أتقياء، أصفياء؛ ولكن غرباء
محمد مصباح مسلم
الالوكة
خلَق اللهُ الإنسانَ ليكونَ عبدًا له، فإنْ لم يكن عبدًا لله خالص العبودية، فهو عبدٌ لغيره، إما عبدًا للشيطان، أو لهواه، أو للدنيا، أو لِمَا يريد أن يكون عبدًا له؛ قال - تعالى -: ﴿ إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ ﴾ [الزمر: 2].
فإذا جعَل العبدُ المؤمن وِجهتَه لله تعالى، لا وجهة غيرها، شَعر بالغُرْبة بيْن أقرانه ومَن حوله مِن مُتَّبعي الشهواتِ الضالِّين؛ ذلك لأنَّه أمينٌ صادق بيْن كاذبين، إيجابيٌّ بيْن خانعين وسلبيِّين، مُعتصِم بكِتاب الله بيْن حيارَى وتائهين، ومجاهد يَحْمي الزِّمارَ بيْن منبطحين لا يهمُّهم أمرُ الدِّين، غريبٌ في أمور دُنياه وآخرته، لا يَجِد مِن العامَّة مساعدًا ولا معينًا، داعٍ إلى الله ورسوله بيْن دُعاة إلى الأهواء والبِدع، آمِرٌ بالمعروف وناهٍ عن المنكر بيْن قومٍ الإصلاحُ بينهم أمرٌ لا مكانَ له.
هذا الغريبُ، مع غُرْبته شامخٌ كالطَّوْد العظيم، وإن تكاثَر مِن حوله السفهاءُ والجبناء، يشعُر بمعيَّة ربِّه، يؤمِن بأنَّ الله ناصرُه، ولو حشد له الباطلُ جندَه؛ ﴿ وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ ﴾ [الصافات: 173]، ﴿ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ ﴾ [النحل: 128].
وهذا الذي أشار إليه رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - في قوله: ((بدأ الإسلامُ غريبًا، وسيعود غريبًا كما بدأَ، فطُوبَى للغرباء))، قيل: وما الغُرباء يا رسول الله؟ قال: ((الذين يَصلُحون إذا فسَد الناس)).
وأشار شيخُ الإسلام إلى الغُرباء بأنَّهم أهلُ هذه الصِّفة في قولِ الله - تعالى -: ﴿ فَلَوْلَا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ ﴾ [هود: 116].
فالمؤمِن مع إحساسِه بغُربته صُلبٌ في معدنه، قويٌّ في إرادته، يشعُر بالعِزَّة؛ لأنه يأوي إلى رُكْن شديد، يستهدِفُ إصلاحَ الفساد في أمَّته، مهما كلَّفه ذلك من تضحيات.
يَقهَر أعذارَه، يُؤمِن أنه إذا صَدَق عزمه، وخلصتْ نِيته لله تعالى، أُرشِد إلى الحِيَل، فلا يقوَى أيُّ عُذر على قهْرِه وتحجيمه، حين يرَى توالي المِحَن على أمَّته، يُحوِّل طاقة الألَم في قلْبه إلى وثْبةِ عمل، يستمدُّ طاقته وقوَّته بآياتٍ مِن كتاب الله تعالى، قائمًا به ليلَه، داعيًا له نهارَه؛ ﴿ إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا ﴾ [المزمل: 6].
قال نافعٌ عن مالك: "دخَل عمرُ بن الخطَّاب المسجدَ فوَجَد معاذَ بن جبل جالسًا إلى بيت النبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - وهو يبكي، فقال له عمر: ما يُبكيك يا أبا عبدالرحمن؟ هلَك أخوك؟ قال: لا، ولكنَّ حديثًا حدَّثنيه حبيبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - وأنا في هذا المسجد، فقال: ما هو؟ قال: ((إنَّ الله يحبُّ الأخفياءَ الأحفياءَ، الأتقياء الأبرياء، الذين إذا غابوا لم يُفْتَقدوا، وإذا حضَرُوا لم يُعرَفوا، قلوبهم مصابيحُ الهُدَى، يَخرُجون مِن كلِّ فِتنة عمياء مظلِمة)).
وهؤلاء لقلَّتهم سُمُّوا غرباء، فطوبَى للغرباء.
- بارصا1995عضو فعال
- رقم العضوية : 6066
الجنس : عدد المساهمات : 998 نقاط التميز : 1459 تقييم العضو : 6 التسجيل : 16/06/2010 العمر : 29 الإقامة : قسنطينة
تمت المشاركة الجمعة ديسمبر 17, 2010 12:33 am
التوقــيـــــــــــــــــــــع
- joujou21عضو متقدم
- الجنس : عدد المساهمات : 3002 نقاط التميز : 3565 تقييم العضو : 14 التسجيل : 30/08/2010
تمت المشاركة الجمعة ديسمبر 17, 2010 9:17 am
بارك الله فيك اخي وجعله في ميزان حسناتك
- زائرزائر
تمت المشاركة الجمعة ديسمبر 17, 2010 11:40 am
- mouniعضو فعال
- الجنس : عدد المساهمات : 452 نقاط التميز : 471 تقييم العضو : 8 التسجيل : 02/09/2010
تمت المشاركة الجمعة ديسمبر 17, 2010 1:28 pm
يعطيك العافية شكرا على هذا المجهود
التوقــيـــــــــــــــــــــع
عش حرا ومت حرا
- سحر الوردعضو مميز
- رقم العضوية : 8517
الجنس : عدد المساهمات : 1404 نقاط التميز : 1735 تقييم العضو : 12 التسجيل : 01/12/2010 الإقامة : قسنطينة
تمت المشاركة الجمعة ديسمبر 17, 2010 5:42 pm
مشاكرة متميزة
جزاك الله خيرا وسدد خطاك
بارك الله فيك
تقبل مروري بكل ود
جزاك الله خيرا وسدد خطاك
بارك الله فيك
تقبل مروري بكل ود
التوقــيـــــــــــــــــــــع
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى