المسكين الصغيـــــر!!
بقلمي


ذلك الشعور....
عندما تسوّل لكـ نفسكـ أن تُرخِيَ جسدكـ و تغمض عينيكـ,و يأخُذكـ خيالكـ إلى حلم جميل مزينٍ بزهورٍ ورديةٍ و سلّمٍ أخضر يمتد إلى السماء,
 فيجعلكـ الفضول تمد بصركـ و تطيله و تطيله لكي ترى ما يؤول إليه,فأذا بجنةٍ تلوح من بعيد,فتُصدّق ما أمامكـ و تسعد به,
 و تتمسكـ بقوس قزح ذاكـ فتبدأ بالصعود خطوة خطوة دون أن تشعر,
ذلكـ الشعور....
عندهآ لا تدركـ في تلكـ اللحظةِ ما كنت تدخِلُ نفسكـ فيه, لا تدركـ في تلكـ اللحظةِ أنكـ تتبع أمـلاً زائِفاً, وروداً من الشّوكـ, و قوس قزح مُلوّناً بسبع ألوان,
لكنها لم تكن ألوان الطيف الرائعة ! بل كانت ألوانا خرافيةً بــاهتةً, انسكبت على ثوب روحِكـ البيضاءَ النقيةَ الصافية, فلوثت ذلكـ الطُّهر,
 عندها تربّع الشيطان و أخذ يلعبُ و يرسمُ فسيفساءً كما يشتهي,,,, يأخذ قطع "الوفاء و البياض" و يستبدلها بقِطعٍ من "الخيانة و السواد الدامس",
و أخيرا لينتهي منها أخذ قطعة "الحب البريئة" و لوثها بحُبّهِ هو "حب الضياع" و جَعل يلقيها يميناً و شمالاً كيفما يشاء فمرةً "هنا" و مرةً "هاهناكـ"
 ليصنع من ذلكـ التلوث المنسكب "تحفةً فنّيةً",
تحفةً و أيما تحفة, تحفةً تضم كل المعاني السبع لقوسه المخادع :

البأس,الذنب, الذل, الضياع,السواد,حب المنكرات و الفسق...
 

ذلكـ الشعور ....
عندما تجد حلمكـ الوردي يتحوّل بتسرّعكـ إلى كابوسٍ أسود مُفزِع, فتحس في تلكـ اللحظات أنكـ تتخبّطُ فيه دهراً, في ظلامً حاكـْ,

ذلكـ الشعور....

عندما تقودكـ نفسكـ "تحفة الشيطان" الى عالم الضياع, فيجلس "ذلكـ المسكين الصغير" عند حافةِ فوّهةِ الإنتحار, أجل ...
يجلس "ضميركـ المسكين الصغير" يريد الإنتحار, فقد تعِبَ من كثرة ما عُذِّبَ و أُهينَ و رُمِيَ على هامش التجاهل, تعِبـْ..
فكل مرة يتكلم فيها, يأخذُ ذلكـ "الشبح الأسود" يمتصّ ما بقِيَ لديهِ من نورٍ و يتغذّى على طُهرهِ
ليدعَهُ نقطةً باهِتةً تكاد لا تُرى وسط ذلكـ الوحلِ المُتّسخ المرتمي في كل مكان,
ذلكـ الشعور....
عندما يوشك "المسكين الصغير" أن يقفز في الفوّهة,,, فجأةً يناديه صوت حادٌ ضعيفٌ يكاد لا يُسمع, فيوقفه فضوله ليستمع ما ينادي به, فيصرخ قائلا :
_"هل نسيت؟"
_" نسيت؟ و ماعساي أتذكر و أنا لم يعد لي متّسع وسط كلّ هذا"
_"هل نسيت؟"
_!!!!!!!!!(متعجباً, متمتما"ماذا يريد منّي؟")
_ "هل نسيت؟"


ارتجف جسم "المسكين الصغير" فقد كان الصوت هذه المرة مختلف, أكثر وضوحا و حدة رمى في قلبه الضئيل" شعورا غريبا"
و جعله يتذكّر في تلكـ اللحظة,,,,
" تذكّرت, تذكرت..أجل تذكّرت " أخذ يعيد هته الكلمات في فرحً مفاجئ لم يجد له تفسيراً, و جعله ينسى ماكان مقدماً عليه,,


ذلكـ الشعور....
عندما يتذكّر ضميرك "المسكين الصغير" قول الله عزّ و جل:
(( قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ
إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ))
و قوله تباركـ و تعالى:
((وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ))
فتأخذه موجة , و أي موجةٍ تلكـ, موجةٌ مزخرفةٌ بالحنين و الشوق إلى أحضان "نسائم ايمانيةٍ" ,
موجةٌ مزخرفة بالذّل , أجمل أنواع الذّل ,الذّل لله , فكيف أحزن و أقدم على الإنتحار و ربي الله , كيف ...كيف؟

فأخذت تلكـ الأحاسيس تُداعبهُ و جعلت دموعهُ تغسل ذلكـ السواد من حوله دون أن يشعر..
ذلكـ الشعور....
عندما تستيقظ أخيرا من ذلك الكابوس المرعب تتصبّبُ عرقا , و دقّات قلبكـ تكادُ تكسِرُ حاجز الصمت الذي كنت فيه,
و تطلق نفسك تلك "السهام ", "أستغفر الله, أعوذ بالله, الحمد لله...", "سهام الضياء" فتقتل تلكـ الأشباح السوداء المحيطة بكـ..
ذلكـ الشعور....
عندما تمل و تسأم و تحزن فلا تجد سوى الموت سبيلا للخروج, فإذا بتلكـ اليد الناصعةِ تقترب منك لتنتشِلَكـ بلطفٍ من بين أنياب الفساد إلى عالمٍ أجمل,
عالمٍ مبني بحجارة الرضا و محاطٍ بسورٍ منيع من الطمأنينة ..
ذلكـ الشعور....
عندما تنزل دمعة الذّل على وجنة الآثام التي رسمتها بيديكـ هاتين على وجهكـ , و تجد نفسكـ محاطةً بسور الذنوب التي ارتكبتها,
فتأبى نفسُكـ الإبتعاد عن ما ألفت البقاء فيه, تأبى الإبتعاد عن ذلكـ العالم المظلم الذي لا تكاد تلفظ أنفاسك من رعبه, فتأخذ تجذبكـ معها , تجذبكـ و تجركـ كحيوان أليف,
و انت تصرخ و تستغيث و ترفض الرجوع,
و يشهق ذلكـ "المسكين الصغير" شهقة الأسى : "يـآرب, يــــــآآآآآآآ ربـ.."
ذلكـ الشعور....

عندما تسكن نفسكـ فجأةً و تُسقِطُكـ شهقتكت أرضاً , و تحس بذلك الشعور ,
ذلكـ الشعور عندما أبيت الرجوع , فأبى ربُّكـ أن ترجع, فقال لنفسِكَـ "كوني" فكانت..
ذلكـ الشعور....
عندما تعود لكـ نفسكـ النقيّة و حبكـ البريئ بعد فراق طويل,فتطيرُ روحُكـ و تتعلق في سماء الطّاعةِ و الخشية,
 و أنت في حنين و اشتياقٍ و خوف و خجل تنتظر يوم تلقى مُغيثكـَ و وليَّكـ و مُخرجَكـ من الظلمات إلى النّور,

فيغمركـ ذلك الشعور....