اسرار الحب : استعاده الحب
الحب,
شعور, وتصرف. ويبدا الحب دائما بالشعور, ثم بالتصرف.. وقد لا يصل
ابدا الي مرحله التصرف. تلك حكايه الحب الشرقي.. اما حكايه الحب في
الغرب, فالشائع عندهم ان التصرف, يولد الحب!!. والشعور, وصفناه,
بانه( ميل الي شخص اخر بقوه قاهره, لسبب غير معلوم). اما التصرف,
فهو سلسله من الافعال, تفصح عن الشعور, او( تفضح) الشعور
المستكن. وعندنا في الشرق صوره وحيده للحب الذي يسبق فيه, التصرف,
ميلاد الشعور, وهو الحب بالتعود. واحب ان اذكر بان الحب بالتعود غير
الحب التراكمي. ففي الحب بالتعود, ينعدم الشعور في البدايه. لكن
الاستمرار في التعامل( قد) يولد الشعور بالحب. اما الحب التراكمي
فهو يبدا بالشعور بالميل الخفيف.. او الاعجاب.. اوالاستحسان.. ويبدو
القلب منفتحا منذ البدايه لمرور الحب يوما بعد يوم, حتي تتراكم مشاعر
الاعجاب المتتاليه الي شعور كامل بالحب.. والحب كاي شعور يتعرض للتوقف
الموقت او للتوقف المستمر. ونحن نقول في الحاله الاولي, انها( حاله
صعوبات) او( حاله مستحيلات) تجعل من استمرار الافعال امرا عسيرا..
فيتاثر الشعور علي المدي البعيد, تماما كمن يتوقف عن ري شجره.. تبدا
في الذبول.. حتي اذا اتاها الماء, اينعت.. واشرقت.
اما
في حاله التوقف المستمر, التي قد نسميها احيانا,( نهايه الحب) فاننا
نجد ان السوال المطروح, هو( هل يمكن استعاده الحب؟!). ونحن نلاحظ(
لغويا) ان كلمه( استعاده) نستخدمها بدلا من كلمه( عوده)
فنقول( استعاده الحب) ولا نقول( عوده الحب). والسبب بسيط, يكمن
في ان( الاستعاده) رهينه باراده الانسان. اي من طرفي العلاقه.. في
حين ان( العوده) بعيده عن اراده الانسان!! وكاننا في الاولي ندعو
الحب للعوده.. وفي الحاله الثانيه يدعونا الحب للعوده!!
مره
اخري هل يستطيع الذين فرق بينهم مفرق, ومضت بهم الحياه دون الرفيق
المحبوب, ان يستعيدوا ما كانوا يشعرون به؟ نحن نضرب مثالا, لاثنين
تحابا.. شعورا وتصرفا. ثم حيل بينهما وبين الزواج مثلا, وتزوج كل
منهما بشخص اخر غير من يحب.. فاذا مضت السنون ثم التقيا.. هل يستطيع
الاثنان ان يستعيدا الحب الذي كان؟!
الحاصل
انهما يستطيعان استعاده( التصرف).. استعاده الافعال.. استئناف
الكلام او اللقاء.. لكنهما لا يستطيعان استعاده الشعور!! انهما كثيرا
ما يشعران بشيء اخر, هو اقرب الي (الصداقه) منه الي( الحب).
ولان( التجربه) لها ظل مطبوع في الوجدان, فسوف يخيل اليهما انهما
استعادا الحب!! وسوف يجمح بينهما الخيال الي نفس الافاق الاولي..
يرتادان حقول الامل.. ويسبحان في انهار التمني والتطلع الي التوحد.
لكنهما بمضي الوقت, يشعرون ان هناك حاجزا غير مرئي بينهما!! وان تحويل
الامل والتمني الي واقع ملموس, ليس الا اضغاث احلام.. لذلك يخضعان
تدريجيا لحكم الزمن.. الا في حالات نادره واستثنائيه لا يقاس عليها.
ونحن حين نتكلم عن امل الاستعاده, انما نتكلم عن الحب الحقيقي, حين
يتعرض للذبح بظروف خارجه عن اراده الطرفين. اما ذلك الحب الذي ينتهي
بالخصام او بمعركه او بفضيحه, فليس حبا, انما كان( وقتا سعيدا اختلف
الاثنان علي تقدير ثمنه في النهايه)!!
وهناك
اعتقاد سائد لدي البعض ممن تحدثوا الي, فعاده, ان الصداقه تودي
للحب, ولكن الحب لا ينتهي الي صداقه. ان هذا الاعتقاد صحيح في مظهره
للوهله الاولي.!! شطره الاول لا جدال فيه.. فالصداقه بين رجل وامراه
تودي في اغلب الاحيان, الي الحب اذا توافرت ظروفه. لكن الشطر الاخر من
المقوله الشائعه وهي ان الحب لا يتحول الي صداقه, ليس صحيحا الا من
ناحيه السياق اللغوي للمقوله. بمعني انه من المستحيل ان نقول( لا داعي
للحب.. دعنا نكون اصدقاء)! ان المساله ينبغي ان تفهم في اطار فهم
دور( الاراده) في الموضوع!! فالحب الراهن في وجداننا, لم نوجده
عارادتنا حتي ياتي يوم نقرر فيه بارادتنا ايضا, ان نحوله الي صداقه!!
ذلك ضرب من المستحيل, لان الصحيح هو ان ما بينهما لم يكن الا صداقه
مفعمه بالامل في الحب.. وحين يعجز ايهما عن الشعور بالحب.. يهتف وكانه
عثر علي ضالته( خلينا اصدقاء)!! مع انهما لم يكونا الا اصدقاء!!
لكن
السياق المعنوي او الشعوري للمقوله, هو السياق المقبول.. بمعني انه
اذا كان من المستحيل ان( يقرر) اثنان)( تحويل) علاقه الحب بينهما
الي صداقه.. فانه من الممكن ان (تتحول) علاقه الحب الي صداقه.
وهذا التحول, هو تحول تلقائي وليس تحولا ازاديا.. وهو لايحدث اوضحنا
الا اذا حيل بين حبيبين وبين تحقيق امالهما بالزواج مثلا, وانقطعت
صلاتهما زمنا طويلا, ثم تلاقيا من بعد غياب قهري.. هنا فقط, تصبح
الصداقه بينهما امرا طبيعيا.. ونحن هنا, نلاحظ ان الاختلاف بين الحاله
الاولي او المقوله الاولي والمقوله الثانيه, يكمن في عنصر الزمن. ففي
الحاله الاولي زمان ممتد بحمل سمات واحده وصفات متشابهه للعلاقه وفي
الحاله الثانيه زمان مقطوع..يتخلله( فجوه) من البعاد.. تحمل ما
يهيا لها من سمات. فقد يرد عليها الياس, او الاحباط او القهر.. او
الصعوبات او المستحيلات.. ولكل هذه المتغيرات خلال الفجوه الزمنيه اثره
الواضح علي الشعور وعلي التصرف.. ونحن نستطيع تشبيه هذه الحاله,
بشجره, انقطع عنها الري.. وتغيرت طبيعه تربتها.. فتعرضت للذبول
التدريجي.. الذي طال امره.. هنا.. نجد انه من المستحيل, ان تعود
الشجره الي رونقها او اخضرارها مهما ضخ فيها من وسائل الاحياء!! غايه ما
نحصل عليه من الشجره.. ان تعيد لنا ذكريات المرح في المخيله.. او
نستخدمها وقودا بالمدفاه.. لبرد الشتاء!! هذه هي الصداقه التي تنشا
بعد ذبول الحب..!!
غير
ان الحب قد يعود!! وحين يعود الحب فلا انا ولا هي قد دعوناه للعوده!!
لم نفكر في ذلك ابدا. فقد فهمنا المستحيل واستوعبنا وعوره الطريق..
لكن.. وعلي غير توقع منا او انتظار.. يطوف بنا طائف يهتف في حنايا
القلب.. ها انا ذا انشد نشيد العوده. اراها فينعقد اللسان ويرتج القلب
ويرتعش البدن..!! تراني, فتظل شاخصه ببصرها كانها تسائل اليقظه
والنوم.. بعينيها الاشياء المحيطه.. وفوق شخصي.. يجثم بصرها متشبثا
بمن كان قد ضاع!! ينتفض الحب في قلبينا.. وتغرورق مع ماقينا.. لا
نملك لانفسنا حيله.. ولا كان شيء ملك ايدينا!! انمحي زمان البعاد من
لوح القدر.. ضاعت الفجوه.. والجفوه, فانتشينا بلقاء الوصل.. وفصل
الخطاب!! نحن قد عدنا.. او اعادنا الحب الي انفسنا بغته.. وحين يعود
الحب نتماسك جميعا.. انا وهي, والحب..!! وسوف يكون تماسكنا عنيفا
وقويا.. ولم لا وقد ذقنا مراره البعاد وقيظ الهجر والم الياس!! هنا,
لن يدع اي منا الاخر يبرح مكانه في مقله العين, كلا ولا في عمق
القلب!! سنتصل ونتحد ونندمج ونصبح انسانا واحدا!! ولن يستطيع احد ان
يفصل انسانا عن نفسه!! كنا قبل البعاد, شخصين.. انا وهي.. واليوم
وقد جربنا محنه الهجران, سوف نكون شخصا واحدا.. اصل وظل.. انا اصل
وظل لها.. وهي اصل وظل لي..!! عوده بجنون العطش والظما وحريق
البعاد. عوده بوهج الشوق ولهب الوجد, وعطر الايام... ولا يدري
احد, لماذا تكون العوده هنا اقوي من الاصل!! هل هو حب جديد؟ ام هو بعث
لحب قد مات من زمان؟!
لاهو
هذا ولا هو ذاك!! انه غير ذلك.. انه مزيج من حب قديم طعن بسكين
البعاد, وحب جديد, عوضا من السماء!! مزيجا بين حبيبين!! بمذاق
العنب والكليب.. في جنه الحب, بين اطياف لضاربي الدفوف.. والضارعين
بالكفوف.. جددت حبك ليه...!!
google_protectAndRun("ads_core.google_render_ad", google_handleError, google_render_ad);