بِـسْـمِ اللَّهِ الـرَّحْـمَـنِ الـرَّحِـيـمِ
الـسَّلَـامُ عَـلَـيْـكُـمْ وَرَحْـمَـةُ اللَّهِ وَبَـرَكَـاتُـهُ
إِنَ الحَمدَ لله نَحْمَدَه وُنَسْتعِينَ بهْ ونَسْتغفرَه ، ونَعوُذُ بالله مِنْ شِروُر أنْفْسِنا ومِن سَيئاتِ أعْمَالِنا ، مَنْ يُهدِه الله فلا مُضِل لَه ، ومَنْ يُضلِل فَلا هَادى له ، وأشهَدُ أنَ لا إله إلا الله وَحْده لا شريك له ، وأشهد أن مُحَمَداً عَبدُه وَرَسُوُله .. اللهم صَلِّ وسَلِم وبَارِك عَلى عَبدِك ورَسُولك مُحَمَد وعَلى آله وصَحْبِه أجْمَعينْ ، ومَنْ تَبِعَهُمْ بإحْسَان إلى يَوُمِ الدِينْ وسَلِم تسْليمَاً كَثيراً .. أمْا بَعد ...
قل آمنت بالله ثم استقم
أيها المسلمون: إن المسلمين اليوم وهم يمرون بمرحلة عصيبة من مراحل تاريخنا المعاصر، وتكاد تغلب في هذه المرحلة عوامل اليأس، ومشاعر الإحباط، بأمس الحاجة إلى التمسك بالدين، والاستقامة عليه، والعض عليه بالنواجذ، خصوصاً وزماننا الذي نعيش فيه زمن مخيف، لكثرة انتشار الشبهات والشهوات التي تعصف بصاحب الإيمان فكيف بغيره، ومصداق هذا كله مشاهد ملموس في واقع الناس، فكم من روضة أمست وزهرها يانع عميم، أصبحت وزهرها يابس هشيم، فبينا ترى الرجل من أهل الخير والصلاح، ومن أرباب التقى والفلاح، قلبُه بطاعة ربه مشرق سليم، إذا به انقلب على وجهه، فترك الطاعة وتقاعس عن الهدى، إنّ تذّكر هذا الأمر لتطير له ألباب العقلاء، وتنفطر منه قلوب الأتقياء، وتنصدع له أكباد الأولياء، كيف لا والخاتمة مغيّبة والعاقبة مستورة، والله غالب على أمره، والنبي -صلى الله عليه وسلم- قد قال: ((فو الذي لا إله غيره إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها)) [متفق عليه] فالله المستعان، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم،
فيا عباد الله عليكم أن تجتهدوا في أخذ أسباب الثبات والاستقامة على الدين، فأن المقام جد خطير، والنتائج لا تخالف مقدماتها، والمسببات مربوطة بأسبابها، وسنن الله ثابتة لا تتغير.
أيها المسلمون: إننا في هذه العصور أحوج ما نكون إلى معرفة أسباب الثبات، والأخذ بها، فالفتن تترى بالشبهات والشهوات، والقلوب ضعيفة، والمعين قليل، والناصر عزيز، وقد أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- عن سرعة تقلب أهل آخر الزمان لكثرة الفتن، فقال: ((إن بين يدي الساعة فتناً كقطع الليل المظلم يصبح الرجل فيها مؤمناً ويمسي كافراً، ويمسي مؤمناً ويصبح كافراً)).
فكما يحرصُ المسلمُ على معرفةِ أسبابِ الهداية، يجب أن يكون أحرصُ على معرفةِ عواملِ الثباتِ على دين الله، ذلك؛ لأنَّ الثباتَ على دينِ الله حتى الممات هو ثمرةُ الهداية، وهو الضمانُ بإذنِ اللهِ للحصولِ على الجنَّةِ والمغفرة، وما أتعسَ المرءُ وأقلَّ حظَّهُ حين يذوقُ طعمَ الإيمانِ، ثمَُّ يترك بعض ذلك ليغرق في أوحال الإثم والمعصية، بل ربما الكبائر، والعياذ بالله.
ما أحوجَ المرءِ في زمانِ الغُربة إلى التعرفِ على عواملِ الثبات، وذلك لفسادِ الزمان، وندرةِ الإخوان، وضعفِ المُعين، وقلةِ الناصر، بل ولكثرةِ حوادثِ النكوص على الأعقاب.
وفي ظِلِّ هذا التشكيكِ الخفي في دينِ الله من قبل اللذين يحبون أن تشيع الفاحشة في اللذين آمنوا عبر وسائل الإعلام المختلفة، تبرزُ الحاجةُ إلى معرفةِ عواملِ الثبات، بل وفي ظلِّ مُغرياتِ الحياةِ الدنيا، واختلاطَ الحقِّ بالباطل، وضعفَ اليقين، وغربة الدين، وندرةَ الصالحين تكونُ الحاجةُ أشدّ.
إن صفة الثبات على الإسلام والاستمرار على منهج الحق نعمة عظيمة حبا الله بها أولياءه، وصفوة خلقه، وامتن عليهم بها، فقال مخاطباً عبده ورسوله محمداً -صلى الله عليه وسلم-: {وَلَوْلاَ أَن ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلاً} [(74) سورة الإسراء].
إن الثبات على دين الله دليل على سلامة المنهج، وداعية إلى الثقة به، كما أن الثبات على الدين ضريبة النصر والتمكين والطريق الموصلة إلى المجد والرفعة.
والثبات طريق لتحقيق الأهداف العظيمة والغايات النبيلة، فالإنسان الراغب في تعبيد الناس لرب العالمين، والعامل على رفعة دينه، وإعلاء رايته لا غنى له عن الثبات، قل آمنت بالله ثم استقم.
أيها المسلمون: إن الثبات يعني الاستقامة على الهدى، والتمسك بالتقى، وقسر النفس على سلوك طريق الحق والخير، والبعد عن الذنوب والمعاصي، وصوارف الهوى والشيطان، وإليكَ أخي المسلمُ بعضاً من العوامل التي تُعينُ بإذنِ الله على الثبات على الدين والاستقامة عليه، أسألُ اللهَ أن يثبتني وإيَّاكم وإخواننا المسلمين إنَّهُ جوادٌ كريم:
العاملُ الأول: الاعتصامُ بالكتابِ والسنةِ والتمسكُ بما فيهما:
فالقرآنُ الكريم حبلُ اللهِ المتين، والسنةُ النبوية مكملةً للقرآن وشارحةً له، تُفصلُ ما أجمل، وتُفسرُ ما أشكل، وهما جميعاً نورٌ وضّاء، يهتدي بنورهما أُولو الألباب، وما فتئَ المصطفى -صلى الله عليه وسلم- يدعو أمتهُ للتمسكِ بهما، والرجوعُ إليهما حتى وافاهُ اليقين، ومما قالهُ -عليه الصلاة والسلام-: ((تركت فيكم أمرينِ لن تضلوا ما تمسكتم بهما: كتابُ الله وسنتي)) ويندرجُ تحتَ هذا الأصلِ الاقتداءُ بسلفِ الأُمةِ الصالحين.
العاملُ الثاني: استدامةُ الطاعة:
قال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ} [(30) سورة فصلت] فهذا وعدٌ من اللهِ أن يحفظَ ويُثبت الملتزمين بالطاعة، والمحافظين على فعلِ ما جاءت به الشريعةُ في الحياةِ الدنيا وفي الآخرة، إنَّ الاستمرارَ على فعلِ الطاعاتِ وتركِ المُحرمات، والعملَ بما يُوعَظُ به المرءُ أمرٌ عزيزٌ على النفس، ويحتاجُ إلى مُجاهدةٍ وترويض، لكنَّهُ في النهايةِ عاملٌ مُهمٌّ في الثبات {وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُواْ مِن دِيَارِكُم مَّا فَعَلُوهُ إِلاَّ قَلِيلٌ مِّنْهُمْ وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُواْ مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا} [(66) سورة النساء] وقال تعالى: {يُثَبِّتُ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللّهُ مَا يَشَاء} [(27) سورة إبراهيم] أمَّا الكُسالى والمفرطون، والذين يُقدِمُون على الطاعةِ حيناً ويتهاونون فيها حيناً آخر، فهؤلاءِ على خطر، وهل يَضمنونَ أنفسهم أن تخترمهم المنيةُ في حالِ تفريطهم، فيُختمُ لهم بسوء الخاتمة، ولا حولَ ولا قوةَ إلا بالله، فاحرص أخي المسلمُ على استدامةِ الطاعة؛ لأنَّك لا تدري متى الرحيل؟ واعلم أنَّ من هدي النبي -صلى الله عليه وسلم- المداومةِ على عملِ الصالحاتِ، وإن كانت قليلة.
ثالثاً: الدعاءُ والإلحاحُ على اللهِ بالثبات:
فكما أنَّ الدعاءَ سبب للهداية أصلاً، فهو عاملٌ للثباتِ ثانياً، وإذا كانت القلوبُ هي أوعيةُ الهداية، أو هي السببُ في الغوايةِ، فهي بينَ إصبعينِ من أصابعِ الرحمن يُقلبُها كيف شاءَ، وثبت في الحديثِ الصحيحِ أنَّ أكثرَ دعائهِ -صلى الله عليه وسلم-: ((يا مقلبَ القلوبِ ثبِّت قلبي على دينك)) وحسبك أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يدعو ربه ويسأله الثبات، فيقول: ((اللهم إني أسألك الثبات في الأمر، والعزيمة على الرشد)) فألحوا على اللهِ بذلك معاشر المسلمين، ولا سيما في أوقاتِ الإجابة، نسألُ اللهَ ألاَّ يُزيغَ قلوبَنا بعدَ إذ هدانا، ونسألهُ أن يهبَ لنا من لدُنهُ رحمةً إنَّهُ هو الوهاب.
رابعاً: الالتفافُ حولَ العلماءِ الصالحين، والدعاةِ الصادقين:
الذين يُثبِّتون الناسَ حين الفتنة، ويُؤُمِّنونهم حين الخوفِ والرهبة، أولئك مصابيحُ الدُجى، يُحيي اللهُ بهم قلوبَ العباد، وينتشلُ بهم آخرين من الفساد، ويتماسكُ على الطريقِ القويمِ بسببهم أممٌ وأقوام، كادوا أن يقعوا في الهاوية، وهل نسى المسلمون دور أبي بكر -رضي الله عنه- في الردةِ؟ أو يتناسى المؤمنونَ موقفَ الإمام أحمد يومَ المحنة؟ وهكذا يكونُ دورُ الأخيارِ في تثبيتِ المسلمين، فالزموا صحبتهم، واطلبوا نصحهم، وهنا تبرز الأخوة الإسلامية كمصدر أساسي للتثبيت، فإخوانك الصالحون هم العون لك في الطريق، والركن الشديد الذي تأوي إليه، فيثبتونك بما معهم من آيات الله والحكمة، فالْزمْهم وِعِش في أكنافهم، وإياك والوحدة فتخطفك الشياطين.
خامساً: صحة الإيمان وصلابة الدين:
إن الإيمان له قوته الإيجابية التي تعمل على تنمية المشاعر وتنقيتها، وأن القوة الإيمانية تترك بصماتها على الفرد والجماعة، وعلى سائر اتجاهات السلوك الإنساني، ومتى صح الإيمان ورسخت حلاوته في قلب المؤمن رزقه الله الثبات في الأمر، وكلما كان قوياً في إيمانه، صلباً في دينه، صادقاً مع ربه، كلما ازداد ثباته، وقويت عزيمته، قال الله تعالى: {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا} [(23) سورة الأحزاب] وقال -صلى الله عليه وسلم-: ((المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كل خير)).
سادساً: تدبر القرآن والعمل به:
فالقرآن الكريم وسيلة التثبيت الأولى للمؤمنين، ولقد أنزل الله القرآن العظيم منجَّماً مفصلاً، وجعل الغاية منه هي التثبيت لقلب النبي -صلى الله عليه وسلم-، قال الله تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا} [(32) سورة الفرقان] وأخبر بأنه أنزل هذا الكتاب تثبيتاً للمؤمنين، وهداية لهم وبشرى، فقال تعالى: {قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِن رَّبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُواْ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ} [(102) سورة النحل].
إن القرآن الكريم أعظم مصدر للتثبيت؛ لأنه يزرع الإيمان ويقوي الصلة بالله، كما أنه العاصم من الفتن، وكيد الشيطان وغوايته، كما أنه يزود المسلم بالتصورات والقيم الصحيحة التي يستطيع على ضوئها أن يُقوِّم الأوضاع التي من حوله تقييماً صحيحاً، كما أن القرآن بما اشتمل عليه من أحكام وأصول وقواعد وحكم وقصص، يرد على الشبهات التي يثيرها أعداء الإسلام من الكفار والمنافقين، ومن سار على دربهم، فإن عُلم ذلك كله لزم على من أراد الثبات في الدنيا والآخرة والفوز بالنعيم المقيم، أن يتخذ القرآن سميره وأنيسه، وأن يجعله رفيقه وجليسه على مر الليالي وتتابع الأيام، فلا يقتصر على النظر فيه، بل يحمل نفسه على العمل به.
سابعاً: الصبر والتصبر عند نزول المصائب والمحن:
إن الصبر من أعظم الأمور والعوامل المعينة على الثبات، ذلك أن الصبر هو حبس النفس عن الجزع واللسان عن الشكوى، والجوارح عن التشويش، فالصبر إذن أعظم مظهر من مظاهر الثبات، ولقد أمرنا الله تعالى به فقال سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} [(153) سورة البقرة].
ثامناً: اليقين والرضا بقضاء الله وقدره:
إن اليقين والرضا بقضاء الله وقدره من أعظم الأسباب المعينة على الثبات، ذلك أن اليقين هو جوهر الإيمان، وإن مما لا شك فيه أن اليقين والرضا والتسليم لقضاء الله وقدره من أقوى الدعائم والعوامل المعينة على الثبات.
العامل التاسع من عوامل الثبات على الدين: ترك المعاصي والذنوب صغيرها وكبيرها ظاهرها وباطنها:
فإن الذنوب من أسباب زيغ القلوب، فقد قال -صلى الله عليه وسلم- فيما أخرجه البخاري ومسلم عن أبي هريرة -رضي الله عنه-: ((لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن)) وقال -صلى الله عليه وسلم- عن الصغائر: ((إياكم ومحقرات الذنوب، فإنما مثل محقرات الذنوب كمثل قوم نزلوا بطن واد، فجاء ذا بعود، وجاء ذا بعود، حتى حملوا ما أنضجوا به خبزهم؛ لأن محقرات الذنوب متى يأخذ بها صاحبها تهلكه)).
العامل العاشر: نصر دين الله ونصر أوليائه:
قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} [(7) سورة محمد] ونصر دين الله تعالى وأوليائه يكون بطرائق عديدة لا يحدها حد ولا تقف عند رسم، فالدعوة إلى الله بجميع صورها نصر لدين الله، وطلب العلم نصر لدين الله، والعمل بالعلم نصر لدين الله، وجهاد الكفار والمنافقين والعصاة نصر لدين الله، والرد على خصوم الإسلام، وكشف مخططاتهم نصر لدين الله، والبذل في سبيل الله، والإنفاق في وجوه البر نصر لدين الله، والذب عن أهل العلم والدعوة وأهل الخير والصحوة نصر لدين الله، وطرائق نصر دين الله وأوليائه كثيرة، جعلني الله وإياكم منهم، من أوليائه وأنصار دينه، ولا تحقرن من هذه الأعمال شيئاً، فقاعدة الطريق: ((اتق النار ولو بشق تمرة)) قال ابن القيم -رحمه الله-:
هذا ونصر الدين فرض لازم *** لا للكفاية بل على الأعيانِ
بيد وإما باللسان فإن عجزت *** فبالتوجه والدعاء بجنانِ
الحادي عشر: الرجوعُ إلى أهل الحق والتقى من العلماء والدعاة:
الذين هم أوتاد الأرض، ومفاتيح الخير، ومغاليق الشر، فافزع إليهم عند توالي الشبهات، وتعاقب الشهوات قبل أن تنشب أظفارها في قلبك فتوردك المهالك، قال ابن القيم -رحمه الله- حاكياً عن نفسه وأصحابه: "وكنا إذا اشتد بنا الخوف، وساءت بنا الظنون، وضاقت بنا الأرض أتيناه -أي شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- فما هو إلا أن نراه ونسمع كلامه فيذهب ذلك كله عنا، وينقلب انشراحاً وقوة ويقيناً وطمأنينة".
الثاني عشر: كثرة ذكر الله تعالى:
كيف لا؟ وقد قال سبحانه: {أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} [(28) سورة الرعد] وقال -صلى الله عليه وسلم-: ((مثل الذي يذكر ربه والذي لا يذكر ربه مثل الحي والميت)) وقد أمر الله تعالى عباده بالإكثار من ذكره، فقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا * وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا * هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا} [(41-43) سورة الأحزاب] فذكر الله كثيراً، وتسبيحه كثيراً سببٌ لصَلاته سبحانه وصَلاة ملائكته التي يَخرج بها العبد من الظلمات إلى النور، فيا حسرة الغافلين عن ربهم، ماذا حرموا من خيره وفضله وإحسانه؟.
العامل الثالث عشر من عوامل الثبات على الدين: ترك الظلم:
فالظلم عاقبته وخيمة، وقد جعل الله التثبيت نصيب المؤمنين والإضلال حظ الظالمين، فقال -جل ذكره-: {يُثَبِّتُ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللّهُ مَا يَشَاء} [(27) سورة إبراهيم] فاتقوا الظلم أيها المؤمنون، اتقوا ظلم أنفسكم بالمعاصي والذنوب، واتقوا ظلم أهليكم بالتفريط في حقوقهم والتضييع لهم، واتقوا ظلم من استرعاكم الله إياهم من العمال ونحوهم، فإن الظلم ظلمات يوم القيامة.
الرابع عشر: التأمل في قصص الأنبياء، وأخذ الدروس والعبر منها:
قال الله تعالى: {وَكُلاًّ نَّقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَاء الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ} [(120) سورة هود] تأمل قوله تعالى: {قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ * قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ * وَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَخْسَرِينَ} [(68-70) سورة الأنبياء] قال ابن عباس: كان آخر قول إبراهيم حين ألقي في النار: حسبي الله ونعم الوكيل، ألا تشعر بمعنىً من معاني الثبات أمام الطغيان والعذاب، يدخل نفسك وأنت تتأمل هذه القصة، وهذا موسى -عليه السلام- في وقت ملاحقة الظالمين له يقول أتباعه: {إِنَّا لَمُدْرَكُونَ * قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ} [(61-62) سورة الشعراء] ثبات في لحظات الشدة وسط صرخات اليائسين.
الخامس عشر: سلوك المرء طريق أهل السنة والجماعة،
طريق الطائفة المنصورة والفرقة الناجية، ذي العقيدة الصافية والمنهج السليم، واتباع السنة والدليل، والتميّز عن أعداء الله، ومفاصلة أهل الباطل، وإذا أردت أن تعرف أهمية ذلك الثبات فانظر في تلك الفرق الضالة لماذا تخبّط أصحابها؟ وتنقّلوا في منازل البدع والضلال من الفلسفة إلى الكلام والاعتزال إلى التحريف، إلى التصوف والتفويض والإرجاء؟ بل إنهم عند الموت من أكثر الناس شكاً وتحيراً، وأما من هو على الجادة طريق أهل السنة والجماعة فلا يتركه عقله أبداً لكل هوى أو شهوة أو شبهة عرضت.
العامل السادس عشر: من عوامل الثبات على الدين: التربية الإيمانية الواعية
القائمة على الدليل الصحيح، والإحاطة بالواقع علماً، وبالأحداث فهماً وتقويماً، التربية المتدرجة التي تسير بالمسلم شيئاً فشيئاً ترتقي به في مدارج كماله، لا ارتجال فيها، ولا تسرع، ولا حماس طائش.
السابع عشر: الثقة بنصر الله وأن المستقبل لهذا الدين:
وقد كان الرسول -صلى الله عليه وسلم- يثبت أصحابه المعذبين، ويخبرهم بأن المستقبل للإسلام في أوقات التعذيب والمحن، فيقول: ((ليتمن الله هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله والذئب على غنمه)) وأحاديث كثيرة تبشر بنصرة هذا الدين، فما أشد الحاجة لها في أوقات الفتن، فإنها من أهم عوامل الثبات على الإسلام، فعرْض أحاديث البشارة بأن المستقبل للإسلام على الناشئة مهمٌّ في تربيتهم على الثبات.
الثامن عشر: البصيرة وفهم الواقع:
وأن تعرف الباطل وأن لا تغتر به {لاَ يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُواْ فِي الْبِلاَدِ * مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ} [(196-197) سورة آل عمران] فو الله إن الباطل وأهله ضعفاء جبناء، أصول مخططاتهم أوهى من بيت العنكبوت، ويتبين ذلك كله لمن رزقه الله بصيرة واعية وحكمة نافذة وعلماً نافعاً، ومع ذلك كله يجب أن نثق بنصر الله للمؤمنين، {وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى} [(76) سورة مريم] {إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ} [(51) سورة غافر].
- بارصا1995عضو فعال
- رقم العضوية : 6066
الجنس : عدد المساهمات : 998 نقاط التميز : 1459 تقييم العضو : 6 التسجيل : 16/06/2010 العمر : 29 الإقامة : قسنطينة
تمت المشاركة الإثنين ديسمبر 26, 2011 2:33 pm
التوقــيـــــــــــــــــــــع
- زائرزائر
تمت المشاركة الإثنين ديسمبر 26, 2011 6:41 pm
جزيت خيرا
اعزازي وتقديري
اعزازي وتقديري
- زائرزائر
تمت المشاركة الإثنين ديسمبر 26, 2011 7:45 pm
أنآآآر ألله طـُريقـَُك بآآلايمآآآن كمآآآ أنرتَ
بصيرتنـُآآآ بهـذآآ الطـٍُرح ألرآآآقي
ودي لكـْ
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى