD –SEBASTIEN – LAMY SOCIETES COMMERCIALES – Edition LAMY S.A, 1997. p:297, § 665.
الـمـطلـب الأول
الشركات الداخلة في مجال تطبيق جريمة الاستعمال التعسّفي لأموال الشركة.
حصر المشرع الجزائري هذه الجريمة في شخص مسيّري شركات المساهمة والشركات ذات المسؤولية المحدودة، كما هو مبين في الفصل الثاني من الكتاب الثاني من القانون التجاري، و على هذا الأساس سنتناول في الفرعين التاليين الأحكام المتعلقة بهذه الجريمة في كل من هاتين الشركتين.
الـفـرع الأول
الـشـركة ذات المسـؤوليـة المـحـدودة.
خصّ المشـرع الجزائري لهذه الشركة المواد من 564 إلى 591 من القانون التجـاري، و تتميز الشركة ذات المسؤولية المحدودة بطبيعة مختلطة بين شركات الأشخاص و شركات الأموال، إذ ذهب بعض الفقه إلى اعتبارها وسط بين النوعين أو ذات طبيعة خاصة إذ تعتبر شركة أشخاص بين الشركاء و شركة أموال بين الدّائنين.
و من خصائص الشركة ذات المسؤولية المحدودة أن ﹸتحدد مسؤولية الشّريك فيها بقدر ما قدمه في رأس المال من حصص دون ذمّته المالية(*)، كما أنه من خصائصها ألاّ يقل رأسمال الشركة عن مائة ألف دينار جزائري (100.000 دج)، كما أوجبت المادة 590 من القانون التجاري الجزائري أن يكون الحد الأقصى لعـدد الشركاء فيها عشرون شريكا، و حسب المادة 548 من القانون الأنف الذّكر، فإن هذه الشركة تقوم على عقد يكون في محرّر رسمي يوقعه كافة الشركاء يودع لدى المركز الوطني للسّجل التجاري تحت طائلة البطلان، و ما يتبّين من المادة 569 من نفس القانون أن حصص الشركاء في الشركة ذات المسؤولية المحدودة ليست حرّة التداول بصفة أساسية فهي لا تقبل التداول
* و ربما كانت هذه الخاصية وراء التسمية غير أن الموفقة لهذه الشركة، لأنه ليست مسؤولية هذه الأخيرة التي تكون
محدودة و إنّما مسؤولية الشريك فيها.
بالطرق التجارية فالحصص في هذه الشركة إسمية و لا يمكن أن تكون مُمثلة في سندات قابلة للتداول، هـذا و إن الشركة ذات المسؤولية المحدودة لا ﹸتحـل بوفاة أحـد الشركاء بل تنتقل حصة كـل شريك بوفاته إلى الورثة، فضلا عن جـواز إحـالتها بين الأزواج و الأصـول و الفروع حسب المادة 570 من القانون السابق الذكر.
هذا و قد أفرد المشرع الجزائري المواد من 800 إلى 805 من القانون التجاري للأحكام الجزائية عن المخالفات المتعلقة بالشركات ذات المسؤولية المحدودة، و ما يهمنا في هذا المقام هو نص الفقرة 4 من المادّة 800 التي تنص صراحة بمعاقبة مسيري الشركات ذات المسؤولية المحدودة إذا ما استعملوا أموال الشركة استعمالا مخالفا لمصلحة هذه الأخيرة بسوء نية و لأغراض شخصية، و ما يستفاد من استقراء قرارات محكمة النقض الفرنسية أن معظمها صدرت ضد مسيري الشركات ذات المسؤولية المحدودة و أنّ أغلب الحالات تخص مصاريف الأسفار، و المركبات، و خدم المنزل، و أشياء مثل التجهيزات الكهرومنزلية الممولة بصفة غير شرعية من ﹺقبل المؤسسة.
لكن ماذا عن مصير الشركة ذات الشخص الوحيد و ذات المسؤولية المحدودة، فهل هي معنية بهذه المادة؟ و هل تطبق على مسيرها العقوبات المقررّة فيها إذا ما ارتكب الأفعال المذكورة أعلاه؟.
لقد أدخل المشرع الجزائري هذا النوع من الشركات في تعديله للقانون التجاري بموجب الأمر رقم 96-27 المؤرخ في 09 ديسمبر 1996 (1).
و بالمقابل من ذلك سكت المشرع فيما يتعلق بتطبيق جريمة الاستعمال التعسفي لأموال الشركة على الشركة ذات الشخص الوحيد، إلا أن خضوع هذه الأخيرة في أحكامها لنفس تلك المطبقة على الشركة ذات المسؤولية المحدودة دفع بالكثير من الفقه والقضاء(*) إلى القول بإمكانية تطبيق أحكام هذه الجريمة على هذا النوع من الشركات
1 أنظر: المـادة 13 من الأمر 96-27 المؤرخ في 28 رجب عام 1417 الموافق لـ 09 ديسمبر سنة 1996 المعدل
و المتمم للأمر رقم 75-59 المتضمن القانون التجاري، الجريدة الرسمية رقم، 78 في 15/12/96.
*و هو الموقف الذي تبنته محكمة النقض الفرنسية، راجع في ذلك:
Eva JOLY, Caroline JOLY-BOUMGARTNER: OP.CIT, p: 10.
و ما يبرر هذا الموقف هو محاولة المسير الاستفادة من ستار الشخصية المعنوية عن طريق استغلالها باستعمال أموالها في غير مصلحتها و لحسابه الشخصي، فيقوم بخلط و مزج ذمته المالية بذمة الشركة لأن خلط الذمة المالية يكفي لقيام جريمة الاستعمال التعسفي لأموال الشركة.
الـفـرع الثـانـي
شـركـة الـمسـاهـمـة
تعتبر شركة المساهمة شركة تجارية بحسب شكلها و مهما كان موضوعها، و تخضع هذه الأخيرة للأحكام العامة الواردة في القانون المدني الجزائري التي تضمنها في الفصل الثالث من الباب الثالث و كذا الفصل الثالث من الكتاب الخامس من القانون التجاري الخاص بشركات المساهمة، المواد من 592 إلى 715 مكرر 132، و بعض الأحكام المشتركة الخاصة بالشركات التجارية ذات الشخصية المعنوية و المنصوص عليها في الفصل الرابع من الكتاب الخامس من نفس القانون، المواد 716 إلى 840.
لقد عرفت المـادة 592 من القانون التجاري الجزائري شركة المساهمة بأنها " الشركة التي ينقسم رأسمالها إلى أسهم، و تتكون من شركاء لا يتحملون الخسائر إلا بقـدر حصتهـم.
و لا يمكن أن يقل عدد الشركاء عن سبعة ".
و من أهم خصائص هذه الشركة أن مسؤولية كل شريك عن التزامات الشركة محدودة بقدر ما يملكه من أسهم فيها، و أنّ كل مساهم لا يكسب صفة التاجر بمجرد انضمامه إلى الشركة، كما لا يلزم بالقيد في السجل التجاري أو مسك الدفاتر التجارية أو التزامات التاجر، و لا يترتب على إفلاس الشركة إفلاسه الشخصي كما هو الحال في شركات التضامن، كما أن الحد الأدنى للشركاء في هذه الشركة لا يقل على سبعة (07)، يمكن أن يكون منهم أشخاص معنوية، و يجب ألا يقل رأسمالها عن خمسة ملايين دينار جزائري 5.000.000,00 دج إذا ما لجأت الشركة علنية إلى الإدخار، و مليون دينار جزائري 1.000.000,00 دج في حالة المخالفة،و يستمد اسمها غالبا من غرضها مسبوقا أو متبوعا إلزاما بعبارة " شركة مساهمة"، كما أجاز المشرع ذكر اسم شريك واحد أو أكثر في اسم الشركة، و أن تتخذ لها عنوانا يكسبها ذاتية خاصة بها.
و قد فرض المشرع الجزائري عقوبات جزائية على رئيس شركة المساهمة و القائمين بإدارتها أو مدرائها العامين، و يمكن أنّ يجدوا أنفسهم متابعين بجريمة الاستعمال التعسّفي لأموال الشركة المنصوص عليها في المادة 811 فقرة 3 من القانون التجاري الجزائري، و ذلك إذا استعملوا أموال الشركة قصد تحقيق مصلحة خاصة بهم.
و يجرنا الحديث على شركات المساهمة إلى إثارة نقطة مهمة جدا و تتعلق بمسألة المؤسسات العمومية الاقتصادية(*)، و بمدى خضوعها لجريمة الاستعمال التعّسفي لأموال الشركة.
على الرغم من خضوع المؤسسة العمومية الاقتصادية لأحكام القانون التجاري بموجب الإصلاحات التي أدخلت منذ 1988 و بالذات تلك التي أدخلت على أحكام المرسوم التشريعي 93-08 المؤرخ في 25 أفريل1993 المعدل للقانون التجاري، إضافة إلى الأمر رقم 95-25 المؤرخ في 25 ديسمبر1995 و المتعلق بتسيير رؤوس الأموال التجارية التابعة للدولة، تنص المادة 26 منه صراحة على تطبيق أحكام القانون التجاري المتعلقة بالمسؤولية المدنية و الجزائية لأجهزة شركات رؤوس الأموال و على أعضاء مجلس المديرين و مجلس الإدارة و كـذا أعضاء مجلس المراقبة في الشركات القابضة العمومية و المؤسـسات العمومية الاقتصادية، إلا أنه من النادر العثـور على أمثله للعقـاب عليها، و لعل السبب في ذلك واضح يعود أساسا إلى تكييف الأفعال التي تشكل جريمة الاستعمال التعسفي لأموال الشركة طبقا للأحكام الجزائية للقانون التجاري تكييفات أخرى لجرائم منصوص عليها في قانون العقوبات سيما المادة 119 مكرر1 من القانـون
رقم 01-09 المؤرخ في 26 جوان 2001 المعـدل و المتمم للأمر 66-156 الصادر
* تنص المـادة 05 فقرة 1 من الأمر 01-04 المؤرخ في 20 أوت 2001 المتعلق بتنظيم المؤسسـات العموميـة
الاقتصادية و تسييرها و خوصصتها على أنه " يخضع إنشاء المؤسسات الاقتصادية العمومية و تنظيمها و سيرها
للأشكال التي تخضع لها شركات رؤوس الأموال المنصوص عليها في القانون التجاري" بمعنى أنها أصبحت تأتي
في شكـل شركات مساهمة دون الشركات ذات المسؤولية المحدودة و هـذا عكس ما كان عليه الحال في القانـون
التوجيهي للمؤسسـات العمومية الاقتصادية رقم 88-01 في مادتـه الخامسة التي كانت تنص على " المؤسسـات
العمومية الاقتصادية هي شركات مساهمة أو شركات محدودة المسؤولية "
في 08 جـوان 1966 و المتضمن قانون العقوبات التي تُجرم نفس التصرفات المرتكبة من مسيري أجهزة القانون العام(1)، و التي تسمى جريمة التعسف في استعمال المال العام، غير أنّ المادة 119 مكرر 1 من قانون العقوبات تتكلم عن كل من يستعمل أموال الدولة و لم تحدد صراحة و على سبيل الحصر الأشخاص الذين يرتكبون الجريمة، إذن رغم تشابه النص مع نصوص القانون التجاري المتعلقة بجريمة الاستعمال التعسّفي لأموال الشركة فهي لا تنص على نفس الجريمة لتخلف شرط أساسي و هو صفة الفاعل المتمثلة في المسير، فعندما نعلم أن المادة 119 مكرر1 قد حددت الهيئات التي تكون ضحية في هذه الجريمة و ذلك بالإحالة على نص المادّة 119 من قانون العقوبات، و بالرجوع إلى الفقرة الثانية من نص هذه المادّة المعدلة بموجب القانون 01-09 المذكور أعلاه، نجد أنها بيّنت و بطريقة واضحة قائمة الأشخاص و الهيئات الخاضعة إلى تطبيقها دون أن تشير في هذا الصدد إلى أجهزة المؤسسات العمومية الاقتصادية و حال هذه الفقرة هو عكس ما كان عليه قبل التعديل، و عليه فإن هذه التعديلات قد أريد بها أساسا إخراج المؤسسات العمومية الاقتصادية من مجال تطبيق قانون العقوبات و إحالتها إلى الأحكام المتعلقة بالشركات التجارية(2).
أما فيما يتعلق بالمؤسسات أو الهيئات العمومية ذات الطابع الصناعي و التجاري هي -بمفهوم المادة 02 من الأمر 01-04 المؤرخ في 20 أوت 2001 و المتعلق بتنظيم المؤسسات العمومية الاقتصادية و تسييرها و خوصصتها- شركات تجارية تحوز فيها الدولة أو أيّ شخص معنوي آخر خاضع للقانون العام على أغلبية رأس المال الاجتماعي، فهي لا تعتبر مؤسسات عمومية اقتصادية و هو ما تضمنته المواد 44 و 45 من القانون الآنف الذكر، و بالتالي فهي تخضع للقوانين و الأنظمة المتعلقة بهذه الأخيرة.
1- 2 أنظر: د/ أحسن بوسقيعة: الوجيز في القانون الجنائي الخاص. جرائم الموظفين (الجرائم ضد المال العام- الرشوة
و ما يتصل بها-الجرائم الأخرى). جرائم الأعمـال (الجرائم المتعلقة بتسيير الشركات التجاريـة-الجرائـم
البورصية-جرائم الصرف). جرائم التزوير (تزوير النقود و ما يتصل بها-تزوير المحررات-تقليد الأختـام
والعملات)، الجزء الثاني، طبعة 2003 – دار هومة – الجزائر، ص5 إلى 32.
المطلب الثاني
الشركات الخارجة عن مجال تطبيق جريمة الاستعمال التعسفي لأموال الشركة
من خلال ما سبق ذكره، يتضح أنّ جريمة الاستعمال التعسفي لأموال الشركة لا يمكن أن ترتكب إلا في إطار شركات معينة، و بناءا على ذلك، و بمفهوم المخالفة هناك شركات تجارية تخرج من مجال تطبيق هذه الجريمة يمكن حصرها في نوعين أساسيين من الشركات، أحدهما يتعلق بشكل الشركة و الآخر بوجودها القانوني و هذا ما سنحاول دراسته في الفرعين التاليين:
الفرع الأول
الاستثنـاءات المتعلقـة بشكـل الشركـة
أدخل المرسوم التشريعي رقم 93-08 المؤرخ في 25 أفريل 1993، نوعا أخر من الشركات التجارية هي شركات الأشخاص و التي تنشأ عادة بين أفراد يَعرف بعضهم بعضا و تقوم بينهم ثقة شخصية متبادلة، و بذلك يكون شخص الشريك و ليس المال هو محل الاعتبار في قيام هذه الشركات إذ تنقضي بانقضائه، و أهم خصائصها أيضا أن كل الشركاء فيها يكتسبون صفة التاجر، كما أنهم يُسألون مسؤولية شخصية تضامنية و غير محدودة عن ديون الشركة(1)، و يندرج ضمن " شركات الأشخاص" ثلاثة أنواع من الشركات التجارية وردت في القانون التجاري الجزائري و هي شركة التضامن، شركة التوصية البسيطة، و شركة المحاصة.
و السؤال الذي يَطرح نفسه في هذا الشأن يتعلق بسبب امتناع المشرع الجزائري عن النص على جريمة الاستعمال التعسفي لأموال الشركة في هذا النوع من الشركات مقتديا في هذا بالقضاء الفرنسي(2) ؟.
1 أنظر: د/ناديـة فوضيل: أحكام الشركة طبقا للقانون التجاري الجزائري. (شركات الأشخاص)، دار هومة للطباعـة
والنشر و التوزيع، الجزائر، بدون طبعة، ص: 100.
Jacques MESTER, Christine BLANCHARD-SEBASTIEN: OP.CIT. 2 أنظر:
إن الغاية من سن جريمة الاستعمال التعسفـي لأموال الشركـة هي حماية الادخار، لذلك وجب حماية المساهمين و حملة السندات الذين يُقدمون أو ﹸيقرضون أموالهم للشخص الاعتباري، ضد أولئك الذين وجهوا إليهم الدعوة، و هذا ما لا نجده في شركات الأشخاص لأنها شركات مغلقة لا تسمح بالادخار و تقوم على الاعتبار الشخصي لا المالي.
إلا أنه بالرجوع إلى ما سبق نجد أنّ شركات أخرى مغلقة كمؤسسة الشخص الوحيد و ذات المسؤولية المحدودة، تدخل في مجال تطبيق الجريمة، الشيء الذي يجعل هذا المعيار غير حاسم.
أما إذا تعلق تبرير عدم النص على الجريمة في شركات الأشخاص بحماية الشركاء، فيجب ألا يفلت مسيري هذه الأخيرة من العقاب، إذ لا شك أنّ الأخطار التي يتعرض لها الشركاء من تصرف المسيرين هي أكثر أهمية في شركات الأشخاص -كشركة التضامن مثلا- منها في شركات الأموال، لأنهم يكونون مسؤولين عن ديون الشركة مسؤولية شخصية تضامنية و غير محدودة في ذمتهم المالية، ففي الحالة التي يكون فيها المسير ليس من الشركاء فإن حماية هؤلاء من تصرفاته تستحق أن تدعم، لأنّ الخطر الذي يتعرضون له هو اكبر من ذلك الذي يتعرض له الشركاء في شركة الأموال.
إلا أنّ هذه الجريمة موجودة في النصوص المطبقة على الشركات التي يتعرض فيها الشركاء إلى خطر محدود، و على العكس من ذلك منعدمة في تلك التي يكون فيها الشركاء معرضين لخطر غير محدود.
و ربما يبقى تبرير غياب الجريمة في هذا النوع من الشركات يتعلق بحماية الغير، إذ أنّ هؤلاء -و خاصة دائني شركة- يعاملون بطريقة أحسن في شركات الأشخاص منها في شركات الأموال، فهم يملكون حق الرجوع على الشركاء أنفسهم في حالة عدم كفاية أموال الشركة للوفاء بديونه، و بالتالي لا يكون ضروريا معاقبة المسيرين بصفة خاصة لأنهم بإفقار الشركة يتعرضون عادة إلى مساءلة شخصية تضامنية و غير محدودة عن ديونها إذا كانوا شركاء(1).
1 أنظر: DELMAS-MARTY Mireille : Droit Pénal Des Affaires 2-3ème éd. Refondue
1990, p:88,89.
إلا أننا نرى أن هذه الجريمة لا ترمي إلى حماية الغير في جميع أنواع الشركات بما فيها تلك الداخلة في إطارها و الدليل على ذلك عدم إمكانية تأسّسهم كأطراف مدنية أمام القضاء الجزائي كما سنراه لاحقا.
غير أنّ المسيرين في شركات الأشخاص الذين يستعملون أموالهم عن سوء نية لتحقيق مصالح شخصية، و إن كانوا يفلتون من جريمة الاستعمال التعسفي لأموال الشركة، فإنهم يتابعون طبقا لأحكام قانون العقوبات بجريمة خيانة الأمانة التي تشبه إلى حد كبير جريمة الاستعمال التعسفي لأموال الشركة.
الفـرع الثـانـي
الاستثنـاءات المتعلقـة بالوجـود القانونـي للشركـة
إنّ العنصر المشترك في جميع الشركات السابق دراستها هو الشخصية المعنوية التي تعد شرطا مسبقا على تطبيق جريمة الاستعمال التعسفي لأموال الشركة، بمعنى أن يكون للشركة وجودا قانونيا و قت ارتكاب الأفعال، و عليه سنتطرق في هذا الفرع إلى نوع آخر من الشركات منها التي لا تتمتع بالشخصية المعنوية و منها شركات فقدت شخصيتها المعنوية.
أولا: الـشـركـة الـفـعـلـيـة
كان يهدف المشرع الجزائري من وراء توافر أركان عقـد الشركة, الموضوعية العامـة و الخاصة و الشروط ا
لشكلية، إلى ضمان أن ينشأ العقد صحيحا و يرتب كافة الآثار الناتجة عنه.
و يستعمل مصطلح الشركة الفعلية للتعبير عن الشركة التي استجمعت في مظهرها كل
مقومات الشركة الصحيحة لكنها تستند إلى عقد فاسد و باشرت نشاطها في الواقع قبل الحكم ببطلانها، الذي ينصرف أثره في هذه الحالة من يوم صدور الحكم الناطق به و لا يكون له أثر رجعي.
إلا أنه لا يمكن إعمال هذه النظرية على الشركات في كل حالات البطلان كأن يكون محل أو سبب الشركة غير مشروع مثلا، أو عدم توفر الأركان الموضوعية الخاصة بعقد الشركة مثل نية الاشتراك أو تقديم الحصص ففي هذه الأحوال تطبق النظرية العامة في البطلان بصفة مطلقة(1).
و يتحدد مجال تطبيق نظرية الشركة الفعلية في الحالات الآتية(2):
- إذا كان البطلان مؤسس على نقص أهليه أحد الشركاء أو على عيب شاب رضاؤه
- إذا كان بطلان الشركة مؤسسا على عدم كتابة عقد الشركة أو شهره.
و عليه فالمسير الذي استعمل أموال الشركة خلال الفترة التي كانت فيها موجودة يمكن أن يتابع بجريمة التعسف في استعمال أموال الشركة إذا كانت هذه الأخيرة تدخل في مجال تطبيقها، أما إذا كانت الشركة باطلة بصفة مطلقة فإنه لا يمكن تطبيق هذه الجريمة، و لكن في المقابل يتابع المسير بجريمة خيانة الأمانة إذا أساء استعمال أموال الشركة.
و ما تجدر الإشارة إليه في هذا المجال هو عدم الخلط بين الشركة الفعلية (شركة الواقع) و الشركة التي تنشأ من الواقع فهذه الأخيرة لا تدخل ضمن أشكال الشركات المنصوص عليها قانونا و إنما هي مفهوم ناتج عن الواقع للتعبير عن الوضعية التي يتصرف فيها شخصان أو أكثر و كأنهم شركاء لكن دون أن تتجه إرادتهم إلى إنشاء شركة، و غالبا ما تتمثل في شركات أشخاص عكس الشركة الفعلية التي تأخذ جميع أشكال الشركات سواء كانت شركات أموال أو أشخاص(3)، إلا أنّ المشرع الجزائري لم يعترف بهذا النوع من الشركات رغم ما يحققه هذا الاعتراف من حماية للشريك على عكس ما سار إليه القضاء الفرنسي الذي أقر بوجودها(4).
1 أنظر: د/عبد الحفيظ بالخيضر: محاضرات ألقاها في المدرسة العليا للقضاء على الطلبة القضاة الدفعة الرابعة عشر-
السنة الدراسية 2004-2005.
2-3 أنظر: د/فوضيل نادية: المرجع السابق، ص 53-54.
4 أنظر: د/رضوان أبوزيد: الشركات التجارية في القانون المصري المقارن، دار الفكر العربي، بدون طبعة، ص331،
332.
- adminالمدير العام
تمت المشاركة السبت يناير 14, 2012 10:47 pm
ثـانيـا: شركـة المحـاصـة.
لا تعتبر شركة المحاصة(1) نوعا من أنواع الشركات التي حددتها المادّة 544 فقرة 2 من القانون التجاري الجزائري أي شركة تجارية بحسب الشكل، و من ثمة فهي شركة بحسب الموضوع، فإن كان موضوعها مدنيـا، فهي شركة مدنية، أما إذا كان موضوعها تجاريا تطبق عليها أحكام شـركة التضامن، و يجب لقيام شركة المحاصة توافـر الأركان الموضوعية العامـة و الأركان الموضوعية الخاصة غير أنها لا تستلزم الأركان الشكلية من كتابـة و شهر(2).
و بما أن شركة المحاصة تخضع لأحكام شركات التضامن إذا كان موضوعها تجاريا، فإن جريمة الاستعمال التعسفي لأموال الشركة لا تطبق عليها لأنها من شركات الأشخاص كما سبق توضيحه، ضف إلى ذلك أنها لا تتمتع بالشخصية المعنوية فالشريك الذي استعمل أموال الشركة لمصلحته يتابع على أساس جريمة خيانة الأمانة.
ثالثـا: الشركـة غيـر المقيـدة فـي السجـل التجـاري:
إنّ إبرام عقد الشركة لا يُكسب هذه الأخيرة الشخصية المعنوية و إنما يُفترض إجراء قيدها في السجل التجاري حتى يتسنى لها التمتع بها، فيصبح للشركة وجودا قانونيا و كيانا مستقلا عن الشركاء تتمتع على إثره بالحقوق و تتحمل الالتزامات، و لا يجوز لمؤسسي شركة لم يتم قيدها الاحتجاج بالشخصية المعنوية للشركة تجاه الغير، بل تقوم مسؤوليتهم المطلقة في التعهدات المبرمة باسم و لحساب هذه الأخيرة، هذا ما جاء في نص المادة 549 من القانون التجاري الجزائري، إلا أنّ المشرع بالمقابل أعفى هؤلاء المؤسسين من المسؤولية إذا ما قبلت الشركة بعد القيد هذه التعهدات فتتحملها هي عنهم.
1 أنظر: المرسوم التشريعي 93-08 المؤرخ في 25 أفريل 1993، المواد 795 مكرر1 إلى 795 مكرر5.
2 أنظر: د/ عبد الحميد الشواربي: الجرائم المالية و التجاريـة، جرائم التهرب الجمركي، التعامل في النقد الأجنبـي،
جرائم الشركات، جرائم الضرائب الكسب غيـر المشروع، جرائـم البنوك و الائتمان، جرائم تزييف العملة،
جرائم الإفلاس، جرائم الشيك، المعارف، طبعة 96، ص 492.
أما العلاقة بين المؤسسين في الفترة السابقة على القيد فيحكمها عقد الشّركة و المبادئ العامة للقانون المطبقة على العقود و الالتزمات، و تعتبر هنا بمثابة وكالة بين الأطراف المؤسسين، و هذا العقد يدخل ضمن العقود المنصوص عليها في المادة 376 من قانون العقوبات الجزائري، و عليه، و لما كان من غير الممكن تطبيق جريمة الاستعمال التعسّفي لأموال الشركة في هذه الفترة جاز بالمقابل تطبيق جريمة خيانة الأمانة على المسيّر الذي يتعسف في استعمال مال الشركة.
و تجدر الإشارة في هذا المجال و من خلال ما تقدّم عرضه إلى أنّ جريمة خيانة الأمانة(1) أوسع مجالا من حيث التطبيق من جريمة الاستعمال التعسّفي لأموال الشركة، فالمادة 376 من قانون العقوبات الجزائري لم تحدد نوعا معينا من الشركات، إذ تعتبر جريمة خيانة الأمانة قابلة للتطبيق في جميع أنواع الشركات مهما كان شكلها سواء كانت شركة أشخاص، أموال، شركات مدنية أو تعاونيات أو تجمعات ذات مصلحة اقتصادية.
و استخلاصا لما سبق، نقول أن المشرّع الجزائري حصر مجال تطبيق جريمة الاستعمال التعسّفي لأموال الشركة في عدد من الشركات لا تتعداه إلى غيرها، و هي شركات الأموال و بالتحديد شركة المساهمة، و الشركة ذات المسؤولية المحدودة مستبعدا بذلك شركة التوصية بالأسهم و هي من شركات الأموال، و كذا شركات الأشخاص والشركات المدنية، و هذا عكس ما هو عليه الحال في القانون الفرنسي الذي وسّع من مجال تطبيق الجريمة إلى شركات غير تجارية، مثل الشركات المدنية المؤسسة باللجوء إلى الادّخار و كذا الشّركات التعاونية(2).
1 أنظر: د/أحسن بوسقيعـة: الوجيز في القانون الجزائي الخاص، (الجرائم ضد الأشخـاص، و الجرائم ضد الأموال)،
الجزء الأول، دار هومة للنشر، طبعة2002، ص361.
2 أنظر: OP.CIT. :Jacques MESTRE, Christine BLANCHARD-SEBASTIEN
المبحـث الثانـي
أركـان جريمـة الاستعمـال التعسفـي لأمـوال الشركـة.
إنّ جريمة الاستعمال التعسفي لأموال الشركة لا تقوم إلا إذا كان استعمال المسير لأموال الشركة مخالفا لمصلحتها من جهة، و جاء بغرض تحقيق هدف شخصي من جهة أخرى، إذن يفترض لقيام هذه الجريمة توافر ركنين مكونين لها: ركن مادي، و آخر معنوي، سنحاول دراستهما على التوالي في المطلبين التاليين.
المطلـب الأول
الرّكـن المـادي لجريمـة الاستعمـال التعسفـي لأمـوال الشركـة.
يتكوّن هذا الركن من عنصرين أساسيّين يشكلان مشتركين الفعل المحضور في جريمة الاستعمال التعسّفي لأموال الشركة و المتمثل-كما هو واضح من تسميتها-
في استعمال المسير لأموال الشركة استعمالا مخالفا لمصلحتها، و منه فالعنصرين هما:
1 استعمال المال، 2 استعمال المال المخالف لمصلحة الشركة.
الفـرع الأول
استعمـال المــال
يثير مصطلح الاستعمال إشكالين يتعلق الأول بمفهوم المصطلح في حد ذاته، ويتعلق الثاني بطبيعة المال الذي يكون محلا لهذا الاستعمال، و سنتعرض لهذين الإشكالين كما يلي:
أولا: مفهــوم الاستعمــال
تعمّد المشرع الجزائري في النصوص المتعلقة بجريمة الاستعمال التعسّفي لأموال الشّركة استعمال هذا المصطلح(1)، و لكن لماذا اختاره دون غيره؟.
1 أنظر: المواد 800 فقرة4، 811 فقرة3، 840 فقرة1 من القانون التجاري الجزائري.
ُُيعرف مصطلح الاستعمال بأنه" القيام باستخدام شيء ما"(1)، و هذا يعني استخدام مال مملوك للشركة بطريقة تخالف مصلحتها من أجل تلبية أغراض شخصية بحتة، و لا شك في أنّ اختيار المشرع الجزائري لهذا المصطلح يعود لكونه مفهوم واسع جدا، إذ يسمح للجهات القضائية بمتابعة واسعة لمرتكبي هذه الجريمة، فهو يحتوي على الأعمال الإدارية، مثل منح القروض أو تسبيقات....إلخ، و أعمال التصرف مثل الضم، أو الاكتساب و التنازل....إلخ(2) بشرط أن تكون هذه الأعمال مخالفة لمصلحة الشركة.
و على هذا الأساس، فما هي الأفعال المكونة للاستعمال المُجَرم؟.
إنّ الاستعمال الذي يقصده المشرع هو " الاستخدام" و لو بطريقة مؤقتة بنية الإرجاع، فيعتبر استعمالا الاستفادة من قروض، تسبيقات، سيارات، عتاد أو حتى موظَّفي الشركة بدون حق، فقد جاء في قرار محكمة النقض الفرنسية الصادر بتاريخ 28 نوفمبر 1994"أن جنحة الاستعمال التعسفي لأموال الشركة تكون قائمة إذا لم يتمكن مسيرها من تقديم أيّ تبرير يؤكد أن مصاريف المهمة و الاستقبال و كذا مصاريف النقل ومصاريف التنقل كانت لفائدة و مصلحة الشركة"(3)، فمفهوم الاستعمال الذي أقره القضاء الفرنسي هو مفهوم واسع جدا كما أنه مفهوم يكفي نفسه، بمعنى أنه لا يتطلب و لا يتضمن أي تملك للشيء المستعمل، فقد أدانت محكمة النقض الفرنسية بجريمة الاستعمال التعسفي لأموال الشركة، مسير شركة ذات مسؤولية محدودة قام باقتطاعات من أموال هذه الأخيرة بموافقة الشركاء و تحت عنـوان " تسبيقات للموظفين"، إذ أكـد المتهم أن هـذه المبالغ المقتطعة لا تمثل سوى " تسبيقات" و أن هذا المصطلح يتضمن نية الإرجاع(4).
و هذا المصطلح مخالف لمصطلح الاختلاس الذي يتضمن نية التملك و الذي يمثل عنصرا في الركن المادي لجريمة خيانة الأمانة طبقا للمادة 376 من قانون العقوبات الجزائري فالجريمة لا تقوم إلا إذا اعتبر الأمين أن المال المؤمن عليه هو ملكه الخاص له أن يتصرف فيه كما يشاء و هذا يشكل أحد أوجه الاختلاف بين الجريمتين.
»Le fait de se servire de quelque chose », Définition contenue dans : Dictionnaire 1أنظر: encyclopédique Larousse, éd. Librairie, p : 1444.
2 - 3أنظر: Jacques MESTRE Christine BLANCHARD SEBASTIEN.LOC.CIT, p:298, §667.668.
Eva JOLY, Caroline JOLY -BAUMGARTNER : OP.CIT, p:58. : 4 أنظر
و عليه، و ما دام تملك الأموال غير ضروري لقيام جريمة الاستعمال التعسفي لأموال الشركة فإن إعادة المبالغ المستعملة لا تنفي الجريمة، فقد جاء عن محكمة النقض الفرنسية في قرار صادر بتاريخ 8 مارس 1967 أن الجريمة تبقى قائمة في حق مسير حوّل إلى رصيده الخاص مبالغ تعود للشركة متحجِّجا بأن هذه المبالغ قد استعملت فيما بعد لدفع أجرة العمال دون تقديم الدليل على ذلك(1).
أما إذا كان مصطلح "الاستعمال" يتضمن القيام بعمل إيجابي فهل الامتناع(*) الذي ُيلحق ضررا بمصلحة الشركة يقيم الجريمة ؟.
إن الامتناع –وإن كان القضاء يجمع على إمكانية تطبيقه على جريمة التعسف في استعمال السلطات و هي جريمة لها نفاذ مستمر، لأنها تستمر طالما يزال المسير في مركز لممارسة السلطة التي يرفض استعمالها(2) –، لا يعدو إلا أن يكون محركا لقيام المسؤولية المدنية للمسير و لا يتعداه إلى تحريك المسؤولية الجزائية لهذا الأخير تحت عنوان التعسف في استعمال أموال الشركة(3)، إلا أنّ القضاء الفرنسي قد أقر حالات استثنائية اعتبر فيها أنّ الامتناع البسيط يمكن أن يشكل تعسفا في استعمال أموال الشركة و تبعا لذلك اعتُبر مرتكبا للجريمة مسير الشركة الذي يمتنع عن تخفيض أُجرته عندما تتعرض هذه الأخيرة لخسائر (4)
إضافة إلى ما تقدم ذكره، هناك مسألة مهمة في عنصر الاستعمال تتعلق بوقت ارتكاب الجريمة، فالأصل أن يكون آليا أي له طابع فوري يتحقق في وقت واحد، و تكمن الصعوبة في وجود فارق بين قرار الاستعمال و نتيجة هذا الأخير، كما أنه قد يمتد الاستعمال في الوقت و يكون مستمرا، و يكتسي تحديد وقت الاستعمال أهمية كبيرة خاصة في مسألة الاشتراك كما سنراه لاحقا.
Jacques MESTRE, Christine BLANCHARD-SEBASTIEN: IBID. أنظر:1
*الامتناع: هو إحجام شخص عن إتيان فعل إيجابي معين كان المشرع ينتظره في ظروف معينة.
2أنظر: Didier REBUT: Abus de Bien Sociaux. Juriss classeur.(Recueil V Société).Rep,Société. DALLOZ-Août 1997,p: 04§19.
Jacques MESTRE, Christine BLANCHARD-SEBASTIEN :IDEM. أنظر: 3
4 أنظر:Eva JOLY, Caroline JOLY-BAUMGARTNER: OP.CIT, p.60.
و تجدر الإشارة إلى أن الهدف من سَنِّ جريمة الاستعمال التعسفي لأموال الشركة هو خلق شعور جزائي و ذلك بتجريم تصرف غير مُعاقب عليه على أساس جريمتي النصب و خيانة الأمانة، و المتمثل في استعمال المسيرين لأموال الشركة بشكل يُعرض هذه الأخيرة لأخطار غير مستحقة، فهذا الفعل لوحده -المتمثل في الاستعمال الذي يكون مخالفا لمصلحة الشركة- يقيم الجريمة، و بالتالي لا يُعتد بالضرر الذي ترتب عنه و الذي يشكل نتيجة محتملة و غير ضرورية لهذا الفعل، و بالتالي لا ينبغي للقاضي اشتراط الضرر في هذه الجريمة إذ يتعلق الأمر بشرط غير مذكور في النصوص القانونية المجرِّمة للفعل.
ثـانيـا: موضـوع الاستعمــال
إن فعل الاستعمال بالمعنى الذي ذكرناه آنفا يقع على مال الشركة، لهذا فالسؤال الذي يُطرح في هذا الصدد يتعلق بمعرفة طبيعة هذا المال؟.
تعتبر جريمة الاستعمال التعسفي لأموال الشركة الأكثر شيوعا من الناحية العملية بالمقارنة مع جرائم التسيير الثلاث الأخرى المتمثلة في جريمة الاستعمال التعسفي لاعتماد الشركة، و جريمة الاستعمال التعسفي لسلطات المسيرين، و جريمة الاستعمال التعسفي للأصوات، و عليه نكون أمام أربعة جرائم تختلف من حيث الموضوع أو بتعبير آخر تختلف من حيث محل الاستعمال مع أنها تتفق في جميع العناصر الأخرى بشكل يستحيل معه التمييز بينها، إلا أنه لكون موضوع المذكرة يقتصر على دراسة الاستعمال الواقع على أموال الشركة، فإننا سنقتصر في الدراسة على موضوع الاستعمال في جريمة الاستعمال التعسفّي لأموال الشركة و لا نتعداه إلى مواضيع الجرائم الأخرى، مع لفت النظر إلى أن جميع النصوص المعاقبة على هذه الجرائم تميز بين جريمتي التعسف في استعمال الأموال و الاعتماد من جهة، و جريمة التعسف في استعمال السلطة و الأصوات من جهة أخرى، لذلك تسميان بالجرائم التوأم(1).
1أنظر: Jacques MESTRE Christine BLANCHARD-SEBASTIEN.IDEM297§665, p306§683
- لقد تم النص على جريمة التعسف في استعمال الأموال و اعتمادات الشركة في المواد: 800 فقرة4 و 811 فقـرة3
و 840 فقرة1 من القانون التجاري الجزائري و جريمة التعسف في استعمال السلطات و الأصوات في المواد: 800
فقرة5 و 811 فقرة4 من نفس القانون.
إنّ مصطلح الأموال الوارد في النصوص المعاقبة على الاستعمال التعسفي لأموال الشركة مستعار من القانون المدني، و يطلق مصطلح الأموال في هذا القانون على الحقوق المالية جميعا أيّا كان نوعها أو محـلها ما دامت تلك الحقوق ذات قيمة مالية، ولذا يُعبَّّر عنها بالأمـوال لأنه يمكن تقييمها بالنقود و تدخـل في دائرة التعامل و محلها الأشيـاء.
و تقسم الحقوق المالية إلى: حقوق عينية، حقوق شخصية، و حقوق معنوية(1).
و بناءا على ذلك فالمال في جريمة الاستعمال التعسفي لأموال الشركة يؤخذ بمعناه الواسع، فهو كل قيمة إيجابية في الذمة المالية للشركة، سواء كـان مالا منقولا أو عقارا، أو مالا ماديا أو معنويا، الظـاهر في حسابات الشركة أو المستتر، و يستوي في ذلك أن يكون هذا المال عـاما تابعا للدولة أو خاصا تابعا للخواص، بمعنى أنّ أصول الشركة تشمـل مجموع الأمـوال الثابتة و المنقـولة، و الملكية الأدبية و الصناعية، المكونة للذّمة المالية للشـركة، و التي تخصص لتحقيق غرضها دون أن يكون هناك تمييز بين رأس المـال و الاحتياطات أي كل عقاراتها، و منقولاتها، و عتادها، و مخزونها، ومساكنها و ما لها من ديون و حقوق و إيجارات، و كذلك الأموال المعنوية من علامات و براءات، إلا أنه غالبا ما تقع الجريمة على أموال أي أصول الشركة بمعنى النقود، كأن يُخصص مسير الشركة لنفسه أجرا مُبالغا فيه، أو يسحب من الصندوق مبالغ يستعملها لأغراضه الشخصية، و لقد اعتبر القضاء الفرنسي استخدام أدوات أو عمال و أجراء الشركة بهدف القيام بأعمال في مسكن المسير يشكل استعمالا لأموال الشركة تعسفا، فضلا على أنه يمكن أن يكون محلا للاستعمال التعسفي لأموال الشّركة، زبائن الشركة الذين يمثلون العنصر الأساسي للمحل التجاري و جزءا من الذمة المالية. ففي حكمها الصادر بتاريخ 01/06/1993 في فضية دووي « DOUAI » اعتبرت محكمة النقض الفرنسية مرتكبا لجريمة الاستعمال التعسفي لأموال الشركة المسير الذي حوّل الزبون الرئيسي للشركة التي يرأسها إلى شركة أخرى التي أنشئت بهدف الاستمرار في نشاط الأولى التي كانت على وشك إعلان إفلاسها.
1 أنظر: د/إسحاق إبراهيم منصور: نظريتا القانون و الحق و تطبيقاتها في القوانين الجزائرية، ديوان المطبوعات
الجامعية، الجزائر 1987، ص 297.
كما اعتُبر استعمال مسير شركة ذات مسؤولية محدودة لقرض مُنح لها من طرف شركة أخرى يتولى فيها مهمة الرئيس المدير العام تعسفا في استعمال أموالها، قرار صادر بتاريخ 17 أكتوبر 1973، و في قرار آخر صادر بتاريخ 14 نوفمبر 1973 اعتُبر تَقاضي المسيِّرين لمنحةٍ مقابل تنازلهم على براءة اختراع مملوكة للشركة جريمة استعمال تعسّفي لأموال الشركة، و في قـرار لها صادر بتاريخ 22 أفريل 1992 اعتبرت الجريمة قائمة في حق المسيرين الذين حـوَّلوا مبلغا من المـال من حساب الشركة على حساب رئيس البلدية بنية رشوَته من أجل أن يتخـذ قـرارا لفائدة الشركة عند توزيع صفقة للنقل المدرسي(1).
و قد يكون الاستعمال عن طـريق التمويل كتمويل الشركة قـرار تملك أو اكتساب مال معين لا يعود بالفائدة عليها كشراء محل تجاري لفائدة المسير(2).
إلا أنه يُشترط أن تكون الأموال محل الجريمة مملوكة للشركة و إلا فلا أساس لقيامها كأن توجد بين يديها على سبيل الإيداع فإذا استعملها المسير عوقب على أساس جرائم القانون العام.
و تدخل الأشياء المستأجرة في المفهوم الواسع للأموال موضوع الجريمة، باعتبار أنّ هذه الأشياء قد تم استئجارها بأموال الشركة أي أن أموال هذه الأخيرة التي استُعملت لتسديد مقابل الإيجار -و التي هي ملك للشركة- هي التي تكون محلا لجريمة الاستعمال التعسّفي لأموال الشركة و ليس الشيء أو العين المستأجرة.
أما فيما يخص الاعتماد المالي للشركة، فهذا الأخير كأموالها يجب أن يأخذ بشكل واسع، و يقصد به في المعنى الاقتصادي الواسع قدرتها على القرض، و منه ائتمان الشركة يجب أن يفهم بأنه ملاءتها المالية و قدرتها على الوفاء أو القرض، أو على الضمان أو على الكفالة و هو أيضا بشكل أوسع سمعتها و الثقة و المصداقية التي تحصلت عليها من خلال تواجدها في عالم الأعمال.
1 أنظر: Jacques MESTRE, Christine BLANCHARD-SEBASTIEN:LOC.CIT, p, 300§671.
2 أنظر: Eva JOLY, Caroline JOLY-BAUMGARTNER :LOC.CIT, p, 68.
و من قبيل استعمال المسير للاعتماد المالي للشركة استعمالا مخالفا لمصلحتها تعريض قدرة هذه الأخيرة على لوفاء لخطر الإفقار أو العجز المالي الذي ما كان يجب أن تتعرض له، كما يعتبر تعسفا، استعمال المسير بدون أي تبرير لتوقيع الشركة لضمان دَين شخصي، و لا يهم بعدئذ أن يكون هذا الخطر محققا أم لا، كما لا يهم أن تكون العملية قد عادت بالفائدة على الشركة.
و في هذا الصدد، يجب التفرقة بين الاستعمال التعسفي لاعتماد الشركة و الاستعمال التعسفي لأموالها من حيث الأثر الذي يتركه كل منهما على الذمة المالية لهذه الأخيرة.
ففي التعسف في استعمال الاعتماد المالي، الشركة لا تتحمل مباشرة المساس بذمتها المالية، لأن هذه الحالة لا تتحقق إلا عند المطالبة بالكفالة مثلا، إذ أن الجريمة تقوم بمجرد تعريض الشركة لخطر غير مستحق من أجل تلبية أغراض شخصية، و في المقابل من ذلك، فإن مجرد الاستعمال البسيط لأموال الشركة يحمل هذه الأخيرة إفقارا فوريا أو شبه فوري في ذمتها المالية.
الفـرع الثانــي
الاستعمـال المخالـف لمصلحـة الشركـة.
يعاقب المسير لأموال الشركة إذا استعملها خلافا لمصلحتها، و هذا العنصر المكون للجريمة هو الأكثر صعوبة من حيث الإحاطة به.
و عليه، و من أجل تقدير ما إذا كان استعمال الأموال مخالفا لمصلحة الشركة فإنه من الضروري تعريف مصلحة الشركة أو كما عبر عليه الأستاذ فرانسيس لوجون(1) « L’indéfinissable intérêt social »، و الذي سيكون محل الدراسة فيما يلي، ثم سنتناول تحديد المعايير التي تسمح بتقدير مصلحة الشركة في الفقرة الثانية.
Annie MEDINA : OP.CIT, p, 79. أنظر:1
أولا: مفهـوم مصلحـة الشركـة.
ثمة فكرتين أو نظريتين متقابلتين حول تعريف مصلحة الشركة و هما تتعلقان في الحقيقة بتصورين مختلفين حول الطبيعة القانونية للشركة، و هاتين النظريتين تتعايشان معا و إن كانت تستقل إحداهما عن الأخرى.
فذهبت الأولى إلى اعتبارها عـقدا تطبق عليه القواعد العامة في العقـود، فالشركاء فيه يخضعون لحرية التعـاقد و سلطان الإدارة(1)، واعتبرتها الثانية نظاما قانونيا أكثر منها عقدا(2) (مؤسسة،INSTITUTION ) لأن العقد الذي تنشأ عنه يؤدي إلى إبراز كائن قانوني جديد مستقل عن العناصر البشرية و المادية التي تشكله، و تبعا لذلك حُدِّدت مصلحة الشركة على عدة تصورات نظرية.
ففي نظرية "الشركة عقد" تختلط مصلحة الشّركة بمصلحة الشركاء حيث يعتبر أنصار هذه النظرية أن الشركة " لم تنشأ من أجل إرضاء مصلحة أخرى غير مصلحة الشركاء الذين لهم وحدهم أهلية اقتسام أرباح الشركة فيما بينهم"(3).
و في مواجهة هذا الفريق، هناك فريق آخر يفسر مصلحة الشركة بأنها مصلحة المؤسّسة، حيث اعتبر أنّ مصلحة الشركة يمكن أن تعرف بأنها المصلحة العليا للشخص المعنوي في حد ذاته و الذي تكون له مصلحة مختلفة عن مصلحة الشركاء، فكلا من المؤسسة و الشركة هما وجهان لنفس النظام، فالمؤسسة هي حقيقة اقتصادية و الشركة هي النظام القانوني لها.
فضلا عن هاتين النظريتين، هناك نظرية ثالثة تذهبت إلى أنّ مفهوم مصلحة الشركة هو تصور مختلط، فهو يغطي تارة مصلحة الشركاء وتارة أخرى مصلحة المؤسسة، و أساس ذلك أنّ الشركاء هم الذين أنشؤا الشركة وبالتالي يبدو من الطبيعي لأخذ بعين الاعتبار هذه الشرعية، إلا أن مصلحة الشركة هي أيضا مصلحة الشخص المعنوي فـي
1 أنظر: د/ أحمد محرز: القانون التجاري الجزائري-الجزء الثاني- الشـركات التجارية:الأحكـام العامـة-شـركات
التضامن-الشركة ذات المسؤولية المحدودة-شركات المساهمة-الطبعة الثانية،1980، ص 08.
2 أنظر: د/ ثروة عبد الرحيم: موسوعة القضاء و الفقه للدول العربية، الجزء 96، الدار العربية للموسوعات، بيروت لبنان، بدون طبعة، ص26.
3 أنظر Annie MEDINA : LOC.CIT.
حدّ ذاته و المتميزة عن تلك المتعلقة بالشركاء(1)، و أن جريمة الاستعمال التعسفي لأموال الشركة لا ترمي إلى حماية مصلحة الشركاء فحسب، و إنما أيضا إلى حماية الذمة المالية للشّركة و مصالح الغير المتعاقدين معها.
و نحن نوافق هذا الرأي لوجاهته، كون مهما حاولنا السعي للوصول إلى فرق واضح بين مصلحة الشركة و مصلحة الشّركاء و مصلحة الغير إلاّ أنه في النهاية يبقى الارتباط أمرا حتميا بين هذه المصالح بهلاك إحداها تَهلِك الأخريات، هذا ما ذهبت إليه محكمة النقض الفرنسية في قراراها المؤرخ في 21 مارس 1979(2).
و دائما فيما يتعلق بمصلحة الشركة نجد أن القانون الفرنسي -عكس القانون الجزائري- يفرق بين ما إذا كان الاستعمال المخالف لمصلحة الشركة قد تم في إطار شركة مستقلة على النحو الذي تقدم أعلاه، أو في إطار ما يعرف بمجموع الشّركات، الشيء الذي لم ينص عليه القانون الجزائري(*)، بمعنى أنّ المسألة لا تتعلق بالعمليات التي تتم بين الشركة و أحد مديرها و إنما تتمثل في العمليات التي تتم فيها التضحية بمصالح الشّركة لفائدة شركة أخرى يكون للمدير مصلحة فيها(3).
و لم تبيِّن النصوص القانونية أية طريقة خاصة لتقدير مصلحة الشّركة عندما تكون هذه الأخيرة مرتبطة بشركات أخرى متواجدة ضمن المجموع، إلا أنّ قرار محكمة النقض الفرنسية بتاريخ 4 فيفري 1985 المتعلق بقضية « روزنبلوم، ROZENBLUM » اعتبرت فيه أن الإعانة المالية المقدمة من شركة لأخرى المتواجدة في نفس المجموع "يجب أن تمليه المصلحة الاقتصادية، الاجتماعية، أو المالية المشتركة و المقدرة بالنظر إلى السياسة المقررة لهذا المجموع، كما يجب ألاّ تكون عديمة المقابل أو تقطع التوازن بين الالتزامات المتعلقة بمختلف الشركات المعنية، و ألاّ تجاوز الإمكانيات المالية للشركة التي تتحمل العبء".
1 أنظر: Annie MEDINA :IBID, p.91.
2 أنظر: Jacques MESTRE, Christine BLANCHARD-SEBASTIEN: LOC.CIT, p: ,298§668. * المشرع الجزائري نص في المادة 796من القانون التجاري على ما يعرف " بالتجمعات" إلا أن التجمع يتمتع بالشخصية المعنوية عكس مجموع الشركات في القانون الفرنسي و هذا ما جاء في المادة 799مكرر من نفس القانون وهذا فالمشرع لم يتركه مبهما، بل أحاطه بإطار قانوني محدد و نظم إنشاؤه و حله بموجب المواد 796إلى799 مكرر4
3 أنظر: Jacques MESTRE Christine BLANCHARD-SEBASTIEN : IBID, p, 853§1932.
و منه يتبين أنّ الفعل المبرر لمصلحة المجموع لا يؤخذ به إلا إذا اجتمعت ثلاثة شروط.
1- أنه من الضروري أن تتواجد الشركة فعلا في إطار مجموع الشركات.
2- يجب ألا يكون استعمال أموال و اعتماد الشّركة في المجموع لصالح شركة أخرى بدون مقابل.
3- أنّ الشركة المعنية لا يجب أن تكون موضوع تضحية لحساب مصلحة المجموع.
ثانيـا: تقديـر الفعـل المخالـف لمصلحـة الشركـة.
سنتناول في هذه النقطة أهم العناصر المساعدة على تقدير الفعل المرتكب و معرفة مدى مطابقته لمصلحة الشركة أو عدم مطابقته حتى تقوم جريمة الاستعمال التعسفي لأموال الشركة، فالسؤال الذي يثور لأول وهلة يتعلق بمن يمكنه أن يَبُتَّ في مطابقة الفعل للمصلحة الاجتماعية للشركة؟.
إن القاضي الجزائي وحده يعتبر صاحب السلطة في تقدير الوضعية و تقرير ما إذا كانت الأفعال محلّ المتابعة مخالفة أو غير مخالفة لمصلحة الشركة، و لا يؤخذ بالتقدير المقدم من قبل مسيري الشركات على اعتبار أن هذا التقدير في حد ذاته هو محل نقاش أمام القاضي الجزائي، غير أن هناك أقلية من الفقه تعتبر أن الشركاء وحدهم مؤهلين لتعريف مصلحة الشركة ذلك لأنهم هم المعبرين عن إرادة الشركة، كما أن القاضي لا يمكنه التدخل في تسيير الشركة، إلا أن هذا الرأي يجانب الواقع على اعتبار أن ترك تحديد مصلحة الشركة بيَد الشركاء يمس بمصالح الغير المتعامل معها، كما أن التسليم بهذا الرأي يعتبر إذنًا للشركاء بأن يرخصوا للمسيرين ارتكاب المخالفة، و هنا يثور التساؤل حول أثر موافقة الشركاء أو المساهمين على أفعال المسير؟.
يمكن الإجابة بأن الموافقة المقدمة من الشركاء أو المساهمين سواء جاءت قبل أو بعد العملية المجرّمة لا تزيل الطابع المجرم عن هذه الأفعال لأن الأساس في تجريمها هو وجوب حماية الذّمة الماليّة للشركة، و هذا هو موقف محكمة النقض الفرنسية في العديد من قراراتها منها القرار الصادر بتاريخ 21 مارس 1979 السابق الإشارة إليه.
و لذلك يذهب أغلبية الفقه إلى تقدير مخالفة الفعل لمصلحة الشركة بالنظر إلى الضرر الذي يسببه لها، و هكـذا -و بالاستناد إلى الضرر الذي تتحمله الشركة-، يكون الفـعل المخـالف لمصلحتها هـو ذلك الفعل الذي يصيبها في ذمتها المـالية، فيكون الضرر فوريا في حالة التعسف في استعمال الأموال، أما فيما يتعلق باستعمال ائتمان الشركة، فيكون مخالفا لمصلحتها إذا عرّض ذمتها المالية إلى خطر غير عـادي أو يؤدي إلى فقر هذه الأخيرة، و كذلك الشأن في تقدير الفعل المخالف لمصلحة الشركة عند استعمال السلطات، ففي هاتين الحالتين لا يكون للضرر أثر فوري، غير أنه بالرجوع إلى النّصوص المتعلقة بجريمة لاستعمال التعسفي لأموال الشركة نجد أنها لا تستلزم لقيامها أن يلحق الشركة ضرر فهذه الجريمة لا تكترث و لا تتطلب هذا الشرط فهي تبقى قائمة رغم غيابه(1).
و عليه نخلص إلى أنّ الفعل المضر بالشركة هو المخالف لمصلحتها و للقاضي سلطة تقدير ذلك، لكن الصعوبة تكمن في معرفة إذا ما كان الفعل الذي يعرض الشركة لخطر الخسارة هو مخالف لمصلحتها أم لا ؟.
مما تجدر الإشارة إليه في هذا الشأن هو وجوب التفرقة بين الخطر العادي الذي يتضمنه كل قرار تسيير عادي صادر عن المسير(2) و المتعلق بتسيير أية شركة، و بين الخطر غير عادي الذي يقيم جريمة الاستعمال التعسفي لأموال الشركة و الذي يتمثل في الأخطار الاستثنائية الناتجة عن تصرفات المسير غير الطبيعية.
كما يدخل أيضا في تقدير الفعل المخالف لمصلحة الشركة عنصر الوقت، فتقدير الأخطار أو اجتماع العناصر المكونة لجريمة الاستعمال التعّسفي لأموال الشركة يتم بالرجوع إلى وقت ارتكاب الأفعال حسب المبدأ المعمول به في القانون الجزائي، فعمل المسير المخالف لمصلحة الشركة يعتبر جنحة وقت ارتكابه حتى و إن ترتبت عنه نتيجة إيجابية فيما بعد.
1 أنظر: د/أحسن بوسقيعة، الوجيز في القانون الجزائي الخاص، الجزء الثاني، ص104.
2 أنظر: Eva JOLY, Caroline JOLY-BAUMGARTNER :OP.CIT, p 100.
أمّا الدليل على أن الفعل جاء مخالفا لمصلحة الشركة فيبدو صعب التحقيق، وما يلاحظ في هذا الشأن أن الصعوبة في الإثبات تزيد و تعزز عندما نعلم أن ارتكاب الفعل بسوء نية و قصد تحقيق مصلحة شخصية هما شرطان و عنصران مكونان للجريمة، و هذا ما سنحاول التطرق إليه في المطلب الموالي.
المطلـب الثانـي
العنصـر المعنـوي لجريمـة الاستعمـال التعّسفـي لأمـوال الشركـة
لقد سبقت الإشارة إلى أن العنصر المادي لجريمة الاستعمال التعسفي لأموال الشركة قد تم تصوّره بطريقة واسعة جداً، إذ أنّ مجرّد استعمال المسير أموال الشركة استعمالا مخالفا لمصلحتها يمكن أن يشكل موضوعا للجريمة، و عليه يمكن أن تندرج في إطارها أعمال التسيير الخائبة أو السيئة، و لذلك فقد كان من الضروري التأكيد على الطابع الاحتيالي للفعل، إذ هو وحـده يسمح بتمييز التعسف المعاقب عليه جزائيا عن أعـمال التسيير السيئة، و يتضح من النصوص المعاقبة على جريمة الاستعمال التعسفي لأموال الشركة أنها تندرج ضمن الجرائم التي يُستلزم فيها قصدا جنائيا ذو شقين، عام يتمثل في سوء نية المسير، و خاص يتمثل في الهدف الأنانِي لتحقيق أغراض شخصية، هذا ما سنحاول دراسته من خلال الفرعين التاليين على التوالي.
الفـرع الأول
استعمـال المـال بسـوء نيّـة
إنّ جريمة الاستعمال التعسفي لأموال الشركة التي هي جريمة عمديّة يتطلب القصد العام فيها توجيه إرادة الجاني إلى ارتكاب الجريمة مع علمه بارتكابها و هو ما يميّز هذا النوع من الجرائم على الجرائم غير العمديّة، و انطلاقا من ذلك سنتطرق فيما يلي إلى المقصود بسوء النية في جريمة الاستعمال التعسفي لأموال الشركة ثم إلى معاينتها.
أولا: تعريـف سـوء النيـة
عرفها الأستاذ أحسن بوسقيعة بقوله" فأما القصد العام فيتحقق بتوافر سوء النية و هو أن يأتي الجاني عن وعي و إرادة، بفعله لأغراض شخصية، بصفة مباشرة أو غير مباشرة، و هو يعلم أن فعله مخالف لمصلحة الشركة"(1).
و المصطلحات التي يستعملها المشرع عادة للتعبير عن هذه النية المجرمة تختلف من نص إلى آخر و تتمثل عموما في "عمدا"، "عن قصد"، إراديا"، "غشا"، "عالما"، "بسوء نية".
و في هذا الإطار تُحدد النصوص بدقة أن المسير الذي يرتكب جريمة الاستعمال التعسفي لأموال الشركة قد كانت له إرادة ارتكابها، و هذا ما يستشف من العبارات الواردة في المواد 800 فقرة 4 و 811 فقرة 3 و المادة 840 فقرة 1 من القانون التجاري الجزائري"المسيرون الذين استعملوا عن سوء نية أموالا..." كما تفترض علمه المسبق بالطابع المخالف لهذا الاستعمال لمصلحة الشركة ، و هذا ما تنص عليه نفس المواد بأنه:"...استعمالا يعملون أنه مخالف لمصلحة الشركة..."، وعلى هذا الأساس فسوء النية لا يكمن فقط في إرادة ارتكاب الفعل و إنما أيضا في العلم بانحراف عمل المسير عن هدفه العادي، بمعنى أنه عالم بالطابع التعسفي للفعل المؤاخذ عليه.
و النصوص المجرِّمة تستلزم سوء النية من جهة و علم المسير بأن الفعل المرتكب مخالف لمصلحة الشركة من جهة أخرى، إلا أنه في الحقيقة و الواقع يصعب التمييز بينهما، لكن هذا الشرط المزدوج في القانون (سوء النية، و العلم) قد يجعل متابعة مرتكب هذه الجريمة أمرا صعبا، فهل يمكن للمسير أن يتمسك بحسن نيته للهروب من تطبيق القانون عندما يتبين أنّ فعله قد جاء مخالفا لمصلحة الشركة ؟.
يمكن أن نجيب على هذا التساؤل بالقول أن المسير و إن ادعى حسن النية فإن تحقيق الفعل الذي أتاه لمصلحة شخصية له يتعارض أصلا مع مصلحة الشركة و بالتالي يبطل هذا الإدعاء، فتعارض الفعل مع مصلحة الشركة يقيم الدليل على سوء النية.
1 أنظر: د/أحسن بوسقيعة، المرجع السابق، ص109.
إلا أن تخيل الأمر بشكل عكسي لا يعطي بالضرورة نفس الصورة، فمن لا يعلم أن فعله مخالف لمصلحة الشركة لا يعتبر سيء النية، و في هذا المعنى فإن الخطأ في التسيير و لو كان جسيما فهو لا يكفى لقيام جريمة الاستعمال التعسفي لأموال الشركة، و نفس الشيء بالنسبة لجريمة الإهمال البسيط، و هذا ما يدل على عدم التطابق بين النية و الخطأ.
فالعلم أنّ الفعل المرتكب مخالف لمصلحة الشركة هو شرط ضروري لوجود العنصر المعنوي و هذا ما يستخلص صراحة من النصوص المجرمة.
أما فيما يتعلق بمسألة عدم الكفاءة إذا ما كانت تعفي أم لا من المسؤولية؟.
اتجه القضاء في فرنسا و على رأسه محكمة النّقض إلى أن احتجاج المسيرين المتّهمين بعدم الكفاءة لا يعفيهم من المسؤولية، فقد قضت محكمة الاستئناف بباريس في قرار لها بسوء نية المسيرة التي أصبحت شريكة في تصرفات مسيّرِي الشركة القدامى على أساس أنه لا يمكنها جهل الطابع الإجرامي لهذه التصرفات "باعتبارها صاحبة شهادة مختصة في التجارة"(1).
ثـانيـا: معـاينـة وجـود سـوء النيـة
كما تقدم شرحه، فإن العنصر المعنوي (القصد العام) في جريمة التعسف في استعمال أموال الشركة يحتوي في طياته على شرط مزدوج يتمثل في النية السيئة و العلم بمخالفة الفعل لمصلحة الشركة.
إلا انه يتبين من أحكام القضاء أنها لا تستخرج دائما و بصفة واضحة كلا منها على حِدا فالقاضي يأخذ بمعاينة أحادية للنية دون الأخذ صراحة بهما معا.
و تبعا لذلك فإن محكمة النقض الفرنسية تعتبر أحيانا أن العنصر المعنوي للجريمة يتحدد بالعلم بأنّ هذا الفعل المجرم يمس بمصلحة الشركة دون الاستناد إلى سوء النية، فالقانون لا يشترط نية الإضرار، و أحيان أخرى لا تهتم بمعانية العلم و إنما تكتفي فقط بإثبات ارتكاب الفعل بسوء نية.
1 أنظر: Annie MEDINA: OP. CIT, p. 203.
و السؤال الذي يطرح في هذا الإطار، على من يقع عبء الإثبات ؟.
يعود على النيابة العامة عبء إحضار الدليل على اجتماع عناصر الجريمة حتى تتم المحاكمة، إلاّ أنّ صعوبة إثبات العنصر المعنوي للجريمة جعل القضاء يعتبره شيئا مفترضا من الماديات، و هذا راجع للرابطة الوثيقة التي يمكن أن توجد بين العنصر المادي و المعنوي(1).
هـذا و إنّ إثبات النية هـو في غاية الأهمية لأنه هـو الحد الفاصل بين جريمة الاستعمال التعسفي لأمـوال الشركة و جرائم أخرى، و كـذا بينها و بين المسؤولية المدنية التأديبية، و يستخلص الدليل على سوء النية من الظروف و الأفعال المادية مثل إخفاء بعض العمليات، إصدار شيك أو سفاتج مجاملة، عدم انتظام كتابات المحاسبة...الخ.
الفـرع الثـانـي
استعمـال المـال للمصلحـة الشخصيـة.
إنّ القصد الخاص لا يوجد بصفة مستقلة و لا تقوم به الجريمة، كما أنه لا يقوم بدون القصد العام، و يُقال على القصد الخاص أنه الباعث، و هذا الأخير هو المصلحة أو الإحساس الذي قد يدفع الجاني إلى ارتكاب الفعل، و في جريمة الاستعمال التعسفي لأموال الشركة يكون الباعث هو تحقيق مصلحة أو أغراض شخصية، أو تفضيل شركة أو مؤسسة أخرى تكون لمرتكب الفعل فيها مصالح مباشرة أو غير مباشرة، و هذا ما سنتناوله في النقطة الأولى من هذا الفرع أما الثانية فسنخصصها لإثبات القصد الخاص.
1 أنظر:Annie MEDINA :LOC.CIT, 210.
أولا: تعريـف المصلحـة الشخصيـة.
إنّ المصلحة الشخصية، و حسب التعريف الوارد في القانون هي أن يكون هذا الاستعمال قد تم " لتلبية أغراض شخصية أو تفضيل شركة أو مؤسسة أخرى تكون للمسير فيها مصالح مباشرة أو غير مباشرة "، و من ذلك نستنتج أن الباعث أو النية الخاصة أو القصد الخاص هو عنصر من عناصر الجريمة داخل في تكوين القصد الجنائي -إضافة إلى العلم و سوء النية السابق شرحهما و اللذان يكونان القصد العام-، إلاّ أنّ المنطق يفترض أن المصلحة الشخصية تتضمن العلم و سوء النية.
و لا يقتصر القانون على معاقبة الأساليب المتبعة من المسير في استعمال أموال الشركة لتحقيق هدف شخصي فقط، بل أيضا تلك الأكثر اتقانا و تعقيدا و المتمثلة في المرور بهياكل وسيطة حتى تحجب المصلحة الشخصية المباشرة، و عليه وجب التمييز بين المصلحة الشخصية المباشرة بتصرف الفاعل لتلبية أغراضه الشخصية، و غير المباشرة بتصرفه لحساب شركة أو مؤسسة أخرى.
و يمكن القول أن المصلحة الشخصية للمسير تحقق كلما قام بخلط ذمته المالية بالذمة المالية للشركة، و لا شك في أن صياغة هذا القصد الخاص بطريقة قليلة الدقة كانت إرادية، لأنها تسمح للجهات القضائية بتقديره بطريقة واسعة جداً، و عليه يمكن القول بوجود مصلحة شخصية مباشرة كلما كان الاستعمال يخدم مباشرة المصالح المالية أو المصالح المعنوية للمسير، فأما المصالح المالية فقد تكون بالإثراء، مثل أن يخصص لنفسه مبلغا غير مستحق، و قد تكون باجتناب الفقر، مثل تكفل الشركة من دون وجه حق بمصاريفه الشخصية.
أما المنفعة المعنوية، فغالبا ما تؤخذ بطريقة واسعة و هو مذهبُ محكمة النقض الفرنسية في العديد من أحكامها(1)، و مثال ذلك حماية علاقة شخصية، أو حماية سمعة العائلة، أو تحقيق مصلحة انتخابية، أمّا إذا كان المستفيد من الأفعال شخصا آخر غير المسيّر فمصلحة هذا الأخير تكون غير مباشرة، كأن تكون الأفعال المرتكبة لمصلحة أحد
1أنظر:Annie MEDINA :IBID, p216-217.
أعضاء عائلته، أقاربه، أو أصدقائه، كالأجر المدفوع بغير مقابل، وكأن يكون المستفيد من هذا الاستعمال شركة أو مؤسسة أخرى تكون للمسير فيها مصلحة مباشرة أو غير مباشرة والمصلحة الشخصية تعتبر أحد المميزات لجريمة الاستعمال التعسفي لأموال الشركة عن جريمة خيانة الأمانة التي لا تشترطها و إن كان الاختلاس المكون لجريمة خيانة الأمانة غالبا ما يرتكب لتحقيق مصلحة شخصية للفاعل.
ثانيـا: إثبـات المصلـحة الشخصيـة
إنّ عبء إثبات وجود المصلحة الشخصية يقع-كما هو الحال في عبء إثبات وجود سوء النية- على عاتق النيابة العامة و ذلك من خلال المعاينات المادية التي يقوم بها، إلا أنّ هناك حالات تقبل فيها المحكمة إسقاط العبء عنها، كوجود أدلة مثلا على اختلاس أموال لكن دون أي علم عن مصير استعمالها النهائي، مُلزمة بذلك المسير إثبات غياب المصلحة الشخصية، فضلا على أنّ القضاء الفرنسي قد أقام قرينة على وجود المصلحة الشخصية في حالتين هما حالة العمليات الخفية، و حالة الأفعال غير المبررة بطريقة كافية(1).
غير أن هذه القرينة -المؤسسة على أنه عند عدم التمكن من تبرير الطابع المهني للعملية فهي تعتبر قد تمت لتحقيق المصلحة الشخصية للمسير- قد كانت محلا للانتقادات إذ أنّ هذا الحل قد بدا مخالفا لافتراض البراءة في المتهم بالنسبة للبعض إلا أنّ البعض الآخر لا يجد فيها عيبا يذكر، لأن النفقات الموضوعة على حساب الشركة يجب أن ترفق بتبرير، و إذا كان هناك اقتطاع غير مبرر فمن الظاهر إذن أنه تم لمصلحة المسير، و بالتالي يقع عليه عبء إثبات أن هذه المبالغ قد استعملت لمصلحة الشركة بطريقة قانونية(2).
1 أنظر: -Eva JOLY, CarolineJOLY-BAUMGARTNER: OP.CIT, p:146. -Annie MEDINA : LOC.CIT, p : 226.
2 أنظر:Eva JOJY, Caroline JOLY-BAUMGARTNER: LOC.CIT, p: 144.
الفصـل الثانـي
الأحكـام الجزائيـة لجريمـة الاستعمـال التعسفـي لأمـوال الشركـة.
عرفنا في الفصل الأول من هذا البحث مجال تطبيق جريمة الاستعمال التعسفي لأموال الشركة من حيث الشركات، و العناصر المكونة لها، و سنحاول في الفصل الثاني التطرق إلى الأحكام الجزائية لهذه الجريمة.
و لِعـدم اختلاف هذه الجريمة عن غيرها، فإنها ترتكز على قواعـد القانون الجزائي فيما يتعلـق بالعقوبة، و على قواعد قـانون الإجراءات الجزائية فيما يتعـلق بمتابعة الجريمة، و تهتم هذه الأخيرة بالبحث في مدى توافر شرط التجريم من أجل تطبيق العقاب، و من هنا تظهر أهمية قانون الإجراءات الجزائية من حيث أنه ينقل قانون العقوبات من حالة السّكون إلى حالة الحركة.
غير أنه يكتنف الإجراءات الجزائية فيما يتعلق بجريمة الاستعمال التعسفي لأموال الشركة، بعض الصعوبات نظرا لاستخدام وسائل فنية و سريّة في اقترافها، و تزداد الصعوبة عندما يتعلق الأمر بالمسؤولية الناتجة عن الجريمة، و طريقة متابعتها و قمعها، و هذا ما سنتطرق إليه تبعا في المبحثين التاليين.
المبحـث الأول
المسؤوليـة المترتبـة عن جريمـة الاستعمـال التعسفـي لأمـوال الشركة
إنّ المسؤولية الجزائية تقوم أساسا على التزام بتحمل الآثار القانونية المترتبة على تحقق أركان الجريمة، فمفهومها مفاده أنّه من يقترف جريمة معينة عليه أن يتحمل العقوبة المقررة لها قانونا، و لا تقوم هذه المسؤولية إلاّ بتوافر الركن المادي و الركن المعنوي للجريمة، و أيضا إسناد هذه الأخيرة إلى شخص تتوفر فيه الأهلية لتقرير مسؤوليته الجنائية عنها، و هذا ما سنحاول التطرق إليه من خلال المطلبين التاليين فنخصص الأول للأشخاص المسؤولين، و الثاني للإعفاء من المسؤولية.
المطلـب الأول
الأشخـاص المسؤوليـن
لقد حدّدت النصوص المجرِّمة للاستعمال التعسفي لأموال الشركة و بصفة حصريّة الفاعلين، و عليه فإنها ليست من الجرائم الممكن ارتكابها من طرف الجميع خاصة و أنّ التفسير الضيق لقواعد القانون الجزائي يمنع امتداد مجال تطبيق هذه الجريمة إلى غير هؤلاء كفاعلين أصليين للجريمة، و لعل هذا فرق آخر بين جريمة خيانة الأمانة و هذه الجريمة موضوع الدّراسة.
و منه تختصّ جريمة الاستعـمال التعسفي لأموال الشركة بمعاقبة المسيرين في الشركة ذات المسؤولية المحـدودة بموجب المـادّة 800 فقرة 4 من القانـون التجاري الجزائـري، و رئيس مجلس الإدارة و المديرين العامين و القائمين بالإدارة في شركة المساهمة و ذلك بموجب المادّة 811 فقرة 3 من القانون المذكور، و كذا المصفي في جميع أنواع الشركات بموجب المادة 840 فقرة 1 من نفس القانون، بالإضافة إلى المسير الفعلي و ذلك بموجب المادة 805 منه، كما أنّ هناك أشخاص آخرون ينتمون إلى حَلقة أوسع تمكنهم من التدخل في حياة الشّـركة، سواء كانوا ينتمون أو لا ينتمون لمستخدمي الشّركة و الذين يمكن متابعتهم بصفتهم شركاء في الجريمة و على هذا الأساس سنقسم هذا المطلب إلى فرعين نتناول في أولهما الفاعل الأصلي في جريمة الاستعمال التعسفي لأموال الشركة، و الثاني نتطرق فيه إلى الشريك في الجريمة.
الفـرع الأول
الفاعـل الأصلـي فـي جريمـة الاستعمـال التعسفـي لأمـوال الشركـة
يختلف الأشخاص المعنيين بهـذه الجريمة باختلاف أنواع الشركات إلى مسيرين قانونيين و آخرين فعليين نحاول دراستهما تبعا:
أولا: المسيـر القانونـي للشركـة
إنّ الهيكل الإداري للشركة ذات المسؤولية المحـدودة يعبر عن طبيعتها باعتبار أنها من ناحية تقترب إلى حـد كبير من شركات الأشخاص فجـعل على رأسها مـديرا أو أكثر، و من ناحية أخرى وضعت الجمعية العامة للإشراف و الرقابة و هذا لاقترابها بعض الشيء من شركات الأموال، و مدير الشركة هو دائما شخصا أو أشخاصا طبيعيين يُِِِختارون من الشركاء أو من الغير، و لهؤلاء المسيرين سلطات واسعة تسمح لهم القيام بجميع الأعمال و التصرفات التي يرونها ضرورية لتحقيق أهداف الشركة، إلا أنه يُخشى منهم في مقابل ذلك أن يستعملوا هذه السلطات لتحقيق هدف مخالف لمصالح الشركة أو تحقيق هدف شخصي.
أما الهيكل الإداري في شركة المساهمة، -و نظرا لتميزها بكثرة المساهمين فيها حيث يعتبرون ملاًّكا لرأس المال، و بالتالي فإنهم يشتركون جميعا في إدارة الشركة- فقد تدخل المشرع لتنظيم توزيع الإدارة بين هيئات متعددة تتمثل في مجلس الإدارة، و جمعية المساهمين، و أخيرا هيئة المراقبين(1).
علاوة على أن المادة 811 فقرة 3 من القانون التجاري الجزائري، قد مددت تطبق الجريمة إلى الأشخاص القائمين بإدارة شركـة المساهمة الذين يمكن أن يكونـوا أشخاصا معنويين، و في هـذه الحالة يجب على الشخص المعنوي القـائم بالإدارة أن يختـار ممثلا دائما عنـه شخصا طبيعيا يخضع لنفـس الشـروط و الواجبات، و يتحمل
1-أنظر: د/أحمد محرز: المرجع السابق، ص 281.
-أنظر: المواد، من 610 إلى641 فيما يخص مجـلس الإدارة، و المـواد من 674 إلـى 685 فيما يخص جمعيـة
الساهمين، و أما هيئة المراقبين المواد من 715 مكرر 4 إلى 715 مكرر 29 من القانون التجاري الجزائري.
نفس المسؤوليات المدنيّة و الجزائية كما لو كان قائما بالإدارة باسمه الخاص، دون المساس بالمسؤولية التضامنية للشخص المعنوي الذي يمثله(1).
فالقائم بالإدارة -حسب النصوص القانونية- ليس مسيّرا للشركة، فهو مساهم فيها معين من طرف الجمعية العامّة من أجل ضمان سيرها، و بصفته الفردية هذه لا يمثل شيئا و إنما مجلس الإدارة هو الذي يتمتع بسلطات واسعة جدا من أجل التصرف -و في كل الظروف- باسم الشركة.
إلا أن جانبا من الفقه يختلف مع هـذه الصياغة و يعتبر أن مجلس الإدارة لا يقـوم إلا بالمداولة دون التصرف و إنما هـذه الامتيازات تعـود لرئيس مجلس الإدارة، و بالتالي و في السّير العادي لشركة المساهمة، إذا كان القائم بالإدارة ليس رئيسا للشركة فإنه لا يمكنه تسييرها و إذا قام بذلك فإنه يعتبر قد تصرف كمسير فعلي(2).
غير أنّ كل هذا الجدل الفقهي يصطدم في التشريع الجزائري بنّص المادّة 811 فقرة 3 من القانون التجاري الجزائري التي تعاقب صراحة القائم بالإدارة ليس على أساس أنه مسير فعلي و إنما على أساس اعتباره قائماً بالإدارة أي أخذه بصفته هذه "... و القائمون بإدارتها...".
أمّا المصفي، فيعرّف بأنه الشخص أو الأشخاص الذين يُعهد إليهم مباشرة العمليات اللازمة لتصفية الشركة، فهذه العملية تتم إما على يد جميع الشركاء، و إذا لم تتم كذلك فعلى يد المصفي الذي يتم تعينه من قِبل الشركاء أو من المحكـمة(3)، و مهما كانت طريقة تعيينه فمهـام و سلطات المصفي تكون متطابقة في جميع الحالات، و على خلاف المسيرين فهو لا يقوم بتسيير الشركة و إنّما تقتصر مهمته على تحقيق الأصول و تسديد الخصوم.
1 أنظر: المادة 620 من القانون التجاري الجزائري.
2 أنظر: Annie MEDINA: OP.CIT, p: 186&187. 3أنظر: د/ نادية فوضيل: المرجع السابق، ص 82 إلى 85.
هذا، و زيادة على العقوبات الجزائية المرتبطة بمخالفة التزامات معيّنة، تنص المادّة 840 فقرة 1 من القانون التجاري الجزائري على تطبيق جريمة الاستعمال التعسفي لأموال الشركة ضد المصفي، و هو ما يعتبر استثناءا يفسر من خلال الاختصاصات و المهام التي يمارسها المصفي خلال مرحلة التصفية التي تمنحه حرية تصرف واسعة في استعمال أموال و اعتمادات الشركة مستفيدا من تواجده في وضعية و ظروف تسمح له بارتكابها، إلا أنّ المصفي -عكس المسيرين- لا يكون محل متابعة بجريمتي الاستعمال التعسفي للسلطات و الأصوات، إذ لا اختصاص له فيها.
و جريمة الاستعمال التعسفي لأموال الشركة لا ينحصر تطبيقها في هذه الحالة على الشركات التي تخضع لها
لا تعتبر شركة المحاصة(1) نوعا من أنواع الشركات التي حددتها المادّة 544 فقرة 2 من القانون التجاري الجزائري أي شركة تجارية بحسب الشكل، و من ثمة فهي شركة بحسب الموضوع، فإن كان موضوعها مدنيـا، فهي شركة مدنية، أما إذا كان موضوعها تجاريا تطبق عليها أحكام شـركة التضامن، و يجب لقيام شركة المحاصة توافـر الأركان الموضوعية العامـة و الأركان الموضوعية الخاصة غير أنها لا تستلزم الأركان الشكلية من كتابـة و شهر(2).
و بما أن شركة المحاصة تخضع لأحكام شركات التضامن إذا كان موضوعها تجاريا، فإن جريمة الاستعمال التعسفي لأموال الشركة لا تطبق عليها لأنها من شركات الأشخاص كما سبق توضيحه، ضف إلى ذلك أنها لا تتمتع بالشخصية المعنوية فالشريك الذي استعمل أموال الشركة لمصلحته يتابع على أساس جريمة خيانة الأمانة.
ثالثـا: الشركـة غيـر المقيـدة فـي السجـل التجـاري:
إنّ إبرام عقد الشركة لا يُكسب هذه الأخيرة الشخصية المعنوية و إنما يُفترض إجراء قيدها في السجل التجاري حتى يتسنى لها التمتع بها، فيصبح للشركة وجودا قانونيا و كيانا مستقلا عن الشركاء تتمتع على إثره بالحقوق و تتحمل الالتزامات، و لا يجوز لمؤسسي شركة لم يتم قيدها الاحتجاج بالشخصية المعنوية للشركة تجاه الغير، بل تقوم مسؤوليتهم المطلقة في التعهدات المبرمة باسم و لحساب هذه الأخيرة، هذا ما جاء في نص المادة 549 من القانون التجاري الجزائري، إلا أنّ المشرع بالمقابل أعفى هؤلاء المؤسسين من المسؤولية إذا ما قبلت الشركة بعد القيد هذه التعهدات فتتحملها هي عنهم.
1 أنظر: المرسوم التشريعي 93-08 المؤرخ في 25 أفريل 1993، المواد 795 مكرر1 إلى 795 مكرر5.
2 أنظر: د/ عبد الحميد الشواربي: الجرائم المالية و التجاريـة، جرائم التهرب الجمركي، التعامل في النقد الأجنبـي،
جرائم الشركات، جرائم الضرائب الكسب غيـر المشروع، جرائـم البنوك و الائتمان، جرائم تزييف العملة،
جرائم الإفلاس، جرائم الشيك، المعارف، طبعة 96، ص 492.
أما العلاقة بين المؤسسين في الفترة السابقة على القيد فيحكمها عقد الشّركة و المبادئ العامة للقانون المطبقة على العقود و الالتزمات، و تعتبر هنا بمثابة وكالة بين الأطراف المؤسسين، و هذا العقد يدخل ضمن العقود المنصوص عليها في المادة 376 من قانون العقوبات الجزائري، و عليه، و لما كان من غير الممكن تطبيق جريمة الاستعمال التعسّفي لأموال الشركة في هذه الفترة جاز بالمقابل تطبيق جريمة خيانة الأمانة على المسيّر الذي يتعسف في استعمال مال الشركة.
و تجدر الإشارة في هذا المجال و من خلال ما تقدّم عرضه إلى أنّ جريمة خيانة الأمانة(1) أوسع مجالا من حيث التطبيق من جريمة الاستعمال التعسّفي لأموال الشركة، فالمادة 376 من قانون العقوبات الجزائري لم تحدد نوعا معينا من الشركات، إذ تعتبر جريمة خيانة الأمانة قابلة للتطبيق في جميع أنواع الشركات مهما كان شكلها سواء كانت شركة أشخاص، أموال، شركات مدنية أو تعاونيات أو تجمعات ذات مصلحة اقتصادية.
و استخلاصا لما سبق، نقول أن المشرّع الجزائري حصر مجال تطبيق جريمة الاستعمال التعسّفي لأموال الشركة في عدد من الشركات لا تتعداه إلى غيرها، و هي شركات الأموال و بالتحديد شركة المساهمة، و الشركة ذات المسؤولية المحدودة مستبعدا بذلك شركة التوصية بالأسهم و هي من شركات الأموال، و كذا شركات الأشخاص والشركات المدنية، و هذا عكس ما هو عليه الحال في القانون الفرنسي الذي وسّع من مجال تطبيق الجريمة إلى شركات غير تجارية، مثل الشركات المدنية المؤسسة باللجوء إلى الادّخار و كذا الشّركات التعاونية(2).
1 أنظر: د/أحسن بوسقيعـة: الوجيز في القانون الجزائي الخاص، (الجرائم ضد الأشخـاص، و الجرائم ضد الأموال)،
الجزء الأول، دار هومة للنشر، طبعة2002، ص361.
2 أنظر: OP.CIT. :Jacques MESTRE, Christine BLANCHARD-SEBASTIEN
المبحـث الثانـي
أركـان جريمـة الاستعمـال التعسفـي لأمـوال الشركـة.
إنّ جريمة الاستعمال التعسفي لأموال الشركة لا تقوم إلا إذا كان استعمال المسير لأموال الشركة مخالفا لمصلحتها من جهة، و جاء بغرض تحقيق هدف شخصي من جهة أخرى، إذن يفترض لقيام هذه الجريمة توافر ركنين مكونين لها: ركن مادي، و آخر معنوي، سنحاول دراستهما على التوالي في المطلبين التاليين.
المطلـب الأول
الرّكـن المـادي لجريمـة الاستعمـال التعسفـي لأمـوال الشركـة.
يتكوّن هذا الركن من عنصرين أساسيّين يشكلان مشتركين الفعل المحضور في جريمة الاستعمال التعسّفي لأموال الشركة و المتمثل-كما هو واضح من تسميتها-
في استعمال المسير لأموال الشركة استعمالا مخالفا لمصلحتها، و منه فالعنصرين هما:
1 استعمال المال، 2 استعمال المال المخالف لمصلحة الشركة.
الفـرع الأول
استعمـال المــال
يثير مصطلح الاستعمال إشكالين يتعلق الأول بمفهوم المصطلح في حد ذاته، ويتعلق الثاني بطبيعة المال الذي يكون محلا لهذا الاستعمال، و سنتعرض لهذين الإشكالين كما يلي:
أولا: مفهــوم الاستعمــال
تعمّد المشرع الجزائري في النصوص المتعلقة بجريمة الاستعمال التعسّفي لأموال الشّركة استعمال هذا المصطلح(1)، و لكن لماذا اختاره دون غيره؟.
1 أنظر: المواد 800 فقرة4، 811 فقرة3، 840 فقرة1 من القانون التجاري الجزائري.
ُُيعرف مصطلح الاستعمال بأنه" القيام باستخدام شيء ما"(1)، و هذا يعني استخدام مال مملوك للشركة بطريقة تخالف مصلحتها من أجل تلبية أغراض شخصية بحتة، و لا شك في أنّ اختيار المشرع الجزائري لهذا المصطلح يعود لكونه مفهوم واسع جدا، إذ يسمح للجهات القضائية بمتابعة واسعة لمرتكبي هذه الجريمة، فهو يحتوي على الأعمال الإدارية، مثل منح القروض أو تسبيقات....إلخ، و أعمال التصرف مثل الضم، أو الاكتساب و التنازل....إلخ(2) بشرط أن تكون هذه الأعمال مخالفة لمصلحة الشركة.
و على هذا الأساس، فما هي الأفعال المكونة للاستعمال المُجَرم؟.
إنّ الاستعمال الذي يقصده المشرع هو " الاستخدام" و لو بطريقة مؤقتة بنية الإرجاع، فيعتبر استعمالا الاستفادة من قروض، تسبيقات، سيارات، عتاد أو حتى موظَّفي الشركة بدون حق، فقد جاء في قرار محكمة النقض الفرنسية الصادر بتاريخ 28 نوفمبر 1994"أن جنحة الاستعمال التعسفي لأموال الشركة تكون قائمة إذا لم يتمكن مسيرها من تقديم أيّ تبرير يؤكد أن مصاريف المهمة و الاستقبال و كذا مصاريف النقل ومصاريف التنقل كانت لفائدة و مصلحة الشركة"(3)، فمفهوم الاستعمال الذي أقره القضاء الفرنسي هو مفهوم واسع جدا كما أنه مفهوم يكفي نفسه، بمعنى أنه لا يتطلب و لا يتضمن أي تملك للشيء المستعمل، فقد أدانت محكمة النقض الفرنسية بجريمة الاستعمال التعسفي لأموال الشركة، مسير شركة ذات مسؤولية محدودة قام باقتطاعات من أموال هذه الأخيرة بموافقة الشركاء و تحت عنـوان " تسبيقات للموظفين"، إذ أكـد المتهم أن هـذه المبالغ المقتطعة لا تمثل سوى " تسبيقات" و أن هذا المصطلح يتضمن نية الإرجاع(4).
و هذا المصطلح مخالف لمصطلح الاختلاس الذي يتضمن نية التملك و الذي يمثل عنصرا في الركن المادي لجريمة خيانة الأمانة طبقا للمادة 376 من قانون العقوبات الجزائري فالجريمة لا تقوم إلا إذا اعتبر الأمين أن المال المؤمن عليه هو ملكه الخاص له أن يتصرف فيه كما يشاء و هذا يشكل أحد أوجه الاختلاف بين الجريمتين.
»Le fait de se servire de quelque chose », Définition contenue dans : Dictionnaire 1أنظر: encyclopédique Larousse, éd. Librairie, p : 1444.
2 - 3أنظر: Jacques MESTRE Christine BLANCHARD SEBASTIEN.LOC.CIT, p:298, §667.668.
Eva JOLY, Caroline JOLY -BAUMGARTNER : OP.CIT, p:58. : 4 أنظر
و عليه، و ما دام تملك الأموال غير ضروري لقيام جريمة الاستعمال التعسفي لأموال الشركة فإن إعادة المبالغ المستعملة لا تنفي الجريمة، فقد جاء عن محكمة النقض الفرنسية في قرار صادر بتاريخ 8 مارس 1967 أن الجريمة تبقى قائمة في حق مسير حوّل إلى رصيده الخاص مبالغ تعود للشركة متحجِّجا بأن هذه المبالغ قد استعملت فيما بعد لدفع أجرة العمال دون تقديم الدليل على ذلك(1).
أما إذا كان مصطلح "الاستعمال" يتضمن القيام بعمل إيجابي فهل الامتناع(*) الذي ُيلحق ضررا بمصلحة الشركة يقيم الجريمة ؟.
إن الامتناع –وإن كان القضاء يجمع على إمكانية تطبيقه على جريمة التعسف في استعمال السلطات و هي جريمة لها نفاذ مستمر، لأنها تستمر طالما يزال المسير في مركز لممارسة السلطة التي يرفض استعمالها(2) –، لا يعدو إلا أن يكون محركا لقيام المسؤولية المدنية للمسير و لا يتعداه إلى تحريك المسؤولية الجزائية لهذا الأخير تحت عنوان التعسف في استعمال أموال الشركة(3)، إلا أنّ القضاء الفرنسي قد أقر حالات استثنائية اعتبر فيها أنّ الامتناع البسيط يمكن أن يشكل تعسفا في استعمال أموال الشركة و تبعا لذلك اعتُبر مرتكبا للجريمة مسير الشركة الذي يمتنع عن تخفيض أُجرته عندما تتعرض هذه الأخيرة لخسائر (4)
إضافة إلى ما تقدم ذكره، هناك مسألة مهمة في عنصر الاستعمال تتعلق بوقت ارتكاب الجريمة، فالأصل أن يكون آليا أي له طابع فوري يتحقق في وقت واحد، و تكمن الصعوبة في وجود فارق بين قرار الاستعمال و نتيجة هذا الأخير، كما أنه قد يمتد الاستعمال في الوقت و يكون مستمرا، و يكتسي تحديد وقت الاستعمال أهمية كبيرة خاصة في مسألة الاشتراك كما سنراه لاحقا.
Jacques MESTRE, Christine BLANCHARD-SEBASTIEN: IBID. أنظر:1
*الامتناع: هو إحجام شخص عن إتيان فعل إيجابي معين كان المشرع ينتظره في ظروف معينة.
2أنظر: Didier REBUT: Abus de Bien Sociaux. Juriss classeur.(Recueil V Société).Rep,Société. DALLOZ-Août 1997,p: 04§19.
Jacques MESTRE, Christine BLANCHARD-SEBASTIEN :IDEM. أنظر: 3
4 أنظر:Eva JOLY, Caroline JOLY-BAUMGARTNER: OP.CIT, p.60.
و تجدر الإشارة إلى أن الهدف من سَنِّ جريمة الاستعمال التعسفي لأموال الشركة هو خلق شعور جزائي و ذلك بتجريم تصرف غير مُعاقب عليه على أساس جريمتي النصب و خيانة الأمانة، و المتمثل في استعمال المسيرين لأموال الشركة بشكل يُعرض هذه الأخيرة لأخطار غير مستحقة، فهذا الفعل لوحده -المتمثل في الاستعمال الذي يكون مخالفا لمصلحة الشركة- يقيم الجريمة، و بالتالي لا يُعتد بالضرر الذي ترتب عنه و الذي يشكل نتيجة محتملة و غير ضرورية لهذا الفعل، و بالتالي لا ينبغي للقاضي اشتراط الضرر في هذه الجريمة إذ يتعلق الأمر بشرط غير مذكور في النصوص القانونية المجرِّمة للفعل.
ثـانيـا: موضـوع الاستعمــال
إن فعل الاستعمال بالمعنى الذي ذكرناه آنفا يقع على مال الشركة، لهذا فالسؤال الذي يُطرح في هذا الصدد يتعلق بمعرفة طبيعة هذا المال؟.
تعتبر جريمة الاستعمال التعسفي لأموال الشركة الأكثر شيوعا من الناحية العملية بالمقارنة مع جرائم التسيير الثلاث الأخرى المتمثلة في جريمة الاستعمال التعسفي لاعتماد الشركة، و جريمة الاستعمال التعسفي لسلطات المسيرين، و جريمة الاستعمال التعسفي للأصوات، و عليه نكون أمام أربعة جرائم تختلف من حيث الموضوع أو بتعبير آخر تختلف من حيث محل الاستعمال مع أنها تتفق في جميع العناصر الأخرى بشكل يستحيل معه التمييز بينها، إلا أنه لكون موضوع المذكرة يقتصر على دراسة الاستعمال الواقع على أموال الشركة، فإننا سنقتصر في الدراسة على موضوع الاستعمال في جريمة الاستعمال التعسفّي لأموال الشركة و لا نتعداه إلى مواضيع الجرائم الأخرى، مع لفت النظر إلى أن جميع النصوص المعاقبة على هذه الجرائم تميز بين جريمتي التعسف في استعمال الأموال و الاعتماد من جهة، و جريمة التعسف في استعمال السلطة و الأصوات من جهة أخرى، لذلك تسميان بالجرائم التوأم(1).
1أنظر: Jacques MESTRE Christine BLANCHARD-SEBASTIEN.IDEM297§665, p306§683
- لقد تم النص على جريمة التعسف في استعمال الأموال و اعتمادات الشركة في المواد: 800 فقرة4 و 811 فقـرة3
و 840 فقرة1 من القانون التجاري الجزائري و جريمة التعسف في استعمال السلطات و الأصوات في المواد: 800
فقرة5 و 811 فقرة4 من نفس القانون.
إنّ مصطلح الأموال الوارد في النصوص المعاقبة على الاستعمال التعسفي لأموال الشركة مستعار من القانون المدني، و يطلق مصطلح الأموال في هذا القانون على الحقوق المالية جميعا أيّا كان نوعها أو محـلها ما دامت تلك الحقوق ذات قيمة مالية، ولذا يُعبَّّر عنها بالأمـوال لأنه يمكن تقييمها بالنقود و تدخـل في دائرة التعامل و محلها الأشيـاء.
و تقسم الحقوق المالية إلى: حقوق عينية، حقوق شخصية، و حقوق معنوية(1).
و بناءا على ذلك فالمال في جريمة الاستعمال التعسفي لأموال الشركة يؤخذ بمعناه الواسع، فهو كل قيمة إيجابية في الذمة المالية للشركة، سواء كـان مالا منقولا أو عقارا، أو مالا ماديا أو معنويا، الظـاهر في حسابات الشركة أو المستتر، و يستوي في ذلك أن يكون هذا المال عـاما تابعا للدولة أو خاصا تابعا للخواص، بمعنى أنّ أصول الشركة تشمـل مجموع الأمـوال الثابتة و المنقـولة، و الملكية الأدبية و الصناعية، المكونة للذّمة المالية للشـركة، و التي تخصص لتحقيق غرضها دون أن يكون هناك تمييز بين رأس المـال و الاحتياطات أي كل عقاراتها، و منقولاتها، و عتادها، و مخزونها، ومساكنها و ما لها من ديون و حقوق و إيجارات، و كذلك الأموال المعنوية من علامات و براءات، إلا أنه غالبا ما تقع الجريمة على أموال أي أصول الشركة بمعنى النقود، كأن يُخصص مسير الشركة لنفسه أجرا مُبالغا فيه، أو يسحب من الصندوق مبالغ يستعملها لأغراضه الشخصية، و لقد اعتبر القضاء الفرنسي استخدام أدوات أو عمال و أجراء الشركة بهدف القيام بأعمال في مسكن المسير يشكل استعمالا لأموال الشركة تعسفا، فضلا على أنه يمكن أن يكون محلا للاستعمال التعسفي لأموال الشّركة، زبائن الشركة الذين يمثلون العنصر الأساسي للمحل التجاري و جزءا من الذمة المالية. ففي حكمها الصادر بتاريخ 01/06/1993 في فضية دووي « DOUAI » اعتبرت محكمة النقض الفرنسية مرتكبا لجريمة الاستعمال التعسفي لأموال الشركة المسير الذي حوّل الزبون الرئيسي للشركة التي يرأسها إلى شركة أخرى التي أنشئت بهدف الاستمرار في نشاط الأولى التي كانت على وشك إعلان إفلاسها.
1 أنظر: د/إسحاق إبراهيم منصور: نظريتا القانون و الحق و تطبيقاتها في القوانين الجزائرية، ديوان المطبوعات
الجامعية، الجزائر 1987، ص 297.
كما اعتُبر استعمال مسير شركة ذات مسؤولية محدودة لقرض مُنح لها من طرف شركة أخرى يتولى فيها مهمة الرئيس المدير العام تعسفا في استعمال أموالها، قرار صادر بتاريخ 17 أكتوبر 1973، و في قرار آخر صادر بتاريخ 14 نوفمبر 1973 اعتُبر تَقاضي المسيِّرين لمنحةٍ مقابل تنازلهم على براءة اختراع مملوكة للشركة جريمة استعمال تعسّفي لأموال الشركة، و في قـرار لها صادر بتاريخ 22 أفريل 1992 اعتبرت الجريمة قائمة في حق المسيرين الذين حـوَّلوا مبلغا من المـال من حساب الشركة على حساب رئيس البلدية بنية رشوَته من أجل أن يتخـذ قـرارا لفائدة الشركة عند توزيع صفقة للنقل المدرسي(1).
و قد يكون الاستعمال عن طـريق التمويل كتمويل الشركة قـرار تملك أو اكتساب مال معين لا يعود بالفائدة عليها كشراء محل تجاري لفائدة المسير(2).
إلا أنه يُشترط أن تكون الأموال محل الجريمة مملوكة للشركة و إلا فلا أساس لقيامها كأن توجد بين يديها على سبيل الإيداع فإذا استعملها المسير عوقب على أساس جرائم القانون العام.
و تدخل الأشياء المستأجرة في المفهوم الواسع للأموال موضوع الجريمة، باعتبار أنّ هذه الأشياء قد تم استئجارها بأموال الشركة أي أن أموال هذه الأخيرة التي استُعملت لتسديد مقابل الإيجار -و التي هي ملك للشركة- هي التي تكون محلا لجريمة الاستعمال التعسّفي لأموال الشركة و ليس الشيء أو العين المستأجرة.
أما فيما يخص الاعتماد المالي للشركة، فهذا الأخير كأموالها يجب أن يأخذ بشكل واسع، و يقصد به في المعنى الاقتصادي الواسع قدرتها على القرض، و منه ائتمان الشركة يجب أن يفهم بأنه ملاءتها المالية و قدرتها على الوفاء أو القرض، أو على الضمان أو على الكفالة و هو أيضا بشكل أوسع سمعتها و الثقة و المصداقية التي تحصلت عليها من خلال تواجدها في عالم الأعمال.
1 أنظر: Jacques MESTRE, Christine BLANCHARD-SEBASTIEN:LOC.CIT, p, 300§671.
2 أنظر: Eva JOLY, Caroline JOLY-BAUMGARTNER :LOC.CIT, p, 68.
و من قبيل استعمال المسير للاعتماد المالي للشركة استعمالا مخالفا لمصلحتها تعريض قدرة هذه الأخيرة على لوفاء لخطر الإفقار أو العجز المالي الذي ما كان يجب أن تتعرض له، كما يعتبر تعسفا، استعمال المسير بدون أي تبرير لتوقيع الشركة لضمان دَين شخصي، و لا يهم بعدئذ أن يكون هذا الخطر محققا أم لا، كما لا يهم أن تكون العملية قد عادت بالفائدة على الشركة.
و في هذا الصدد، يجب التفرقة بين الاستعمال التعسفي لاعتماد الشركة و الاستعمال التعسفي لأموالها من حيث الأثر الذي يتركه كل منهما على الذمة المالية لهذه الأخيرة.
ففي التعسف في استعمال الاعتماد المالي، الشركة لا تتحمل مباشرة المساس بذمتها المالية، لأن هذه الحالة لا تتحقق إلا عند المطالبة بالكفالة مثلا، إذ أن الجريمة تقوم بمجرد تعريض الشركة لخطر غير مستحق من أجل تلبية أغراض شخصية، و في المقابل من ذلك، فإن مجرد الاستعمال البسيط لأموال الشركة يحمل هذه الأخيرة إفقارا فوريا أو شبه فوري في ذمتها المالية.
الفـرع الثانــي
الاستعمـال المخالـف لمصلحـة الشركـة.
يعاقب المسير لأموال الشركة إذا استعملها خلافا لمصلحتها، و هذا العنصر المكون للجريمة هو الأكثر صعوبة من حيث الإحاطة به.
و عليه، و من أجل تقدير ما إذا كان استعمال الأموال مخالفا لمصلحة الشركة فإنه من الضروري تعريف مصلحة الشركة أو كما عبر عليه الأستاذ فرانسيس لوجون(1) « L’indéfinissable intérêt social »، و الذي سيكون محل الدراسة فيما يلي، ثم سنتناول تحديد المعايير التي تسمح بتقدير مصلحة الشركة في الفقرة الثانية.
Annie MEDINA : OP.CIT, p, 79. أنظر:1
أولا: مفهـوم مصلحـة الشركـة.
ثمة فكرتين أو نظريتين متقابلتين حول تعريف مصلحة الشركة و هما تتعلقان في الحقيقة بتصورين مختلفين حول الطبيعة القانونية للشركة، و هاتين النظريتين تتعايشان معا و إن كانت تستقل إحداهما عن الأخرى.
فذهبت الأولى إلى اعتبارها عـقدا تطبق عليه القواعد العامة في العقـود، فالشركاء فيه يخضعون لحرية التعـاقد و سلطان الإدارة(1)، واعتبرتها الثانية نظاما قانونيا أكثر منها عقدا(2) (مؤسسة،INSTITUTION ) لأن العقد الذي تنشأ عنه يؤدي إلى إبراز كائن قانوني جديد مستقل عن العناصر البشرية و المادية التي تشكله، و تبعا لذلك حُدِّدت مصلحة الشركة على عدة تصورات نظرية.
ففي نظرية "الشركة عقد" تختلط مصلحة الشّركة بمصلحة الشركاء حيث يعتبر أنصار هذه النظرية أن الشركة " لم تنشأ من أجل إرضاء مصلحة أخرى غير مصلحة الشركاء الذين لهم وحدهم أهلية اقتسام أرباح الشركة فيما بينهم"(3).
و في مواجهة هذا الفريق، هناك فريق آخر يفسر مصلحة الشركة بأنها مصلحة المؤسّسة، حيث اعتبر أنّ مصلحة الشركة يمكن أن تعرف بأنها المصلحة العليا للشخص المعنوي في حد ذاته و الذي تكون له مصلحة مختلفة عن مصلحة الشركاء، فكلا من المؤسسة و الشركة هما وجهان لنفس النظام، فالمؤسسة هي حقيقة اقتصادية و الشركة هي النظام القانوني لها.
فضلا عن هاتين النظريتين، هناك نظرية ثالثة تذهبت إلى أنّ مفهوم مصلحة الشركة هو تصور مختلط، فهو يغطي تارة مصلحة الشركاء وتارة أخرى مصلحة المؤسسة، و أساس ذلك أنّ الشركاء هم الذين أنشؤا الشركة وبالتالي يبدو من الطبيعي لأخذ بعين الاعتبار هذه الشرعية، إلا أن مصلحة الشركة هي أيضا مصلحة الشخص المعنوي فـي
1 أنظر: د/ أحمد محرز: القانون التجاري الجزائري-الجزء الثاني- الشـركات التجارية:الأحكـام العامـة-شـركات
التضامن-الشركة ذات المسؤولية المحدودة-شركات المساهمة-الطبعة الثانية،1980، ص 08.
2 أنظر: د/ ثروة عبد الرحيم: موسوعة القضاء و الفقه للدول العربية، الجزء 96، الدار العربية للموسوعات، بيروت لبنان، بدون طبعة، ص26.
3 أنظر Annie MEDINA : LOC.CIT.
حدّ ذاته و المتميزة عن تلك المتعلقة بالشركاء(1)، و أن جريمة الاستعمال التعسفي لأموال الشركة لا ترمي إلى حماية مصلحة الشركاء فحسب، و إنما أيضا إلى حماية الذمة المالية للشّركة و مصالح الغير المتعاقدين معها.
و نحن نوافق هذا الرأي لوجاهته، كون مهما حاولنا السعي للوصول إلى فرق واضح بين مصلحة الشركة و مصلحة الشّركاء و مصلحة الغير إلاّ أنه في النهاية يبقى الارتباط أمرا حتميا بين هذه المصالح بهلاك إحداها تَهلِك الأخريات، هذا ما ذهبت إليه محكمة النقض الفرنسية في قراراها المؤرخ في 21 مارس 1979(2).
و دائما فيما يتعلق بمصلحة الشركة نجد أن القانون الفرنسي -عكس القانون الجزائري- يفرق بين ما إذا كان الاستعمال المخالف لمصلحة الشركة قد تم في إطار شركة مستقلة على النحو الذي تقدم أعلاه، أو في إطار ما يعرف بمجموع الشّركات، الشيء الذي لم ينص عليه القانون الجزائري(*)، بمعنى أنّ المسألة لا تتعلق بالعمليات التي تتم بين الشركة و أحد مديرها و إنما تتمثل في العمليات التي تتم فيها التضحية بمصالح الشّركة لفائدة شركة أخرى يكون للمدير مصلحة فيها(3).
و لم تبيِّن النصوص القانونية أية طريقة خاصة لتقدير مصلحة الشّركة عندما تكون هذه الأخيرة مرتبطة بشركات أخرى متواجدة ضمن المجموع، إلا أنّ قرار محكمة النقض الفرنسية بتاريخ 4 فيفري 1985 المتعلق بقضية « روزنبلوم، ROZENBLUM » اعتبرت فيه أن الإعانة المالية المقدمة من شركة لأخرى المتواجدة في نفس المجموع "يجب أن تمليه المصلحة الاقتصادية، الاجتماعية، أو المالية المشتركة و المقدرة بالنظر إلى السياسة المقررة لهذا المجموع، كما يجب ألاّ تكون عديمة المقابل أو تقطع التوازن بين الالتزامات المتعلقة بمختلف الشركات المعنية، و ألاّ تجاوز الإمكانيات المالية للشركة التي تتحمل العبء".
1 أنظر: Annie MEDINA :IBID, p.91.
2 أنظر: Jacques MESTRE, Christine BLANCHARD-SEBASTIEN: LOC.CIT, p: ,298§668. * المشرع الجزائري نص في المادة 796من القانون التجاري على ما يعرف " بالتجمعات" إلا أن التجمع يتمتع بالشخصية المعنوية عكس مجموع الشركات في القانون الفرنسي و هذا ما جاء في المادة 799مكرر من نفس القانون وهذا فالمشرع لم يتركه مبهما، بل أحاطه بإطار قانوني محدد و نظم إنشاؤه و حله بموجب المواد 796إلى799 مكرر4
3 أنظر: Jacques MESTRE Christine BLANCHARD-SEBASTIEN : IBID, p, 853§1932.
و منه يتبين أنّ الفعل المبرر لمصلحة المجموع لا يؤخذ به إلا إذا اجتمعت ثلاثة شروط.
1- أنه من الضروري أن تتواجد الشركة فعلا في إطار مجموع الشركات.
2- يجب ألا يكون استعمال أموال و اعتماد الشّركة في المجموع لصالح شركة أخرى بدون مقابل.
3- أنّ الشركة المعنية لا يجب أن تكون موضوع تضحية لحساب مصلحة المجموع.
ثانيـا: تقديـر الفعـل المخالـف لمصلحـة الشركـة.
سنتناول في هذه النقطة أهم العناصر المساعدة على تقدير الفعل المرتكب و معرفة مدى مطابقته لمصلحة الشركة أو عدم مطابقته حتى تقوم جريمة الاستعمال التعسفي لأموال الشركة، فالسؤال الذي يثور لأول وهلة يتعلق بمن يمكنه أن يَبُتَّ في مطابقة الفعل للمصلحة الاجتماعية للشركة؟.
إن القاضي الجزائي وحده يعتبر صاحب السلطة في تقدير الوضعية و تقرير ما إذا كانت الأفعال محلّ المتابعة مخالفة أو غير مخالفة لمصلحة الشركة، و لا يؤخذ بالتقدير المقدم من قبل مسيري الشركات على اعتبار أن هذا التقدير في حد ذاته هو محل نقاش أمام القاضي الجزائي، غير أن هناك أقلية من الفقه تعتبر أن الشركاء وحدهم مؤهلين لتعريف مصلحة الشركة ذلك لأنهم هم المعبرين عن إرادة الشركة، كما أن القاضي لا يمكنه التدخل في تسيير الشركة، إلا أن هذا الرأي يجانب الواقع على اعتبار أن ترك تحديد مصلحة الشركة بيَد الشركاء يمس بمصالح الغير المتعامل معها، كما أن التسليم بهذا الرأي يعتبر إذنًا للشركاء بأن يرخصوا للمسيرين ارتكاب المخالفة، و هنا يثور التساؤل حول أثر موافقة الشركاء أو المساهمين على أفعال المسير؟.
يمكن الإجابة بأن الموافقة المقدمة من الشركاء أو المساهمين سواء جاءت قبل أو بعد العملية المجرّمة لا تزيل الطابع المجرم عن هذه الأفعال لأن الأساس في تجريمها هو وجوب حماية الذّمة الماليّة للشركة، و هذا هو موقف محكمة النقض الفرنسية في العديد من قراراتها منها القرار الصادر بتاريخ 21 مارس 1979 السابق الإشارة إليه.
و لذلك يذهب أغلبية الفقه إلى تقدير مخالفة الفعل لمصلحة الشركة بالنظر إلى الضرر الذي يسببه لها، و هكـذا -و بالاستناد إلى الضرر الذي تتحمله الشركة-، يكون الفـعل المخـالف لمصلحتها هـو ذلك الفعل الذي يصيبها في ذمتها المـالية، فيكون الضرر فوريا في حالة التعسف في استعمال الأموال، أما فيما يتعلق باستعمال ائتمان الشركة، فيكون مخالفا لمصلحتها إذا عرّض ذمتها المالية إلى خطر غير عـادي أو يؤدي إلى فقر هذه الأخيرة، و كذلك الشأن في تقدير الفعل المخالف لمصلحة الشركة عند استعمال السلطات، ففي هاتين الحالتين لا يكون للضرر أثر فوري، غير أنه بالرجوع إلى النّصوص المتعلقة بجريمة لاستعمال التعسفي لأموال الشركة نجد أنها لا تستلزم لقيامها أن يلحق الشركة ضرر فهذه الجريمة لا تكترث و لا تتطلب هذا الشرط فهي تبقى قائمة رغم غيابه(1).
و عليه نخلص إلى أنّ الفعل المضر بالشركة هو المخالف لمصلحتها و للقاضي سلطة تقدير ذلك، لكن الصعوبة تكمن في معرفة إذا ما كان الفعل الذي يعرض الشركة لخطر الخسارة هو مخالف لمصلحتها أم لا ؟.
مما تجدر الإشارة إليه في هذا الشأن هو وجوب التفرقة بين الخطر العادي الذي يتضمنه كل قرار تسيير عادي صادر عن المسير(2) و المتعلق بتسيير أية شركة، و بين الخطر غير عادي الذي يقيم جريمة الاستعمال التعسفي لأموال الشركة و الذي يتمثل في الأخطار الاستثنائية الناتجة عن تصرفات المسير غير الطبيعية.
كما يدخل أيضا في تقدير الفعل المخالف لمصلحة الشركة عنصر الوقت، فتقدير الأخطار أو اجتماع العناصر المكونة لجريمة الاستعمال التعّسفي لأموال الشركة يتم بالرجوع إلى وقت ارتكاب الأفعال حسب المبدأ المعمول به في القانون الجزائي، فعمل المسير المخالف لمصلحة الشركة يعتبر جنحة وقت ارتكابه حتى و إن ترتبت عنه نتيجة إيجابية فيما بعد.
1 أنظر: د/أحسن بوسقيعة، الوجيز في القانون الجزائي الخاص، الجزء الثاني، ص104.
2 أنظر: Eva JOLY, Caroline JOLY-BAUMGARTNER :OP.CIT, p 100.
أمّا الدليل على أن الفعل جاء مخالفا لمصلحة الشركة فيبدو صعب التحقيق، وما يلاحظ في هذا الشأن أن الصعوبة في الإثبات تزيد و تعزز عندما نعلم أن ارتكاب الفعل بسوء نية و قصد تحقيق مصلحة شخصية هما شرطان و عنصران مكونان للجريمة، و هذا ما سنحاول التطرق إليه في المطلب الموالي.
المطلـب الثانـي
العنصـر المعنـوي لجريمـة الاستعمـال التعّسفـي لأمـوال الشركـة
لقد سبقت الإشارة إلى أن العنصر المادي لجريمة الاستعمال التعسفي لأموال الشركة قد تم تصوّره بطريقة واسعة جداً، إذ أنّ مجرّد استعمال المسير أموال الشركة استعمالا مخالفا لمصلحتها يمكن أن يشكل موضوعا للجريمة، و عليه يمكن أن تندرج في إطارها أعمال التسيير الخائبة أو السيئة، و لذلك فقد كان من الضروري التأكيد على الطابع الاحتيالي للفعل، إذ هو وحـده يسمح بتمييز التعسف المعاقب عليه جزائيا عن أعـمال التسيير السيئة، و يتضح من النصوص المعاقبة على جريمة الاستعمال التعسفي لأموال الشركة أنها تندرج ضمن الجرائم التي يُستلزم فيها قصدا جنائيا ذو شقين، عام يتمثل في سوء نية المسير، و خاص يتمثل في الهدف الأنانِي لتحقيق أغراض شخصية، هذا ما سنحاول دراسته من خلال الفرعين التاليين على التوالي.
الفـرع الأول
استعمـال المـال بسـوء نيّـة
إنّ جريمة الاستعمال التعسفي لأموال الشركة التي هي جريمة عمديّة يتطلب القصد العام فيها توجيه إرادة الجاني إلى ارتكاب الجريمة مع علمه بارتكابها و هو ما يميّز هذا النوع من الجرائم على الجرائم غير العمديّة، و انطلاقا من ذلك سنتطرق فيما يلي إلى المقصود بسوء النية في جريمة الاستعمال التعسفي لأموال الشركة ثم إلى معاينتها.
أولا: تعريـف سـوء النيـة
عرفها الأستاذ أحسن بوسقيعة بقوله" فأما القصد العام فيتحقق بتوافر سوء النية و هو أن يأتي الجاني عن وعي و إرادة، بفعله لأغراض شخصية، بصفة مباشرة أو غير مباشرة، و هو يعلم أن فعله مخالف لمصلحة الشركة"(1).
و المصطلحات التي يستعملها المشرع عادة للتعبير عن هذه النية المجرمة تختلف من نص إلى آخر و تتمثل عموما في "عمدا"، "عن قصد"، إراديا"، "غشا"، "عالما"، "بسوء نية".
و في هذا الإطار تُحدد النصوص بدقة أن المسير الذي يرتكب جريمة الاستعمال التعسفي لأموال الشركة قد كانت له إرادة ارتكابها، و هذا ما يستشف من العبارات الواردة في المواد 800 فقرة 4 و 811 فقرة 3 و المادة 840 فقرة 1 من القانون التجاري الجزائري"المسيرون الذين استعملوا عن سوء نية أموالا..." كما تفترض علمه المسبق بالطابع المخالف لهذا الاستعمال لمصلحة الشركة ، و هذا ما تنص عليه نفس المواد بأنه:"...استعمالا يعملون أنه مخالف لمصلحة الشركة..."، وعلى هذا الأساس فسوء النية لا يكمن فقط في إرادة ارتكاب الفعل و إنما أيضا في العلم بانحراف عمل المسير عن هدفه العادي، بمعنى أنه عالم بالطابع التعسفي للفعل المؤاخذ عليه.
و النصوص المجرِّمة تستلزم سوء النية من جهة و علم المسير بأن الفعل المرتكب مخالف لمصلحة الشركة من جهة أخرى، إلا أنه في الحقيقة و الواقع يصعب التمييز بينهما، لكن هذا الشرط المزدوج في القانون (سوء النية، و العلم) قد يجعل متابعة مرتكب هذه الجريمة أمرا صعبا، فهل يمكن للمسير أن يتمسك بحسن نيته للهروب من تطبيق القانون عندما يتبين أنّ فعله قد جاء مخالفا لمصلحة الشركة ؟.
يمكن أن نجيب على هذا التساؤل بالقول أن المسير و إن ادعى حسن النية فإن تحقيق الفعل الذي أتاه لمصلحة شخصية له يتعارض أصلا مع مصلحة الشركة و بالتالي يبطل هذا الإدعاء، فتعارض الفعل مع مصلحة الشركة يقيم الدليل على سوء النية.
1 أنظر: د/أحسن بوسقيعة، المرجع السابق، ص109.
إلا أن تخيل الأمر بشكل عكسي لا يعطي بالضرورة نفس الصورة، فمن لا يعلم أن فعله مخالف لمصلحة الشركة لا يعتبر سيء النية، و في هذا المعنى فإن الخطأ في التسيير و لو كان جسيما فهو لا يكفى لقيام جريمة الاستعمال التعسفي لأموال الشركة، و نفس الشيء بالنسبة لجريمة الإهمال البسيط، و هذا ما يدل على عدم التطابق بين النية و الخطأ.
فالعلم أنّ الفعل المرتكب مخالف لمصلحة الشركة هو شرط ضروري لوجود العنصر المعنوي و هذا ما يستخلص صراحة من النصوص المجرمة.
أما فيما يتعلق بمسألة عدم الكفاءة إذا ما كانت تعفي أم لا من المسؤولية؟.
اتجه القضاء في فرنسا و على رأسه محكمة النّقض إلى أن احتجاج المسيرين المتّهمين بعدم الكفاءة لا يعفيهم من المسؤولية، فقد قضت محكمة الاستئناف بباريس في قرار لها بسوء نية المسيرة التي أصبحت شريكة في تصرفات مسيّرِي الشركة القدامى على أساس أنه لا يمكنها جهل الطابع الإجرامي لهذه التصرفات "باعتبارها صاحبة شهادة مختصة في التجارة"(1).
ثـانيـا: معـاينـة وجـود سـوء النيـة
كما تقدم شرحه، فإن العنصر المعنوي (القصد العام) في جريمة التعسف في استعمال أموال الشركة يحتوي في طياته على شرط مزدوج يتمثل في النية السيئة و العلم بمخالفة الفعل لمصلحة الشركة.
إلا انه يتبين من أحكام القضاء أنها لا تستخرج دائما و بصفة واضحة كلا منها على حِدا فالقاضي يأخذ بمعاينة أحادية للنية دون الأخذ صراحة بهما معا.
و تبعا لذلك فإن محكمة النقض الفرنسية تعتبر أحيانا أن العنصر المعنوي للجريمة يتحدد بالعلم بأنّ هذا الفعل المجرم يمس بمصلحة الشركة دون الاستناد إلى سوء النية، فالقانون لا يشترط نية الإضرار، و أحيان أخرى لا تهتم بمعانية العلم و إنما تكتفي فقط بإثبات ارتكاب الفعل بسوء نية.
1 أنظر: Annie MEDINA: OP. CIT, p. 203.
و السؤال الذي يطرح في هذا الإطار، على من يقع عبء الإثبات ؟.
يعود على النيابة العامة عبء إحضار الدليل على اجتماع عناصر الجريمة حتى تتم المحاكمة، إلاّ أنّ صعوبة إثبات العنصر المعنوي للجريمة جعل القضاء يعتبره شيئا مفترضا من الماديات، و هذا راجع للرابطة الوثيقة التي يمكن أن توجد بين العنصر المادي و المعنوي(1).
هـذا و إنّ إثبات النية هـو في غاية الأهمية لأنه هـو الحد الفاصل بين جريمة الاستعمال التعسفي لأمـوال الشركة و جرائم أخرى، و كـذا بينها و بين المسؤولية المدنية التأديبية، و يستخلص الدليل على سوء النية من الظروف و الأفعال المادية مثل إخفاء بعض العمليات، إصدار شيك أو سفاتج مجاملة، عدم انتظام كتابات المحاسبة...الخ.
الفـرع الثـانـي
استعمـال المـال للمصلحـة الشخصيـة.
إنّ القصد الخاص لا يوجد بصفة مستقلة و لا تقوم به الجريمة، كما أنه لا يقوم بدون القصد العام، و يُقال على القصد الخاص أنه الباعث، و هذا الأخير هو المصلحة أو الإحساس الذي قد يدفع الجاني إلى ارتكاب الفعل، و في جريمة الاستعمال التعسفي لأموال الشركة يكون الباعث هو تحقيق مصلحة أو أغراض شخصية، أو تفضيل شركة أو مؤسسة أخرى تكون لمرتكب الفعل فيها مصالح مباشرة أو غير مباشرة، و هذا ما سنتناوله في النقطة الأولى من هذا الفرع أما الثانية فسنخصصها لإثبات القصد الخاص.
1 أنظر:Annie MEDINA :LOC.CIT, 210.
أولا: تعريـف المصلحـة الشخصيـة.
إنّ المصلحة الشخصية، و حسب التعريف الوارد في القانون هي أن يكون هذا الاستعمال قد تم " لتلبية أغراض شخصية أو تفضيل شركة أو مؤسسة أخرى تكون للمسير فيها مصالح مباشرة أو غير مباشرة "، و من ذلك نستنتج أن الباعث أو النية الخاصة أو القصد الخاص هو عنصر من عناصر الجريمة داخل في تكوين القصد الجنائي -إضافة إلى العلم و سوء النية السابق شرحهما و اللذان يكونان القصد العام-، إلاّ أنّ المنطق يفترض أن المصلحة الشخصية تتضمن العلم و سوء النية.
و لا يقتصر القانون على معاقبة الأساليب المتبعة من المسير في استعمال أموال الشركة لتحقيق هدف شخصي فقط، بل أيضا تلك الأكثر اتقانا و تعقيدا و المتمثلة في المرور بهياكل وسيطة حتى تحجب المصلحة الشخصية المباشرة، و عليه وجب التمييز بين المصلحة الشخصية المباشرة بتصرف الفاعل لتلبية أغراضه الشخصية، و غير المباشرة بتصرفه لحساب شركة أو مؤسسة أخرى.
و يمكن القول أن المصلحة الشخصية للمسير تحقق كلما قام بخلط ذمته المالية بالذمة المالية للشركة، و لا شك في أن صياغة هذا القصد الخاص بطريقة قليلة الدقة كانت إرادية، لأنها تسمح للجهات القضائية بتقديره بطريقة واسعة جداً، و عليه يمكن القول بوجود مصلحة شخصية مباشرة كلما كان الاستعمال يخدم مباشرة المصالح المالية أو المصالح المعنوية للمسير، فأما المصالح المالية فقد تكون بالإثراء، مثل أن يخصص لنفسه مبلغا غير مستحق، و قد تكون باجتناب الفقر، مثل تكفل الشركة من دون وجه حق بمصاريفه الشخصية.
أما المنفعة المعنوية، فغالبا ما تؤخذ بطريقة واسعة و هو مذهبُ محكمة النقض الفرنسية في العديد من أحكامها(1)، و مثال ذلك حماية علاقة شخصية، أو حماية سمعة العائلة، أو تحقيق مصلحة انتخابية، أمّا إذا كان المستفيد من الأفعال شخصا آخر غير المسيّر فمصلحة هذا الأخير تكون غير مباشرة، كأن تكون الأفعال المرتكبة لمصلحة أحد
1أنظر:Annie MEDINA :IBID, p216-217.
أعضاء عائلته، أقاربه، أو أصدقائه، كالأجر المدفوع بغير مقابل، وكأن يكون المستفيد من هذا الاستعمال شركة أو مؤسسة أخرى تكون للمسير فيها مصلحة مباشرة أو غير مباشرة والمصلحة الشخصية تعتبر أحد المميزات لجريمة الاستعمال التعسفي لأموال الشركة عن جريمة خيانة الأمانة التي لا تشترطها و إن كان الاختلاس المكون لجريمة خيانة الأمانة غالبا ما يرتكب لتحقيق مصلحة شخصية للفاعل.
ثانيـا: إثبـات المصلـحة الشخصيـة
إنّ عبء إثبات وجود المصلحة الشخصية يقع-كما هو الحال في عبء إثبات وجود سوء النية- على عاتق النيابة العامة و ذلك من خلال المعاينات المادية التي يقوم بها، إلا أنّ هناك حالات تقبل فيها المحكمة إسقاط العبء عنها، كوجود أدلة مثلا على اختلاس أموال لكن دون أي علم عن مصير استعمالها النهائي، مُلزمة بذلك المسير إثبات غياب المصلحة الشخصية، فضلا على أنّ القضاء الفرنسي قد أقام قرينة على وجود المصلحة الشخصية في حالتين هما حالة العمليات الخفية، و حالة الأفعال غير المبررة بطريقة كافية(1).
غير أن هذه القرينة -المؤسسة على أنه عند عدم التمكن من تبرير الطابع المهني للعملية فهي تعتبر قد تمت لتحقيق المصلحة الشخصية للمسير- قد كانت محلا للانتقادات إذ أنّ هذا الحل قد بدا مخالفا لافتراض البراءة في المتهم بالنسبة للبعض إلا أنّ البعض الآخر لا يجد فيها عيبا يذكر، لأن النفقات الموضوعة على حساب الشركة يجب أن ترفق بتبرير، و إذا كان هناك اقتطاع غير مبرر فمن الظاهر إذن أنه تم لمصلحة المسير، و بالتالي يقع عليه عبء إثبات أن هذه المبالغ قد استعملت لمصلحة الشركة بطريقة قانونية(2).
1 أنظر: -Eva JOLY, CarolineJOLY-BAUMGARTNER: OP.CIT, p:146. -Annie MEDINA : LOC.CIT, p : 226.
2 أنظر:Eva JOJY, Caroline JOLY-BAUMGARTNER: LOC.CIT, p: 144.
الفصـل الثانـي
الأحكـام الجزائيـة لجريمـة الاستعمـال التعسفـي لأمـوال الشركـة.
عرفنا في الفصل الأول من هذا البحث مجال تطبيق جريمة الاستعمال التعسفي لأموال الشركة من حيث الشركات، و العناصر المكونة لها، و سنحاول في الفصل الثاني التطرق إلى الأحكام الجزائية لهذه الجريمة.
و لِعـدم اختلاف هذه الجريمة عن غيرها، فإنها ترتكز على قواعـد القانون الجزائي فيما يتعلـق بالعقوبة، و على قواعد قـانون الإجراءات الجزائية فيما يتعـلق بمتابعة الجريمة، و تهتم هذه الأخيرة بالبحث في مدى توافر شرط التجريم من أجل تطبيق العقاب، و من هنا تظهر أهمية قانون الإجراءات الجزائية من حيث أنه ينقل قانون العقوبات من حالة السّكون إلى حالة الحركة.
غير أنه يكتنف الإجراءات الجزائية فيما يتعلق بجريمة الاستعمال التعسفي لأموال الشركة، بعض الصعوبات نظرا لاستخدام وسائل فنية و سريّة في اقترافها، و تزداد الصعوبة عندما يتعلق الأمر بالمسؤولية الناتجة عن الجريمة، و طريقة متابعتها و قمعها، و هذا ما سنتطرق إليه تبعا في المبحثين التاليين.
المبحـث الأول
المسؤوليـة المترتبـة عن جريمـة الاستعمـال التعسفـي لأمـوال الشركة
إنّ المسؤولية الجزائية تقوم أساسا على التزام بتحمل الآثار القانونية المترتبة على تحقق أركان الجريمة، فمفهومها مفاده أنّه من يقترف جريمة معينة عليه أن يتحمل العقوبة المقررة لها قانونا، و لا تقوم هذه المسؤولية إلاّ بتوافر الركن المادي و الركن المعنوي للجريمة، و أيضا إسناد هذه الأخيرة إلى شخص تتوفر فيه الأهلية لتقرير مسؤوليته الجنائية عنها، و هذا ما سنحاول التطرق إليه من خلال المطلبين التاليين فنخصص الأول للأشخاص المسؤولين، و الثاني للإعفاء من المسؤولية.
المطلـب الأول
الأشخـاص المسؤوليـن
لقد حدّدت النصوص المجرِّمة للاستعمال التعسفي لأموال الشركة و بصفة حصريّة الفاعلين، و عليه فإنها ليست من الجرائم الممكن ارتكابها من طرف الجميع خاصة و أنّ التفسير الضيق لقواعد القانون الجزائي يمنع امتداد مجال تطبيق هذه الجريمة إلى غير هؤلاء كفاعلين أصليين للجريمة، و لعل هذا فرق آخر بين جريمة خيانة الأمانة و هذه الجريمة موضوع الدّراسة.
و منه تختصّ جريمة الاستعـمال التعسفي لأموال الشركة بمعاقبة المسيرين في الشركة ذات المسؤولية المحـدودة بموجب المـادّة 800 فقرة 4 من القانـون التجاري الجزائـري، و رئيس مجلس الإدارة و المديرين العامين و القائمين بالإدارة في شركة المساهمة و ذلك بموجب المادّة 811 فقرة 3 من القانون المذكور، و كذا المصفي في جميع أنواع الشركات بموجب المادة 840 فقرة 1 من نفس القانون، بالإضافة إلى المسير الفعلي و ذلك بموجب المادة 805 منه، كما أنّ هناك أشخاص آخرون ينتمون إلى حَلقة أوسع تمكنهم من التدخل في حياة الشّـركة، سواء كانوا ينتمون أو لا ينتمون لمستخدمي الشّركة و الذين يمكن متابعتهم بصفتهم شركاء في الجريمة و على هذا الأساس سنقسم هذا المطلب إلى فرعين نتناول في أولهما الفاعل الأصلي في جريمة الاستعمال التعسفي لأموال الشركة، و الثاني نتطرق فيه إلى الشريك في الجريمة.
الفـرع الأول
الفاعـل الأصلـي فـي جريمـة الاستعمـال التعسفـي لأمـوال الشركـة
يختلف الأشخاص المعنيين بهـذه الجريمة باختلاف أنواع الشركات إلى مسيرين قانونيين و آخرين فعليين نحاول دراستهما تبعا:
أولا: المسيـر القانونـي للشركـة
إنّ الهيكل الإداري للشركة ذات المسؤولية المحـدودة يعبر عن طبيعتها باعتبار أنها من ناحية تقترب إلى حـد كبير من شركات الأشخاص فجـعل على رأسها مـديرا أو أكثر، و من ناحية أخرى وضعت الجمعية العامة للإشراف و الرقابة و هذا لاقترابها بعض الشيء من شركات الأموال، و مدير الشركة هو دائما شخصا أو أشخاصا طبيعيين يُِِِختارون من الشركاء أو من الغير، و لهؤلاء المسيرين سلطات واسعة تسمح لهم القيام بجميع الأعمال و التصرفات التي يرونها ضرورية لتحقيق أهداف الشركة، إلا أنه يُخشى منهم في مقابل ذلك أن يستعملوا هذه السلطات لتحقيق هدف مخالف لمصالح الشركة أو تحقيق هدف شخصي.
أما الهيكل الإداري في شركة المساهمة، -و نظرا لتميزها بكثرة المساهمين فيها حيث يعتبرون ملاًّكا لرأس المال، و بالتالي فإنهم يشتركون جميعا في إدارة الشركة- فقد تدخل المشرع لتنظيم توزيع الإدارة بين هيئات متعددة تتمثل في مجلس الإدارة، و جمعية المساهمين، و أخيرا هيئة المراقبين(1).
علاوة على أن المادة 811 فقرة 3 من القانون التجاري الجزائري، قد مددت تطبق الجريمة إلى الأشخاص القائمين بإدارة شركـة المساهمة الذين يمكن أن يكونـوا أشخاصا معنويين، و في هـذه الحالة يجب على الشخص المعنوي القـائم بالإدارة أن يختـار ممثلا دائما عنـه شخصا طبيعيا يخضع لنفـس الشـروط و الواجبات، و يتحمل
1-أنظر: د/أحمد محرز: المرجع السابق، ص 281.
-أنظر: المواد، من 610 إلى641 فيما يخص مجـلس الإدارة، و المـواد من 674 إلـى 685 فيما يخص جمعيـة
الساهمين، و أما هيئة المراقبين المواد من 715 مكرر 4 إلى 715 مكرر 29 من القانون التجاري الجزائري.
نفس المسؤوليات المدنيّة و الجزائية كما لو كان قائما بالإدارة باسمه الخاص، دون المساس بالمسؤولية التضامنية للشخص المعنوي الذي يمثله(1).
فالقائم بالإدارة -حسب النصوص القانونية- ليس مسيّرا للشركة، فهو مساهم فيها معين من طرف الجمعية العامّة من أجل ضمان سيرها، و بصفته الفردية هذه لا يمثل شيئا و إنما مجلس الإدارة هو الذي يتمتع بسلطات واسعة جدا من أجل التصرف -و في كل الظروف- باسم الشركة.
إلا أن جانبا من الفقه يختلف مع هـذه الصياغة و يعتبر أن مجلس الإدارة لا يقـوم إلا بالمداولة دون التصرف و إنما هـذه الامتيازات تعـود لرئيس مجلس الإدارة، و بالتالي و في السّير العادي لشركة المساهمة، إذا كان القائم بالإدارة ليس رئيسا للشركة فإنه لا يمكنه تسييرها و إذا قام بذلك فإنه يعتبر قد تصرف كمسير فعلي(2).
غير أنّ كل هذا الجدل الفقهي يصطدم في التشريع الجزائري بنّص المادّة 811 فقرة 3 من القانون التجاري الجزائري التي تعاقب صراحة القائم بالإدارة ليس على أساس أنه مسير فعلي و إنما على أساس اعتباره قائماً بالإدارة أي أخذه بصفته هذه "... و القائمون بإدارتها...".
أمّا المصفي، فيعرّف بأنه الشخص أو الأشخاص الذين يُعهد إليهم مباشرة العمليات اللازمة لتصفية الشركة، فهذه العملية تتم إما على يد جميع الشركاء، و إذا لم تتم كذلك فعلى يد المصفي الذي يتم تعينه من قِبل الشركاء أو من المحكـمة(3)، و مهما كانت طريقة تعيينه فمهـام و سلطات المصفي تكون متطابقة في جميع الحالات، و على خلاف المسيرين فهو لا يقوم بتسيير الشركة و إنّما تقتصر مهمته على تحقيق الأصول و تسديد الخصوم.
1 أنظر: المادة 620 من القانون التجاري الجزائري.
2 أنظر: Annie MEDINA: OP.CIT, p: 186&187. 3أنظر: د/ نادية فوضيل: المرجع السابق، ص 82 إلى 85.
هذا، و زيادة على العقوبات الجزائية المرتبطة بمخالفة التزامات معيّنة، تنص المادّة 840 فقرة 1 من القانون التجاري الجزائري على تطبيق جريمة الاستعمال التعسفي لأموال الشركة ضد المصفي، و هو ما يعتبر استثناءا يفسر من خلال الاختصاصات و المهام التي يمارسها المصفي خلال مرحلة التصفية التي تمنحه حرية تصرف واسعة في استعمال أموال و اعتمادات الشركة مستفيدا من تواجده في وضعية و ظروف تسمح له بارتكابها، إلا أنّ المصفي -عكس المسيرين- لا يكون محل متابعة بجريمتي الاستعمال التعسفي للسلطات و الأصوات، إذ لا اختصاص له فيها.
و جريمة الاستعمال التعسفي لأموال الشركة لا ينحصر تطبيقها في هذه الحالة على الشركات التي تخضع لها
التوقــيـــــــــــــــــــــع
~ان دخلت موضوعا و استفدت منه ~
فلا تتركه فارغا
@@ ساهم في بناء المنتدى و لو بكلمة طيبة @@
فلا تتركه فارغا
@@ ساهم في بناء المنتدى و لو بكلمة طيبة @@
- adminالمدير العام
تمت المشاركة السبت يناير 14, 2012 10:48 pm
1 أنظر: Annie MEDINA: OP.CIT p: 283.
الفرع الثاني
محاولة المسير التحرر من المسؤولية الناجمة عن جريمة الاستعمال
التعسفي لأموال الشركة
يتبين مما تقدم أنه باجتماع العناصر المكونة لجريمة التعسف في استعمال أموال الشركة تقوم هذه الأخيرة و لا يكون لتصرف المسير بعد ذلك أي تأثير على قيامها، غير أنه قادر على التأثير على مقدار العقوبة كأن يستفيد من الإفراج أو على كل حال التخفيف من العقاب، لهذا ارتأينا تجميع العناصر أو الحجج التي يعتمد عليها المسير للتهرب من المسؤولية – وهي بالطبع ليست حصرية - في هذا الفرع بعد أن ذكرناها مشتتة فيما سبق، و في غياب أحكام للقضاء الجزائري فقد استندنا في تحديد هذه الأسباب لتهرب المسير من المسؤولية إلى أحكام القضاء الفرنسي.
لقد سبق و أن ذكرنا أن الإبراء أو الموافقة المقدمة من الجمعية العامة لا تعفي المسير من مسؤوليته، إذ يعود للقاضي وحده سلطة تقدير ذلك، لأن القانون يهدف إلى حماية الذمة المالية للشخص المعنوي حسب تصور واسع للمصلحة الاجتماعية للشركة، و هذا ما قضت به محكمة النقض الفرنسية في قرارها الصادر في 18 مارس 1994 جـاء فيه" قبول الجمعة العـامة لا يمكنه إزالة الطابع التعسفي للاقتطاعات الواقعة على أمـوال الشركة، فالقانون لا يقتصر موضوعه على حماية مصالح الشركاء و إنما أيضا الذمة المالية للشركة و مصالح الغير الذي يتعامل معها"(1).
كما أن احتجاج المسير بكون الشركة عائلية و أنّ أعضاءها من نفس الأسرة من اجل التهرب من المسؤولية لا يهم، و لذلك عاقبت محكمة النقض الفرنسية على أساس هذه الجريمة المسير الذي قام و لمدة 03 سنوات باختلاس أموال الشركة لمصلحته الشخصية مؤكدة بأن الشخص المعنوي كيان مستقل عن أعضائه معتمدة في ذلك على أنّ جريمة الاستعمال التعسفي لأموال الشركة لا تُلحق أضرارا بمصلحة الشركاء فحسب و إنما أيضا بمصالح الغير المتعاملين معها(2).
1 أنظر: .Jacques MESTRE, Christine BLANCHARD- SEBASTIEN: OP.Cit, p: 298 § 668
LOC. CIT. 2 أنظر:
كما قد يحتج المسير بالإكراه نتيجة لضغط خارجي أو التهديد بفقدان منصبه، إلا أنه ليس لكل هذه الادعاءات تأثيرا على قيام الجريمة و هذا ناتج من أنه ملزم بتحمل المسؤولية الناجمة عن منصبه بالإدارة, بينما المسير الحقيقي يمكن أن يتابع على أساس أحكام الاشتراك(1).
كما قضت محكمة النقض الفرنسية بقيام جريمة الاستعمال التعسفي لأموال الشركة على الرغم من ادعاء المسيرين بالجهل أو عدم الكفاءة في الحسابات أو الإدارة, يضاف اليهما عنصر الإهمال و عدم الرقابة كأن يدعي المسير بجهله للتصرفات التي يقوم بها المسير الفعلي، غير أن محكمة النقض الفرنسية قد ليّنت من موقفها فيما بعد و ذلك بوضع شرط إذا لم يتحقق كان بإمكان المسير التحرر من مسؤوليته، و يتمثل هذا الشرط في عدم التمسك بالإهمال و غياب الرقابة ضد المسيرين" إلا إذا كـانوا عالمين بالأفعال المجرّمة و كان بإمكانهم منعها" مقرِّرة أن الإهمال البسيط لا يمكن أن يشكل سوء نية(2).
و الرّد أو الإرجاع أو المعاوضة لا تحمي من جريمة الاستعمال التعسفي لأموال الشركة و هذا لأن الجريمة تقع و تتشكل يوم ارتكاب الأفعال المكونة لها و لا يهم موقف المسير فيما بعد.
علاوة على ما تقدم فعادة ما يحتج المسير كذلك بشفافية أعماله و في الحقيقة إذا كان التصرف بخفية يخلق قرينة على وجود المصلحة الشخصية فإن العكس غير صحيح، إلا أنّ الشفافية في التصرفات يمكن أن تكون عنصرا مفيدا للمسير(3).
و في الأخير, فهناك سبب آخر يلجأ إليه المسير و هو" تفويض السلطات", فهل يمكن تطبيق مبدأ التفويض للتخلص من الجريمة ؟، خاصة و أن المـواد 800 فقـرة 4 و 811 فقـرة 3 و 840 فقرة 1 من القانون التجاري الجزائري قد حددت الأشخاص الخاضعين لهذه الجريمة .
Eva JOLY, Caroline JOLY-BAUMGARTNER: OP.CIT, p: 159. 1 أنظر:
LOC. CIT. 2 أنظر:
IBID. p: 160. 3 أنظر:
يرى فريق من الفقه أنه لا يمكن تطبيق تفويض السلطات في مجال جريمة الاستعمال التعسفي لأموال الشركة، و سارت محكمة استئناف باريس على هذا الرأي مُؤسسة حكمها بأنه على المدير المفوِّض التزاما بحراسة سير الشركة.
إلا أننا نرى أنّ تفويض السلطات يمكن إعماله في هذا المجال لإسقاط الجريمة على المدير إذا كان لا يعلم بتصرفات المفوّض له الخفية التي تضر بالشركة و يستفيد منها، و اعتبار المفوّض له في هذه الحالة كمسير فعلي إذا كان يمكن متابعته بهذه الصفة.
و يبقى السبب الجدي لسقوط المسؤولية هي القواعد العامة التي أوردها المشرع الجزائري و المتمثلة في موانع المسؤولية من عته، وجنون، وغيرها.
المبحث الثاني
متابعة جريمة الاستعمال التعسفي لأموال الشركة
بعد البحث في تحديد مسؤولية مرتكب الجريمة سنتطرق فيما يلي إلى متابعة هـذه الأخيرة، بمعنى مرحلتها القضائية و ذلك بتناول تحريك الدّعاوى الناشئة عنها في مطلب أول ثم إلى العقوبات المقررة لجريمة الاستعمال التعسفي لأموال الشركة في مطلب ثان.
المطلب الأول
الدعاوى الناشئة عن جريمة الاستعمال التعسفي لأموال الشركة
تنشأ عن جريمة الاستعمال التعسفي لأموال الشركة دعويان، دعوى عمومية، وأخرى مدنية، و هذا ما سنحاول تناوله تباعا في الفرعين التاليين.
الفرع الأول
تحريك الدعوى العمومية في جريمة الاستعمال التعسفي لأموال الشركة
إنّ تحريك الدعـوى العمومية هـو المرحلة الأولى من الإجراءات الجزائية في الدعـوى، و منه سنتطرق في هذا الفرع إلى الأشخاص الذين يمكنهم التبليغ عن الجريمة أولا، ثم إلى تقادم هذه الدعوى ثانيا.
أولا: الأشخاص المؤهلون للتبليغ عن الجريمة
إنّ النيابة العامة تحرك الدعوى العمومية باسم الشركة و ضد المسير بهدف الحكم عليه بعقوبة جزائية، و للتمكن من تحريك الدعوى العمومية في جريمة الاستعمال التعسفي لأموال الشركة، يجب أن تُخطَر النيابة العامة بوجود أفعال مكونة لها، و يُتبع في ذلك القواعد العامة فضلا عن مصادر أخرى كالإشاعات و وسائل الإعـلام، لكن الأهم و الغالب في تحريكها يكون عن طريق التبليغات و الشكاوى المسلّمة لها بطريقة مباشرة أو غير مباشرة.
إضافة إلى أنه يمكن تحريك الدعوى العمومية عن طريق التبليغات المقدمة من إدارات خاصة، و هذا ما جاء في المادة 27 من قانون الإجراءات الجزائية و منها، موظفوا و أعوان الإدارات و المصالح العمومية الذين يتمتعون ببعض سلطات الضبط القضائي و الذين بإمكانهم الكشف عن هذه الجريمة، مثال ذلك موظفوا مصلحة الضرائب الذين من خلال قيامهم بالمراقبة أو بمناسبة التحقيق في التهرب الضريبي، يمكنهم اكتشاف ارتكاب المسيرين لأفعال مكونة لجريمة الاستعمال التعسفي لأموال الشركة فترسل الملف للنيابة التي تتكفل به، فإدارة الضرائب إذن تمثل مصدرا امتيازيا للتبليغ عن هذه الجريمة، كما يمكن أن يتم التبليغ عنها من طرف إدارة الجمارك وذلك عند اكتشافهم لأفعال مكونة للجريمة بمناسبة تحقيقهم في قضية معينة.
غير أنه غالبا ما يتم الكشف عن الفعل المجرم في جريمة الاستعمال التعسفي لأموال الشركة أثناء افتتاح إجراءات التسوية القضائية أو الإفلاس، فإعلان حكم الإفلاس ظاهرة كاشفة عن هذه الجريمة التي تظهر للوكيل المتصرف القضائي عند قيامه بتحقيق الديون مثلا فيُعلِم بها النيابة العامة، كما يجـوز لهذه الأخيرة -و في أي وقت- طلب الاطلاع على كافة المحررات و الدفاتر و الأوراق المتعلقة بالتسوية القضائية و الإفلاس.
و نص القانون التجاري الجزائري على عنصر آخر مهم في إبلاغ النيابة العامة لتحريك الدعوى العمومية، إذ جاء في المادة 715 مكرر 4 و ما يليها ضرورة أن يكون لشركة المساهمة مندوبا للحسابات أو أكثر، تعينه الجمعية العامة العادية للمساهمين لمـدة 3 سنوات تختارهم من بين المهنيين المسجلين على جدول المصف الوطني فجاء في المادة 715 مكرر 13 فقرة1-2 أنه " يعرض مندوبـوا الحسابات على أقـرب جمعية عـامة مقبلة، المخالفات و الأخطاء التي لاحظوها أثناء ممارسة مهامهم.
و يطلعون، علاوة على ذلك، وكيل الجمهورية بالأفعـال الجنحية التي اطلعوا عليها".
و إذا لم يبلغ بها النيابة العـامة فإنه سيتابع بجريمة إخفاء أو عـدم الكشف عن مخالفات و جرائم علم بها حسب نص المادة 830 من نفس القانون.
ثانيـا: تقـادم الدعـوى العموميـة في جريمـة الاستعمال التعسفي لأموال الشركـة
تنقضي عادة الدعوى العمومية بصدور حكم بات فيها، و قد تنقضي بأسباب أخرى من بينها التقادم أو ما يعرف أيضا بمضي المهلة و هو ما يهمنا في هذه الدراسة، و هذا الأخير يمكن تعريفه بأنه مرور فترة من الزمن على ارتكاب الجريمة، و تلك الفترة الزمنية قد حددها القانون و رتب عليها انقضاء الدعوى العمومية، و هو ما يعبر عنه بسقوط الدعوى العمومية بمضي المدة المقررة لها قانونا، كما يمكن تعريفه أيضا بأنه ذلك الجزاء المرتبط بعدم ممارسة الحق أو الدعوى من قبل صاحبها خلال فترة معينة(1).
و تُكيف جريمة الاستعمال التعسفي لأموال الشركة جنحة بالنظر للعقوبات المقـررة لها، و عليه تبدأ مدة سريان التقادم في مواد الجنح وفقا لنص المادة 8 من قانون الإجراءات الجزائية الجزائري بمرور 03 سنوات كاملة تبدأ من يوم ارتكاب الجريمة أو من تاريخ آخر إجراء اتخذ في شأنها.
و بناءا على ما سبق، يتبين أن "الاستعمال" في هذه الجريمة يتميز بالطابع الفوري و الآني، مما يجعلها تصنف ضمن فئة الجرائم الوقتية، لذلك فمدة التقادم الثلاثية تبدأ من يوم ارتكاب الجنحة حسب المـادة 8 من القانون المذكور، و يُتبع في شأنه الأحكام الموضحة في المادة 7 منه.
غير أن بعض الاستعمالات التعسفية تكتسي أحيانا طابعا خاصا، و يكون الحال كذلك مثلا في أفعال الامتناع عن التصرف أو عدم استعمال السلطات و التي تتابع عادة بتهمة الاستعمال التعسفي للسلطات، أو حالة الاستعمالات المستمرة (كاستعمال منزل مملوك للشركة مثلا)، فالجريمة تكون متجددة دون توقف و ينتج عن ذلك أنّ مدة سريان تقادم الدعوى العمومية في هذه الحالة يبدأ من يوم تحقق التنفيذ النهائي للجريمة(2).
لذلك، فإنّ تحديد نقطة انطلاق مدة التقادم في هذه الحالة أثار إشكالا كان محل نقاش كبير، فتدخل القضاء و أعاد تحديدها مؤخِّرا إياها حسب الحالات، و ذلك بغرض تجنب أن يفلت
1 أنظر: .Annie MEDINA: OP.Cit, p: 233
Eva JOLY, Caroline JOLY- BAUMGARTNER: OP.CIT,p: 324. 2 أنظر:
مرتكبوا هذه الجريمة من العقاب، فأجل نقطة انطلاق التقادم إلى اليوم الذي يظهر فيه الفعل أو تتم معاينته، و هذا ما جاء في القرار الصادر عن محكمة النقض الفرنسية في 07 ديسمبر 1967 الذي كرّس هذا المبدأ(1).
غير أن موقف القضاء قد تطور ابتداءا من سنة 1981، ففي قرار صادر عن ذات المحكمة في 10 فيفري 1981 حدد بدقة أن نقطة انطلاق التقادم تبدأ في السريان من " اليوم الذي ظهر فيه الفعل المجرم أو تمت معاينته في شروط تسمح بمباشرة الدعوى العمومية" هادفة من وراء ذلك تحسين النظام المعمول به(2).
و يمكن القول أنّ الاستناد على تاريخ "معاينة" الجريمة لتحديد نقطة انطلاق التقادم ليس بقاعدة أو مبدأ قاطع، فانطلاق التقادم الثلاثي يبقى بصفة مبدئية يوم "ارتكاب" الفعل.
هذا و إنّ تحديد نقطة انطلاق التقادم تعود لاختصاص القاضي و ذلك بالبحث عن التاريخ الذي تمت فيه معاينة الأفعال بالاعتماد على الدليل القاطع و ليس بطريقة حدسية أو افتراضية.
أما إطلاع مندوب الحسابات على الأفعال الجُرميّة، لا يجعل مدة التقادم تبدأ في السريان إلا إذا بُلغ بها وكيل الجمهورية فورا، و التاريخ الذي يؤخذ به عادة هو تاريخ علم هذا الأخير أو الضحية بالأفعال.
الفرع الثاني
الدعوى المدنية المترتبة عن جريمة الاستعمال التعسفي لأموال الشركة
الدعوى المدنية هي دعوى يقيمها من لحقه ضرر من الجريمة يطلب تعويض هذا الضرر، هذا ما جاءت به المادة 2 و 3 من قانون الإجراءات الجزائية الجزائري، و في هذه الجريمة -كغيرها من الجرائم- ضحايا يصيبهم ضرر يفتح لهم المجال لرفع دعوى مدنية وفقا للأساليب القانونية يطالبون من خلالها جبره، و ضحايا هذه الجريمة هم عادة الشركة و المساهمين، هذا ما سنتناوله على الترتيب في الفكرتين التاليتين.
1أنظر: .Jacques MESTRE, Christine BLANCHARD- SEBASTIEN: OP.CIT, p: 304 § 678
2 أنظر : OP.CIT, p. 24§179. Didier REBUT
أولا: الدعـوى المدنيـة للشركـة
يجوز للشركة الادعاء مدنيا عن الضرر الذي أصابها بسبب هذه الجريمة، فإذا لحقها الضرر الشخصي المباشر منحها القانون الحق في الادعاء مدنيا أمام القضاء الجزائي، فالدعوى المدنية المملوكة للشركة نفسها هي دعوى الشركة(1)، و خاصيتها تكمن في كونها مملوكة لشخص معنوي ممثلا في مديره، مسؤوله، أو رئيسه أي المسير الذي يجب عليه إثبات صفته أمام القضاء(2)، Action Universali، غير أنه و منعا لتخاذل هذا الأخيرعن رفع الدعوى، أعطى القانون للشركاء فرديا أو جماعيا الحق في رفع دعوى مدنية باسم و لحساب الشخص المعنوي. Action Singuli(3)، و لا يجوز حرمان المساهم و الشريك من هذا الحق بأي حال من الأحوال و هذا فحوى المادة 715 مكرر24 من القانون التجاري الجزائري، و ترفع الدعوى في مواجهة المدعى عليه و هو في هذه الحالة الرئيس و أعضاء مجلس الإدارة إما كلهم أو بعضهم أو أحدهم أو المسيرين، فإما أن ترفع عليهم جميعا دعوى واحدة -في حالة تعدد الفاعلين- لتضامنهم أمام الشركة، أو ترفع ضد أحدهم.
و تقضي المادة 788 من القانون التجاري الجزائري أنه في حالة تصفية الشركة فإن سلطة التأسّس كطرف مدني باسم هذه الأخيرة تعود للمصفي، و بصفته هذه فهو لا يعتبر وكيلا عن الشركاء و لا عن الشركة و إنما نائبا قانونيا عنها(4)، و يفقد الأعضاء القانونيين في هذه المرحلة صفتهم في التمثيل.
1 أنظر: -Didier REBUT: LOC.CIT, p: 24 § 186.
-Eva JOLY, Caroline JOLY- BAUMGARTNER : OP.CIT, p : 289.
2 أنظر: د/ أبو زيد رضوان: المرجع السابق، ص 138.
3 أنظر: المادة 715 مكرر24 فيما يخص شركات المساهمة، المادة 578 فقرة1 فيما يخص الشركة ذات المسؤولية
المحدودة.
4 أنظر: د/ أبو زيد رضوان: المرجع السابق، ص 189، و أنظر أيضا: د/أحمد محرز المرجع السابق، ص131.
كما تقضي المادة 244 من نفس القانون أنه في حالة الإفلاس أو التسوية القضائية تنتقل سلطة التمثيل للوكيل المتصرف القضائي.
أما المادة 744 فقرة 1 من القانون المذكور أعلاه تجعل الشركة الدامجة ممثلا قانونيا للشركة الضحية في حالة الاندماج، لأنه من آثار هذا الأخير نقل الذمة المالية من الشركة المندمجة إلى الشركة الدامجة(1).
كما نجد في الواقع العملي أنّ تأسّس دائني الشركة كطرف مدني يُرفض بسبب أن هؤلاء لا يمكنهم التمسك بوجود ضرر مباشر أصابهم من جراء هذه الجريمة(2)، بل ضررهم غير مباشر لا يمكن المطالبة بالتعويض عنه إلا أمام القضاء المدني.
ثانيـا: دعـوى المساهميـن الفرديـن
لقد سبقت الإشارة إلى أنّ المساهمين أو الشركاء لهم الحق في رفع الدعوى المدنية ضد المسيرين المرتكبين للجريمة نيابة عن الشركة عـمّا أصابها من ضرر عن طريق رفع دعـوى غير مباشرة، كما يكون من حـق الشركـاء و المساهمين للشركة الضحية مباشرة دعـوى المسؤولية المدنية في مواجهة المسيرين إذا ثبت أنّ ضررا لحق بهم شخصيا، ذلك أن الجريمة هذه من طبيعتها أن تسبب ضررا مباشرا ليس للشركة فحسب و إنما للشركـاء و المساهمين أيضا, ودعوى هؤلاء الفردية لا تتعارض ودعوى الشركة التي تطالب تعويضا عن الضرر الذي لحق بها من جراء هذه الجريمة, و هذا ما نصت عليه المادة 715 مكرر24 من القانون التجاري الجزائري.
و عليه فالدعوى الفردية للمساهم ترفع باعتبار صفته هذه و ليس باعتباره جزءا من الشركة يدافع عن مصالحها، و إنما هو يدافع عن حقوقه الخاصة و عن الأضرار التي لحقته شخصيا.
1 أنظر: د/ أبو زيد رضوان: المرجع السابق، ص 176، و أنظر أيضا: د/أحمد محرز المرجع السابق، ص98.
2 أنظر: .Annie MEDINA: OP.CIT, p: 203-
Didier REBUT: OP.CIT, p: 26 § 200.-
و بناءا على ذلك فإنه يكون من الضروري على المساهم أو الشريك متى استخدم دعواه الفردية أن يكون موضوعها مصلحة خاصة به دون غيره، بمعنى أن ترفع هذه الدعوى في حدود مصلحته، فحيث لا مصلحة لا دعوى.
و يتمثل الضرر الذي يصيب الشركاء، في الحرمان من الحصول على جزء من أرباح الشركة، و في الإنقاص من قيمة السندات بسبب انخفاض أصولها، و هكذا يعود التعويض الذي يُحكم به للمساهم أو للشريك دون الشركة, و هذا عكس حالة قيامه برفع الدعوى باسم الشركة أين يدخل التعويض المحكوم به في ذمتها, و بالتالي يستفيد منه الجميع بما فيهم هو، و لا يهم في هذه الدعوى أن يفقد صفته كمساهم أو شريك بعد وقوع الجريمة-عكس دعوى الشركة التي يباشرها هو- و لا يؤثر في ذلك أيضا افتتاح إجراءات التسوية القضائية أو اندماج الشركة في شركة أخرى.
المطلب الثاني
الجزاءات المقررة لجريمة الاستعمال التعسفي لأموال الشركة
بعدما تتم معاينة جريمة الاستعمال التعسفي لأموال الشركة و تحريك الدعوى العمومية، تنتهي هذه الأخيرة بنطق القاضي الجزائي بالعقوبات المقررة حيث يتعرض المتهم إلى نوعين من العقوبات إحداهما جزائية و أخرى مدنية، و عليه فسيتم التمييز في هذا المطلب بين هاتين العقوبتين في الفرعين التالين:
الفـرع الأول
الجــزاء الجنـائـي
و هو نوعان, يمس الأول المحكوم عليه في بدنه فإما يسلب منه حياته و هذا ما يسمى بعقوبة الإعدام، و إمّا يسلب حريته و هذا ما يسمى بعقوبة السجن، أو عقوبة الحبس, أما النوع الثاني فيمس المحكوم عليه في ماله و يسمى عقوبة الغرامة.
و جريمة الاستعمال التعسفي لأموال الشركة، جنحة يعاقب عليها بالسجن(*) لمدة سنة إلى خمس سنوات و بغرامة مالية من 20.000 إلى 200.000 دج أو بإحـدى هاتين العقوبتين فقط، تنطبق على كل من مسيري الشركات ذات المسؤولية المحدودة و رئيس شركة المساهمة, و القائمين بإدارتها و مديريها العامين، و المصفي في جميع الشركات.
و ذهب فريق من الفقه إلى التقليل من أهمية العقوبات السالبة للحرية في هذا النوع من الجرائم على أساس أن مرتكبي هذه الجريمة هم من أعلى السلم الاجتماعي و بالتالي فليسوا بحاجة إلى تقويم اجتماعي، إلا أن رأيا أخر يرى أن هؤلاء الأشخاص يتأثرون من سلب حريتهم أكثر من أشخاص الطبقات الدنيا.
غير أن الجميع يتفق على أهمية العقوبة المالية في هذا النوع من الجرائم و هذا نتيجة للمبدأ القائل" معاملة المتهم على خلاف مقاصده"، فنية المتهم في هذه الجرائم هي إغناء ذمته المالية لذلك تكون العقوبة الأنجع هي إفقارها.
و يبدو من الواضح أن المشرع الجزائري قد جعل عقوبات جريمة الاستعمال التعسفي لأموال الشركة شديدة للغاية(*) و أظهر تشددا كبيرا قمعا لهذه الجريمة مقارنة مع العقوبات المقررة لجرائم أخرى، و يظهر ذلك في أنّ المسير في هذه الجريمة قد تصل عقوبته 5 سنوات حبس كحد أقصى مقابل 3 سنوات لمرتكب جريمة خيانة الأمانة البسيطة، فلماذا خُصص المسير في بعض الشركات بعقوبة أكثر قمعا و ردعا في حين مسير شركات أخرى لا يخضع لهذه الجريمة ولا يتعرض لنفس التشدد في العقوبة?.
جدير بالذكر في هذا الشأن، أن المشرع الجزائري لم يُخضع جريمة الاستعمال التعسفي لأموال الشركة لعقوبات تكميلية إلى جانب تلك الأصلية، و بذلك فالمسير الذي حكم عليه في هذه الجريمة لا يجد نفسه مثلا معاقبا بالمنع من التسيير أو الإدارة كعقوبة تكميلية(1) لعدم وجود نصوص قانونية.
*كان من المفروض النص على الحبس لا السجن فالخطأ وارد في نص المادتين 800 و840 دون المادة 811.
*و هي نفس العقوبات المقررة لكل من جريمة الاستعمال التعسفي للاعتماد المالي، وللسلطات و الأصوات.
1 طالع لمزيد من التفصيل في هذا الشأن: د/أحسن بوسقيعة، المرجع السابق.
كما يلاحظ أنه لا يوجد أي نص يمنع هذا الأخير من مباشرة مهنة تجارية أو صناعية إذ أنّ النص عليها سيزيد من ردع الجريمة .
و في نفس السياق نجد أن المشرع الجزائري لم يقرر أية ظروف مشددة لجريمة الاستعمال التعسفي لأموال الشركة و عليه فكون الجريمة قد ارتكبت من مسيرين يُنظمون أنفسهم في عصابات أو أيضا باستعمال وسائل معينة غير مهم، و الظروف المشددة هي وقائع تزيد من جسامة الجريمة المرتكبة و يترتب عنها رفع العقوبة و هي ظروف ينص عليها المشرع و تتوقف على إرادته.
كما أن المحاولة أيضا لم يخصها المشرع بنص خاص يعاقب عليها في إطار جريمة الاستعمال التعسفي لأموال الشركة، ذلك أن المحاولة غير معاقب عليها في مواد الجنح إلا بنص خاص و هذا ما جاء في المادة 30 من قانون العقوبات.
فضلا عن ذلك فإن المسير لا يستفيد في هذه الجريمة من الحماية العائلية من العقاب حتى و إن كانت الشركة الضحية شركة عائلية، ذلك أنه على عكس جريمة السرقة و خيانة الأمانة فالضحية الأولى و الأساسية في هذه الجريمة هي الشركة و ليس الأفراد، و بالتالي فالضرر الذي لحقها يتجاوز بطبيعته الإطار العائلي الشيء الذي يدفع إلى التضحية بالاعتبارات العائلية.
الفـرع الثانـي
الجــزاء المدنــي
الدعوى المدنية التبعية المعروضة أمام المحكمة الجزائية موضوعها المطالبة بالتعويض عن الضّرر الناجم عن الجريمة.
و يعرف التعويض في مفهومه العام بأنه إصلاح الضرر الناشئ عن الجريمة، إما بدفع مقابل مالي, و إما برد الشيء لصاحبه، و إما دفع مختلف ما تكبده المتضرر من مصاريف.
و صفة المتضرر في جريمة الاستعمال التعسفي لأموال الشركة تعود للشركة أو للشركاء أو للمساهمين، و منه يخرج من هذه الدائرة الأشخاص الذين لا يتمتعون بصفة الشريك أو المساهم و التي تشكل شرطا ضروريا لقبول الدعوى المدنية، غير أن هؤلاء يمكنهم المطالبة بتعويض الأضرار الناجمة عن هذه الجريمة أمام القضاء المدني(1).
و حسب المادة 3 فقرة 4 من قانون الإجراءات الجزائية الجزائري فإنه يمكن للضحية المطالبة بتعويض كل فئات الضرر، إلا أن الوقائع المشكلة لجريمة الاستعمال التعسفي لأموال الشركة لا يمكن أن تكون سوى أضرارا مادية أو معنوية مستثنية بذلك الأضرار الجسمانية.
و يكون الضرر الناتج عن الجريمة ماديا إذا أدى استعمال الأموال تعسفا إلى الإنقاص أو الإفقار من ذمتها المالية, أو شكل عائقا أمام تحقيق الأرباح، أو الإنقاص من شهرة علامتها، و عرقلة تطورها، و الإضعاف من ائتمانها.
إذن، هدف دعوى الشركة هو أساسا إعادة إنشاء ذمتها المالية، لهذا فالمسير المحكوم عليه لا يعوض فقط المبالغ المختلسة و لكن قد يُحكم عليه بتعويضات إضافية أخرى (2).
و يتمثل الضرر المادي للشركاء أو المساهمين, في الحرمان من جزء من فوائد الشركة، و في التخفيض من قيمة السندات الناجم عن الإنقاص من أصولها، هذا حتى وإن كان الشركاء أو المساهمين قد اكتسبوا حصصهم بصفة لاحقة عن الأفعال المكونة للجريمة، لكن بشرط أن يكون هذا الاكتساب قد وقع قبل اكتشاف هذه الأفعال، فيكونون إذن غير عالمين بالقيمة الحقيقية للسندات التي اشتروها، كما يتمثل الضرر في الإنقاص من قيمة الشركاء أو الإنقاص من القيم الموزعة, وعليه يمكن القول أنّ تعويض الشركاء عن هذا الضرر يكون على أساس خسارة فرصة تحسين قيمة السندات في حين أنّ ضرر الشركة قائم على تضييع فرصة، فالضرر يمكن أن يقوم إذن على خطر خسارة ذات قيمة
أو على العكس تضييع فرصة تحسين هذه الأخيرة(3).
1 أنظر: .Didier REBUT: OP.CIT, p: 27 § 207
2 أنظر: -Eva JOLY ,Caroline JOLY- BAUMGARTNER: OP.CIT, p: 289.
. -Jacques MESTRE, Christine BLANCHARD- SEBASTIEN: OP.CIT, p: 304 § 680
3 أنظر: Eva JOLY, CarolineJOLY-BAUMGARTNER: LOC.CIT, p: 303.
و على هذا الأساس فالضرر الذي يصيب الشركاء أو المساهمين يجب أن يكون حقيقيا و ليس محتملا.
أما الضرر المعنوي فهو يصيب الجوانب المعنوية لشخصية الفرد، و يتضمن دائما الآلام المحتملة من الضحية و الناتجة عن المساس بشعورها أو سمعتها أو شرفها أو كرامتها أو حريتها، و يرى الكثير من الفقه أنّ للشركة الحق في المطالبة بالتعويض عن الضرر المعنوي الذي يصيبها و الذي يقع أساسا على ائتمان هذه الأخيرة و سمعتها التجارية مثل المساس بعلامة الشركة و صورتها(1).
غير أننا نرى أن الضرر الذي يصيب الشركة هو دائما ماديا ذلك لأن الأمثلة التي يضربها أصحاب الرأي الأول مثـل الائتمان و العلامة التجارية, فإن المساس بها يرتب ضررا مـاديا يتمثل في فقـدان المقترضين أو الزبـائن الذين يمثلون للشركة أموالا مهدورة, إضافة إلى أنّ الضرر المعنوي هو إحساس بألم داخلي و بالحسرة على فقدان شيء ذي قيمة معنوية أكثر منها مادية, و إن كانت لا تستبعد هذه الأخيرة, و بما أن الشركة كائن عديم الإحساس فإنه لا يمكن أن يُصاب بضرر معنوي.
كما يجوز للشريك أو المساهم المطالبة بتعويض الضرر المعنوي الذي أصابه، هذا ما قررته محكمة النقض الفرنسية في قرار صادر بتاريخ 08 جويلية 1980(2).
و يجب التنبيه في هذا المجال أنه لا تقبل شكوى مع تأسّس جماعي للأطراف المدنية لأن الضرر ليس جماعيا و لكنه فرديا.
و في الأخير، و في كل الحالات السابقة فإن تقدير أو تقويم الضرر الذي أصاب الضحية يخضع للسلطة التقديرية للقاضي.
1 أنظر: Jacques MESTRE, Christine BLANCHARD-SEBASTIEN: LOC.CIT.
2 أنظر: -Eva JOLY, Caroline JOLY- BAUMGARTNER: IBID, p: 304.
- Jacques MESTRE, Christine BLANCHARD- SEBASTIEN: IBID, p: 305 §681.
الخــــــــاتمة
لقد تناولنا جريمة الاستعمال التعسفي لأموال الشركة بنوع من البحث و التحليل من كافة جوانبها محاولين في ذلك توضيحها للمهتمين و لو بالقدر البسيط .
و ما لاحظناه من خلال النصوص المتعلقة بهذه الجريمة هو أن مجال تطبيقها جاء محصورا جدا و مقتصرا فقط على نوعين من الشركات دون غيرها رغم ما لهذه الأخيرة من أهمية و ما يمكن أن تتعرض له من انتهاكات من طرف مسيريها ، فقد كان من الأجدر بالمشرع توسيع هذا النمط من الجريمة إلى جميع أنواع الشركات حماية للشركاء و المساهمين فيها و الغير المتعامل معها .
و كذلك الحال بالنسبة للشركات العامة أو ما يعرف بالمؤسسات العمومية الاقتصادية
(E.P.E ) التي رغم دخولها ضمن نصوص التجريم المتعلقة بجريمة الاستعمال التعسفي لأموال الشركة إلا أنه لا يزال المسيرون فيها يتابعون على أساس تكييفات أخرى منصوص عليها في قانون العقوبات مثل جريمة اختلاس أموال عمومية طبقا للمادة 119 أو جريمة الإهمال الواضح طبقا للمادة 119 مكرر أو جريمة التعسف في استعمال المال العام طبقا للمادة 119مكرر 1 .
و ما يمكن استنتاجه هو تغير هدف الجريمة من حماية المصالح الخاصة للشركة إلى حماية الصالح العام ، و ذلك بالنظر إلى الدور الاقتصادي الذي تلعبه في حياة المجتمعات و كذلك نظرا للأبعاد التي أخذها التجريم في الوقت الحالي المتمثلة في حماية قواعد السوق التي قد تُهدد بفعل هذه الجريمة .
و الجدير بالذكر هنا ، هو أنه على الرغم من كل هذه الآليات و الميكانيزمات القانونية التي عمل المشرع على توفيرها لتحقيق الحماية من هذه الجريمة إلا أنه لا يوجد لحد الآن – و حسب علمنا – أي تطبيق لها في الواقع سواء بالنسبة للشركات العامة أو الشركات الخاصة ، هذا ما يجعلها جريمة غير فعالة في حماية الشركات ما دامت مجمدة و لم تدخل حيز الواقع العملي ، رغم أن النصوص المعاقبة على هذه الجريمة جاءت بعبارات واسعة و مطاطة ، تسمح بالتالي بتفسير واسع لها من قبل الجهات القضائية ، دون الخروج على " مبدأ شرعية الجرائم و العقوبات"، و مثال ذلك مفهوم مصلحة الشركة، أو مفهوم الاستعمال ، أو الأغراض الشخصية ، التي هي عبارات مفتوحة و قابلة لتغطية العديد من التصرفات .
إلا أنّه و رغم كل هذه المبادرات التي تسمح بها هذه النصوص إلا أننا نميل إلى تفادي استعمال تلك العبارات الواسعة و استبدالها بمصطلحات أكثر دقة لتفادي التفسيرات الواسعة المبالغ فيها و للانسجام أكثر مع مبدأ التفسير الضيق للنصوص الجزائية .
أما فيما يتعلق بالعقوبات المقررة لهذه الجريمة ، فهي شديدة و صارمة ، ضد المسيرين نظرا لخطورة هذه الجريمة ، لكن كما سبق و أن رأينا أن المشرع لم يخصّها بتدابير عقابية أو عقوبات تكميلية تضاف إلى الأصلية كمنع المحكوم عليه من ممارسة مهمة التسيير و الإدارة .
و يبقى في الأخير أن ننوه أنّ أحسن وقاية من هذه الجريمة هو حسن اختيار مسير الشركة الذي يجب أن يتميز بمهارات فنية ، سلوكية و إدارية عن دراية بثقل الأمانة.
قــائمة المـراجع
أولا- المراجع باللغة العربية.
أ- المؤلفات
1- د/ أحسن بوسقيعة: الوجيز في القانون الجنائي الخاص. جرائم الموظفين (الجـرائم ضد المـال العـام- الرشـوة
و ما يتصل بها-الجرائم الأخرى). جرائم الأعمـال (الجرائم المتعلقة بتسيير الشركات التجاريـة-
الجرائـم البورصيّة-جـرائم الصرف). جـرائم التزويـر (تزويـر النقود و ما يتصل بها-تزوير
المحـررات-تقليـد الأختـام والعملات)، الجـزء الثـاني، طبعة 2003 – دار هومة – الجزائر.
2- د/أحسن بوسقيعـة: الوجيز في القانـون الجزائي الخاص، (الجرائم ضد الأشخـاص، و الجـرائم ضد الأموال)،
الجزء الأول، دار هومة للنشر، طبعة2002.
3- د/أحسن بوسقيعة: الوجيز في القانـون الجزائي العـام، الديـوان الوطنـي للأشغـال التربويـة، طبعـة 2002.
4- د/ أحمد محرز: القانون التجاري الجزائري-الجزء الثاني- الشركات التجارية:الأحكام العامة-شركـات التضامن-
الشركة ذات المسؤولية المحدودة-شركات المساهمة-الطبعة الثانية،1980.
5- د/إسحاق إبراهيم منصور: نظريتا القانـون و الحـق و تطبيقاتـها في القوانين الجزائريـة، ديوان المطبوعـات
الجامعية، الجزائر 1987.
6- د/ ثروة عبد الرحيم: موسوعة القضاء و الفقه للدول العربية، الجزء 96، الدار العربية للموسوعات، بيروت لبنان
بدون طبعة.
7- د/رضوان أبوزيد: الشركـات التجـارية في القانـون المصـري المقـارن، دار الفكـر العـربي، بدون طبعة.
8- د/عبد الحفيظ بالخيضر: محاضرات ألقاها في المدرسـة العـليا للقضاء على الطلبة القضاة الدفعة الرابعة عشر-
السنة الدراسية 2004-2005.
9- د/ عبد الحميد الشواربي: الجرائم المالية و التجارية، جـرائم التـهرب الجـمركي، التـعامل في النقد الأجنبـي،
جرائم الشركات، جرائم الضرائب الكسب غيـر المشروع، جرائـم البنوك و الائتمان، جرائم
تزييف العملة، جرائم الإفلاس، جرائم الشيك، المعارف، طبعة 96.
10- د/ناديـة فوضيل: أحكام الشركة طبقا للقانون التجاري الجزائري. (شركات الأشخاص)، دار هومة للطباعـة
والنشر و التوزيع، الجزائر، بدون طبعة.
ب- النصوص القانونية
1- القانون التجاري الجزائري
2- القانون المدني الجزائري
3- قانون العقوبات الجزائري
4- قانون الإجراءات الجزائية الجزائري
5- القانون 88-04 المحدد للقواعد الخاصة المطبقة على المؤسسات العمومية الاقتصادية الصادر في 12-01-1988
6- الأمر 01-04 المتعلق بتنظيم المؤسسات العمومية الاقتصادية الصادر في 20-08-2001
7- الأمر 95-25 المتعلق بتسيير رؤوس الأموال التجارية التابعة للدولة الصادر في 25-12-1995
ثانيا- المراجع باللغة الفرنسية
1- Annie MEDINA: Abus de Biens Sociaux. Prévention –Détection- Poursuite. Dalloz- Référence
Droit de l’Entreprise. Edition Dalloz. 2001.
2- Eva JOLY, Caroline JOLY - BAUMGARTNER: l’Abus de Biens Sociaux A l’épreuve de la
pratique. Edition. ECONOMICA. 2002.
3- Jacques MESTRE,Christine BLANCHARD –SEBASTIEN: LAMY SOCIETES
COMMERCIALES – Edition LAMY S.A.
4- DELMAS-MARTY Mireille: Droit Pénal Des Affaires 2-3ème éd. Refondue 1990.
5- Didier REBUT: Abus de Biens Sociaux. Juriss Classeur (Recueil V Société). Rép.
Société Dalloz- Août 1997, p : 21§151.
الفرع الثاني
محاولة المسير التحرر من المسؤولية الناجمة عن جريمة الاستعمال
التعسفي لأموال الشركة
يتبين مما تقدم أنه باجتماع العناصر المكونة لجريمة التعسف في استعمال أموال الشركة تقوم هذه الأخيرة و لا يكون لتصرف المسير بعد ذلك أي تأثير على قيامها، غير أنه قادر على التأثير على مقدار العقوبة كأن يستفيد من الإفراج أو على كل حال التخفيف من العقاب، لهذا ارتأينا تجميع العناصر أو الحجج التي يعتمد عليها المسير للتهرب من المسؤولية – وهي بالطبع ليست حصرية - في هذا الفرع بعد أن ذكرناها مشتتة فيما سبق، و في غياب أحكام للقضاء الجزائري فقد استندنا في تحديد هذه الأسباب لتهرب المسير من المسؤولية إلى أحكام القضاء الفرنسي.
لقد سبق و أن ذكرنا أن الإبراء أو الموافقة المقدمة من الجمعية العامة لا تعفي المسير من مسؤوليته، إذ يعود للقاضي وحده سلطة تقدير ذلك، لأن القانون يهدف إلى حماية الذمة المالية للشخص المعنوي حسب تصور واسع للمصلحة الاجتماعية للشركة، و هذا ما قضت به محكمة النقض الفرنسية في قرارها الصادر في 18 مارس 1994 جـاء فيه" قبول الجمعة العـامة لا يمكنه إزالة الطابع التعسفي للاقتطاعات الواقعة على أمـوال الشركة، فالقانون لا يقتصر موضوعه على حماية مصالح الشركاء و إنما أيضا الذمة المالية للشركة و مصالح الغير الذي يتعامل معها"(1).
كما أن احتجاج المسير بكون الشركة عائلية و أنّ أعضاءها من نفس الأسرة من اجل التهرب من المسؤولية لا يهم، و لذلك عاقبت محكمة النقض الفرنسية على أساس هذه الجريمة المسير الذي قام و لمدة 03 سنوات باختلاس أموال الشركة لمصلحته الشخصية مؤكدة بأن الشخص المعنوي كيان مستقل عن أعضائه معتمدة في ذلك على أنّ جريمة الاستعمال التعسفي لأموال الشركة لا تُلحق أضرارا بمصلحة الشركاء فحسب و إنما أيضا بمصالح الغير المتعاملين معها(2).
1 أنظر: .Jacques MESTRE, Christine BLANCHARD- SEBASTIEN: OP.Cit, p: 298 § 668
LOC. CIT. 2 أنظر:
كما قد يحتج المسير بالإكراه نتيجة لضغط خارجي أو التهديد بفقدان منصبه، إلا أنه ليس لكل هذه الادعاءات تأثيرا على قيام الجريمة و هذا ناتج من أنه ملزم بتحمل المسؤولية الناجمة عن منصبه بالإدارة, بينما المسير الحقيقي يمكن أن يتابع على أساس أحكام الاشتراك(1).
كما قضت محكمة النقض الفرنسية بقيام جريمة الاستعمال التعسفي لأموال الشركة على الرغم من ادعاء المسيرين بالجهل أو عدم الكفاءة في الحسابات أو الإدارة, يضاف اليهما عنصر الإهمال و عدم الرقابة كأن يدعي المسير بجهله للتصرفات التي يقوم بها المسير الفعلي، غير أن محكمة النقض الفرنسية قد ليّنت من موقفها فيما بعد و ذلك بوضع شرط إذا لم يتحقق كان بإمكان المسير التحرر من مسؤوليته، و يتمثل هذا الشرط في عدم التمسك بالإهمال و غياب الرقابة ضد المسيرين" إلا إذا كـانوا عالمين بالأفعال المجرّمة و كان بإمكانهم منعها" مقرِّرة أن الإهمال البسيط لا يمكن أن يشكل سوء نية(2).
و الرّد أو الإرجاع أو المعاوضة لا تحمي من جريمة الاستعمال التعسفي لأموال الشركة و هذا لأن الجريمة تقع و تتشكل يوم ارتكاب الأفعال المكونة لها و لا يهم موقف المسير فيما بعد.
علاوة على ما تقدم فعادة ما يحتج المسير كذلك بشفافية أعماله و في الحقيقة إذا كان التصرف بخفية يخلق قرينة على وجود المصلحة الشخصية فإن العكس غير صحيح، إلا أنّ الشفافية في التصرفات يمكن أن تكون عنصرا مفيدا للمسير(3).
و في الأخير, فهناك سبب آخر يلجأ إليه المسير و هو" تفويض السلطات", فهل يمكن تطبيق مبدأ التفويض للتخلص من الجريمة ؟، خاصة و أن المـواد 800 فقـرة 4 و 811 فقـرة 3 و 840 فقرة 1 من القانون التجاري الجزائري قد حددت الأشخاص الخاضعين لهذه الجريمة .
Eva JOLY, Caroline JOLY-BAUMGARTNER: OP.CIT, p: 159. 1 أنظر:
LOC. CIT. 2 أنظر:
IBID. p: 160. 3 أنظر:
يرى فريق من الفقه أنه لا يمكن تطبيق تفويض السلطات في مجال جريمة الاستعمال التعسفي لأموال الشركة، و سارت محكمة استئناف باريس على هذا الرأي مُؤسسة حكمها بأنه على المدير المفوِّض التزاما بحراسة سير الشركة.
إلا أننا نرى أنّ تفويض السلطات يمكن إعماله في هذا المجال لإسقاط الجريمة على المدير إذا كان لا يعلم بتصرفات المفوّض له الخفية التي تضر بالشركة و يستفيد منها، و اعتبار المفوّض له في هذه الحالة كمسير فعلي إذا كان يمكن متابعته بهذه الصفة.
و يبقى السبب الجدي لسقوط المسؤولية هي القواعد العامة التي أوردها المشرع الجزائري و المتمثلة في موانع المسؤولية من عته، وجنون، وغيرها.
المبحث الثاني
متابعة جريمة الاستعمال التعسفي لأموال الشركة
بعد البحث في تحديد مسؤولية مرتكب الجريمة سنتطرق فيما يلي إلى متابعة هـذه الأخيرة، بمعنى مرحلتها القضائية و ذلك بتناول تحريك الدّعاوى الناشئة عنها في مطلب أول ثم إلى العقوبات المقررة لجريمة الاستعمال التعسفي لأموال الشركة في مطلب ثان.
المطلب الأول
الدعاوى الناشئة عن جريمة الاستعمال التعسفي لأموال الشركة
تنشأ عن جريمة الاستعمال التعسفي لأموال الشركة دعويان، دعوى عمومية، وأخرى مدنية، و هذا ما سنحاول تناوله تباعا في الفرعين التاليين.
الفرع الأول
تحريك الدعوى العمومية في جريمة الاستعمال التعسفي لأموال الشركة
إنّ تحريك الدعـوى العمومية هـو المرحلة الأولى من الإجراءات الجزائية في الدعـوى، و منه سنتطرق في هذا الفرع إلى الأشخاص الذين يمكنهم التبليغ عن الجريمة أولا، ثم إلى تقادم هذه الدعوى ثانيا.
أولا: الأشخاص المؤهلون للتبليغ عن الجريمة
إنّ النيابة العامة تحرك الدعوى العمومية باسم الشركة و ضد المسير بهدف الحكم عليه بعقوبة جزائية، و للتمكن من تحريك الدعوى العمومية في جريمة الاستعمال التعسفي لأموال الشركة، يجب أن تُخطَر النيابة العامة بوجود أفعال مكونة لها، و يُتبع في ذلك القواعد العامة فضلا عن مصادر أخرى كالإشاعات و وسائل الإعـلام، لكن الأهم و الغالب في تحريكها يكون عن طريق التبليغات و الشكاوى المسلّمة لها بطريقة مباشرة أو غير مباشرة.
إضافة إلى أنه يمكن تحريك الدعوى العمومية عن طريق التبليغات المقدمة من إدارات خاصة، و هذا ما جاء في المادة 27 من قانون الإجراءات الجزائية و منها، موظفوا و أعوان الإدارات و المصالح العمومية الذين يتمتعون ببعض سلطات الضبط القضائي و الذين بإمكانهم الكشف عن هذه الجريمة، مثال ذلك موظفوا مصلحة الضرائب الذين من خلال قيامهم بالمراقبة أو بمناسبة التحقيق في التهرب الضريبي، يمكنهم اكتشاف ارتكاب المسيرين لأفعال مكونة لجريمة الاستعمال التعسفي لأموال الشركة فترسل الملف للنيابة التي تتكفل به، فإدارة الضرائب إذن تمثل مصدرا امتيازيا للتبليغ عن هذه الجريمة، كما يمكن أن يتم التبليغ عنها من طرف إدارة الجمارك وذلك عند اكتشافهم لأفعال مكونة للجريمة بمناسبة تحقيقهم في قضية معينة.
غير أنه غالبا ما يتم الكشف عن الفعل المجرم في جريمة الاستعمال التعسفي لأموال الشركة أثناء افتتاح إجراءات التسوية القضائية أو الإفلاس، فإعلان حكم الإفلاس ظاهرة كاشفة عن هذه الجريمة التي تظهر للوكيل المتصرف القضائي عند قيامه بتحقيق الديون مثلا فيُعلِم بها النيابة العامة، كما يجـوز لهذه الأخيرة -و في أي وقت- طلب الاطلاع على كافة المحررات و الدفاتر و الأوراق المتعلقة بالتسوية القضائية و الإفلاس.
و نص القانون التجاري الجزائري على عنصر آخر مهم في إبلاغ النيابة العامة لتحريك الدعوى العمومية، إذ جاء في المادة 715 مكرر 4 و ما يليها ضرورة أن يكون لشركة المساهمة مندوبا للحسابات أو أكثر، تعينه الجمعية العامة العادية للمساهمين لمـدة 3 سنوات تختارهم من بين المهنيين المسجلين على جدول المصف الوطني فجاء في المادة 715 مكرر 13 فقرة1-2 أنه " يعرض مندوبـوا الحسابات على أقـرب جمعية عـامة مقبلة، المخالفات و الأخطاء التي لاحظوها أثناء ممارسة مهامهم.
و يطلعون، علاوة على ذلك، وكيل الجمهورية بالأفعـال الجنحية التي اطلعوا عليها".
و إذا لم يبلغ بها النيابة العـامة فإنه سيتابع بجريمة إخفاء أو عـدم الكشف عن مخالفات و جرائم علم بها حسب نص المادة 830 من نفس القانون.
ثانيـا: تقـادم الدعـوى العموميـة في جريمـة الاستعمال التعسفي لأموال الشركـة
تنقضي عادة الدعوى العمومية بصدور حكم بات فيها، و قد تنقضي بأسباب أخرى من بينها التقادم أو ما يعرف أيضا بمضي المهلة و هو ما يهمنا في هذه الدراسة، و هذا الأخير يمكن تعريفه بأنه مرور فترة من الزمن على ارتكاب الجريمة، و تلك الفترة الزمنية قد حددها القانون و رتب عليها انقضاء الدعوى العمومية، و هو ما يعبر عنه بسقوط الدعوى العمومية بمضي المدة المقررة لها قانونا، كما يمكن تعريفه أيضا بأنه ذلك الجزاء المرتبط بعدم ممارسة الحق أو الدعوى من قبل صاحبها خلال فترة معينة(1).
و تُكيف جريمة الاستعمال التعسفي لأموال الشركة جنحة بالنظر للعقوبات المقـررة لها، و عليه تبدأ مدة سريان التقادم في مواد الجنح وفقا لنص المادة 8 من قانون الإجراءات الجزائية الجزائري بمرور 03 سنوات كاملة تبدأ من يوم ارتكاب الجريمة أو من تاريخ آخر إجراء اتخذ في شأنها.
و بناءا على ما سبق، يتبين أن "الاستعمال" في هذه الجريمة يتميز بالطابع الفوري و الآني، مما يجعلها تصنف ضمن فئة الجرائم الوقتية، لذلك فمدة التقادم الثلاثية تبدأ من يوم ارتكاب الجنحة حسب المـادة 8 من القانون المذكور، و يُتبع في شأنه الأحكام الموضحة في المادة 7 منه.
غير أن بعض الاستعمالات التعسفية تكتسي أحيانا طابعا خاصا، و يكون الحال كذلك مثلا في أفعال الامتناع عن التصرف أو عدم استعمال السلطات و التي تتابع عادة بتهمة الاستعمال التعسفي للسلطات، أو حالة الاستعمالات المستمرة (كاستعمال منزل مملوك للشركة مثلا)، فالجريمة تكون متجددة دون توقف و ينتج عن ذلك أنّ مدة سريان تقادم الدعوى العمومية في هذه الحالة يبدأ من يوم تحقق التنفيذ النهائي للجريمة(2).
لذلك، فإنّ تحديد نقطة انطلاق مدة التقادم في هذه الحالة أثار إشكالا كان محل نقاش كبير، فتدخل القضاء و أعاد تحديدها مؤخِّرا إياها حسب الحالات، و ذلك بغرض تجنب أن يفلت
1 أنظر: .Annie MEDINA: OP.Cit, p: 233
Eva JOLY, Caroline JOLY- BAUMGARTNER: OP.CIT,p: 324. 2 أنظر:
مرتكبوا هذه الجريمة من العقاب، فأجل نقطة انطلاق التقادم إلى اليوم الذي يظهر فيه الفعل أو تتم معاينته، و هذا ما جاء في القرار الصادر عن محكمة النقض الفرنسية في 07 ديسمبر 1967 الذي كرّس هذا المبدأ(1).
غير أن موقف القضاء قد تطور ابتداءا من سنة 1981، ففي قرار صادر عن ذات المحكمة في 10 فيفري 1981 حدد بدقة أن نقطة انطلاق التقادم تبدأ في السريان من " اليوم الذي ظهر فيه الفعل المجرم أو تمت معاينته في شروط تسمح بمباشرة الدعوى العمومية" هادفة من وراء ذلك تحسين النظام المعمول به(2).
و يمكن القول أنّ الاستناد على تاريخ "معاينة" الجريمة لتحديد نقطة انطلاق التقادم ليس بقاعدة أو مبدأ قاطع، فانطلاق التقادم الثلاثي يبقى بصفة مبدئية يوم "ارتكاب" الفعل.
هذا و إنّ تحديد نقطة انطلاق التقادم تعود لاختصاص القاضي و ذلك بالبحث عن التاريخ الذي تمت فيه معاينة الأفعال بالاعتماد على الدليل القاطع و ليس بطريقة حدسية أو افتراضية.
أما إطلاع مندوب الحسابات على الأفعال الجُرميّة، لا يجعل مدة التقادم تبدأ في السريان إلا إذا بُلغ بها وكيل الجمهورية فورا، و التاريخ الذي يؤخذ به عادة هو تاريخ علم هذا الأخير أو الضحية بالأفعال.
الفرع الثاني
الدعوى المدنية المترتبة عن جريمة الاستعمال التعسفي لأموال الشركة
الدعوى المدنية هي دعوى يقيمها من لحقه ضرر من الجريمة يطلب تعويض هذا الضرر، هذا ما جاءت به المادة 2 و 3 من قانون الإجراءات الجزائية الجزائري، و في هذه الجريمة -كغيرها من الجرائم- ضحايا يصيبهم ضرر يفتح لهم المجال لرفع دعوى مدنية وفقا للأساليب القانونية يطالبون من خلالها جبره، و ضحايا هذه الجريمة هم عادة الشركة و المساهمين، هذا ما سنتناوله على الترتيب في الفكرتين التاليتين.
1أنظر: .Jacques MESTRE, Christine BLANCHARD- SEBASTIEN: OP.CIT, p: 304 § 678
2 أنظر : OP.CIT, p. 24§179. Didier REBUT
أولا: الدعـوى المدنيـة للشركـة
يجوز للشركة الادعاء مدنيا عن الضرر الذي أصابها بسبب هذه الجريمة، فإذا لحقها الضرر الشخصي المباشر منحها القانون الحق في الادعاء مدنيا أمام القضاء الجزائي، فالدعوى المدنية المملوكة للشركة نفسها هي دعوى الشركة(1)، و خاصيتها تكمن في كونها مملوكة لشخص معنوي ممثلا في مديره، مسؤوله، أو رئيسه أي المسير الذي يجب عليه إثبات صفته أمام القضاء(2)، Action Universali، غير أنه و منعا لتخاذل هذا الأخيرعن رفع الدعوى، أعطى القانون للشركاء فرديا أو جماعيا الحق في رفع دعوى مدنية باسم و لحساب الشخص المعنوي. Action Singuli(3)، و لا يجوز حرمان المساهم و الشريك من هذا الحق بأي حال من الأحوال و هذا فحوى المادة 715 مكرر24 من القانون التجاري الجزائري، و ترفع الدعوى في مواجهة المدعى عليه و هو في هذه الحالة الرئيس و أعضاء مجلس الإدارة إما كلهم أو بعضهم أو أحدهم أو المسيرين، فإما أن ترفع عليهم جميعا دعوى واحدة -في حالة تعدد الفاعلين- لتضامنهم أمام الشركة، أو ترفع ضد أحدهم.
و تقضي المادة 788 من القانون التجاري الجزائري أنه في حالة تصفية الشركة فإن سلطة التأسّس كطرف مدني باسم هذه الأخيرة تعود للمصفي، و بصفته هذه فهو لا يعتبر وكيلا عن الشركاء و لا عن الشركة و إنما نائبا قانونيا عنها(4)، و يفقد الأعضاء القانونيين في هذه المرحلة صفتهم في التمثيل.
1 أنظر: -Didier REBUT: LOC.CIT, p: 24 § 186.
-Eva JOLY, Caroline JOLY- BAUMGARTNER : OP.CIT, p : 289.
2 أنظر: د/ أبو زيد رضوان: المرجع السابق، ص 138.
3 أنظر: المادة 715 مكرر24 فيما يخص شركات المساهمة، المادة 578 فقرة1 فيما يخص الشركة ذات المسؤولية
المحدودة.
4 أنظر: د/ أبو زيد رضوان: المرجع السابق، ص 189، و أنظر أيضا: د/أحمد محرز المرجع السابق، ص131.
كما تقضي المادة 244 من نفس القانون أنه في حالة الإفلاس أو التسوية القضائية تنتقل سلطة التمثيل للوكيل المتصرف القضائي.
أما المادة 744 فقرة 1 من القانون المذكور أعلاه تجعل الشركة الدامجة ممثلا قانونيا للشركة الضحية في حالة الاندماج، لأنه من آثار هذا الأخير نقل الذمة المالية من الشركة المندمجة إلى الشركة الدامجة(1).
كما نجد في الواقع العملي أنّ تأسّس دائني الشركة كطرف مدني يُرفض بسبب أن هؤلاء لا يمكنهم التمسك بوجود ضرر مباشر أصابهم من جراء هذه الجريمة(2)، بل ضررهم غير مباشر لا يمكن المطالبة بالتعويض عنه إلا أمام القضاء المدني.
ثانيـا: دعـوى المساهميـن الفرديـن
لقد سبقت الإشارة إلى أنّ المساهمين أو الشركاء لهم الحق في رفع الدعوى المدنية ضد المسيرين المرتكبين للجريمة نيابة عن الشركة عـمّا أصابها من ضرر عن طريق رفع دعـوى غير مباشرة، كما يكون من حـق الشركـاء و المساهمين للشركة الضحية مباشرة دعـوى المسؤولية المدنية في مواجهة المسيرين إذا ثبت أنّ ضررا لحق بهم شخصيا، ذلك أن الجريمة هذه من طبيعتها أن تسبب ضررا مباشرا ليس للشركة فحسب و إنما للشركـاء و المساهمين أيضا, ودعوى هؤلاء الفردية لا تتعارض ودعوى الشركة التي تطالب تعويضا عن الضرر الذي لحق بها من جراء هذه الجريمة, و هذا ما نصت عليه المادة 715 مكرر24 من القانون التجاري الجزائري.
و عليه فالدعوى الفردية للمساهم ترفع باعتبار صفته هذه و ليس باعتباره جزءا من الشركة يدافع عن مصالحها، و إنما هو يدافع عن حقوقه الخاصة و عن الأضرار التي لحقته شخصيا.
1 أنظر: د/ أبو زيد رضوان: المرجع السابق، ص 176، و أنظر أيضا: د/أحمد محرز المرجع السابق، ص98.
2 أنظر: .Annie MEDINA: OP.CIT, p: 203-
Didier REBUT: OP.CIT, p: 26 § 200.-
و بناءا على ذلك فإنه يكون من الضروري على المساهم أو الشريك متى استخدم دعواه الفردية أن يكون موضوعها مصلحة خاصة به دون غيره، بمعنى أن ترفع هذه الدعوى في حدود مصلحته، فحيث لا مصلحة لا دعوى.
و يتمثل الضرر الذي يصيب الشركاء، في الحرمان من الحصول على جزء من أرباح الشركة، و في الإنقاص من قيمة السندات بسبب انخفاض أصولها، و هكذا يعود التعويض الذي يُحكم به للمساهم أو للشريك دون الشركة, و هذا عكس حالة قيامه برفع الدعوى باسم الشركة أين يدخل التعويض المحكوم به في ذمتها, و بالتالي يستفيد منه الجميع بما فيهم هو، و لا يهم في هذه الدعوى أن يفقد صفته كمساهم أو شريك بعد وقوع الجريمة-عكس دعوى الشركة التي يباشرها هو- و لا يؤثر في ذلك أيضا افتتاح إجراءات التسوية القضائية أو اندماج الشركة في شركة أخرى.
المطلب الثاني
الجزاءات المقررة لجريمة الاستعمال التعسفي لأموال الشركة
بعدما تتم معاينة جريمة الاستعمال التعسفي لأموال الشركة و تحريك الدعوى العمومية، تنتهي هذه الأخيرة بنطق القاضي الجزائي بالعقوبات المقررة حيث يتعرض المتهم إلى نوعين من العقوبات إحداهما جزائية و أخرى مدنية، و عليه فسيتم التمييز في هذا المطلب بين هاتين العقوبتين في الفرعين التالين:
الفـرع الأول
الجــزاء الجنـائـي
و هو نوعان, يمس الأول المحكوم عليه في بدنه فإما يسلب منه حياته و هذا ما يسمى بعقوبة الإعدام، و إمّا يسلب حريته و هذا ما يسمى بعقوبة السجن، أو عقوبة الحبس, أما النوع الثاني فيمس المحكوم عليه في ماله و يسمى عقوبة الغرامة.
و جريمة الاستعمال التعسفي لأموال الشركة، جنحة يعاقب عليها بالسجن(*) لمدة سنة إلى خمس سنوات و بغرامة مالية من 20.000 إلى 200.000 دج أو بإحـدى هاتين العقوبتين فقط، تنطبق على كل من مسيري الشركات ذات المسؤولية المحدودة و رئيس شركة المساهمة, و القائمين بإدارتها و مديريها العامين، و المصفي في جميع الشركات.
و ذهب فريق من الفقه إلى التقليل من أهمية العقوبات السالبة للحرية في هذا النوع من الجرائم على أساس أن مرتكبي هذه الجريمة هم من أعلى السلم الاجتماعي و بالتالي فليسوا بحاجة إلى تقويم اجتماعي، إلا أن رأيا أخر يرى أن هؤلاء الأشخاص يتأثرون من سلب حريتهم أكثر من أشخاص الطبقات الدنيا.
غير أن الجميع يتفق على أهمية العقوبة المالية في هذا النوع من الجرائم و هذا نتيجة للمبدأ القائل" معاملة المتهم على خلاف مقاصده"، فنية المتهم في هذه الجرائم هي إغناء ذمته المالية لذلك تكون العقوبة الأنجع هي إفقارها.
و يبدو من الواضح أن المشرع الجزائري قد جعل عقوبات جريمة الاستعمال التعسفي لأموال الشركة شديدة للغاية(*) و أظهر تشددا كبيرا قمعا لهذه الجريمة مقارنة مع العقوبات المقررة لجرائم أخرى، و يظهر ذلك في أنّ المسير في هذه الجريمة قد تصل عقوبته 5 سنوات حبس كحد أقصى مقابل 3 سنوات لمرتكب جريمة خيانة الأمانة البسيطة، فلماذا خُصص المسير في بعض الشركات بعقوبة أكثر قمعا و ردعا في حين مسير شركات أخرى لا يخضع لهذه الجريمة ولا يتعرض لنفس التشدد في العقوبة?.
جدير بالذكر في هذا الشأن، أن المشرع الجزائري لم يُخضع جريمة الاستعمال التعسفي لأموال الشركة لعقوبات تكميلية إلى جانب تلك الأصلية، و بذلك فالمسير الذي حكم عليه في هذه الجريمة لا يجد نفسه مثلا معاقبا بالمنع من التسيير أو الإدارة كعقوبة تكميلية(1) لعدم وجود نصوص قانونية.
*كان من المفروض النص على الحبس لا السجن فالخطأ وارد في نص المادتين 800 و840 دون المادة 811.
*و هي نفس العقوبات المقررة لكل من جريمة الاستعمال التعسفي للاعتماد المالي، وللسلطات و الأصوات.
1 طالع لمزيد من التفصيل في هذا الشأن: د/أحسن بوسقيعة، المرجع السابق.
كما يلاحظ أنه لا يوجد أي نص يمنع هذا الأخير من مباشرة مهنة تجارية أو صناعية إذ أنّ النص عليها سيزيد من ردع الجريمة .
و في نفس السياق نجد أن المشرع الجزائري لم يقرر أية ظروف مشددة لجريمة الاستعمال التعسفي لأموال الشركة و عليه فكون الجريمة قد ارتكبت من مسيرين يُنظمون أنفسهم في عصابات أو أيضا باستعمال وسائل معينة غير مهم، و الظروف المشددة هي وقائع تزيد من جسامة الجريمة المرتكبة و يترتب عنها رفع العقوبة و هي ظروف ينص عليها المشرع و تتوقف على إرادته.
كما أن المحاولة أيضا لم يخصها المشرع بنص خاص يعاقب عليها في إطار جريمة الاستعمال التعسفي لأموال الشركة، ذلك أن المحاولة غير معاقب عليها في مواد الجنح إلا بنص خاص و هذا ما جاء في المادة 30 من قانون العقوبات.
فضلا عن ذلك فإن المسير لا يستفيد في هذه الجريمة من الحماية العائلية من العقاب حتى و إن كانت الشركة الضحية شركة عائلية، ذلك أنه على عكس جريمة السرقة و خيانة الأمانة فالضحية الأولى و الأساسية في هذه الجريمة هي الشركة و ليس الأفراد، و بالتالي فالضرر الذي لحقها يتجاوز بطبيعته الإطار العائلي الشيء الذي يدفع إلى التضحية بالاعتبارات العائلية.
الفـرع الثانـي
الجــزاء المدنــي
الدعوى المدنية التبعية المعروضة أمام المحكمة الجزائية موضوعها المطالبة بالتعويض عن الضّرر الناجم عن الجريمة.
و يعرف التعويض في مفهومه العام بأنه إصلاح الضرر الناشئ عن الجريمة، إما بدفع مقابل مالي, و إما برد الشيء لصاحبه، و إما دفع مختلف ما تكبده المتضرر من مصاريف.
و صفة المتضرر في جريمة الاستعمال التعسفي لأموال الشركة تعود للشركة أو للشركاء أو للمساهمين، و منه يخرج من هذه الدائرة الأشخاص الذين لا يتمتعون بصفة الشريك أو المساهم و التي تشكل شرطا ضروريا لقبول الدعوى المدنية، غير أن هؤلاء يمكنهم المطالبة بتعويض الأضرار الناجمة عن هذه الجريمة أمام القضاء المدني(1).
و حسب المادة 3 فقرة 4 من قانون الإجراءات الجزائية الجزائري فإنه يمكن للضحية المطالبة بتعويض كل فئات الضرر، إلا أن الوقائع المشكلة لجريمة الاستعمال التعسفي لأموال الشركة لا يمكن أن تكون سوى أضرارا مادية أو معنوية مستثنية بذلك الأضرار الجسمانية.
و يكون الضرر الناتج عن الجريمة ماديا إذا أدى استعمال الأموال تعسفا إلى الإنقاص أو الإفقار من ذمتها المالية, أو شكل عائقا أمام تحقيق الأرباح، أو الإنقاص من شهرة علامتها، و عرقلة تطورها، و الإضعاف من ائتمانها.
إذن، هدف دعوى الشركة هو أساسا إعادة إنشاء ذمتها المالية، لهذا فالمسير المحكوم عليه لا يعوض فقط المبالغ المختلسة و لكن قد يُحكم عليه بتعويضات إضافية أخرى (2).
و يتمثل الضرر المادي للشركاء أو المساهمين, في الحرمان من جزء من فوائد الشركة، و في التخفيض من قيمة السندات الناجم عن الإنقاص من أصولها، هذا حتى وإن كان الشركاء أو المساهمين قد اكتسبوا حصصهم بصفة لاحقة عن الأفعال المكونة للجريمة، لكن بشرط أن يكون هذا الاكتساب قد وقع قبل اكتشاف هذه الأفعال، فيكونون إذن غير عالمين بالقيمة الحقيقية للسندات التي اشتروها، كما يتمثل الضرر في الإنقاص من قيمة الشركاء أو الإنقاص من القيم الموزعة, وعليه يمكن القول أنّ تعويض الشركاء عن هذا الضرر يكون على أساس خسارة فرصة تحسين قيمة السندات في حين أنّ ضرر الشركة قائم على تضييع فرصة، فالضرر يمكن أن يقوم إذن على خطر خسارة ذات قيمة
أو على العكس تضييع فرصة تحسين هذه الأخيرة(3).
1 أنظر: .Didier REBUT: OP.CIT, p: 27 § 207
2 أنظر: -Eva JOLY ,Caroline JOLY- BAUMGARTNER: OP.CIT, p: 289.
. -Jacques MESTRE, Christine BLANCHARD- SEBASTIEN: OP.CIT, p: 304 § 680
3 أنظر: Eva JOLY, CarolineJOLY-BAUMGARTNER: LOC.CIT, p: 303.
و على هذا الأساس فالضرر الذي يصيب الشركاء أو المساهمين يجب أن يكون حقيقيا و ليس محتملا.
أما الضرر المعنوي فهو يصيب الجوانب المعنوية لشخصية الفرد، و يتضمن دائما الآلام المحتملة من الضحية و الناتجة عن المساس بشعورها أو سمعتها أو شرفها أو كرامتها أو حريتها، و يرى الكثير من الفقه أنّ للشركة الحق في المطالبة بالتعويض عن الضرر المعنوي الذي يصيبها و الذي يقع أساسا على ائتمان هذه الأخيرة و سمعتها التجارية مثل المساس بعلامة الشركة و صورتها(1).
غير أننا نرى أن الضرر الذي يصيب الشركة هو دائما ماديا ذلك لأن الأمثلة التي يضربها أصحاب الرأي الأول مثـل الائتمان و العلامة التجارية, فإن المساس بها يرتب ضررا مـاديا يتمثل في فقـدان المقترضين أو الزبـائن الذين يمثلون للشركة أموالا مهدورة, إضافة إلى أنّ الضرر المعنوي هو إحساس بألم داخلي و بالحسرة على فقدان شيء ذي قيمة معنوية أكثر منها مادية, و إن كانت لا تستبعد هذه الأخيرة, و بما أن الشركة كائن عديم الإحساس فإنه لا يمكن أن يُصاب بضرر معنوي.
كما يجوز للشريك أو المساهم المطالبة بتعويض الضرر المعنوي الذي أصابه، هذا ما قررته محكمة النقض الفرنسية في قرار صادر بتاريخ 08 جويلية 1980(2).
و يجب التنبيه في هذا المجال أنه لا تقبل شكوى مع تأسّس جماعي للأطراف المدنية لأن الضرر ليس جماعيا و لكنه فرديا.
و في الأخير، و في كل الحالات السابقة فإن تقدير أو تقويم الضرر الذي أصاب الضحية يخضع للسلطة التقديرية للقاضي.
1 أنظر: Jacques MESTRE, Christine BLANCHARD-SEBASTIEN: LOC.CIT.
2 أنظر: -Eva JOLY, Caroline JOLY- BAUMGARTNER: IBID, p: 304.
- Jacques MESTRE, Christine BLANCHARD- SEBASTIEN: IBID, p: 305 §681.
الخــــــــاتمة
لقد تناولنا جريمة الاستعمال التعسفي لأموال الشركة بنوع من البحث و التحليل من كافة جوانبها محاولين في ذلك توضيحها للمهتمين و لو بالقدر البسيط .
و ما لاحظناه من خلال النصوص المتعلقة بهذه الجريمة هو أن مجال تطبيقها جاء محصورا جدا و مقتصرا فقط على نوعين من الشركات دون غيرها رغم ما لهذه الأخيرة من أهمية و ما يمكن أن تتعرض له من انتهاكات من طرف مسيريها ، فقد كان من الأجدر بالمشرع توسيع هذا النمط من الجريمة إلى جميع أنواع الشركات حماية للشركاء و المساهمين فيها و الغير المتعامل معها .
و كذلك الحال بالنسبة للشركات العامة أو ما يعرف بالمؤسسات العمومية الاقتصادية
(E.P.E ) التي رغم دخولها ضمن نصوص التجريم المتعلقة بجريمة الاستعمال التعسفي لأموال الشركة إلا أنه لا يزال المسيرون فيها يتابعون على أساس تكييفات أخرى منصوص عليها في قانون العقوبات مثل جريمة اختلاس أموال عمومية طبقا للمادة 119 أو جريمة الإهمال الواضح طبقا للمادة 119 مكرر أو جريمة التعسف في استعمال المال العام طبقا للمادة 119مكرر 1 .
و ما يمكن استنتاجه هو تغير هدف الجريمة من حماية المصالح الخاصة للشركة إلى حماية الصالح العام ، و ذلك بالنظر إلى الدور الاقتصادي الذي تلعبه في حياة المجتمعات و كذلك نظرا للأبعاد التي أخذها التجريم في الوقت الحالي المتمثلة في حماية قواعد السوق التي قد تُهدد بفعل هذه الجريمة .
و الجدير بالذكر هنا ، هو أنه على الرغم من كل هذه الآليات و الميكانيزمات القانونية التي عمل المشرع على توفيرها لتحقيق الحماية من هذه الجريمة إلا أنه لا يوجد لحد الآن – و حسب علمنا – أي تطبيق لها في الواقع سواء بالنسبة للشركات العامة أو الشركات الخاصة ، هذا ما يجعلها جريمة غير فعالة في حماية الشركات ما دامت مجمدة و لم تدخل حيز الواقع العملي ، رغم أن النصوص المعاقبة على هذه الجريمة جاءت بعبارات واسعة و مطاطة ، تسمح بالتالي بتفسير واسع لها من قبل الجهات القضائية ، دون الخروج على " مبدأ شرعية الجرائم و العقوبات"، و مثال ذلك مفهوم مصلحة الشركة، أو مفهوم الاستعمال ، أو الأغراض الشخصية ، التي هي عبارات مفتوحة و قابلة لتغطية العديد من التصرفات .
إلا أنّه و رغم كل هذه المبادرات التي تسمح بها هذه النصوص إلا أننا نميل إلى تفادي استعمال تلك العبارات الواسعة و استبدالها بمصطلحات أكثر دقة لتفادي التفسيرات الواسعة المبالغ فيها و للانسجام أكثر مع مبدأ التفسير الضيق للنصوص الجزائية .
أما فيما يتعلق بالعقوبات المقررة لهذه الجريمة ، فهي شديدة و صارمة ، ضد المسيرين نظرا لخطورة هذه الجريمة ، لكن كما سبق و أن رأينا أن المشرع لم يخصّها بتدابير عقابية أو عقوبات تكميلية تضاف إلى الأصلية كمنع المحكوم عليه من ممارسة مهمة التسيير و الإدارة .
و يبقى في الأخير أن ننوه أنّ أحسن وقاية من هذه الجريمة هو حسن اختيار مسير الشركة الذي يجب أن يتميز بمهارات فنية ، سلوكية و إدارية عن دراية بثقل الأمانة.
قــائمة المـراجع
أولا- المراجع باللغة العربية.
أ- المؤلفات
1- د/ أحسن بوسقيعة: الوجيز في القانون الجنائي الخاص. جرائم الموظفين (الجـرائم ضد المـال العـام- الرشـوة
و ما يتصل بها-الجرائم الأخرى). جرائم الأعمـال (الجرائم المتعلقة بتسيير الشركات التجاريـة-
الجرائـم البورصيّة-جـرائم الصرف). جـرائم التزويـر (تزويـر النقود و ما يتصل بها-تزوير
المحـررات-تقليـد الأختـام والعملات)، الجـزء الثـاني، طبعة 2003 – دار هومة – الجزائر.
2- د/أحسن بوسقيعـة: الوجيز في القانـون الجزائي الخاص، (الجرائم ضد الأشخـاص، و الجـرائم ضد الأموال)،
الجزء الأول، دار هومة للنشر، طبعة2002.
3- د/أحسن بوسقيعة: الوجيز في القانـون الجزائي العـام، الديـوان الوطنـي للأشغـال التربويـة، طبعـة 2002.
4- د/ أحمد محرز: القانون التجاري الجزائري-الجزء الثاني- الشركات التجارية:الأحكام العامة-شركـات التضامن-
الشركة ذات المسؤولية المحدودة-شركات المساهمة-الطبعة الثانية،1980.
5- د/إسحاق إبراهيم منصور: نظريتا القانـون و الحـق و تطبيقاتـها في القوانين الجزائريـة، ديوان المطبوعـات
الجامعية، الجزائر 1987.
6- د/ ثروة عبد الرحيم: موسوعة القضاء و الفقه للدول العربية، الجزء 96، الدار العربية للموسوعات، بيروت لبنان
بدون طبعة.
7- د/رضوان أبوزيد: الشركـات التجـارية في القانـون المصـري المقـارن، دار الفكـر العـربي، بدون طبعة.
8- د/عبد الحفيظ بالخيضر: محاضرات ألقاها في المدرسـة العـليا للقضاء على الطلبة القضاة الدفعة الرابعة عشر-
السنة الدراسية 2004-2005.
9- د/ عبد الحميد الشواربي: الجرائم المالية و التجارية، جـرائم التـهرب الجـمركي، التـعامل في النقد الأجنبـي،
جرائم الشركات، جرائم الضرائب الكسب غيـر المشروع، جرائـم البنوك و الائتمان، جرائم
تزييف العملة، جرائم الإفلاس، جرائم الشيك، المعارف، طبعة 96.
10- د/ناديـة فوضيل: أحكام الشركة طبقا للقانون التجاري الجزائري. (شركات الأشخاص)، دار هومة للطباعـة
والنشر و التوزيع، الجزائر، بدون طبعة.
ب- النصوص القانونية
1- القانون التجاري الجزائري
2- القانون المدني الجزائري
3- قانون العقوبات الجزائري
4- قانون الإجراءات الجزائية الجزائري
5- القانون 88-04 المحدد للقواعد الخاصة المطبقة على المؤسسات العمومية الاقتصادية الصادر في 12-01-1988
6- الأمر 01-04 المتعلق بتنظيم المؤسسات العمومية الاقتصادية الصادر في 20-08-2001
7- الأمر 95-25 المتعلق بتسيير رؤوس الأموال التجارية التابعة للدولة الصادر في 25-12-1995
ثانيا- المراجع باللغة الفرنسية
1- Annie MEDINA: Abus de Biens Sociaux. Prévention –Détection- Poursuite. Dalloz- Référence
Droit de l’Entreprise. Edition Dalloz. 2001.
2- Eva JOLY, Caroline JOLY - BAUMGARTNER: l’Abus de Biens Sociaux A l’épreuve de la
pratique. Edition. ECONOMICA. 2002.
3- Jacques MESTRE,Christine BLANCHARD –SEBASTIEN: LAMY SOCIETES
COMMERCIALES – Edition LAMY S.A.
4- DELMAS-MARTY Mireille: Droit Pénal Des Affaires 2-3ème éd. Refondue 1990.
5- Didier REBUT: Abus de Biens Sociaux. Juriss Classeur (Recueil V Société). Rép.
Société Dalloz- Août 1997, p : 21§151.
التوقــيـــــــــــــــــــــع
~ان دخلت موضوعا و استفدت منه ~
فلا تتركه فارغا
@@ ساهم في بناء المنتدى و لو بكلمة طيبة @@
فلا تتركه فارغا
@@ ساهم في بناء المنتدى و لو بكلمة طيبة @@
- زائرزائر
تمت المشاركة السبت يناير 14, 2012 11:40 pm
chokran jazilan laka
- bel9isseعضو مميز
- رقم العضوية : 11361
الجنس : عدد المساهمات : 1072 نقاط التميز : 1283 تقييم العضو : 20 التسجيل : 01/01/2012 العمر : 31 الإقامة : في جنة الخلد انا وانتم انشاء الله.
تمت المشاركة الأحد يناير 15, 2012 12:08 am
مشكور
وربي يجعلك كي الرمانة من كل جهة مليانة
وربي يجعلك كي الرمانة من كل جهة مليانة
التوقــيـــــــــــــــــــــع
الحمد لله نحمده ونستعينه و نستغفره ونعود به من شرور انفسنا ومن سييئات اعمالنا
انه من يهده الله فلا مضل له ومن يضل فلا هادي له
اشهد ان لا اله الا الله.
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى