السلام عليكم و رحمة الله ...
الحمد لله وحده و الصلاة و السلام على من لا نبي بعده ..
و بعد ، فإن من أهم العلوم – الشرعية – و أشرفها .. و أجدرها بالإهتمام
علم مصطلح الحديث .. ذلك لأن الحديث هو مصدر تشريع للأمة فيه
بيان الحلال و الحرام و إصلاح أحوال العباد و البلاد ..و فيه ذكر القصص
من بدء الخلق إلى ما بعد قيام الساعة ، و إليه يرجع التحاكم حال التنازع
كما قال تعالى ( فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله و الرسول إن كنتم
تؤمنون بالله و اليوم الآخر ) سورة النساء .
و لا يكون فيه التعارض بأي وجه من الوجوه قال تعالى
( و لو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا ) سورة النساء ..
كيف لا و هو كلام الصادق المصدوق الذي لا ينطق عن الهوى فما يصدر
منه إلا الحق ..
فواجبنا الإمتثال لكل ما أمر به و الإنتهاء عن كل ما نهى عنه ..
لقول الله تعالى : ( و ما آتاكم الرسول فخذوه و ما نهاكم عنه فانتهوا) سورة الحشر ..
و قد حفظ الصحابة رضي الله عنهم سنته و بلغوها لمن لم يسمعها
من إخوانهم الصحابة و التابعين ثم نقلها التابعون إلى الأتباع ..
و هكذا حتى وصلت إلى الأئمة الحفاظ رحمهم الله تعالى فجمعوها في كتب
لِما رأوا من انتشار الكذب على النبي صلى الله عليه و سلم و خوف ضياع السنة
– التي هي مصدر التشريع المبين للقرآن –
ثم وضعوا قواعد كي يميز بها الحديث الصحيح من الضعيف ..
و هذا لأن الأحاديث الضعيفة لا تجوز روايتها و بالتالي لا يجوز العمل بها
فلو تعمد أحد وضعها عالما ضعفها فهو معرض للوعيد الشديد فكأنه وضع تشريعا
من عند الله ( و الناس يعملون به )
و قد ورد في الحديث المتواتر عن عشرات الصحابة رضي الله عنهم أن النبي
صلى الله عليه و آله و سلم قال : (من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار ) ..
أهمية هذا العلم الشريف :
- قال عبد الله بن المبارك :الإسناد عندي من الدين ،و لولا الإسناد
لقال من شاء ما شاء ..
- قال ابن ذريع : لكل دين فرسان و فرسان هذا الدين أصحاب الأسانيد ..
و قالوا لَما رأوا وضع الناس للأحاديث : سموا لنا رجالكم ..
و كثرت التصانيف في هذا العلم الشريف ، فمِن أول مَن صنف في ذلك :
-- الرامهرمزي ( توفي عام 360 هـ ) في كتابه " المحدث الفاصل بين الراوي
و الواعي "لكنه لم يستوعب ،
-- و الحاكم النيسابوري ( توفي عام 405 هـ ) – صاحب المستدرك –
لكنه لم يهذب و لم يرتب –
-- ثم جاء بعدهم الخطيب البغدادي ( توفي عام 463 هـ )
فصنف في قانون الرواية كتابا أسماه " الكفاية في علم الرواية "و في آهايلها
" الجامع لآهايل الشيخ و السامع " و كلَ فن إلا و له فيه مصنف حتى قال
الحافظ أبو نقطة : ( كل من أنْصف عَلِم أن المحدثين بعد الخطيب عيال
على كتبه ..)
-- إلى أن جاء الحافظ أبو عمرو عثمان بن الصلاح ( توفي عام 643 هـ )
فجمع كتابه المشهور " معرفة علوم الحديث "
المشهور ب "مقدمة ابن الصلاح " فهذب فنونه ...
فاجتمع في كتابه ما تفرق في غيره ، فلهذا عكف الناس عليه
و ساروا بسيره فلا يُحصى كم ناظم له : كألفية العراقي ( 806 هـ)
و السيوطي ( 911 هــ) و مختصر الباعث الحثيث لابن كثير ( المفسر –
773 هـ )
و من هذا المنطلق و تعريفا للناس بهذا العلم و بعض
تفاصيله كتبت هذا الموضوع النافع بإذن الله تعالى ..
و لطوله و كثرة فوائده فسوف يقسم إلى أقسام ( في نفس
الموضوع ) و مراعاة للتنظيم سوف نعتمد على البيقونية
كمتن لبحثنا هذا ..