استعرض الموضوع التالياذهب الى الأسفلاستعرض الموضوع السابق

أين السعادة؟ Empty أين السعادة؟

بدوي محمد نور الإسلام
بدوي محمد نور الإسلام
عضو فعال
عضو فعال
رقم العضوية : 5704
الجنس : ذكر عدد المساهمات : 706 نقاط التميز : 2013 تقييم العضو : 17 التسجيل : 01/06/2010 العمر : 28 الإقامة : www.yahoo.com
تمت المشاركة الخميس سبتمبر 20, 2012 8:01 pm

أين السعادة؟


قال أحدهم: "إن الفرق بين السعادة والحكمة هو أن من ظن نفسه أسعد الناس فهو أسعدهم في الحقيقة، ولكن من ظن نفسه أحكم الناس وأعقلهم فهو بلا ريب أشدهم جنوناً".



الحكمة مُلك خاص لأفراد قليلين، لكن السعادة مُلك عام للإنسانية، وخير للإنسان أن يكون سعيداً من أن يكون حكيماً (أما إن استطاع الجمع بين السعادة الحكمة فزيادة الخير خير!)



ما برح الناس يبحثون عن تلك الضالة المنشودة، وليست هناك وصفة أكيدة فعّالة للحصول عليها، وإنما هي محاولة للوقوف على بعض ظواهرها وأحوالها وبعض الطرق التي تقربنا منها.



السعادة لا تنبت إلا في الأرض المعدّة لقبولها. وفي الغالب تكون السعادة أو الشقاء في الطريقة التي نستقبل بها الحوادث لا في تلك الحوادث نفسها، أي في عقولنا لا في ما يطرأ علينا.



كل منا يعرف بلا ريب أناساً يظلون كأنهم في انقباض دائم لا يرون من الأشياء إلى وجهها المظلم. إذا ذكروا ماضيهم سردوا قائمة مصائبهم وأحزانهم، وإذا تكلموا عن حاضرهم شكوا من الدهر وعبسوا، وإذا فكروا في المستقبل توقعوا الدواهي والأرزاء.. أولئك يتحملون ثلاثة أصناف من الشقاء معاً: الشقاء الماضي والشقاء الحاضر والشقاء القادم. وأنه ليكفي الإنسان صنف واحد من تلك الأصناف. ولو أتتهم السعادة لأعرضوا عنها وقالوا: "إنما هي خدعة فليس هذا ما نبحث عنه." وما مثلهم إلا كمثل الذي يبحث عن نظارته وهي معلقة على أنفه.



بعكس هؤلاء أصحاب القلوب الفرحة الجذلة الذين يستقبلون كل شيء بابتسام. فهؤلاء هم في حصن منيع يجعلهم في مأمن من طوارئ الزمان. ولا شك أن القلب الفرح يقتل من الميكروبات أكثر من أشد المطهرات وأقواها.



إن السعادة تقرع بابنا كل يوم ولكننا في كثير من الأحيان لا نسمع قرعها لأنه يضيع بين صياحنا وبكائنا وندبنا. وخير أن يمشي الإنسان ولو على عكاز من أن يضيّع وقته في ندب حظه والرثاء لشقائه.



ولعل السبب الذي يبعد الكثيرين عن السعادة هو أنهم يفتشون عنها. فالسعادة كالفراشة تفر من الإنسان إذا لاحقها، وقد تأتي فتستقر بقربه إذا لم يعبأ بها. فمن يبحث عن السعادة لأجل السعادة لن يجدها.



وينبغي لطالب السعادة أن يطرح جانباً أوهاماً ثلاثة تعترض سبيله وهي:



أولاً: الإعتقاد الشائع بأن الأحوال والظروف الخارجية تحدث السعادة. وقد حارب هذا الوهم جميع الفلاسفة منذ عهد كونفوشيوس. بل يكفي أن تلقي نظرة حولك لترَ أن السعادة والشقاء لا يميزان بين غني وفقير وبين عالٍ ووضيع. فقد تجد الشقاء في القصور الفخمة والأبراج الشاهقة، كما تجد السعادة في الأكواخ المتواضعة. ذلك أن السعادة إنما تنبعث من الداخل، من نفس الإنسان ووجدانه.



ثانياً: الرأي القائل بأن السعادة متوقفة على مزاج المرء وفطرته الطبيعية، فلا قدرة له على نقض حكم الطبيعة. والحقيقة أنه ليس بين الناس إنسان مهما يكن مزاجه لا يستطيع أن يربي في نفسه ملكة السعادة بالتمرين والمواظبة عليها. قال أبراهام لنكلن: "لقد وجدت أن قسط الإنسان من السعادة يتوقف في الغالب على قوة تصميمه على أن يكون سعيداً".



ثالثاً: الوهم الذي يجعل السعادة في نظر الكثيرين بمنزلة شيء يوهَب أو يُمنح. فقد يتصور التقي أنه يستطيع بالشعائر وحدها حيازة السعادة. والحقيقة أن الله قد يمنحه بذوراً لكنها لا تنبت وتنمو إلا بعمله الشخصي. فقد يُهدى المرء آلة موسيقية جميلة لكنه لا يصير موسيقياً إلا بتمرين نفسه وتعويدها اللعب على تلك الآلة.



الأبواب المؤدية إلى السعادة كثيرة متعددة.. فلنلقِ عليها نظرة.



في المقام الأول الصحة. فللصحة دخل كبير في أفكار المرء وأحواله. إذ كلما ضعُفَ الجسمُ استأسر العقل واستعبده، وإذا قوي كان هو خادم العقل ورهن أمره.



إن معظم أهل المدن يعيشون عيشة غير صحية، فيحمّلون أجهزتهم العصبية والهضمية وسائر أجهزة الجسم أحمالاً يئنون تحت ثقلها طول حياتهم. ويكفينا لنقتنع بصحة ذلك أن نتأمل يوماً وجوه المارة في الشوارع، فإننا لا نكاد نجد إلا وجوهاً عابسة وحواجب مقطبة ورؤوساً محنية وظهوراً مقصوفة.



فما سبب ذلك؟ إن السبب في الغالب هو أن أولئك القوم يعيشون بعيدين عن الطبيعية.. بعيدين عن الهواء الطلق والمناظر الفسيحة التي تجلي الذهن وتشرح الصدر وتنبه العقل. وقد صدق من قال أن آباءنا كانوا أسعد منا حالاً، وما ذلك إلا لكونهم ظلوا قريبين إلى حضن أمهم الطبيعة.. تلك الأم الحنون التي تتكفل لو لجأنا إليها بإراحة قلوبنا وإسعاد نفوسنا.



قيل أن مريضاً أعياه المرض وأضناه، فنصحه الطبيب أن يتناول بعض الأدوية وأن يقتصر على مأكولات معلومة، وأن.. وأن.. وأن..



فسأله المريض: وإذا فعلت كل ذلك فماذا أربح؟



أجابه: تعيش سنتين.



قال: وإن لم أفعل؟



أجاب: ربما عشت أسبوعين.



فقال المريض: والله لأن أكون حياً أتمتع بالعيش أسبوعين خير من أن أكتفي بمجرد الوجود سنتين.



ذلك المريض ربما أصاب لأنه لا لذة في العيش إذا لم يشعر الإنسان أنه حيٌ، وإذا لم يمتع جسمه بما يتطلبه من لوازم الحياة.



ولكن لا يكفي أن يكون الإنسان حياً، بل يجب أن يعمل. فإن العمل يقي الإنسان ويشفيه من أمراض كثيرة. فهو الطبيب الأعظم لاضطرابات العقل والروح.



وكما أن الإنسان يستطيع اكتساب السعادة بترويض جسمه، كذلك يمكنه اكتسابها بترويض عقله وفكره وإرادته.



وفي هذا الصدد ينصح أحد المتخصصين في هذا المجال بأن يقضي المرء نصف ساعة كل يوم في تمرين نفسه على السعادة ومراجعة جميع الأمور المفرحة التي يمكنه تذكرها أثناء تلك الفترة. ولينظر إلى ما فات من الحوادث الممتعة ويفكر فيما يتوقعه منها ويسرد الأشياء التي يحبها من لون طعام يستلذه إلى بيت شعر يعجب به، وهلم جرّا.



أما إن داخله في هذه الأثناء خوف أو توجّس من أي شيء يعكر عليه صفوه فليطرده للحال كما لو كان يطرد لصاً يدخل بيته. ليفعل ذلك لثلاثين يوماً متوالية ويلاحظ ما يحصل له.



المقصود من المواظبة على هذا التمرين هو تمكين الإنسان من تسيير حياته وفقاً لإرادته وجعل عواطفه وإحساساته رهن أوامر عقله وفكره.



والسعادة تأتي أيضاً في الفكر والتأمل. فالفكر يرفع الإنسان عن مصاف الحيوانات.



يُحكى عن سلطان رفيع الشأن أنه دعا الحكماء والشعراء في بلاده إلى المثول في حضرته. وطرح عليهم هذا السؤال: ما هي السعادة؟



قال أولهم: إن السعادة لفي السلطة، إذاً أنت السعيد أيها الملك.



فأجابه السلطان وقد ظهرت على شفتيه ابتسامة مرارة: من أين لي أن أكون سعيداً وأنا مصاب بداء لم ينجع فيه علاج. خذوا هذا الغبي وهشموا أنفه.



ثم تقدّم الثاني فقال: إن السعادة لفي الغنى.



فقال السلطان: أجل إني واسع الغنى على أني لا أزال أبحث عن السعادة. خذوه وعلقوا بعنقه سبيكة ذهب تزن ثقل رأسه واطرحوه في البحر..



ثم تقدم ثالث بثياب رثة وقال: أيها الملك العظيم أنا لا أبتغي سوى القليل. أنا جائع فهلا أشبعتني فأصبح سعيداً؟



فأجاب السلطان بلهجة الإشمئزاز: خذوه وأطعموه حتى إذا مات من التخمة أخبروني.



ثم تقدّم رابع وقال: إن السعادة لفي عشق الغواني.



فقال السلطان: أعطوه مئة من حسان مملكتي وأعطوه معهن كأساً من السم.



وهكذا ظل السلطان يلقي سؤاله فيجيبه كلٌ جواباً لا يرضى به إلى أن انتهى الأمر بأحدهم فقال:



إن السعادة لفي جمال الفكر البشري.



فارتجفت أهداب السلطان وأجاب غاضباً: الفكر البشري؟ وما هو الفكر البشري؟



لكن الحكيم لم يجب بل ابتسم ابتسامة مشفق. فأمر السلطان بزجّه في أعمق السجون حيث الظلام الدامس.



وعندما خرج من سجنه بعد سنة وقد أصيب بالعمى والصمم سأله السلطان: كيف أنت؟ عساك لم تزل سعيداً!



فأجابه الحكيم بسكينة: أجل إني لسعيد، فما زلت وأنا في السجن أرى نفسي ملكاً وغنياً وحبيباً وشبعان. كل هذا نلته بقوة فكري.



أول ما ينبغي للإنسان التفكير فيه إنما هو نفسه فليعرفها وليدرسها. فما أتعس من يموت معروفاً من الناس ومجهولاً من نفسه.



ثم أن هناك سعادة في الحب على أنواعه: حب الزوجين، حب الوالدين، حب الأولاد، حب الأخوة، حب الأصدقاء، لكن أساسها حب الرجل للمرأة وحب المرأة للرجل. ولله در من قال:



"لم يصنع الله المرأة من رأس الرجل لئلا تسود عليه، ولا من فخذه لئلا يعلو عليها، بل صنعها من جنبه لتكون مساوية له، ومن تحت ذراعه لتكون تحت حمايته، ومن قرب قلبه لكي يحبها."



والسعادة أيضاً في الإيمان. فالمؤمن الحقيقي في حصن حصين من اضطرابات هذا العالم، وقد قيل:



"إذا لم تستطع أن تنظر أمامك لأن مستقبلك مظلم، ولا خلفك لأن ماضيك مؤلم، فارفع بصرك إلى فوق تجد الراحة والسكينة."



على أن الإيمان لا يقضي بترك كل أمل في السعادة إلى العالم الآخر. فمن اعتقد أن الحياة ليست إلا انتظاراً للموت فهو واهمٌ. ولا ريب أنه في استطاعتنا أن نجد الجنة على الأرض، أن نكون سعداء في هذا العالم قبل العالم الآخر.



والسعادة أيضاً في إدراك الجمال على صوره المتعددة. فالجمال هو الإمضاء الذي يوقعه الله على مخلوقاته. وقيد قيل: "لو عنينا العناية الحقة بما يكشفه لنا الله من الآيات لما تبقى لنا وقت للتفكير بما لم يكشفه."



وهناك سعادة في القيام بالواجب وراحة الضمير. فالضمير النقي هو خير وسادة تسند رأس الإنسان.



والسعادة أيضاً في القناعة، وقد قال أحدهم:



"لقد تعلمت أن أكون سعيداً بتقليل مطالب نفسي."



وقال آخر: "إنما ثروتي في قلة مشتهياتي".



تلك بعض أنواع السعادة، ولعل هناك أنواعاً أخرى. وإنما بقي نوع من السعادة هو أسمى من تلك الأنواع جميعاً. إنها السعادة المتأتية عن إسعاد الغير، عن بذل النفس لتقليل الشقاء والتعاسة، وما أكثر الأشقياء والتعساء! كأن الله أحبهم حباً جمّاً حتى جعلهم السواد الأعظم من الجنس البشري.



إن أسمى مظاهر الطبيعة البشرية التضحية بالنفس وبالنفيس في سبيل الغير. فلا يكفي أن نحزن لما يحل بغيرنا من المصائب، بل يجب أن نعمل لتخفيفها. فمجرد التأسف لها عاطفة إنسانية، أما السعي لتخفيفها فعاطفة سماوية.



ومن الأقوال المأثورة: "الصلاة توصلنا إلى نصف طريق السماء، والصوم يوصلنا إلى بابها، وبالإحسان فقط يؤذن لنا في دخولها."



هذا هو المبدأ السامي الذي اتخذته الإنسانية شعاراً لها، وتلك هي الغاية التي يجب أن يضعها الإنسان نصب عينيه.. فبخدمة إخواننا في الإنسانية بالطرق الميسورة تسمو نفوسنا وتسمو البشرية جمعاء.



والسلام عليكم



مجلة الهلال – الجزء الثاني - أول نوفمبر 1920



الإعداد : محمود عباس مسعود

أين السعادة؟ Empty رد: أين السعادة؟

لمسة خيال
لمسة خيال
عضو مميز
عضو مميز
رقم العضوية : 12518
الجنس : انثى عدد المساهمات : 1700 نقاط التميز : 1959 تقييم العضو : 78 التسجيل : 03/05/2012 العمر : 26 الإقامة : سكيكدة وافتخر ليمعجبوش الحال ينتحر ويكتب في قبروا منقهر
تمت المشاركة الخميس سبتمبر 20, 2012 9:02 pm
أين السعادة؟ 56594
التوقــيـــــــــــــــــــــع


لمـ♥̨̥̬̩سة خيآإل دآإئمـ♥̨̥̬̩آإآإ في آإلبـ♥̨̥̬̩آإل
أين السعادة؟ 081f049832
أين السعادة؟ Img_1368204494_736
أين السعادة؟ Img_1368204500_570

أين السعادة؟ Empty رد: أين السعادة؟

avatar
زائر
زائر
تمت المشاركة السبت سبتمبر 22, 2012 9:55 pm
مشكوور اخي الغالي ع الطرح
الله يعافيك
استعرض الموضوع التاليالرجوع الى أعلى الصفحةاستعرض الموضوع السابق
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى